الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الأول (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الطهارة » الفصل الثامن: ما تثبت به الطهارة
←
→ كتاب الطهارة » تتميم : فيما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات
كتاب الطهارة » الفصل السابع: في المطهّرات
وهي أُمور :
الأ وّل: الماء، وهو مطهّر لبعض الأعيان النجسة كالميّت المسلم، فإنّه يطهر بالتغسيل على ما مرّ في أحكام الأموات، كما يطهر الماء المتنجّس على تفصيل تقدّم في أحكام المياه، نعم لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافاً وكذا غيره من المائعات.
وأمّا الجوامد المتنجّسة فيطهّرها الماء بالغسل بأن يستولي عليها على نحو تنحلّ فيه القذارة عرفاً - حقيقة أو اعتباراً - وتختلف كيفيّة تطهيرها باختلاف أقسام المياه وأنواع المتنجّسات وما تنجّست به على ما سيأتي تفصيل ذلك في المسائل الآتية.
مسألة 452: يعتبر في التطهير بالماء القليل - مضافاً إلى استيلاء الماء على الموضع المتنجّس على النحو المتقدّم - مروره عليه وتجاوزه عنه على النهج المتعارف بأن لا يبقى منه فيه إلّا ما يعدّ من توابع المغسول، وهذا ما يعبّر عنه بلزوم انفصال الغسالة، وهو يختصّ بالغسالة المتنجّسة، ومرّ أنّ تنجّسها في الغسلة غير المزيلة لعين النجاسة مبنيّ على الاحتياط اللزوميّ.
توضيح ذلك: أنّ المتنجّس على قسمين:
الأوّل: ما تنجّس ظاهره فقط من دون وصول النجاسة إلى باطنه وعمقه، سواء أكان ممّا ينفذ فيه الماء ولو على نحو الرطوبة المسرية أم لا، كبدن الإنسان وكثير من الأشياء كالمصنوعات الحديديّة والنحاسيّة والبلاستيكيّة والخزفيّة المطليّة بطلاء زجاجيّ.
وفي هذا القسم يكفي في تحقّق الغسل استيلاء الماء على الظاهر المتنجّس ومروره عليه.
الثاني: ما تنجّس باطنه ولو بوصول الرطوبة المسرية إليه، لا مجرّد النداوة المحضة التي تقدّم أنّه لا يتنجّس بها، وهذا على أنواع:
النوع الأوّل: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ويمكن إخراجه منه بالضغط على الجسم بعصر أو غمز أو نحوهما أو بسبب تدافع الماء أو توالي الصبّ، وهذا كالثياب والفرش وغيرهما ممّا يصنع من الصوف والقطن وما يشبههما، وفي هذا النوع يتوقّف تطهير الباطن على نفوذ الماء المطلق فيه وانفصال ماء الغسالة بخروجه عنه ولا يطهر الباطن من دون ذلك.
النوع الثاني: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عنه بأحد الأنحاء المتقدّمة كالحبّ والكوز ونحوهما، وفي هذا النوع لا يطهر الباطن بالغسل بالماء القليل على الأحوط لزوماً لأنّ الحكم بطهارة الباطن تبعاً للظاهر مشكل، ودعوى صدق انفصال الغسالة عن المجموع بانفصال الماء عن الظاهر بعد نفوذه في الباطن غير واضحة لا سيّما إذا لم يكن قد جفّف قبل الغسل.
النوع الثالث: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا لا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولا يخرج منه أيضاً، ومن هذا القبيل الصابون والطين المتنجّس وإن جفّف ما لم يصر خزفاً أو آجراً، وفي هذا النوع لا يمكن تطهير الباطن لا بالماء الكثير ولا بالماء القليل.
مسألة 453: ما ينفذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عن باطنه بالعصر وشبهه كالحبّ والكوز يكفي في طهارة أعماقه - إن وصلت النجاسة إليها - أن تغسل بالماء الكثير ويصل الماء إلى ما وصلت إليه النجاسة، ولا حاجة إلى أن يجفّف أوّلاً ثُمَّ يوضع في الكرّ أو الجاري، وكذلك العجين المتنجّس يمكن تطهيره بأن يخبز ثُمَّ يوضع في الكرّ أو الجاري لينفذ الماء في جميع أجزائه.
مسألة 454: الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجّس يطهر بالغسل بالماء الكثير إذا بقي الماء على إطلاقه إلى أن ينفذ إلى جميع أجزائه ويستولي عليها، بل بالقليل أيضاً إذا كان الماء باقياً على إطلاقه إلى أن يتمّ عصره أو ما بحكمه ولا ينافي في الصورتين التغيّر بوصف المتنجّس مطلقاً.
مسألة 455: اللباس أو البدن المتنجّس بالبول يطهر بغسله بالماء الجاري مرّة واحدة، ولا بُدَّ من غسله مرّتين إذا غسل بالماء القليل، وكذلك إذا غسل بغيره - عدا الجاري - على الأحوط وجوباً، وأمّا غيرهما من المتنجّسات عدا الآنية فيطهر بغسله مرّة واحدة مطلقاً، وكذا المتنجّس بغير البول ومنه المتنجّس بالمتنجّس بالبول في غير الأواني، فإنّه يكفي في تطهيره غسلة واحدة مع زوال العين وإن كان زوالها بنفس الغسلة الأُولى.
مسألة 456: الآنية إن تنجّست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره ممّا يصدق معه أنّه فضله وسؤره غسلت ثلاثاً، أُولاهنّ بالتراب وغَسلتان بعدها بالماء.
مسألة 457: إذا لطع الكلب الإناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه كان ذلك بحكم الولوغ في كيفيّة التطهير وإن لم يبقَ فيه شيء يصدق أنّه سؤره، وأمّا إذا باشره بلعابه أو تنجّس بعرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض أعضائه فالأحوط لزوماً أن يعفّر بالتراب أوّلاً ثُمَّ يغسل بالماء ثلاث مرّات، وإذا صبّ الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر جرى عليه حكم الولوغ.
مسألة 458: الآنية التي يتعذّر تعفيرها بالتراب تبقى على النجاسة، ولا يسقط التعفير به على الأحوط لزوماً، وأمّا إذا أمكن إدخال شيء من التراب في داخلها وتحريكه بحيث يستوعبها أجزأ ذلك في طهرها.
مسألة 459: يجب أن يكون التراب الذي يعفّر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال.
مسألة 460: يجب في تطهير داخل الإناء المتنجّس من شرب الخنزير غسله سبع مرّات، وكذا من موت الجُرَذ، بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير، وإذا تنجّس داخل الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله بالماء ثلاث مرّات حتّى إذا غسل في الكرّ أو الجاري أو المطر على الأحوط لزوماً، هذا في غير أواني الخمر، وأمّا هي فيجب غسلها ثلاث مرّات مطلقاً والأولى أن تغسل سبعاً.
مسألة 461: مرّ أنّ الثوب أو البدن إذا تنجّس بالبول يكفي غَسله في الماء الجاري مرّة واحدة، ويتعيّن غسله مرّتين إذا غسل بالماء القليل وكذلك إذا غسل بغيره - عدا الجاري - على الأحوط لزوماً، ولا بُدَّ في الغسل بالماء القليل من انفصال الغسالة كما مرّ في المسألة (452)، ولا يعتبر ذلك في الغسل بغيره.
مسألة 462: التطهير بماء المطر يحصل بمجرّد استيلائه على المحلّ المتنجّس من غير حاجة إلى العصر أو ما بحكمه، وأمّا التعدّد فلا يسقط فيما سبق اعتباره فيه مطلقاً على الأحوط لزوماً، كما لا يسقط اعتبار التعفير بالتراب في المتنجّس بولوغ الكلب.
مسألة 463: يكفي في تطهير المتنجّس ببول الصبيّ أو الصبيّة - ما دام رضيعاً لم يتغذَّ بالطعام - صبّ الماء عليه وإن كان قليلاً مرّة واحدة بمقدار يحيط به، ولا يحتاج إلى العصر أو ما بحكمه فيما إذا كان المتنجّس لباساً أو نحوه.
مسألة 464: يتحقّق غَسل الإناء بالقليل بأن يصبّ فيه شيء من الماء ثُمَّ يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثُمَّ يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرّات فقد غُسل ثلاث مرّات وطهر فيما يكون تطهيره بذلك.
مسألة 465: يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.
مسألة 466: يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها - كاللون والريح -، فإذا بقي واحد منهما أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.
مسألة 467: الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً إلّا مع انفصال الغسالة عنه ولو بسحبها بخرقة أو نحوها فيحكم بطهارته أيضاً.
مسألة 468: لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدّد الغسل، فلو غسل في يوم مرّة وفي آخر أُخرى كفى ذلك، كما لا تعتبر المبادرة إلى العصر أو ما بحكمه فيما سبق اعتباره في تطهيره، نعم لا بُدَّ من عدم التواني فيه بحدٍّ يستلزم جفاف مقدار معتدٍّ به من الغسالة.
مسألة 469: ماء الغسالة - أي الماء المنفصل عن الجسم المتنجّس عند غسله - نجس مطلقاً على ما تقدّم في أحكام المياه، ولكن إذا غسل الموضع النجس فجرى الماء إلى المواضع الطاهرة المتّصلة به لم يلحقها حكم ملاقي الغُسالة لكي يجب غَسلها أيضاً بل إنّها تطهّر بالتبعيّة.
مسألة 470: الأواني الكبيرة المثبّتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصبّ الماء فيها ويدار حتّى يستوعب جميع أجزائها، ثُمَّ يُخرَج حينئذٍ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزح أو غيره، ولا تعتبر المبادرة إلى إخراجه ولكن لا بُدَّ من عدم التواني فيه بحدٍّ يستلزم جفاف مقدار معتدٍّ به من الغُسالة، ولا يقدح الفصل بين الغسلات، ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه، وتطهر آلة إخراج الماء بالتبعيّة.
مسألة 471: الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحلّ، إلّا إذا بلغت حدّاً تكون جرماً حائلاً، ولكنّها حينئذٍ لا تكون مجرّد دسومة عرفاً.
مسألة 472: إذا تنجّس اللحم أو الأرز أو الماش أو نحوها ولم تدخل النجاسة في عمقها، يمكن تطهيرها بوضعها في طشت طاهر وصبّ الماء عليها على نحو يستولي عليها، ثُمَّ يراق الماء ويفرغ الطشت مرّة واحدة فيطهر المتنجّس، وكذا الطشت تبعاً، وكذا إذا أريد تطهير الثوب فإنّه يكفي أن يوضع في طشت طاهر ويصبّ الماء عليه ثُمَّ يعصر ويفرغ الماء مرّة واحدةً فيطهر ذلك الثوب والطشت أيضاً، وإذا كان تطهير المتنجّس يتوقّف على التعدّد كالثوب المتنجّس بالبول كفى الغسل مرّة أُخرى على النحو المذكور، ولا فرق فيما ذكر بين الطشت وغيره من الأواني والأحوط الأولى تثليث الغسل في الجميع.
مسألة 473: الحليب المتنجّس إذا صنع جبناً ووضع في الكثير أو الجاري لا يحكم بطهارته إلّا إذا علم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، وهو فرض لا يخلو عن بُعدٍ.
مسألة 474: إذا غسل ثوبه المتنجّس ثُمَّ رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو مسحوق الغسيل أو الصابون الذي كان متنجّساً لا يضرّ ذلك في طهارة الثوب، إلّا إذا كان حاجباً عن وصول الماء إلى موضع التصاقه فيحكم ببقاء نجاسة ذلك الموضع وكذا إذا شكّ في حاجبيّته، نعم ظاهر الطين أو الصابون الذي رآه محكوم بالطهارة على كلِّ حال، إلّا إذا علم ظهور باطنه أثناء العصر أو الغمز .
مسألة 475: الحُليّ الذي يصوغها الكافر المحكوم بالنجاسة إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها، وإن عُلِمَ ذلك يجب غسلها ويطهر ظاهرها ويبقى باطنها على النجاسة في الجملة، وإذا استعملت مدّة وشكّ في ظهور الباطن لم يجب تطهيرها.
مسألة 476: الدهن المتنجّس لا يمكن تطهيره بجعله في الماء الكرّ الحارّ ومزجه به، وكذلك سائر المائعات المتنجّسة فإنّها لا تطهر إلّا بالاستهلاك.
مسألة 477: إذا تنجّس التنّور يمكن تطهيره بصبّ الماء من الإبريق عليه، ومجمع ماء الغسالة يبقى على نجاسته إلّا أن يخرج بنزح أو غيره فيحكم بطهارته أيضاً.
الثاني من المطهرات: الأرض، فإنّها تطهّر باطن القدم وما تُوُقِّيَ به كالنعل والخُفّ أو الحذاء ونحوها بالمسح بها أو المشي عليها بشرط زوال عين النجاسة بهما، ولو زالت عين النجاسة قبل ذلك فلا يطهر موضعها بالمسح بها أو المشي عليها على الأحوط لزوماً، ويشترط - على الأحوط وجوباً - كون النجاسة حاصلة من الأرض المتنجّسة سواء بالمشي عليه أو بغيره كالوقوف عليها.
مسألة 478: المراد من الأرض مطلق ما يسمّى أرضاً من حجر أو تراب أو رمل، ويعمّ الحكم الآجر والجصّ والنورة أيضاً، ويعتبر طهارتها وجفافها.
مسألة 479: يلحق ظاهر القدم والنعل بباطنهما إذا كان يمشي بها لاعوجاج في رجله، وكذا حواشي الباطن والنعل بالمقدار المتعارف، وأمّا إلحاق عيني الركبتين واليدين إذا كان المشي عليها وكذا ما توقّي به، وكذلك أسفل خشبة الأقطع فلا يخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.
مسألة 480: إذا شكّ في طهارة الأرض يبني على طهارتها فتكون مطهّرة حينئذٍ، إلّا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها، أو وجب الاجتناب عنها لكونها طرفاً للعلم الإجماليّ بالنجاسة.
مسألة 481: إذا كان في الظلمة ولا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شيء آخر من فرش ونحوه، لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة، بل لا بُدَّ من العلم بكونه أرضاً.
الثالث: الشمس، فإنّها تطهّر الأرض وما يستقرّ عليها من البناء، دون ما يتّصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد على الأحوط لزوماً، وكذلك الأشجار وما عليها من الأوراق والثمار والخضروات والنباتات.
نعم يلحق بالأرض والبناء في ذلك الحصر والبواري سوى الخيوط التي تشتمل عليها.
مسألة 482: يشترط في الطهارة بالشمس - مضافاً إلى زوال عين النجاسة وإلى رطوبة الموضع رطوبة مسرية - الجفاف المستند إلى الإشراق عرفاً وإن شاركها غيرها في الجملة من ريح أو غيرها.
مسألة 483: يطهر الباطن المتنجّس المتّصل بالظاهر تبعاً لطهارة الظاهر إذا جفّ بإشراق الشمس على الظاهر من دون فاصل زمانيّ يعتدّ به بين جفافهما.
مسألة 484: إذا كانت الأرض النجسة جافّة وأُريد تطهيرها يمكن أن يصبّ عليها الماء الطاهر أو المتنجّس فإذا يبست بالشمس طهرت.
مسألة 485: إذا تنجّست الأرض بالبول فأشرقت عليها الشمس حتّى يبست طهرت، من دون حاجة إلى صبّ الماء عليها، نعم إذا كان البول غليظاً له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف، بل ولا يطهر سطح الأرض الذي عليه الجرم.
مسألة 486: الحصى والتراب والطين والأحجار المعدودة جزءاً من الأرض بحكم الأرض في الطهارة بالشمس وإن كانت في نفسها منقولة، دون التي لا تكون معدودة من الأرض كالجصّ والآجر المطروحين على الأرض المفروشة بالزفت أو بالصخر أو نحوهما.
مسألة 487: المسمار الثابت في الأرض أو البناء ليس بحكم الأرض في الطهارة بالشمس على الأحوط لزوماً.
الرابع: الاستحالة، وهي تبدّل شيء إلى شيء آخر مختلفين في الصورة النوعيّة عرفاً، ولا أثر لتبدّل الاسم والصفة فضلاً عن تفرّق الأجزاء، فيطهر ما أحالته النار رماداً أو دخاناً سواء أكان نجساً كالعذرة أو متنجّساً كالخشبة المتنجّسة، وكذا ما صيّرته فحماً إذا لم يبقَ فيه شيء من مقوّمات حقيقته السابقة وخواصّه من النباتيّة والشجريّة ونحوهما، وأمّا ما أحالته النار خزفاً أو آجراً أو جصّاً أو نورة فلا يطهر بذلك على الأحوط لزوماً.
مسألة 488: تفرّق أجزاء النجس أو المتنجّس بالتبخير لا يوجب الحكم بطهارة المائع المصعّد فيكون نجساً ومنجّساً، نعم لا ينجّس بخارهما ما يلاقيه من البدن والثوب وغيرهما.
مسألة 489: الحيوان المتكوّن من النجس أو المتنجّس كدود العذرة والميتة وغيرهما طاهر .
مسألة 490: الماء النجس إذا صار بولاً لحيوان مأكول اللحم أو عرقاً أو لعاباً لطاهر العين فهو طاهر .
مسألة 491: الغذاء النجس أو المتنجّس إذا صار روثاً لحيوان مأكول اللحم أو لبناً لطاهر العين أو صار جزءاً من الخضروات أو النباتات أو الأشجار أو الأثمار فهو طاهر، وكذلك الكلب إذا استحال ملحاً.
الخامس: الانقلاب، فإنّه مطهّر للخمر إذا انقلبت خَلّاً بنفسها أو بعلاج، ولو تنجّس إناء الخمر بنجاسة خارجيّة ثُمَّ انقلبت الخمر خلّاً لم تطهر وكذا إذا وقعت النجاسة في الخمر وإن استهلكت فيها، ويلحق بالخمر فيما ذكر العصير العنبيّ إذا انقلب خلّاً فإنّه يحكم بطهارته بناءً على نجاسته بالغليان.
السادس: الانتقال، ويختصّ تطهيره بانتقال دم الإنسان والحيوان إلى جوف ما لا دم له عرفاً من الحشرات كالبقّ والقمّل والبرغوث، ويعتبر فيه أن يكون على وجهٍ يستقرّ النجس المنتقل في جوف المنتقل إليه بحيث يكون في معرض صيرورته جزءاً من جسمه، وأمّا إذا لم يعدّ كذلك أو شكّ فيه لم يحكم بطهارته، وذلك كالدم الذي يمصّه العلق من الإنسان على النحو المتعارف في مقام المعالجة فإنّه لا يطهر بالانتقال، والأحوط الأولى الاجتناب عمّا يمصّه البقّ أو نحوه حين مصّه.
السابع: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر من النجاسة الناشئة من كفره على ما تقدّم، وأمّا النجاسة العرضيّة - كما إذا لاقى بدنه البول فعلاً - فهي لا تزول بالإسلام، بل لا بُدَّ من إزالتها بغسل البدن، ولا فرق في طهارة بدن الكافر بالإسلام بين الكافر الأصليّ وغيره، فإذا تاب المرتدّ - ولو كان فطريّاً - يحكم بطهارته.
الثامن: التبعيّة، وهي في عدّة موارد منها:
1. إذا أسلم الكافر تبعه ولده الصغير في الطهارة بشرط كونه محكوماً بالنجاسة تبعاً - لا بها أصالة ولا بالطهارة كذلك كما لو كان مميّزاً واختار الكفر أو الإسلام - وكذلك الحال فيما إذا أسلم الجدّ أو الجدّة أو الأمّ، ويختصّ الحكم بطهارة الصغير بالتبعيّة بما إذا كان مع مَنْ أسلم بأن يكون تحت كفالته أو رعايته بل وأن لا يكون معه كافر أقرب منه إليه.
2. إذا أسر المسلم ولد الكافر فهو يتبعه في الطهارة إذا لم يكن معه أبوه أو جدّه، والحكم بالطهارة - هنا أيضاً - مشروط بما تقدّم في سابقه.
3. إذا انقلب الخمر خلّاً يتبعه في الطهارة الإناء الذي حدث فيه الانقلاب بشرط أن لا يكون الإناء متنجّساً بنجاسة أُخرى.
4. إذا غسّل الميّت تبعه في الطهارة يد الغاسل والسُّدّة التي يغسل عليها والثياب التي يُغسّل فيها والخرقة التي يستر بها عورته، وأمّا لباس الغاسل وبدنه وسائر آلات التغسيل فالحكم بطهارتها تبعاً للميّت محلّ إشكال والاحتياط لا يترك.
التاسع: زوال عين النجاسة وتتحقّق الطهارة بذلك في موردين:
1. بواطن الإنسان غير المحضة كباطن الأنف والأذن والعين ونحو ذلك، فإذا أصاب داخل الفم - مثلاً - نجاسة خارجيّة طهر بزوال عينها، ولو كانت النجاسة داخليّة - كدم اللّثة - لم ينجس بها أصلاً.
وأمّا البواطن المحضة للإنسان - وكذلك الحيوان - فلا تنجس بملاقاة النجاسة وإن كانت خارجيّة.
2. بدن الحيوان، فإذا أصابته نجاسة خارجيّة أو داخليّة يطهّر بزوال عينها، كمنقار الدجاجة الملوّث بالعذرة وبدن الدابّة المجروحة، وولد الحيوان الملوّث بدم الولادة فإنّها تطهر جميعاً بمجرّد زوال عين النجاسة.
هذا، ولا تسري النجاسة من النجس إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن المحض، سواء أكانا متكوّنين في الباطن كالمذيّ يلاقي البول في الباطن، أم كان النجس متكوّناً في الباطن والطاهر يدخل إليه كإبرة التزريق فإنّها لا تتنجّس بملاقاة الدم في العضلة فيحكم بطهارتها لو خرجت غير ملوّثة به، أم كانا معاً متكوّنين في الخارج ودخلا وتلاقيا في الباطن، كما إذا ابتلع شيئاً طاهراً وشرب عليه ماءاً نجساً، فإنّه إذا خرج ذلك الطاهر من جوفه غير ملوّث بالنجاسة حكم عليه بالطهارة.
وهذا بخلاف ما إذا كان التلاقي في الباطن غير المحض بين المتكوّنين في الخارج كالأسنان الصناعيّة إذا لاقت الطعام المتنجّس في الفم فإنّها تتنجّس بذلك ولا بُدَّ من تطهيرها.
العاشر : غياب المسلم البالغ أو المميّز، فإذا تنجّس بدنه أو لباسه ونحو ذلك ممّا في حيازته ثُمَّ غاب يحكم بطهارة ذلك المتنجّـس إذا احتمـــل تطهيــره احتمــالاً عقلائيّــاً - وإن علم أنّه لا يبالي بالطهارة والنجاسة كبعض أفراد الحائض المتّهمة - بل يمكن إجراء الحكم في الطفل غير المميّز أيضاً بلحاظ كونه من شؤون من يتولّى أمره، ولا يشترط في الحكم بالطهارة للغيبة أن يكون من في حيازته المتنجّس عالماً بنجاسته، ولا أن يستعمله فيما هو مشروط بالطهارة كأن يصلّي في لباسه الذي كان متنجّساً، بل يحكم بالطهارة بمجرّد احتمال التطهير كما سبق، وفي حكم الغياب العمى والظلمة، فإذا تنجّس بدن المسلم أو ثوبه ولم يرَ تطهيره لعمى أو ظلمة يحكم بطهارته بالشرط المتقدّم.
الحادي عشر : استبراء الحيوان، فكلّ حيوان مأكول اللحم إذا صار جلّالاً - أي تعوّد أكل عذرة الإنسان - يحرم أكله ولبنه فينجس بوله وخرؤه وكذا عرقه كما تقدّم، ويحكم بطهارة الجميع بعد الاستبراء وهو : أن يُمنع الحيوان عن أكل النجاسة لمدّة يخرج بعدها عن صدق الجلّال عليه، والأحوط الأولى مع ذلك أن يراعى فيه مضيّ المدّة المعيّنة له في بعض الأخبار، وهي: في الإبل أربعون يوماً، وفي البقر عشرون، وفي الغنم عشرة، وفي البطّة خمسة، وفي الدجاجة ثلاثة.
مسألة 492: الظاهر قبول كلّ حيوان للتذكية عدا نجس العين، والحشرات مطلقاً وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض كالضبّ والفأر، وكذلك ما يحرم أكله وليس له نفس سائلة كالحيّة، والحيوان المذكّى طاهر يجوز استعمال جميع أجزائه فيما يشترط فيه الطهارة حتّى جلده ولو لم يدبغ.
الثاني عشر : خروج الدم عند تذكية الحيوان، فإنّه بذلك يحكم بطهارة ما يتخلّف منه في جوفه، والأحوط لزوماً اختصاص ذلك بالحيوان المأكول اللحم كما مرّ بيان ذلك في مسألة (403).
كتاب الطهارة » الفصل الثامن: ما تثبت به الطهارة
←
→ كتاب الطهارة » تتميم : فيما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات
الأ وّل: الماء، وهو مطهّر لبعض الأعيان النجسة كالميّت المسلم، فإنّه يطهر بالتغسيل على ما مرّ في أحكام الأموات، كما يطهر الماء المتنجّس على تفصيل تقدّم في أحكام المياه، نعم لا يطهر الماء المضاف في حال كونه مضافاً وكذا غيره من المائعات.
وأمّا الجوامد المتنجّسة فيطهّرها الماء بالغسل بأن يستولي عليها على نحو تنحلّ فيه القذارة عرفاً - حقيقة أو اعتباراً - وتختلف كيفيّة تطهيرها باختلاف أقسام المياه وأنواع المتنجّسات وما تنجّست به على ما سيأتي تفصيل ذلك في المسائل الآتية.
مسألة 452: يعتبر في التطهير بالماء القليل - مضافاً إلى استيلاء الماء على الموضع المتنجّس على النحو المتقدّم - مروره عليه وتجاوزه عنه على النهج المتعارف بأن لا يبقى منه فيه إلّا ما يعدّ من توابع المغسول، وهذا ما يعبّر عنه بلزوم انفصال الغسالة، وهو يختصّ بالغسالة المتنجّسة، ومرّ أنّ تنجّسها في الغسلة غير المزيلة لعين النجاسة مبنيّ على الاحتياط اللزوميّ.
توضيح ذلك: أنّ المتنجّس على قسمين:
الأوّل: ما تنجّس ظاهره فقط من دون وصول النجاسة إلى باطنه وعمقه، سواء أكان ممّا ينفذ فيه الماء ولو على نحو الرطوبة المسرية أم لا، كبدن الإنسان وكثير من الأشياء كالمصنوعات الحديديّة والنحاسيّة والبلاستيكيّة والخزفيّة المطليّة بطلاء زجاجيّ.
وفي هذا القسم يكفي في تحقّق الغسل استيلاء الماء على الظاهر المتنجّس ومروره عليه.
الثاني: ما تنجّس باطنه ولو بوصول الرطوبة المسرية إليه، لا مجرّد النداوة المحضة التي تقدّم أنّه لا يتنجّس بها، وهذا على أنواع:
النوع الأوّل: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ويمكن إخراجه منه بالضغط على الجسم بعصر أو غمز أو نحوهما أو بسبب تدافع الماء أو توالي الصبّ، وهذا كالثياب والفرش وغيرهما ممّا يصنع من الصوف والقطن وما يشبههما، وفي هذا النوع يتوقّف تطهير الباطن على نفوذ الماء المطلق فيه وانفصال ماء الغسالة بخروجه عنه ولا يطهر الباطن من دون ذلك.
النوع الثاني: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عنه بأحد الأنحاء المتقدّمة كالحبّ والكوز ونحوهما، وفي هذا النوع لا يطهر الباطن بالغسل بالماء القليل على الأحوط لزوماً لأنّ الحكم بطهارة الباطن تبعاً للظاهر مشكل، ودعوى صدق انفصال الغسالة عن المجموع بانفصال الماء عن الظاهر بعد نفوذه في الباطن غير واضحة لا سيّما إذا لم يكن قد جفّف قبل الغسل.
النوع الثالث: أن يكون الباطن المتنجّس ممّا لا يقبل نفوذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولا يخرج منه أيضاً، ومن هذا القبيل الصابون والطين المتنجّس وإن جفّف ما لم يصر خزفاً أو آجراً، وفي هذا النوع لا يمكن تطهير الباطن لا بالماء الكثير ولا بالماء القليل.
مسألة 453: ما ينفذ الماء فيه بوصف الإطلاق ولكن لا يخرج عن باطنه بالعصر وشبهه كالحبّ والكوز يكفي في طهارة أعماقه - إن وصلت النجاسة إليها - أن تغسل بالماء الكثير ويصل الماء إلى ما وصلت إليه النجاسة، ولا حاجة إلى أن يجفّف أوّلاً ثُمَّ يوضع في الكرّ أو الجاري، وكذلك العجين المتنجّس يمكن تطهيره بأن يخبز ثُمَّ يوضع في الكرّ أو الجاري لينفذ الماء في جميع أجزائه.
مسألة 454: الثوب المصبوغ بالصبغ المتنجّس يطهر بالغسل بالماء الكثير إذا بقي الماء على إطلاقه إلى أن ينفذ إلى جميع أجزائه ويستولي عليها، بل بالقليل أيضاً إذا كان الماء باقياً على إطلاقه إلى أن يتمّ عصره أو ما بحكمه ولا ينافي في الصورتين التغيّر بوصف المتنجّس مطلقاً.
مسألة 455: اللباس أو البدن المتنجّس بالبول يطهر بغسله بالماء الجاري مرّة واحدة، ولا بُدَّ من غسله مرّتين إذا غسل بالماء القليل، وكذلك إذا غسل بغيره - عدا الجاري - على الأحوط وجوباً، وأمّا غيرهما من المتنجّسات عدا الآنية فيطهر بغسله مرّة واحدة مطلقاً، وكذا المتنجّس بغير البول ومنه المتنجّس بالمتنجّس بالبول في غير الأواني، فإنّه يكفي في تطهيره غسلة واحدة مع زوال العين وإن كان زوالها بنفس الغسلة الأُولى.
مسألة 456: الآنية إن تنجّست بولوغ الكلب فيما فيها من ماء أو غيره ممّا يصدق معه أنّه فضله وسؤره غسلت ثلاثاً، أُولاهنّ بالتراب وغَسلتان بعدها بالماء.
مسألة 457: إذا لطع الكلب الإناء أو شرب بلا ولوغ لقطع لسانه كان ذلك بحكم الولوغ في كيفيّة التطهير وإن لم يبقَ فيه شيء يصدق أنّه سؤره، وأمّا إذا باشره بلعابه أو تنجّس بعرقه أو سائر فضلاته أو بملاقاة بعض أعضائه فالأحوط لزوماً أن يعفّر بالتراب أوّلاً ثُمَّ يغسل بالماء ثلاث مرّات، وإذا صبّ الماء الذي ولغ فيه الكلب في إناء آخر جرى عليه حكم الولوغ.
مسألة 458: الآنية التي يتعذّر تعفيرها بالتراب تبقى على النجاسة، ولا يسقط التعفير به على الأحوط لزوماً، وأمّا إذا أمكن إدخال شيء من التراب في داخلها وتحريكه بحيث يستوعبها أجزأ ذلك في طهرها.
مسألة 459: يجب أن يكون التراب الذي يعفّر به الإناء طاهراً قبل الاستعمال.
مسألة 460: يجب في تطهير داخل الإناء المتنجّس من شرب الخنزير غسله سبع مرّات، وكذا من موت الجُرَذ، بلا فرق فيها بين الغسل بالماء القليل أو الكثير، وإذا تنجّس داخل الإناء بغير ما ذكر وجب في تطهيره غسله بالماء ثلاث مرّات حتّى إذا غسل في الكرّ أو الجاري أو المطر على الأحوط لزوماً، هذا في غير أواني الخمر، وأمّا هي فيجب غسلها ثلاث مرّات مطلقاً والأولى أن تغسل سبعاً.
مسألة 461: مرّ أنّ الثوب أو البدن إذا تنجّس بالبول يكفي غَسله في الماء الجاري مرّة واحدة، ويتعيّن غسله مرّتين إذا غسل بالماء القليل وكذلك إذا غسل بغيره - عدا الجاري - على الأحوط لزوماً، ولا بُدَّ في الغسل بالماء القليل من انفصال الغسالة كما مرّ في المسألة (452)، ولا يعتبر ذلك في الغسل بغيره.
مسألة 462: التطهير بماء المطر يحصل بمجرّد استيلائه على المحلّ المتنجّس من غير حاجة إلى العصر أو ما بحكمه، وأمّا التعدّد فلا يسقط فيما سبق اعتباره فيه مطلقاً على الأحوط لزوماً، كما لا يسقط اعتبار التعفير بالتراب في المتنجّس بولوغ الكلب.
مسألة 463: يكفي في تطهير المتنجّس ببول الصبيّ أو الصبيّة - ما دام رضيعاً لم يتغذَّ بالطعام - صبّ الماء عليه وإن كان قليلاً مرّة واحدة بمقدار يحيط به، ولا يحتاج إلى العصر أو ما بحكمه فيما إذا كان المتنجّس لباساً أو نحوه.
مسألة 464: يتحقّق غَسل الإناء بالقليل بأن يصبّ فيه شيء من الماء ثُمَّ يدار فيه إلى أن يستوعب تمام أجزائه ثُمَّ يراق، فإذا فعل به ذلك ثلاث مرّات فقد غُسل ثلاث مرّات وطهر فيما يكون تطهيره بذلك.
مسألة 465: يعتبر في الماء المستعمل في التطهير طهارته قبل الاستعمال.
مسألة 466: يعتبر في التطهير زوال عين النجاسة دون أوصافها - كاللون والريح -، فإذا بقي واحد منهما أو كلاهما لم يقدح ذلك في حصول الطهارة مع العلم بزوال العين.
مسألة 467: الأرض الصلبة أو المفروشة بالآجر أو الصخر أو الزفت أو نحوها يمكن تطهيرها بالماء القليل إذا جرى عليها، لكن مجمع الغسالة يبقى نجساً إلّا مع انفصال الغسالة عنه ولو بسحبها بخرقة أو نحوها فيحكم بطهارته أيضاً.
مسألة 468: لا يعتبر التوالي فيما يعتبر فيه تعدّد الغسل، فلو غسل في يوم مرّة وفي آخر أُخرى كفى ذلك، كما لا تعتبر المبادرة إلى العصر أو ما بحكمه فيما سبق اعتباره في تطهيره، نعم لا بُدَّ من عدم التواني فيه بحدٍّ يستلزم جفاف مقدار معتدٍّ به من الغسالة.
مسألة 469: ماء الغسالة - أي الماء المنفصل عن الجسم المتنجّس عند غسله - نجس مطلقاً على ما تقدّم في أحكام المياه، ولكن إذا غسل الموضع النجس فجرى الماء إلى المواضع الطاهرة المتّصلة به لم يلحقها حكم ملاقي الغُسالة لكي يجب غَسلها أيضاً بل إنّها تطهّر بالتبعيّة.
مسألة 470: الأواني الكبيرة المثبّتة يمكن تطهيرها بالقليل بأن يصبّ الماء فيها ويدار حتّى يستوعب جميع أجزائها، ثُمَّ يُخرَج حينئذٍ ماء الغسالة المجتمع في وسطها بنزح أو غيره، ولا تعتبر المبادرة إلى إخراجه ولكن لا بُدَّ من عدم التواني فيه بحدٍّ يستلزم جفاف مقدار معتدٍّ به من الغُسالة، ولا يقدح الفصل بين الغسلات، ولا تقاطر ماء الغسالة حين الإخراج على الماء المجتمع نفسه، وتطهر آلة إخراج الماء بالتبعيّة.
مسألة 471: الدسومة التي في اللحم أو اليد لا تمنع من تطهير المحلّ، إلّا إذا بلغت حدّاً تكون جرماً حائلاً، ولكنّها حينئذٍ لا تكون مجرّد دسومة عرفاً.
مسألة 472: إذا تنجّس اللحم أو الأرز أو الماش أو نحوها ولم تدخل النجاسة في عمقها، يمكن تطهيرها بوضعها في طشت طاهر وصبّ الماء عليها على نحو يستولي عليها، ثُمَّ يراق الماء ويفرغ الطشت مرّة واحدة فيطهر المتنجّس، وكذا الطشت تبعاً، وكذا إذا أريد تطهير الثوب فإنّه يكفي أن يوضع في طشت طاهر ويصبّ الماء عليه ثُمَّ يعصر ويفرغ الماء مرّة واحدةً فيطهر ذلك الثوب والطشت أيضاً، وإذا كان تطهير المتنجّس يتوقّف على التعدّد كالثوب المتنجّس بالبول كفى الغسل مرّة أُخرى على النحو المذكور، ولا فرق فيما ذكر بين الطشت وغيره من الأواني والأحوط الأولى تثليث الغسل في الجميع.
مسألة 473: الحليب المتنجّس إذا صنع جبناً ووضع في الكثير أو الجاري لا يحكم بطهارته إلّا إذا علم بوصول الماء إلى جميع أجزائه، وهو فرض لا يخلو عن بُعدٍ.
مسألة 474: إذا غسل ثوبه المتنجّس ثُمَّ رأى بعد ذلك فيه شيئاً من الطين أو مسحوق الغسيل أو الصابون الذي كان متنجّساً لا يضرّ ذلك في طهارة الثوب، إلّا إذا كان حاجباً عن وصول الماء إلى موضع التصاقه فيحكم ببقاء نجاسة ذلك الموضع وكذا إذا شكّ في حاجبيّته، نعم ظاهر الطين أو الصابون الذي رآه محكوم بالطهارة على كلِّ حال، إلّا إذا علم ظهور باطنه أثناء العصر أو الغمز .
مسألة 475: الحُليّ الذي يصوغها الكافر المحكوم بالنجاسة إذا لم يعلم ملاقاته لها مع الرطوبة يحكم بطهارتها، وإن عُلِمَ ذلك يجب غسلها ويطهر ظاهرها ويبقى باطنها على النجاسة في الجملة، وإذا استعملت مدّة وشكّ في ظهور الباطن لم يجب تطهيرها.
مسألة 476: الدهن المتنجّس لا يمكن تطهيره بجعله في الماء الكرّ الحارّ ومزجه به، وكذلك سائر المائعات المتنجّسة فإنّها لا تطهر إلّا بالاستهلاك.
مسألة 477: إذا تنجّس التنّور يمكن تطهيره بصبّ الماء من الإبريق عليه، ومجمع ماء الغسالة يبقى على نجاسته إلّا أن يخرج بنزح أو غيره فيحكم بطهارته أيضاً.
الثاني من المطهرات: الأرض، فإنّها تطهّر باطن القدم وما تُوُقِّيَ به كالنعل والخُفّ أو الحذاء ونحوها بالمسح بها أو المشي عليها بشرط زوال عين النجاسة بهما، ولو زالت عين النجاسة قبل ذلك فلا يطهر موضعها بالمسح بها أو المشي عليها على الأحوط لزوماً، ويشترط - على الأحوط وجوباً - كون النجاسة حاصلة من الأرض المتنجّسة سواء بالمشي عليه أو بغيره كالوقوف عليها.
مسألة 478: المراد من الأرض مطلق ما يسمّى أرضاً من حجر أو تراب أو رمل، ويعمّ الحكم الآجر والجصّ والنورة أيضاً، ويعتبر طهارتها وجفافها.
مسألة 479: يلحق ظاهر القدم والنعل بباطنهما إذا كان يمشي بها لاعوجاج في رجله، وكذا حواشي الباطن والنعل بالمقدار المتعارف، وأمّا إلحاق عيني الركبتين واليدين إذا كان المشي عليها وكذا ما توقّي به، وكذلك أسفل خشبة الأقطع فلا يخلو عن إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.
مسألة 480: إذا شكّ في طهارة الأرض يبني على طهارتها فتكون مطهّرة حينئذٍ، إلّا إذا كانت الحالة السابقة نجاستها، أو وجب الاجتناب عنها لكونها طرفاً للعلم الإجماليّ بالنجاسة.
مسألة 481: إذا كان في الظلمة ولا يدري أنّ ما تحت قدمه أرض أو شيء آخر من فرش ونحوه، لا يكفي المشي عليه في حصول الطهارة، بل لا بُدَّ من العلم بكونه أرضاً.
الثالث: الشمس، فإنّها تطهّر الأرض وما يستقرّ عليها من البناء، دون ما يتّصل بها من الأبواب والأخشاب والأوتاد على الأحوط لزوماً، وكذلك الأشجار وما عليها من الأوراق والثمار والخضروات والنباتات.
نعم يلحق بالأرض والبناء في ذلك الحصر والبواري سوى الخيوط التي تشتمل عليها.
مسألة 482: يشترط في الطهارة بالشمس - مضافاً إلى زوال عين النجاسة وإلى رطوبة الموضع رطوبة مسرية - الجفاف المستند إلى الإشراق عرفاً وإن شاركها غيرها في الجملة من ريح أو غيرها.
مسألة 483: يطهر الباطن المتنجّس المتّصل بالظاهر تبعاً لطهارة الظاهر إذا جفّ بإشراق الشمس على الظاهر من دون فاصل زمانيّ يعتدّ به بين جفافهما.
مسألة 484: إذا كانت الأرض النجسة جافّة وأُريد تطهيرها يمكن أن يصبّ عليها الماء الطاهر أو المتنجّس فإذا يبست بالشمس طهرت.
مسألة 485: إذا تنجّست الأرض بالبول فأشرقت عليها الشمس حتّى يبست طهرت، من دون حاجة إلى صبّ الماء عليها، نعم إذا كان البول غليظاً له جرم لم يطهر جرمه بالجفاف، بل ولا يطهر سطح الأرض الذي عليه الجرم.
مسألة 486: الحصى والتراب والطين والأحجار المعدودة جزءاً من الأرض بحكم الأرض في الطهارة بالشمس وإن كانت في نفسها منقولة، دون التي لا تكون معدودة من الأرض كالجصّ والآجر المطروحين على الأرض المفروشة بالزفت أو بالصخر أو نحوهما.
مسألة 487: المسمار الثابت في الأرض أو البناء ليس بحكم الأرض في الطهارة بالشمس على الأحوط لزوماً.
الرابع: الاستحالة، وهي تبدّل شيء إلى شيء آخر مختلفين في الصورة النوعيّة عرفاً، ولا أثر لتبدّل الاسم والصفة فضلاً عن تفرّق الأجزاء، فيطهر ما أحالته النار رماداً أو دخاناً سواء أكان نجساً كالعذرة أو متنجّساً كالخشبة المتنجّسة، وكذا ما صيّرته فحماً إذا لم يبقَ فيه شيء من مقوّمات حقيقته السابقة وخواصّه من النباتيّة والشجريّة ونحوهما، وأمّا ما أحالته النار خزفاً أو آجراً أو جصّاً أو نورة فلا يطهر بذلك على الأحوط لزوماً.
مسألة 488: تفرّق أجزاء النجس أو المتنجّس بالتبخير لا يوجب الحكم بطهارة المائع المصعّد فيكون نجساً ومنجّساً، نعم لا ينجّس بخارهما ما يلاقيه من البدن والثوب وغيرهما.
مسألة 489: الحيوان المتكوّن من النجس أو المتنجّس كدود العذرة والميتة وغيرهما طاهر .
مسألة 490: الماء النجس إذا صار بولاً لحيوان مأكول اللحم أو عرقاً أو لعاباً لطاهر العين فهو طاهر .
مسألة 491: الغذاء النجس أو المتنجّس إذا صار روثاً لحيوان مأكول اللحم أو لبناً لطاهر العين أو صار جزءاً من الخضروات أو النباتات أو الأشجار أو الأثمار فهو طاهر، وكذلك الكلب إذا استحال ملحاً.
الخامس: الانقلاب، فإنّه مطهّر للخمر إذا انقلبت خَلّاً بنفسها أو بعلاج، ولو تنجّس إناء الخمر بنجاسة خارجيّة ثُمَّ انقلبت الخمر خلّاً لم تطهر وكذا إذا وقعت النجاسة في الخمر وإن استهلكت فيها، ويلحق بالخمر فيما ذكر العصير العنبيّ إذا انقلب خلّاً فإنّه يحكم بطهارته بناءً على نجاسته بالغليان.
السادس: الانتقال، ويختصّ تطهيره بانتقال دم الإنسان والحيوان إلى جوف ما لا دم له عرفاً من الحشرات كالبقّ والقمّل والبرغوث، ويعتبر فيه أن يكون على وجهٍ يستقرّ النجس المنتقل في جوف المنتقل إليه بحيث يكون في معرض صيرورته جزءاً من جسمه، وأمّا إذا لم يعدّ كذلك أو شكّ فيه لم يحكم بطهارته، وذلك كالدم الذي يمصّه العلق من الإنسان على النحو المتعارف في مقام المعالجة فإنّه لا يطهر بالانتقال، والأحوط الأولى الاجتناب عمّا يمصّه البقّ أو نحوه حين مصّه.
السابع: الإسلام، فإنّه مطهّر للكافر من النجاسة الناشئة من كفره على ما تقدّم، وأمّا النجاسة العرضيّة - كما إذا لاقى بدنه البول فعلاً - فهي لا تزول بالإسلام، بل لا بُدَّ من إزالتها بغسل البدن، ولا فرق في طهارة بدن الكافر بالإسلام بين الكافر الأصليّ وغيره، فإذا تاب المرتدّ - ولو كان فطريّاً - يحكم بطهارته.
الثامن: التبعيّة، وهي في عدّة موارد منها:
1. إذا أسلم الكافر تبعه ولده الصغير في الطهارة بشرط كونه محكوماً بالنجاسة تبعاً - لا بها أصالة ولا بالطهارة كذلك كما لو كان مميّزاً واختار الكفر أو الإسلام - وكذلك الحال فيما إذا أسلم الجدّ أو الجدّة أو الأمّ، ويختصّ الحكم بطهارة الصغير بالتبعيّة بما إذا كان مع مَنْ أسلم بأن يكون تحت كفالته أو رعايته بل وأن لا يكون معه كافر أقرب منه إليه.
2. إذا أسر المسلم ولد الكافر فهو يتبعه في الطهارة إذا لم يكن معه أبوه أو جدّه، والحكم بالطهارة - هنا أيضاً - مشروط بما تقدّم في سابقه.
3. إذا انقلب الخمر خلّاً يتبعه في الطهارة الإناء الذي حدث فيه الانقلاب بشرط أن لا يكون الإناء متنجّساً بنجاسة أُخرى.
4. إذا غسّل الميّت تبعه في الطهارة يد الغاسل والسُّدّة التي يغسل عليها والثياب التي يُغسّل فيها والخرقة التي يستر بها عورته، وأمّا لباس الغاسل وبدنه وسائر آلات التغسيل فالحكم بطهارتها تبعاً للميّت محلّ إشكال والاحتياط لا يترك.
التاسع: زوال عين النجاسة وتتحقّق الطهارة بذلك في موردين:
1. بواطن الإنسان غير المحضة كباطن الأنف والأذن والعين ونحو ذلك، فإذا أصاب داخل الفم - مثلاً - نجاسة خارجيّة طهر بزوال عينها، ولو كانت النجاسة داخليّة - كدم اللّثة - لم ينجس بها أصلاً.
وأمّا البواطن المحضة للإنسان - وكذلك الحيوان - فلا تنجس بملاقاة النجاسة وإن كانت خارجيّة.
2. بدن الحيوان، فإذا أصابته نجاسة خارجيّة أو داخليّة يطهّر بزوال عينها، كمنقار الدجاجة الملوّث بالعذرة وبدن الدابّة المجروحة، وولد الحيوان الملوّث بدم الولادة فإنّها تطهر جميعاً بمجرّد زوال عين النجاسة.
هذا، ولا تسري النجاسة من النجس إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة بينهما في الباطن المحض، سواء أكانا متكوّنين في الباطن كالمذيّ يلاقي البول في الباطن، أم كان النجس متكوّناً في الباطن والطاهر يدخل إليه كإبرة التزريق فإنّها لا تتنجّس بملاقاة الدم في العضلة فيحكم بطهارتها لو خرجت غير ملوّثة به، أم كانا معاً متكوّنين في الخارج ودخلا وتلاقيا في الباطن، كما إذا ابتلع شيئاً طاهراً وشرب عليه ماءاً نجساً، فإنّه إذا خرج ذلك الطاهر من جوفه غير ملوّث بالنجاسة حكم عليه بالطهارة.
وهذا بخلاف ما إذا كان التلاقي في الباطن غير المحض بين المتكوّنين في الخارج كالأسنان الصناعيّة إذا لاقت الطعام المتنجّس في الفم فإنّها تتنجّس بذلك ولا بُدَّ من تطهيرها.
العاشر : غياب المسلم البالغ أو المميّز، فإذا تنجّس بدنه أو لباسه ونحو ذلك ممّا في حيازته ثُمَّ غاب يحكم بطهارة ذلك المتنجّـس إذا احتمـــل تطهيــره احتمــالاً عقلائيّــاً - وإن علم أنّه لا يبالي بالطهارة والنجاسة كبعض أفراد الحائض المتّهمة - بل يمكن إجراء الحكم في الطفل غير المميّز أيضاً بلحاظ كونه من شؤون من يتولّى أمره، ولا يشترط في الحكم بالطهارة للغيبة أن يكون من في حيازته المتنجّس عالماً بنجاسته، ولا أن يستعمله فيما هو مشروط بالطهارة كأن يصلّي في لباسه الذي كان متنجّساً، بل يحكم بالطهارة بمجرّد احتمال التطهير كما سبق، وفي حكم الغياب العمى والظلمة، فإذا تنجّس بدن المسلم أو ثوبه ولم يرَ تطهيره لعمى أو ظلمة يحكم بطهارته بالشرط المتقدّم.
الحادي عشر : استبراء الحيوان، فكلّ حيوان مأكول اللحم إذا صار جلّالاً - أي تعوّد أكل عذرة الإنسان - يحرم أكله ولبنه فينجس بوله وخرؤه وكذا عرقه كما تقدّم، ويحكم بطهارة الجميع بعد الاستبراء وهو : أن يُمنع الحيوان عن أكل النجاسة لمدّة يخرج بعدها عن صدق الجلّال عليه، والأحوط الأولى مع ذلك أن يراعى فيه مضيّ المدّة المعيّنة له في بعض الأخبار، وهي: في الإبل أربعون يوماً، وفي البقر عشرون، وفي الغنم عشرة، وفي البطّة خمسة، وفي الدجاجة ثلاثة.
مسألة 492: الظاهر قبول كلّ حيوان للتذكية عدا نجس العين، والحشرات مطلقاً وهي الدوابّ الصغار التي تسكن باطن الأرض كالضبّ والفأر، وكذلك ما يحرم أكله وليس له نفس سائلة كالحيّة، والحيوان المذكّى طاهر يجوز استعمال جميع أجزائه فيما يشترط فيه الطهارة حتّى جلده ولو لم يدبغ.
الثاني عشر : خروج الدم عند تذكية الحيوان، فإنّه بذلك يحكم بطهارة ما يتخلّف منه في جوفه، والأحوط لزوماً اختصاص ذلك بالحيوان المأكول اللحم كما مرّ بيان ذلك في مسألة (403).