الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الأول (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الصلاة » الفصل الثاني قواطع السفر
←
→ كتاب الصلاة » المقصد الحادي عشر صلاة المسافر
كتاب الصلاة » الفصل الأوّل شرائط القصر في الصلاة
تُقصَّر الصلاة الرباعيّة بإسقاط الركعتين الأخيرتين منها في السفر بشروط:
الأوّل: قصد قطع المسافة - بمعنى إحراز قطعها ولو من غير إرادة - وهي ثمانية فراسخ امتداديّة ذهاباً أو إياباً أو ملفّقة من الثمانية ذهاباً وإياباً، سواء اتّصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه بمبيت ليلة واحدة أو أكثر في الطريق أو في المقصد الذي هو رأس الأربعة ما لم تحصل منه الإقامة القاطعة للسفر أو غيرها من القواطع الآتية.
مسألة 884: الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، وهو من المرفق إلى طرف الأصابع، فتكون المسافة أربعاً وأربعين كيلو متراً تقريباً.
مسألة 885: إذا نقصت المسافة عن ذلك ولو يسيراً بقي على التمام، وكذا إذا شكّ في بلوغها المقدار المذكور أو ظنّ بذلك.
مسألة 886: تثبت المسافة بالعلم وبالبيّنة الشرعيّة وبالشياع وما في حكمه ممّا يفيد الاطمئنان، ولا يثبت بخبر الواحد وإن كان عدلاً ما لم يوجب الوثوق، وإذا تعارضت البيّنتان تساقطتا ووجب التمام، ولا يجب الاختبار وإن لم يستلزم الحرج، وإذا شكّ غير المجتهد في مقدار المسافة شرعاً وجب عليه إمّا الرجوع إلى المجتهد والعمل على فتواه أو الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وإذا اقتصر على أحدهما وانكشف مطابقته للواقع أجزأه.
مسألة 887: إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصّر فظهر عدمه أعاد، وأمّا إذا اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثُمَّ ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون خارجه.
مسألة 888: إذا شكّ في كونه مسافة أو اعتقد العدم وظهر في أثناء السير كونه مسافة قصّر وإنْ لم يكن الباقي مسافة.
مسألة 889: إذا كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة دون الأقرب فإن سلك الأبعد قصّر وإنْ سلك الأقرب أتمّ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلد آخر إلى بلده أو غيره.
مسألة 890: إذا كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة قصّر، وكذا في جميع صور التلفيق إذا كان الذهاب والإياب بمجموعهما ثمانية فراسخ.
مسألة 891: تحتسب المسافة من الموضع الذي يعدّ الشخص بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وهو آخر البلد غالباً، وربّما يكون آخر الحيّ أو المحلّة في بعض البلاد الكبيرة جدّاً، وآخر المسافة لمن يسافر إلى بلد غير وطنه هو مقصده في ذلك البلد، لا أوّله.
مسألة 892: لا يعتبر توالي السير على النحو المتعارف، بل يكفي قصد السفر في المسافة المذكورة ولو في أيّام كثيرة، نعم لو كان يقطع في كلّ يوم شيئاً يسيراً جدّاً للتنزّه أو نحوه فالأحوط لزوماً الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 893: يجب القصر في المسافة المستديرة إذا كان مجموع الذهاب والإياب ثمانية فراسخ، ولا فرق بين ما إذا كانت الدائرة في أحد جوانب البلد أو كانت مستديرة على البلد.
مسألة 894: لا بُدَّ من تحقّق القصد إلى المسافة في أوّل السير فإذا قصد ما دون المسافة وبعد بلوغه تجدّد قصده إلى ما دونها أيضاً، وهكذا وجب التمام وإن قطع مسافات، نعم إذا قصد ما دون المسافة عازماً على الرجوع وكان المجموع يبلغ ثمانية فراسخ لزمه التقصير، فطالب الضالّة أو الغريم أو العمل ونحوهم يتمّون، إلّا إذا حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتداديّة أو ملفّقة من الذهاب والإياب.
مسألة 895: إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم وإلّا رجع أتمّ، وكذا إذا كان سفره مشروطاً بأمر آخر غير معلوم الحصول، نعم إذا كان مطمئنّاً بتيسّر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصّر .
مسألة 896: لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلّاً، فإذا كان تابعاً لغيره كالزوجة والخادم والأسير وجب التقصير، إذا كان قاصداً للمسافة تبعاً لقصد المتبوع، وإذا شكّ في قصد المتبوع بقي على التمام، والأحوط استحباباً الاستخبار من المتبوع ولكن لا يجب عليه الإخبار، وإذا علم في الأثناء قصد المتبوع، فإن كان الباقي مسافة ولو ملفّقة قصّر، وإلّا بقي على التمام.
مسألة 897: إذا كان التابع عازماً على مفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة أو متردّداً في ذلك بقي على التمام، وكذا إذا كان عازماً على المفارقة على تقدير حصول أمر محتمل الحصول - سواء أكان له دخل في ارتفاع المقتضي للسفر أو شرطه مثل الطلاق، أم كان مانعاً عن السفر مع تحقّق المقتضي له وشرطه - فإذا قصد المسافة واحتمل احتمالاً عقلائيّاً لا يطمئنّ بخلافه حدوث مانع عن سفره أتمّ صلاته، وإن انكشف بعد ذلك عدم المانع.
مسألة 898: يجب القصر في السفر غير الاختياريّ كما إذا أُلقي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى ما يبلغ المسافة وهو يعلم ببلوغه المسافة، أمّا إذا كان نائماً أو مغمى عليه مثلاً وسافر به شخص من غير سبق التفات فلا تقصير عليه.
الثاني: استمرار القصد ولو حكماً، فلا ينافيه إلّا العدول أو التردّد، فإذا عدل قبل بلوغ الأربعة إلى قصد الرجوع أو تردّد في ذلك وجب التمام، والأحوط لزوماً إعادة ما صلّاه قصراً إذا كان العدول قبل خروج الوقت، وقضاؤه إن كان بعد خروجه، والإمساك في شهر رمضان في بقيّة النهار وإن كان قد أفطر قبل ذلك، وإذا كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة وكان عازماً على العود قبل إقامة العشرة بقي على القصر واستمرّ على الإفطار .
مسألة 899: يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر وإن عدل عن الشخص الخاصّ، كما إذا قصد السفر إلى مكان وفي الأثناء عدل إلى غيره فإنّه يقصّر إذا كان ما مضى مع ما بقي إليه بمقدار المسافة، وكذا إذا كان من أوّل الأمر قاصداً السفر إلى أحد البلدين من دون تعيين أحدهما، فإنّه يقصّر إذا كان السفر إلى كلٍّ منهما يبلغ المسافة.
مسألة 900: إذا قصد المسافة ثمّ تردّد في الأثناء ثُمَّ عاد إلى الجزم فإن كان ما بقي مسافة ولو ملفّقة قصّر في صلاته، وكذا إذا لم يكن الباقي مسافة ولكنّه يبلغها إذا ضمّ إليه مسيره الأوّل قبل التردّد - بعد إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد - وإن كان الأحوط استحباباً في هذه الصورة أن يجمع بين القصر والإتمام.
الثالث: أن يحرز عدم تحقّق شيء من قواطع السفر في أثناء المسافة وهي كما سيأتي تفصيلها: المرور بالوطن والنزول فيه، وقصد الإقامة عشرة أيّام، والتوقّف ثلاثين يوماً في محلّ متردّداً، فلو خرج قاصداً طيّ المسافة الامتداديّة أو التلفيقيّة وعلم أنّه يمرّ بوطنه وينزل فيه أثناء المسافة، أو أنّه يقيم أثنائها عشرة أيّام لم يشرع له التقصير من الأوّل، وكذلك الحال فيما إذا خرج قاصداً السفر المستمرّ ولكن احتمل احتمالاً لا يطمئنّ بخلافه عروض ما يوجب تبدّل قصده على نحو يلزمه أن ينوي الإقامة عشرة، أو المرور بالوطن والنزول فيه أو البقاء أثناءه في محلّ ثلاثين يوماً متردّداً فإنّه في جميع ذلك يتمّ صلاته من أوّل سفره وإن لم يعرض ما احتمل عروضه، وإذا اطمأنّ من نفسه أنّه لا يتحقّق شيء من ذلك قصّر صلاته وإن احتمل تحقّقه ضعيفاً كواحد في المائة.
الرابع: أن لا يكون السفر معصية ولا يكون للصيد لهواً، فإذا كان حراماً لم يقصّر سواء أكان حراماً بنفسه كسفر الزوجة بدون إذن الزوج لغير أداء الواجب، أم لغايته كالسفر لقتل النفس المحترمة أو للسرقة أو للزناء أو لإعانة الظالم في ظلمه ونحو ذلك، ومثله ما إذا كانت الغاية من السفر ترك واجب، كما إذا كان مديوناً وسافر فراراً من أداء الدين مع وجوبه عليه فإنّه يجب فيه التمام، وأمّا إذا كان السفر ممّا يتّفق في أثنائه وقوع الحرام أو ترك الواجب - كالغيبة وشرب الخمر وترك الصلاة ونحو ذلك - من دون أن يكون الحرام أو ترك الواجب غاية للسفر فيجب فيه القصر .
مسألة 901: إذا سافر على السيّارة المغصوبة مثلاً بقصد الفرار بها عن المالك أتمّ صلاته، وكذا إذا سافر في الأرض المغصوبة.
مسألة 902: إباحة السفر شرط في الابتداء والاستدامة، فإذا كان ابتداء سفره مباحاً وفي الأثناء قصد المعصية أتمّ حينئذٍ، وأمّا ما صلّاه قصراً سابقاً فلا تجب إعادته، وإذا رجع إلى قصد المباح قصّر في صلاته وإن لم يكن الباقي مسافة.
مسألة 903: إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح قصّر في صلاته سواء أكان الباقي مسافة أم لا.
مسألة 904: الراجع من سفر المعصية يقصّر إذا لم يكن الرجوع بنفسه من سفر المعصية، ولا فرق في هذا بين من تاب عن معصيته ومن لم يتب، كما لا فرق بين كون الرجوع بمقدار المسافة أو لا.
مسألة 905: إذا سافر لغاية ملفّقة من أمر مباح وآخر حرام أتمّ صلاته، إلّا إذا كان الحرام تابعاً غير صالح للاستقلال في تحقّق السفر فإنّه يقصّر عندئذٍ.
مسألة 906: إذا سافر للصيد لهواً - كما يستعمله أبناء الدنيا - أتمّ الصلاة في ذهابه، وقصّر في إيابه إذا كان وحده مسافة ولم يكن كالذهاب للصيد لهواً، أمّا إذا كان الصيد لقوته وقوت عياله أو للتجارة فحكمه التقصير، ولا فرق في ذلك بين صيد البرّ والبحر، والأحوط لزوماً في غير السفر للصيد اللهويّ ـــ من السفر الذي يعدّ باطلاً ولو بلحاظ المقاصد العقلائيّة ـــ الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 907: التابع للجائر في سفره إذا كان مكرهاً على ذلك أو كان بقصد غرض صحيح كدفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره يقصّر، وإلّا يتمّ إذا كان على وجه يعدّ من أتباعه وأعوانه في جوره، فإذا كان سفر الجائر مباحاً فالتابع يتمّ والمتبوع يقصّر .
مسألة 908: إذا شكّ في كون السفر معصية أو لا مع كون الشبهة موضوعيّة فمقتضى الأصل هو الإباحة فيقصّر، إلّا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة أو كان هناك أصل موضوعيّ يحرز به الحرمة فلا يقصّر .
مسألة 909: إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثُمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان العدول قبل الزوال وجب الإفطار، وإن كان العدول بعد الزوال وكان في شهر رمضان فالأحوط وجوباً أن يتمّه ثُمَّ يقضيه، ولو انعكس الأمر بأن كان سفره طاعة في الابتداء وعدل إلى المعصية في الأثناء فإن لم يأتِ بالمفطر فالأحوط وجوباً أن يصوم ثُمَّ يقضيه سواء أكان ذلك قبل الزوال أم بعده، ولو كان ذلك بعد فعل المفطر فالأحوط وجوباً أن يمسك في بقيّة النهار تأدّباً إن كان في شهر رمضان، وعليه القضاء.
الخامس: أن لا يكون كثير السفر إلى حدّ المسافة وإلّا أتمّ صلاته، وهذا في ثلاثة موارد:
1. من يتّخذ العمل السفريّ مهنة له، كالسائق والملّاح ومساعديهما.
2. من يكون السفر مقدّمة لمهنته، كمن يقيم في مكان ويسافر إلى مكان آخر في كلّ يوم مثلاً لممارسة مهنته من طبابة أو تجارة أو تدريس أو غير ذلك.
3. من يتكرّر منه السفر لغرض آخر، كمن يسافر يوميّاً للتنزّه أو للعلاج أو للزيارة ونحو ذلك.
فهؤلاء جميعاً يتمّون الصلاة في سفرهم مع صدق عنوان (كثير السفر ) عليهم عرفاً، ولكن المناط في المورد الأوّل بالكثرة التقديريّة، فالسائق ونحوه يتمّ الصلاة وإن لم يكثر السفر منه بعدُ إذا كان عازماً على ذلك - كما سيجيء - وأمّا في الموردين الثاني والثالث فتعتبر الكثرة الفعليّة وسيأتي بيان ضابطها.
مسألة 910: إذا اختصّ عمله بالسفر إلى ما دون المسافة قصّر إن اتّفق له السفر إلى المسافة ولو كان في عمله، وأمّا إذا كان عمله السفر إلى مسافة معيّنة كالسائق من النجف إلى كربلاء واتّفق له تأجير سيّارته إلى غيرها فيبقى على التمام.
مسألة 911: لا يعتبر في وجوب التمام على من اتّخذ العمل السفريّ مهنة له تكرّر السفر منه ثلاث مرّات، بل متى ما صدق عليه عنوان السائق أو نحوه يجب عليه التمام، نعم إذا توقّف صدقه على تكرار السفر يجب التقصير قبله.
مسألة 912: إذا سافر من اتّخذ العمل السفري مهنة له سفراً ليس من عمله ولا متعلّقاً به كما إذا سافر السائق للزيارة أو الحجّ وجب عليه القصر، ومثله ما إذا اصطدمت سيّارته مثلاً فتركها عند من يصلحها ورجع إلى أهله فإنّه يقصّر في سفر الرجوع، نعم إذا لم يتهيّأ له تأجير سيّارته في رجوعه فرجع إلى أهله بسيّارته خالية من الركّاب مثلاً كان حكمه التمام في رجوعه أيضاً، فالتمام يختصّ بالسفر الذي هو عمله أو متعلّق بعمله، هذا مع عدم تحقّق الكثرة الفعليّة في حقّه - وسيأتي ضابطها - وإلّا فحكمه التمام ولو في السفر الذي لا يتعلّق بعمله.
مسألة 913: إذا كان كثير السفر في شهور معيّنة من السنة أو فصل معيّن منها، كالذي يؤجر سيّارته بين مكّة وجدّة في شهور الحجّ فقط أو يجلب الخضر من الريف إلى المدينة في فصل الصيف فقط أتمّ الصلاة في سفره في المدّة المذكورة، أمّا في غيرها من الشهور والفصول فيقصّر إذا اتّفق له السفر .
مسألة 914: الحملداريّة الذين يسافرون إلى مكّة في أيّام الحجّ في كلّ سنة ويقيمون في بلادهم بقيّة أيّام السنة يختلف حالهم في جريان حكم من عمله السفر عليهم وعدمه، فإنّه إذا كان سفرهم يستغرق ثلاثة أشهر فما زاد كان حكمهم التمام، وإذا كان لا يستغرق أزيد من شهرين كان حكمهم القصر، وإن كان فيما بين ذلك فالأحوط لزوماً لهم الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 915: يتوقّف صدق عنوان (السائق) مثلاً على العزم على مزاولة مهنة السياقة مرّة بعد أُخرى على نحو لا يكون له فترة غير معتادة لمن يتّخذ تلك المهنة عملاً له، وتختلف الفترة طولاً وقصراً بحسب اختلاف الموارد، فالذي يسوق سيّارته في كلّ شهر مرّة من النجف إلى خراسان يصدق أن عمله السياقة، وأمّا الذي يسوق سيّارته في كلّ ليلة جمعة من النجف إلى كربلاء فلا يصدق في حقّه ذلك، وهذا الاختلاف ناشئ من اختلاف أنواع السفر، والمدار العزم على توالي السفر من دون تخلّل فترة تضرّ بصدق عنوان السائق أو الملّاح أو نحوهما.
هذا فيمن اتّخذ العمل السفريّ مهنة له، وأمّا غيره ممّن يتكرّر منه السفر خارجاً لكونه مقدّمة لمهنته أو لغرض آخر فتتحقّق كثرة السفر في حقّه إذا كان يسافر في كلّ شهر ما لا يقلّ عن عشر مرّات من عشرة أيّام منه، أو يكون في حال السفر فيما لا يقلّ عن عشرة أيّام من الشهر ولو بسفرتين أو ثلاثة، مع العزم على الاستمرار على هذا المنوال مدّة ستّة أشهر من سنة واحدة أو مدّة ثلاثة أشهر من سنتين فما زاد، وأمّا إذا كان يسافر في كلّ شهر سبع مرّات أو يكون مسافراً في سبعة أيّام منه فما دون فحكمه القصر، ولو كان يسافر ثماني أو تسع مرّات في الشهر الواحد أو يكون مسافراً في ثمانية أيّام منه أو تسعة فالأحوط لزوماً أن يجمع بين القصر والتمام.
مسألة 916: إذا كان يسافر في بعض الشهور الستّة في سنة واحدة أو الشهور الثلاثة في أكثر من سنة ثماني مرّات وفي البعض الآخر اثني عشرة مرّة مثلاً جرى عليه حكم كثير السفر إذا كان المجموع يبلغ الستّين سفرة في الفرض الأوّل أو الثلاثين سفرة في الفرض الثاني.
مسألة 917: إذا أقام كثير السفر في بلده عدّة أيّام لم ينقطع عنه حكم كثرة السفر ولو بلغت العشرة فيتمّ الصلاة بعدها حتّى في سفره الأوّل، وكذلك إذا أقام في غير بلده عشرة منويّة، ولا فرق فيما ذكر بين المكاري وغيره وإن كان الأحوط استحباباً له الجمع بين القصر والإتمام في سفره الأوّل.
السادس: أن لا يكون ممّن بيته معه، بأن لا يكون له مسكن يستقرّ فيه وإلّا أتمّ صلاته ويكون بيته بمنزلة الوطن، ولو كانت له حالتان كبعض أهل البوادي حيث يكون له مقرّ في الشتاء يستقرّ فيه ورحلة في الصيف يطلب فيها العشب والكلأ، كان لكلٍّ منهما حكمه فيقصّر لو خرج إلى حدّ المسافة في الحالة الأُولى ويتمّ في الحالة الثانية، نعم إذا سافر من بيته لمقصد آخر كحجّ أو زيارة أو لشراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك قصّر، وكذا إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء، أمّا إذا سافر لهذه الغايات ومعه بيته فيتمّ.
مسألة 918: السائح في الأرض الذي لم يتّخذ وطناً منها يتمّ، وكذا إذا كان له وطن وخرج معرضاً عنه ولم يتّخذ وطناً آخر بحيث عدّ ممّن بيته معه، وإلّا وجب عليه القصر .
السابع: أن يصل إلى حدّ الترخّص فلا يجوز التقصير قبله، وهو المكان الذي يتوارى فيه المسافر عن أنظار أهل بلده بسبب ابتعاده عنهم، وعلامة ذلك غالباً تواريهم عن نظره بحيث لا يراهم، ولا يلحق محلّ الإقامة والمكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً بالوطن، فيقصِّر فيهما المسافر صلاته بمجرّد شروعه في السفر، وإن كان الأحوط استحباباً فيهما الجمع بين القصر والتمام فيما بين البلد وحدّ الترخّص.
مسألة 919: المدار في عين الرائي وصفاء الجوّ بالمتعارف مع عدم الاستعانة بالآلات المتداولة لمشاهدة الأماكن البعيدة.
مسألة 920: لا يعتبر حدّ الترخّص في الإياب كما يعتبر في الذهاب، فالمسافر يقصّر في صلاته حتّى يدخل بلده ولا عبرة بوصوله إلى حدّ الترخّص، وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بتأخير الصلاة إلى حين الدخول في البلد أو الجمع بين القصر والتمام إذا صلّى بعد الوصول إلى حدّ الترخّص.
مسألة 921: إذا سافر من بلده وشكّ في الوصول إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه فيبقى على التمام.
مسألة 922: إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلّى قصراً، ثُمَّ بانَ أنّه لم يصلْ بطلت ووجبت الإعادة قبل الوصول إليه تماماً وبعده قصراً، فإن لم يعد وجب عليه القضاء، ويلاحظ فيه وظيفته حال الفوت.
مسألة 923: إذا سافر من وطنه وجاز عن حدّ الترخّص ثُمَّ في أثناء الطريق رجع إلى ما دونه لقضاء حاجة فما دام هناك يجب عليه التمام، وإذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر ما لم يعدل عن نيّة السير إلى المسافة، وإذا كان رجوعه إلى ما دون حدّ الترخّص لاعوجاج الطريق أو ما بحكمه من تقارب البيوت إلى الطريق مع استقامته فالأحوط لزوماً الجمع بين القصر والتمام مادام هناك، ويجب عليه القصر إذا جاز عنه ولكن يعتبر ذلك المقدار جزءاً من الثمانية فراسخ.
كتاب الصلاة » الفصل الثاني قواطع السفر
←
→ كتاب الصلاة » المقصد الحادي عشر صلاة المسافر
الأوّل: قصد قطع المسافة - بمعنى إحراز قطعها ولو من غير إرادة - وهي ثمانية فراسخ امتداديّة ذهاباً أو إياباً أو ملفّقة من الثمانية ذهاباً وإياباً، سواء اتّصل ذهابه بإيابه أم انفصل عنه بمبيت ليلة واحدة أو أكثر في الطريق أو في المقصد الذي هو رأس الأربعة ما لم تحصل منه الإقامة القاطعة للسفر أو غيرها من القواطع الآتية.
مسألة 884: الفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، وهو من المرفق إلى طرف الأصابع، فتكون المسافة أربعاً وأربعين كيلو متراً تقريباً.
مسألة 885: إذا نقصت المسافة عن ذلك ولو يسيراً بقي على التمام، وكذا إذا شكّ في بلوغها المقدار المذكور أو ظنّ بذلك.
مسألة 886: تثبت المسافة بالعلم وبالبيّنة الشرعيّة وبالشياع وما في حكمه ممّا يفيد الاطمئنان، ولا يثبت بخبر الواحد وإن كان عدلاً ما لم يوجب الوثوق، وإذا تعارضت البيّنتان تساقطتا ووجب التمام، ولا يجب الاختبار وإن لم يستلزم الحرج، وإذا شكّ غير المجتهد في مقدار المسافة شرعاً وجب عليه إمّا الرجوع إلى المجتهد والعمل على فتواه أو الاحتياط بالجمع بين القصر والتمام، وإذا اقتصر على أحدهما وانكشف مطابقته للواقع أجزأه.
مسألة 887: إذا اعتقد كون ما قصده مسافة فقصّر فظهر عدمه أعاد، وأمّا إذا اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثُمَّ ظهر كونه مسافة أعاد في الوقت دون خارجه.
مسألة 888: إذا شكّ في كونه مسافة أو اعتقد العدم وظهر في أثناء السير كونه مسافة قصّر وإنْ لم يكن الباقي مسافة.
مسألة 889: إذا كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة دون الأقرب فإن سلك الأبعد قصّر وإنْ سلك الأقرب أتمّ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون سفره من بلده إلى بلد آخر أو من بلد آخر إلى بلده أو غيره.
مسألة 890: إذا كان الذهاب خمسة فراسخ والإياب ثلاثة قصّر، وكذا في جميع صور التلفيق إذا كان الذهاب والإياب بمجموعهما ثمانية فراسخ.
مسألة 891: تحتسب المسافة من الموضع الذي يعدّ الشخص بعد تجاوزه مسافراً عرفاً وهو آخر البلد غالباً، وربّما يكون آخر الحيّ أو المحلّة في بعض البلاد الكبيرة جدّاً، وآخر المسافة لمن يسافر إلى بلد غير وطنه هو مقصده في ذلك البلد، لا أوّله.
مسألة 892: لا يعتبر توالي السير على النحو المتعارف، بل يكفي قصد السفر في المسافة المذكورة ولو في أيّام كثيرة، نعم لو كان يقطع في كلّ يوم شيئاً يسيراً جدّاً للتنزّه أو نحوه فالأحوط لزوماً الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 893: يجب القصر في المسافة المستديرة إذا كان مجموع الذهاب والإياب ثمانية فراسخ، ولا فرق بين ما إذا كانت الدائرة في أحد جوانب البلد أو كانت مستديرة على البلد.
مسألة 894: لا بُدَّ من تحقّق القصد إلى المسافة في أوّل السير فإذا قصد ما دون المسافة وبعد بلوغه تجدّد قصده إلى ما دونها أيضاً، وهكذا وجب التمام وإن قطع مسافات، نعم إذا قصد ما دون المسافة عازماً على الرجوع وكان المجموع يبلغ ثمانية فراسخ لزمه التقصير، فطالب الضالّة أو الغريم أو العمل ونحوهم يتمّون، إلّا إذا حصل لهم في الأثناء قصد ثمانية فراسخ امتداديّة أو ملفّقة من الذهاب والإياب.
مسألة 895: إذا خرج إلى ما دون أربعة فراسخ ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم وإلّا رجع أتمّ، وكذا إذا كان سفره مشروطاً بأمر آخر غير معلوم الحصول، نعم إذا كان مطمئنّاً بتيسّر الرفقة أو بحصول ذلك الأمر قصّر .
مسألة 896: لا يعتبر في قصد السفر أن يكون مستقلّاً، فإذا كان تابعاً لغيره كالزوجة والخادم والأسير وجب التقصير، إذا كان قاصداً للمسافة تبعاً لقصد المتبوع، وإذا شكّ في قصد المتبوع بقي على التمام، والأحوط استحباباً الاستخبار من المتبوع ولكن لا يجب عليه الإخبار، وإذا علم في الأثناء قصد المتبوع، فإن كان الباقي مسافة ولو ملفّقة قصّر، وإلّا بقي على التمام.
مسألة 897: إذا كان التابع عازماً على مفارقة المتبوع قبل بلوغ المسافة أو متردّداً في ذلك بقي على التمام، وكذا إذا كان عازماً على المفارقة على تقدير حصول أمر محتمل الحصول - سواء أكان له دخل في ارتفاع المقتضي للسفر أو شرطه مثل الطلاق، أم كان مانعاً عن السفر مع تحقّق المقتضي له وشرطه - فإذا قصد المسافة واحتمل احتمالاً عقلائيّاً لا يطمئنّ بخلافه حدوث مانع عن سفره أتمّ صلاته، وإن انكشف بعد ذلك عدم المانع.
مسألة 898: يجب القصر في السفر غير الاختياريّ كما إذا أُلقي في قطار أو سفينة بقصد إيصاله إلى ما يبلغ المسافة وهو يعلم ببلوغه المسافة، أمّا إذا كان نائماً أو مغمى عليه مثلاً وسافر به شخص من غير سبق التفات فلا تقصير عليه.
الثاني: استمرار القصد ولو حكماً، فلا ينافيه إلّا العدول أو التردّد، فإذا عدل قبل بلوغ الأربعة إلى قصد الرجوع أو تردّد في ذلك وجب التمام، والأحوط لزوماً إعادة ما صلّاه قصراً إذا كان العدول قبل خروج الوقت، وقضاؤه إن كان بعد خروجه، والإمساك في شهر رمضان في بقيّة النهار وإن كان قد أفطر قبل ذلك، وإذا كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة وكان عازماً على العود قبل إقامة العشرة بقي على القصر واستمرّ على الإفطار .
مسألة 899: يكفي في استمرار القصد بقاء قصد نوع السفر وإن عدل عن الشخص الخاصّ، كما إذا قصد السفر إلى مكان وفي الأثناء عدل إلى غيره فإنّه يقصّر إذا كان ما مضى مع ما بقي إليه بمقدار المسافة، وكذا إذا كان من أوّل الأمر قاصداً السفر إلى أحد البلدين من دون تعيين أحدهما، فإنّه يقصّر إذا كان السفر إلى كلٍّ منهما يبلغ المسافة.
مسألة 900: إذا قصد المسافة ثمّ تردّد في الأثناء ثُمَّ عاد إلى الجزم فإن كان ما بقي مسافة ولو ملفّقة قصّر في صلاته، وكذا إذا لم يكن الباقي مسافة ولكنّه يبلغها إذا ضمّ إليه مسيره الأوّل قبل التردّد - بعد إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد - وإن كان الأحوط استحباباً في هذه الصورة أن يجمع بين القصر والإتمام.
الثالث: أن يحرز عدم تحقّق شيء من قواطع السفر في أثناء المسافة وهي كما سيأتي تفصيلها: المرور بالوطن والنزول فيه، وقصد الإقامة عشرة أيّام، والتوقّف ثلاثين يوماً في محلّ متردّداً، فلو خرج قاصداً طيّ المسافة الامتداديّة أو التلفيقيّة وعلم أنّه يمرّ بوطنه وينزل فيه أثناء المسافة، أو أنّه يقيم أثنائها عشرة أيّام لم يشرع له التقصير من الأوّل، وكذلك الحال فيما إذا خرج قاصداً السفر المستمرّ ولكن احتمل احتمالاً لا يطمئنّ بخلافه عروض ما يوجب تبدّل قصده على نحو يلزمه أن ينوي الإقامة عشرة، أو المرور بالوطن والنزول فيه أو البقاء أثناءه في محلّ ثلاثين يوماً متردّداً فإنّه في جميع ذلك يتمّ صلاته من أوّل سفره وإن لم يعرض ما احتمل عروضه، وإذا اطمأنّ من نفسه أنّه لا يتحقّق شيء من ذلك قصّر صلاته وإن احتمل تحقّقه ضعيفاً كواحد في المائة.
الرابع: أن لا يكون السفر معصية ولا يكون للصيد لهواً، فإذا كان حراماً لم يقصّر سواء أكان حراماً بنفسه كسفر الزوجة بدون إذن الزوج لغير أداء الواجب، أم لغايته كالسفر لقتل النفس المحترمة أو للسرقة أو للزناء أو لإعانة الظالم في ظلمه ونحو ذلك، ومثله ما إذا كانت الغاية من السفر ترك واجب، كما إذا كان مديوناً وسافر فراراً من أداء الدين مع وجوبه عليه فإنّه يجب فيه التمام، وأمّا إذا كان السفر ممّا يتّفق في أثنائه وقوع الحرام أو ترك الواجب - كالغيبة وشرب الخمر وترك الصلاة ونحو ذلك - من دون أن يكون الحرام أو ترك الواجب غاية للسفر فيجب فيه القصر .
مسألة 901: إذا سافر على السيّارة المغصوبة مثلاً بقصد الفرار بها عن المالك أتمّ صلاته، وكذا إذا سافر في الأرض المغصوبة.
مسألة 902: إباحة السفر شرط في الابتداء والاستدامة، فإذا كان ابتداء سفره مباحاً وفي الأثناء قصد المعصية أتمّ حينئذٍ، وأمّا ما صلّاه قصراً سابقاً فلا تجب إعادته، وإذا رجع إلى قصد المباح قصّر في صلاته وإن لم يكن الباقي مسافة.
مسألة 903: إذا كان ابتداء سفره معصية فعدل إلى المباح قصّر في صلاته سواء أكان الباقي مسافة أم لا.
مسألة 904: الراجع من سفر المعصية يقصّر إذا لم يكن الرجوع بنفسه من سفر المعصية، ولا فرق في هذا بين من تاب عن معصيته ومن لم يتب، كما لا فرق بين كون الرجوع بمقدار المسافة أو لا.
مسألة 905: إذا سافر لغاية ملفّقة من أمر مباح وآخر حرام أتمّ صلاته، إلّا إذا كان الحرام تابعاً غير صالح للاستقلال في تحقّق السفر فإنّه يقصّر عندئذٍ.
مسألة 906: إذا سافر للصيد لهواً - كما يستعمله أبناء الدنيا - أتمّ الصلاة في ذهابه، وقصّر في إيابه إذا كان وحده مسافة ولم يكن كالذهاب للصيد لهواً، أمّا إذا كان الصيد لقوته وقوت عياله أو للتجارة فحكمه التقصير، ولا فرق في ذلك بين صيد البرّ والبحر، والأحوط لزوماً في غير السفر للصيد اللهويّ ـــ من السفر الذي يعدّ باطلاً ولو بلحاظ المقاصد العقلائيّة ـــ الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 907: التابع للجائر في سفره إذا كان مكرهاً على ذلك أو كان بقصد غرض صحيح كدفع مظلمة عن نفسه أو عن غيره يقصّر، وإلّا يتمّ إذا كان على وجه يعدّ من أتباعه وأعوانه في جوره، فإذا كان سفر الجائر مباحاً فالتابع يتمّ والمتبوع يقصّر .
مسألة 908: إذا شكّ في كون السفر معصية أو لا مع كون الشبهة موضوعيّة فمقتضى الأصل هو الإباحة فيقصّر، إلّا إذا كانت الحالة السابقة هي الحرمة أو كان هناك أصل موضوعيّ يحرز به الحرمة فلا يقصّر .
مسألة 909: إذا كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثُمَّ عدل في الأثناء إلى الطاعة، فإن كان العدول قبل الزوال وجب الإفطار، وإن كان العدول بعد الزوال وكان في شهر رمضان فالأحوط وجوباً أن يتمّه ثُمَّ يقضيه، ولو انعكس الأمر بأن كان سفره طاعة في الابتداء وعدل إلى المعصية في الأثناء فإن لم يأتِ بالمفطر فالأحوط وجوباً أن يصوم ثُمَّ يقضيه سواء أكان ذلك قبل الزوال أم بعده، ولو كان ذلك بعد فعل المفطر فالأحوط وجوباً أن يمسك في بقيّة النهار تأدّباً إن كان في شهر رمضان، وعليه القضاء.
الخامس: أن لا يكون كثير السفر إلى حدّ المسافة وإلّا أتمّ صلاته، وهذا في ثلاثة موارد:
1. من يتّخذ العمل السفريّ مهنة له، كالسائق والملّاح ومساعديهما.
2. من يكون السفر مقدّمة لمهنته، كمن يقيم في مكان ويسافر إلى مكان آخر في كلّ يوم مثلاً لممارسة مهنته من طبابة أو تجارة أو تدريس أو غير ذلك.
3. من يتكرّر منه السفر لغرض آخر، كمن يسافر يوميّاً للتنزّه أو للعلاج أو للزيارة ونحو ذلك.
فهؤلاء جميعاً يتمّون الصلاة في سفرهم مع صدق عنوان (كثير السفر ) عليهم عرفاً، ولكن المناط في المورد الأوّل بالكثرة التقديريّة، فالسائق ونحوه يتمّ الصلاة وإن لم يكثر السفر منه بعدُ إذا كان عازماً على ذلك - كما سيجيء - وأمّا في الموردين الثاني والثالث فتعتبر الكثرة الفعليّة وسيأتي بيان ضابطها.
مسألة 910: إذا اختصّ عمله بالسفر إلى ما دون المسافة قصّر إن اتّفق له السفر إلى المسافة ولو كان في عمله، وأمّا إذا كان عمله السفر إلى مسافة معيّنة كالسائق من النجف إلى كربلاء واتّفق له تأجير سيّارته إلى غيرها فيبقى على التمام.
مسألة 911: لا يعتبر في وجوب التمام على من اتّخذ العمل السفريّ مهنة له تكرّر السفر منه ثلاث مرّات، بل متى ما صدق عليه عنوان السائق أو نحوه يجب عليه التمام، نعم إذا توقّف صدقه على تكرار السفر يجب التقصير قبله.
مسألة 912: إذا سافر من اتّخذ العمل السفري مهنة له سفراً ليس من عمله ولا متعلّقاً به كما إذا سافر السائق للزيارة أو الحجّ وجب عليه القصر، ومثله ما إذا اصطدمت سيّارته مثلاً فتركها عند من يصلحها ورجع إلى أهله فإنّه يقصّر في سفر الرجوع، نعم إذا لم يتهيّأ له تأجير سيّارته في رجوعه فرجع إلى أهله بسيّارته خالية من الركّاب مثلاً كان حكمه التمام في رجوعه أيضاً، فالتمام يختصّ بالسفر الذي هو عمله أو متعلّق بعمله، هذا مع عدم تحقّق الكثرة الفعليّة في حقّه - وسيأتي ضابطها - وإلّا فحكمه التمام ولو في السفر الذي لا يتعلّق بعمله.
مسألة 913: إذا كان كثير السفر في شهور معيّنة من السنة أو فصل معيّن منها، كالذي يؤجر سيّارته بين مكّة وجدّة في شهور الحجّ فقط أو يجلب الخضر من الريف إلى المدينة في فصل الصيف فقط أتمّ الصلاة في سفره في المدّة المذكورة، أمّا في غيرها من الشهور والفصول فيقصّر إذا اتّفق له السفر .
مسألة 914: الحملداريّة الذين يسافرون إلى مكّة في أيّام الحجّ في كلّ سنة ويقيمون في بلادهم بقيّة أيّام السنة يختلف حالهم في جريان حكم من عمله السفر عليهم وعدمه، فإنّه إذا كان سفرهم يستغرق ثلاثة أشهر فما زاد كان حكمهم التمام، وإذا كان لا يستغرق أزيد من شهرين كان حكمهم القصر، وإن كان فيما بين ذلك فالأحوط لزوماً لهم الجمع بين القصر والتمام.
مسألة 915: يتوقّف صدق عنوان (السائق) مثلاً على العزم على مزاولة مهنة السياقة مرّة بعد أُخرى على نحو لا يكون له فترة غير معتادة لمن يتّخذ تلك المهنة عملاً له، وتختلف الفترة طولاً وقصراً بحسب اختلاف الموارد، فالذي يسوق سيّارته في كلّ شهر مرّة من النجف إلى خراسان يصدق أن عمله السياقة، وأمّا الذي يسوق سيّارته في كلّ ليلة جمعة من النجف إلى كربلاء فلا يصدق في حقّه ذلك، وهذا الاختلاف ناشئ من اختلاف أنواع السفر، والمدار العزم على توالي السفر من دون تخلّل فترة تضرّ بصدق عنوان السائق أو الملّاح أو نحوهما.
هذا فيمن اتّخذ العمل السفريّ مهنة له، وأمّا غيره ممّن يتكرّر منه السفر خارجاً لكونه مقدّمة لمهنته أو لغرض آخر فتتحقّق كثرة السفر في حقّه إذا كان يسافر في كلّ شهر ما لا يقلّ عن عشر مرّات من عشرة أيّام منه، أو يكون في حال السفر فيما لا يقلّ عن عشرة أيّام من الشهر ولو بسفرتين أو ثلاثة، مع العزم على الاستمرار على هذا المنوال مدّة ستّة أشهر من سنة واحدة أو مدّة ثلاثة أشهر من سنتين فما زاد، وأمّا إذا كان يسافر في كلّ شهر سبع مرّات أو يكون مسافراً في سبعة أيّام منه فما دون فحكمه القصر، ولو كان يسافر ثماني أو تسع مرّات في الشهر الواحد أو يكون مسافراً في ثمانية أيّام منه أو تسعة فالأحوط لزوماً أن يجمع بين القصر والتمام.
مسألة 916: إذا كان يسافر في بعض الشهور الستّة في سنة واحدة أو الشهور الثلاثة في أكثر من سنة ثماني مرّات وفي البعض الآخر اثني عشرة مرّة مثلاً جرى عليه حكم كثير السفر إذا كان المجموع يبلغ الستّين سفرة في الفرض الأوّل أو الثلاثين سفرة في الفرض الثاني.
مسألة 917: إذا أقام كثير السفر في بلده عدّة أيّام لم ينقطع عنه حكم كثرة السفر ولو بلغت العشرة فيتمّ الصلاة بعدها حتّى في سفره الأوّل، وكذلك إذا أقام في غير بلده عشرة منويّة، ولا فرق فيما ذكر بين المكاري وغيره وإن كان الأحوط استحباباً له الجمع بين القصر والإتمام في سفره الأوّل.
السادس: أن لا يكون ممّن بيته معه، بأن لا يكون له مسكن يستقرّ فيه وإلّا أتمّ صلاته ويكون بيته بمنزلة الوطن، ولو كانت له حالتان كبعض أهل البوادي حيث يكون له مقرّ في الشتاء يستقرّ فيه ورحلة في الصيف يطلب فيها العشب والكلأ، كان لكلٍّ منهما حكمه فيقصّر لو خرج إلى حدّ المسافة في الحالة الأُولى ويتمّ في الحالة الثانية، نعم إذا سافر من بيته لمقصد آخر كحجّ أو زيارة أو لشراء ما يحتاج من قوت أو حيوان أو نحو ذلك قصّر، وكذا إذا خرج لاختيار المنزل أو موضع العشب والماء، أمّا إذا سافر لهذه الغايات ومعه بيته فيتمّ.
مسألة 918: السائح في الأرض الذي لم يتّخذ وطناً منها يتمّ، وكذا إذا كان له وطن وخرج معرضاً عنه ولم يتّخذ وطناً آخر بحيث عدّ ممّن بيته معه، وإلّا وجب عليه القصر .
السابع: أن يصل إلى حدّ الترخّص فلا يجوز التقصير قبله، وهو المكان الذي يتوارى فيه المسافر عن أنظار أهل بلده بسبب ابتعاده عنهم، وعلامة ذلك غالباً تواريهم عن نظره بحيث لا يراهم، ولا يلحق محلّ الإقامة والمكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً بالوطن، فيقصِّر فيهما المسافر صلاته بمجرّد شروعه في السفر، وإن كان الأحوط استحباباً فيهما الجمع بين القصر والتمام فيما بين البلد وحدّ الترخّص.
مسألة 919: المدار في عين الرائي وصفاء الجوّ بالمتعارف مع عدم الاستعانة بالآلات المتداولة لمشاهدة الأماكن البعيدة.
مسألة 920: لا يعتبر حدّ الترخّص في الإياب كما يعتبر في الذهاب، فالمسافر يقصّر في صلاته حتّى يدخل بلده ولا عبرة بوصوله إلى حدّ الترخّص، وإن كان الأولى رعاية الاحتياط بتأخير الصلاة إلى حين الدخول في البلد أو الجمع بين القصر والتمام إذا صلّى بعد الوصول إلى حدّ الترخّص.
مسألة 921: إذا سافر من بلده وشكّ في الوصول إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه فيبقى على التمام.
مسألة 922: إذا اعتقد الوصول إلى الحدّ فصلّى قصراً، ثُمَّ بانَ أنّه لم يصلْ بطلت ووجبت الإعادة قبل الوصول إليه تماماً وبعده قصراً، فإن لم يعد وجب عليه القضاء، ويلاحظ فيه وظيفته حال الفوت.
مسألة 923: إذا سافر من وطنه وجاز عن حدّ الترخّص ثُمَّ في أثناء الطريق رجع إلى ما دونه لقضاء حاجة فما دام هناك يجب عليه التمام، وإذا جاز عنه بعد ذلك وجب عليه القصر ما لم يعدل عن نيّة السير إلى المسافة، وإذا كان رجوعه إلى ما دون حدّ الترخّص لاعوجاج الطريق أو ما بحكمه من تقارب البيوت إلى الطريق مع استقامته فالأحوط لزوماً الجمع بين القصر والتمام مادام هناك، ويجب عليه القصر إذا جاز عنه ولكن يعتبر ذلك المقدار جزءاً من الثمانية فراسخ.