الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الأول (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الصلاة » الفصل الثالث أحكام المسافر
←
→ كتاب الصلاة » الفصل الأوّل شرائط القصر في الصلاة
كتاب الصلاة » الفصل الثاني قواطع السفر
وهي أُمور :
الأوّل: الوطن، فإنّ المسافر إذا مرّ به في سفره ونزل فيه وجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً، وأمّا المرور اجتيازاً من غير نزول ففي كونه قاطعاً إشكال، فالأحوط وجوباً أن يجمع بعده بين القصر والتمام ما لم يكن قاصداً للمسافة ولو بالتلفيق مع ما يطويه في الرجوع، والمقصود بالوطن أحد المواضع الثلاثة:
1. مقرّه الأصليّ الذي ينسب إليه ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادة.
2. المكان الذي اتّخذه مقرّاً ومسكناً لنفسه بحيث يريد أن يبقى فيه بقيّة عمره.
3. المكان الذي اتّخذه مقرّاً لمدّة طويلة بحيث لا يصدق عليه أنّه مسافر فيه ويراه العرف مقرّاً له حتّى إذا اتّخذ مسكناً موقّتاً في مكان آخر لمدّة عشرة أيّام أو نحوها، وسيأتي بعض الأمثلة له.
ولا يعتبر في الأقسام الثلاثة أن يكون للشخص ملك فيه، بل لا يعتبر إباحة المسكن فلو غصب داراً في بلد وأراد السكنى فيها بقيّة عمره مثلاً يصير وطناً له.
مسألة 924: يمكن أن يتعدّد الوطن الاتّخاذيّ، كما إذا اتّخذ الإنسان مساكن لنفسه على نحو الدوام والاستمرار فيقيم في كلّ واحد ثلاثة أشهر من السنة أو يوزّعها حسب أيّام الأسبوع فيسكن في بلد ثلاثة أيّام مثلاً والباقي في آخر بل ربّما يصدق مع السكن يومين كاملين من كلّ أسبوع.
مسألة 925: لا يكفي في ترتيب أحكام الوطن مجرّد نيّة التوطّن، بل لا بُدَّ من الإقامة لمدّة - كشهر مثلاً - يصدق معها عرفاً أنّ البلد وطنه ومقرّه والأحوط لزوماً قبل مضيّ تلك المدّة الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 926: ذكر بعض الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) نحواً آخر من الوطن يسمّى بالوطن الشرعيّ، ويقصد به المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلاً قد استوطنه ستّة أشهر، بأن أقام فيها ستّة أشهر عن قصد ونيّة فقالوا: إنّه يتمّ الصلاة فيه كلّما دخله، ولكن لم يثبت عندنا هذا النحو من الوطن.
مسألة 927: لا يعتبر في الوطن الاتّخاذيّ أن يكون قصد التوطّن بالاستقلال فيكفي أن يكون بتبع شخص آخر من زوج أو والد أو غيرهما.
مسألة 928: يزول حكم الوطن بالخروج معرضاً عن السكنى فيه بمعنى الاطمئنان بعدم العود للسكنى فيه، وأمّا مع احتمال العود إليه لذلك احتمالاً معتدّاً به فيبقى على حكمه، فلو دخله بقصد الزيارة أو نحوها أتمّ في صلاته، ولا فرق فيما ذُكر بين الوطن الأصليّ والاتّخاذيّ.
مسألة 929: تقدّم أنّ من أقسام الوطن المكان الذي يتّخذه الشخص مقرّاً له لمدّة طويلة بحيث لا يعدّ مسافراً فيه، والظاهر أنّه يكفي في ذلك البقاء فيه لسنة ونصف السنة إذا كان يسكنه ما لا يقلّ عن خمسة أيّام من كلّ أسبوع، فطالب العلم والعامل وأمثالهما ممّن يسكنون غير بلدانهم إذا كانوا يبقون المدّة المذكورة في أماكن دراستهم أو عملهم أو نحوها يتمّون الصلاة فيها فإذا رجعوا إليها من سفر الزيارة مثلاً أتمّوا وإن لم يعزموا على الإقامة فيها عشرة أيّام، كما أنّه يعتبر في جواز القصر في السفر منها إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ امتداديّة أو تلفيقيّة، فلو كانت أقلّ وجب التمام، وكذلك ينقطع السفر بالمرور فيها والنزول فيها كما هو الحال في الوطن الأصليّ.
تنبيه: إذا كان الإنسان وطنه النجف مثلاً وكان له محلّ عمل في مكان آخر كالكوفة يخرج إليه وقت العمل كلّ يوم ويرجع ليلاً لا يصدق عليه عرفاً وهو في محلّ عمله أنّه مسافر، فإذا خرج من النجف قاصداً محلّ العمل وبعد الظهر - مثلاً - يذهب إلى بغداد يجب عليه التمام في ذلك المحلّ وبعد التعدّي من حدّ الترخّص منه يقصّر، وإذا رجع من بغداد إلى النجف ووصل إلى محلّ عمله أتمّ، وكذلك الحكم لأهل الكاظميّة إذا كان لهم محلّ عمل في بغداد وخرجوا منها إليه لعملهم ثُمَّ السفر إلى كربلاء مثلاً فإنّهم يتمّون فيه الصلاة ذهاباً وإياباً إذا نزلوا فيه.
الثاني: قصد الإقامة في مكان معيّن عشرة أيّام متوالية، فبه ينقطع حكم السفر ويجب على المسافر التمام، والمقصود بقصد الإقامة اطمئنان المسافر بإقامته في مكان معيّن عشرة أيّام، سواء أكانت الإقامة اختياريّة أم كانت عن اضطرار أو إكراه، فلو حبس المسافر في مكان وعلم أنّه يبقى فيه عشرة أيّام وجب عليه الإتمام، ولو عزم على إقامة عشرة أيّام ولكنّه لم يطمئنّ بتحقّقه في الخارج بأن احتمل سفره قبل إتمام إقامته لأمر طارئ وجب عليه التقصير وإن اتّفق أنّه أقام عشرة أيّام.
ثُمَّ إنّ الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة بخلاف الأُولى والأخيرة، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فإذا نوى الإقامة من زوال أوّل يوم إلى زوال اليوم الحادي عشر وجب التمام، ومبدأ اليوم طلوع الفجر، فإذا نوى الإقامة من طلوع الشمس فلا بُدَّ من نيّتها إلى طلوعها من اليوم الحادي عشر .
مسألة 930: يشترط وحدة محلّ الإقامة، فإذا قصد الإقامة عشرة أيّام في النجف الأشرف ومسجد الكوفة مثلاً بقي على القصر، نعم لا يشترط قصد عدم الخروج عن سور البلد، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلّق بالبلد من الأمكنة مثل بساتينه ومزارعه ومقبرته ومائه ونحو ذلك من الأمكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها من جهة كونهم أهل ذلك البلد لم يقدح في صدق الإقامة فيها.
وأمّا من قصد الخروج إلى حدّ الترخّص أو ما يزيد عليه إلى ما دون المسافة - كما إذا قصد الإقامة في النجف الأشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة - فلا يضرّ ذلك بقصد الإقامة إذا لم يكن زمان الخروج مستوعباً للنهار أو كالمستوعب له، فلا يخلّ بقصد الإقامة لو قصد الخروج بعد الزوال والرجوع ساعة بعد الغروب، ولكن يشترط عدم تكرّره بحدّ يصدق معه الإقامة في أزيد من مكان واحد.
مسألة 931: إذا قصد الإقامة إلى ورود المسافرين أو انقضاء الحاجة أو نحو ذلك وجب القصر وإن اتّفق حصوله بعد عشرة أيّام، وكذا إذا نوى الإقامة إلى يوم الجمعة الثانية مثلاً وكان عشرة أيّام ولكنّه لم يعلم بذلك من الأوّل فإنّه يجب عليه القصر، فلا فرق في وجوب القصر مع التردّد في إقامة عشرة أيّام بين أن يكون ذلك لأجل تردّد زمان النيّة بين سابق ولاحق، وبين أن يكون لأجل الجهل بالآخر، كما إذا نوى المسافر الإقامة من اليوم الواحد والعشرين إلى آخر الشهر وتردّد الشهر بين الناقص والتامّ ثُمَّ انكشف كماله فإنّه يجب القصر في كلتا الصورتين.
مسألة 932: تجوز الإقامة في البرّيّة، وحينئذٍ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى الأمكنة البعيدة بحيث يوجب عدم صدق وحدة المحلّ عرفاً، إلّا إذا كان زمان الخروج قليلاً كما تقدّم.
مسألة 933: إذا عدل ناوي الإقامة عشرة أيّام عن قصد الإقامة، فإن كان قد صلّى فريضة أدائيّة تماماً بقي على الإتمام إلى أن يسافر، وإلّا رجع إلى القصر، سواء لم يصلِّ أصلاً أم صلّى مثل الصبح والمغرب، أو شرع في الرباعيّة ولم يتمّها ولو كان في ركوع الثالثة، وسواء أفعل ما لا يجوز فعله للمسافر من النوافل والصوم أو لم يفعل.
مسألة 934: إذا صلّى بعد نيّة الإقامة فريضة أدائيّة تماماً مع الغفلة عن إقامته بالمرّة ثُمَّ عدل ففي كفايته في البقاء على التمام إشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والإتمام بعد العدول - نعم إذا كان الإتمام مستنداً إلى نيّة الإقامة ارتكازاً ولو لم يلتفت إليه تفصيلاً كفى - وكذلك الإشكال لو صلّاها تماماً لشرف البقعة غافلاً عن نيّة إقامته، وإذا فاتته الصلاة بعد نيّة الإقامة فقضاها خارج الوقت تماماً ثُمَّ عدل عن إقامته رجع إلى القصر .
مسألة 935: إذا تمّت مدّة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر وإن لم يصلِّ في مدّة الإقامة فريضة تماماً.
مسألة 936: لا يشترط في تحقّق الإقامة كونه مكلَّفاً، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ثُمَّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقيّة الأيّام وقبل البلوغ أيضاً يصلّي تماماً، وإذا نواها وهو مجنون وكان تحقّق القصد منه ممكناً، أو نواها حال الإفاقة ثُمَّ جُنَّ يصلّي تماماً بعد الإفاقة في بقيّة العشرة، وكذا إذا كانت حائضاً حال النيّة فإنّها تصلّي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماماً، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفراً.
مسألة 937: إذا صلّى تماماً ثُمَّ عدل لكن تبيّن بطلان صلاته رجع إلى القصر، وإذا صلّى الظهر قصراً ثُمَّ نوى الإقامة فصلّى العصر تماماً ثُمَّ تبيّن له بطلان إحدى الصلاتين يرجع إلى القصر ويرتفع حكم الإقامة، وإذا صلّى بنيّة التمام وبعد السلام شكّ في أنّه سلّم على الأربع أو الاثنتين أو الثلاث كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة، وكذا يكفي في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب وقبل الإتيان بسجود السهو أو قبل قضاء السجدة المنسيّة، ولا يترك الاحتياط فيما إذا عدل بعد السلام الأوّل (السلام علينا...) وقبل السلام الأخير أو قبل الإتيان بصلاة الاحتياط.
مسألة 938: إذا استقرّت الإقامة ولو بالصلاة تماماً فبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة، فإن كان ناوياً للإقامة في المقصد أو في محلّ الإقامة أو في غيرهما بقي على التمام حتّى يسافر من محلّ الإقامة الثانية، وكذلك إن كان ناوياً الرجوع إلى محلّ الإقامة والسفر منه قبل العشرة، وأمّا إذا كان ناوياً السفر من مقصده وكان رجوعه إلى محلّ إقامته من جهة وقوعه في طريقه فعليه أن يقصّر في ذهابه وإيابه ومحلّ إقامته.
مسألة 939: إذا دخل في الصلاة بنيّة القصر فنوى الإقامة في الأثناء أكملها تماماً، وإذا نوى الإقامة فشرع في الصلاة بنيّة التمام فعدل في الأثناء فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً، وإن كان بعده بطلت صلاته على الأحوط لزوماً وعليه استئنافها قصراً.
مسألة 940: إذا عدل عن نيّة الإقامة وشكّ في أنّ عدوله كان بعد الصلاة تماماً ليبقى على التمام أم لا بنى على عدمها فيرجع إلى القصر .
مسألة 941: إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم وعدل بعد الزوال قبل أن يصلّي تماماً ففي صحّته إشكال فالأحوط لزوماً إتمامه ثُمَّ قضاؤه، وأمّا الصلاة فيجب فيها القصر كما سبق.
الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوماً من دون عزم على الإقامة عشرة أيّام - سواء عزم على إقامة تسعة أو أقلّ أم بقي متردّداً - فإنّه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً.
مسألة 942: إذا خرج المقيم المتردّد إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيّام إذا خرج إليه، فيجري فيه ما تقدّم فيه في المسألة (938).
مسألة 943: المتردّد في الأمكنة المتعدّدة يقصّر وإن بلغت المدّة ثلاثين يوماً، وإذا تردّد في مكان تسعة وعشرين يوماً ثُمَّ انتقل إلى مكان آخر وأقام فيه متردّداً تسعة وعشرين وهكذا بقي على القصر في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيّام، أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوماً متردّداً، أو يصدق عليه عنوان كثير السفر .
مسألة 944: لا يكفي الشهر الهلاليّ إذا نقص عن الثلاثين يوماً، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا كما تقدّم في الإقامة.
كتاب الصلاة » الفصل الثالث أحكام المسافر
←
→ كتاب الصلاة » الفصل الأوّل شرائط القصر في الصلاة
الأوّل: الوطن، فإنّ المسافر إذا مرّ به في سفره ونزل فيه وجب عليه الإتمام ما لم ينشئ سفراً جديداً، وأمّا المرور اجتيازاً من غير نزول ففي كونه قاطعاً إشكال، فالأحوط وجوباً أن يجمع بعده بين القصر والتمام ما لم يكن قاصداً للمسافة ولو بالتلفيق مع ما يطويه في الرجوع، والمقصود بالوطن أحد المواضع الثلاثة:
1. مقرّه الأصليّ الذي ينسب إليه ويكون مسكن أبويه ومسقط رأسه عادة.
2. المكان الذي اتّخذه مقرّاً ومسكناً لنفسه بحيث يريد أن يبقى فيه بقيّة عمره.
3. المكان الذي اتّخذه مقرّاً لمدّة طويلة بحيث لا يصدق عليه أنّه مسافر فيه ويراه العرف مقرّاً له حتّى إذا اتّخذ مسكناً موقّتاً في مكان آخر لمدّة عشرة أيّام أو نحوها، وسيأتي بعض الأمثلة له.
ولا يعتبر في الأقسام الثلاثة أن يكون للشخص ملك فيه، بل لا يعتبر إباحة المسكن فلو غصب داراً في بلد وأراد السكنى فيها بقيّة عمره مثلاً يصير وطناً له.
مسألة 924: يمكن أن يتعدّد الوطن الاتّخاذيّ، كما إذا اتّخذ الإنسان مساكن لنفسه على نحو الدوام والاستمرار فيقيم في كلّ واحد ثلاثة أشهر من السنة أو يوزّعها حسب أيّام الأسبوع فيسكن في بلد ثلاثة أيّام مثلاً والباقي في آخر بل ربّما يصدق مع السكن يومين كاملين من كلّ أسبوع.
مسألة 925: لا يكفي في ترتيب أحكام الوطن مجرّد نيّة التوطّن، بل لا بُدَّ من الإقامة لمدّة - كشهر مثلاً - يصدق معها عرفاً أنّ البلد وطنه ومقرّه والأحوط لزوماً قبل مضيّ تلك المدّة الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 926: ذكر بعض الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) نحواً آخر من الوطن يسمّى بالوطن الشرعيّ، ويقصد به المكان الذي يملك فيه الإنسان منزلاً قد استوطنه ستّة أشهر، بأن أقام فيها ستّة أشهر عن قصد ونيّة فقالوا: إنّه يتمّ الصلاة فيه كلّما دخله، ولكن لم يثبت عندنا هذا النحو من الوطن.
مسألة 927: لا يعتبر في الوطن الاتّخاذيّ أن يكون قصد التوطّن بالاستقلال فيكفي أن يكون بتبع شخص آخر من زوج أو والد أو غيرهما.
مسألة 928: يزول حكم الوطن بالخروج معرضاً عن السكنى فيه بمعنى الاطمئنان بعدم العود للسكنى فيه، وأمّا مع احتمال العود إليه لذلك احتمالاً معتدّاً به فيبقى على حكمه، فلو دخله بقصد الزيارة أو نحوها أتمّ في صلاته، ولا فرق فيما ذُكر بين الوطن الأصليّ والاتّخاذيّ.
مسألة 929: تقدّم أنّ من أقسام الوطن المكان الذي يتّخذه الشخص مقرّاً له لمدّة طويلة بحيث لا يعدّ مسافراً فيه، والظاهر أنّه يكفي في ذلك البقاء فيه لسنة ونصف السنة إذا كان يسكنه ما لا يقلّ عن خمسة أيّام من كلّ أسبوع، فطالب العلم والعامل وأمثالهما ممّن يسكنون غير بلدانهم إذا كانوا يبقون المدّة المذكورة في أماكن دراستهم أو عملهم أو نحوها يتمّون الصلاة فيها فإذا رجعوا إليها من سفر الزيارة مثلاً أتمّوا وإن لم يعزموا على الإقامة فيها عشرة أيّام، كما أنّه يعتبر في جواز القصر في السفر منها إلى بلد آخر أن تكون المسافة ثمانية فراسخ امتداديّة أو تلفيقيّة، فلو كانت أقلّ وجب التمام، وكذلك ينقطع السفر بالمرور فيها والنزول فيها كما هو الحال في الوطن الأصليّ.
تنبيه: إذا كان الإنسان وطنه النجف مثلاً وكان له محلّ عمل في مكان آخر كالكوفة يخرج إليه وقت العمل كلّ يوم ويرجع ليلاً لا يصدق عليه عرفاً وهو في محلّ عمله أنّه مسافر، فإذا خرج من النجف قاصداً محلّ العمل وبعد الظهر - مثلاً - يذهب إلى بغداد يجب عليه التمام في ذلك المحلّ وبعد التعدّي من حدّ الترخّص منه يقصّر، وإذا رجع من بغداد إلى النجف ووصل إلى محلّ عمله أتمّ، وكذلك الحكم لأهل الكاظميّة إذا كان لهم محلّ عمل في بغداد وخرجوا منها إليه لعملهم ثُمَّ السفر إلى كربلاء مثلاً فإنّهم يتمّون فيه الصلاة ذهاباً وإياباً إذا نزلوا فيه.
الثاني: قصد الإقامة في مكان معيّن عشرة أيّام متوالية، فبه ينقطع حكم السفر ويجب على المسافر التمام، والمقصود بقصد الإقامة اطمئنان المسافر بإقامته في مكان معيّن عشرة أيّام، سواء أكانت الإقامة اختياريّة أم كانت عن اضطرار أو إكراه، فلو حبس المسافر في مكان وعلم أنّه يبقى فيه عشرة أيّام وجب عليه الإتمام، ولو عزم على إقامة عشرة أيّام ولكنّه لم يطمئنّ بتحقّقه في الخارج بأن احتمل سفره قبل إتمام إقامته لأمر طارئ وجب عليه التقصير وإن اتّفق أنّه أقام عشرة أيّام.
ثُمَّ إنّ الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة بخلاف الأُولى والأخيرة، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فإذا نوى الإقامة من زوال أوّل يوم إلى زوال اليوم الحادي عشر وجب التمام، ومبدأ اليوم طلوع الفجر، فإذا نوى الإقامة من طلوع الشمس فلا بُدَّ من نيّتها إلى طلوعها من اليوم الحادي عشر .
مسألة 930: يشترط وحدة محلّ الإقامة، فإذا قصد الإقامة عشرة أيّام في النجف الأشرف ومسجد الكوفة مثلاً بقي على القصر، نعم لا يشترط قصد عدم الخروج عن سور البلد، بل إذا قصد الخروج إلى ما يتعلّق بالبلد من الأمكنة مثل بساتينه ومزارعه ومقبرته ومائه ونحو ذلك من الأمكنة التي يتعارف وصول أهل البلد إليها من جهة كونهم أهل ذلك البلد لم يقدح في صدق الإقامة فيها.
وأمّا من قصد الخروج إلى حدّ الترخّص أو ما يزيد عليه إلى ما دون المسافة - كما إذا قصد الإقامة في النجف الأشرف مع قصد الخروج إلى مسجد الكوفة أو السهلة - فلا يضرّ ذلك بقصد الإقامة إذا لم يكن زمان الخروج مستوعباً للنهار أو كالمستوعب له، فلا يخلّ بقصد الإقامة لو قصد الخروج بعد الزوال والرجوع ساعة بعد الغروب، ولكن يشترط عدم تكرّره بحدّ يصدق معه الإقامة في أزيد من مكان واحد.
مسألة 931: إذا قصد الإقامة إلى ورود المسافرين أو انقضاء الحاجة أو نحو ذلك وجب القصر وإن اتّفق حصوله بعد عشرة أيّام، وكذا إذا نوى الإقامة إلى يوم الجمعة الثانية مثلاً وكان عشرة أيّام ولكنّه لم يعلم بذلك من الأوّل فإنّه يجب عليه القصر، فلا فرق في وجوب القصر مع التردّد في إقامة عشرة أيّام بين أن يكون ذلك لأجل تردّد زمان النيّة بين سابق ولاحق، وبين أن يكون لأجل الجهل بالآخر، كما إذا نوى المسافر الإقامة من اليوم الواحد والعشرين إلى آخر الشهر وتردّد الشهر بين الناقص والتامّ ثُمَّ انكشف كماله فإنّه يجب القصر في كلتا الصورتين.
مسألة 932: تجوز الإقامة في البرّيّة، وحينئذٍ يجب أن ينوي عدم الوصول إلى الأمكنة البعيدة بحيث يوجب عدم صدق وحدة المحلّ عرفاً، إلّا إذا كان زمان الخروج قليلاً كما تقدّم.
مسألة 933: إذا عدل ناوي الإقامة عشرة أيّام عن قصد الإقامة، فإن كان قد صلّى فريضة أدائيّة تماماً بقي على الإتمام إلى أن يسافر، وإلّا رجع إلى القصر، سواء لم يصلِّ أصلاً أم صلّى مثل الصبح والمغرب، أو شرع في الرباعيّة ولم يتمّها ولو كان في ركوع الثالثة، وسواء أفعل ما لا يجوز فعله للمسافر من النوافل والصوم أو لم يفعل.
مسألة 934: إذا صلّى بعد نيّة الإقامة فريضة أدائيّة تماماً مع الغفلة عن إقامته بالمرّة ثُمَّ عدل ففي كفايته في البقاء على التمام إشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع بين القصر والإتمام بعد العدول - نعم إذا كان الإتمام مستنداً إلى نيّة الإقامة ارتكازاً ولو لم يلتفت إليه تفصيلاً كفى - وكذلك الإشكال لو صلّاها تماماً لشرف البقعة غافلاً عن نيّة إقامته، وإذا فاتته الصلاة بعد نيّة الإقامة فقضاها خارج الوقت تماماً ثُمَّ عدل عن إقامته رجع إلى القصر .
مسألة 935: إذا تمّت مدّة الإقامة لم يحتج في البقاء على التمام إلى إقامة جديدة، بل يبقى على التمام إلى أن يسافر وإن لم يصلِّ في مدّة الإقامة فريضة تماماً.
مسألة 936: لا يشترط في تحقّق الإقامة كونه مكلَّفاً، فلو نوى الإقامة وهو غير بالغ ثُمَّ بلغ في أثناء العشرة وجب عليه التمام في بقيّة الأيّام وقبل البلوغ أيضاً يصلّي تماماً، وإذا نواها وهو مجنون وكان تحقّق القصد منه ممكناً، أو نواها حال الإفاقة ثُمَّ جُنَّ يصلّي تماماً بعد الإفاقة في بقيّة العشرة، وكذا إذا كانت حائضاً حال النيّة فإنّها تصلّي ما بقي بعد الطهر من العشرة تماماً، بل إذا كانت حائضاً تمام العشرة يجب عليها التمام ما لم تنشئ سفراً.
مسألة 937: إذا صلّى تماماً ثُمَّ عدل لكن تبيّن بطلان صلاته رجع إلى القصر، وإذا صلّى الظهر قصراً ثُمَّ نوى الإقامة فصلّى العصر تماماً ثُمَّ تبيّن له بطلان إحدى الصلاتين يرجع إلى القصر ويرتفع حكم الإقامة، وإذا صلّى بنيّة التمام وبعد السلام شكّ في أنّه سلّم على الأربع أو الاثنتين أو الثلاث كفى في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد الصلاة، وكذا يكفي في البقاء على حكم التمام إذا عدل عن الإقامة بعد السلام الواجب وقبل الإتيان بسجود السهو أو قبل قضاء السجدة المنسيّة، ولا يترك الاحتياط فيما إذا عدل بعد السلام الأوّل (السلام علينا...) وقبل السلام الأخير أو قبل الإتيان بصلاة الاحتياط.
مسألة 938: إذا استقرّت الإقامة ولو بالصلاة تماماً فبدا للمقيم الخروج إلى ما دون المسافة، فإن كان ناوياً للإقامة في المقصد أو في محلّ الإقامة أو في غيرهما بقي على التمام حتّى يسافر من محلّ الإقامة الثانية، وكذلك إن كان ناوياً الرجوع إلى محلّ الإقامة والسفر منه قبل العشرة، وأمّا إذا كان ناوياً السفر من مقصده وكان رجوعه إلى محلّ إقامته من جهة وقوعه في طريقه فعليه أن يقصّر في ذهابه وإيابه ومحلّ إقامته.
مسألة 939: إذا دخل في الصلاة بنيّة القصر فنوى الإقامة في الأثناء أكملها تماماً، وإذا نوى الإقامة فشرع في الصلاة بنيّة التمام فعدل في الأثناء فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً، وإن كان بعده بطلت صلاته على الأحوط لزوماً وعليه استئنافها قصراً.
مسألة 940: إذا عدل عن نيّة الإقامة وشكّ في أنّ عدوله كان بعد الصلاة تماماً ليبقى على التمام أم لا بنى على عدمها فيرجع إلى القصر .
مسألة 941: إذا عزم على الإقامة فنوى الصوم وعدل بعد الزوال قبل أن يصلّي تماماً ففي صحّته إشكال فالأحوط لزوماً إتمامه ثُمَّ قضاؤه، وأمّا الصلاة فيجب فيها القصر كما سبق.
الثالث: أن يقيم في مكان واحد ثلاثين يوماً من دون عزم على الإقامة عشرة أيّام - سواء عزم على إقامة تسعة أو أقلّ أم بقي متردّداً - فإنّه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً.
مسألة 942: إذا خرج المقيم المتردّد إلى ما دون المسافة جرى عليه حكم المقيم عشرة أيّام إذا خرج إليه، فيجري فيه ما تقدّم فيه في المسألة (938).
مسألة 943: المتردّد في الأمكنة المتعدّدة يقصّر وإن بلغت المدّة ثلاثين يوماً، وإذا تردّد في مكان تسعة وعشرين يوماً ثُمَّ انتقل إلى مكان آخر وأقام فيه متردّداً تسعة وعشرين وهكذا بقي على القصر في الجميع إلى أن ينوي الإقامة في مكان واحد عشرة أيّام، أو يبقى في مكان واحد ثلاثين يوماً متردّداً، أو يصدق عليه عنوان كثير السفر .
مسألة 944: لا يكفي الشهر الهلاليّ إذا نقص عن الثلاثين يوماً، ويكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر هنا كما تقدّم في الإقامة.