الكتب الفتوائية » الفتاوى الميسّـرة
البحث في:
هذا ولعقد الزواج شروط ←
→ وهذه الشروط هي
حواريّة الـزَّواج
نحن مدعوّون ـ قال أبي ـ لحضور حفلة عقدِ قِران في دار جارِنا أبي عليّ ، وعلينا أنْ نَتهيّأ في حدود الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الجمعة القادم ؛ لنشارك جارَنا العزيز أفراحه بهذه المناسبة السّعيدة .
* عقد قران مَن ؟
ــ عقد قران ابنه عليّ .
* ولكن عليّاً لا زال بعد في مُقتبل شبابه فهو الآن في العشرين مِن عمره ولم يحِن بعد وقت زواجه !
ــ في العشرين من عمره ، وتقول لم يحِن بعد وقت زواجه ! إنّه الآن في عُنفوان الشباب وفي أوجّ تفتّح قِواه الجسديّة والعقليّة بما في ذلك طاقاته الجنسيّة .
أضاف أبي :
ولمّا كان ضغط الجنس فاعلاً ومحرّكاً في عمرٍ كهذا ، إذن يحسن بالشاب أنْ يتزوّج في سنٍّ مبكرّة ليعصم نفسه من الوقوع في هاوية فعلِ محرّم ، فالنفس أمّارة بالسّوء كما تقول الآية الكريمة : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
ــ وما أنْ سمِعت بضغط الجنس حتّى خجِلت ، ففي سنٍّ مثل سنّي يخجَل أحدُنا أنْ يتحدّث أو يسمَع شيئاً عن الجنس رغم شوقه وحاجته لأنْ يتحدَّث أو يسمع شيئاً ما عنه .
وإذ لاحظ أبي إمارات الخجَل باديةً على وجهي سألني :
ــ أخجِلت ؟
* نعم ، فالحديث عن الجنس مُخجِل .
ــ وعن ضغط الغريزة الجنسيّة مُخجِل هو الآخر . أليس كذلك ؟
* نعم .
ــ ولكنّها حاجة بايولوجيّة ـ حياتيّة ـ يشعر بها كلُّ إنسان سويٍّ مكتمل.. إنّها كالطعام والشراب وغيرهما من حاجات الجسد الأُخرى .
فكما أنّك تحت ضغط الحاجة الى الطعام تأكل.. وأنّك تحت ضغط الحاجة الى شرب الماء تشرب . فإنّك تحت ضغط الحاجة الى الجنس تتزوّج .
* ولكنّ عليّاً لا زال شابّاً ؟
ــ أحياناً يجب الزواج على الإنسان .
* تقول أحياناً يجب الزواج.. تقصد يجب شرعاً ؟
ــ نعم يجب الزواج شرعا ً، إذا كان الإنسان لا يستطيع تحت ضغط الحاجة أنْ يمنع نفسه من الوقوع في فعل محرّم بسبب عدم زواجه .
ــ إذن كان عليٌّ شجاعاً حين اتّخذ قراره بالتزويج وهو بعد في مقتبل عمره؟
ــ شجاعاً . نعم ، وجريئاً ومبدئيّاً.. فمُذ أحسَّ بضغط الحاجة الجنسيّة ، ورأى انثيال المُغرِيات أمامه أنّى توجّه أو تلفَّت أو سار ، أدرك بوعي الملتزم ومبدئيّته أنّ ثباته أصبح عرضةً للاِهتزاز وربّما السقوط .
فها هي ذي نفسه تلحُّ عليه وتجاذبه وتراوده ، وها هو ذا يضعف أمامها ويتردّد وينهار .
وفي ظلّ ظرفٍ ضاغط كهذا ومُقلق ومحرّض ومستفز وحرِج ، آثر عليٌّ أنْ يُفاتِح أباه برغبته في الزواج ليحرز نصف دينه عملاً بمنطوق قول النبيّ الأكرم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن تزوّج فقد أحرَز نصف دينه ، فليتّق الله في النصف الآخر).
قال ذلك أبي وأضاف معقِّباً :
الزواج عملٌ محبوب لله عزّ وجل ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد ) : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) . وقال تعالى في موضعٍ آخر من كتابه الكريم : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) .
وروى الإمام الباقر (عليه السلام ) عن جدِّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قوله : ( ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ الى الله عزّ وجل من التزويج ) وقال ( صلّى الله عليه وآله ) : ( تَزوّجوا وزوِّجوا ) .
ونُقلت لنا كُتب الحديث عن الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنّه قال : ( تزوّجوا فإنّ التزويج سُنّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ( فإنّه كان يقول : مَن كان يُحبُّ أنْ يتّبع سُنّتي فإِنّ سنّتي التزويج ( .
وعن الإمام أبي عبدا لله ) عليه السلام ( أنّه قال : ( مِن أخلاق الأنبياء حُبُّ النساء ) وعنه ) عليه السلام ) : ( ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل مِن سبعين ركعة يُصلّيها أعزب ( .
وحكي أنّه روى عن أبيه الإمام الباقر ) عليه السلام ( أنّه قال : ( ما أُحب أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي بتُّ ليلةً وليست لي زوجة ) .
وروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنّه قال : ( ثلاثةٌ يستظّلون بظلِّ عرش الله يوم القيامة يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه : رجلٌ زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً ( .
وهناك غير هذه الأحاديث ما يُشير الى اِستحباب الزواج وكراهيّة العزوبيّة للرجل والمرأة .
* تقول للرجل والمرأة ؟! المرأة !!!
ــ نعم كراهيّة العزوبة للرجل المرأة معاً ، فهناك من الأحاديث ما يدعو المرأة الى الزواج ويحثُّ عليه..
فقد رُوي عن الإمام أبي عبدا لله ) عليه السلام ( أنّه قال : ( نهى رسول الله ) صلّى الله عليه وآله ( النساء أنْ يتبتَّلن ويُعطِّلن أنفسهن مِن الأزواج ( .
بل أكثر مِن ذلك فهناك من الأحاديث ما يدعو الى تعجيل زواج البنت وعدم تأخيرها ، فقد ورَد عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) قوله : ( مِن بركة المرأة سرعة تزويجها ) .
* التبكير بالزواج حسن إذن . هذا جيد ، ولكن تكاليف الزواج باهضة يا أبي ، فمِن أين يأتي الشاب بكلّ هذه الأموال ليتَزوّج والزواج يُريد ويُريد .
ــ الإسلام يدعو الى تخفيف مؤنة التزويج وتقليل تكاليفه .
* تقليل تكاليف الزواج ؟
ــ نعم يدعو الإسلام الى تقليل تكاليف الزواج .
* والمهور الغالية تلك التي يشكو منها الكثيرون ؟
ــ يستحبّ تقليل المهر ويُكره تكثيره .
* ماذا تقول ؟! أيُكره تكثير المهر ؟!
ــ نعم يُكره تكثير المهر ويستحبُّ تقليله ، فقد رُوي عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال : ( أفضل نساء أُمّتي أصبحهُنَّ وجهاً وأقلّهُنّ مهراً ) .
ورُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام ) أنّه قال : ( تذاكروا الشؤم عند أبي فقال : فأمّا شؤم المرأة فكثرة مهرِها وعُقم رحمها ) .
وقد ورد في الأحاديث الشريفة كذلك : ( مِن برَكة المرأة قلّة مهرها ، ومن شؤمها كثرة مهرها ) .
قال ذلك أبي ثمّ أطرق قليلاً كمن تذكّر شيئاً ذا بال وأضاف
معزّزاً حديثه قائلاً :
زوَّج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ابنته الصّدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وهي سيّدة نساء العالمين ، زوَّجها من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) على مهرٍ قليل.. على ( درع حطيميّة ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( زوّج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) على درع حطيميّة ) .
ووصَف الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) فيما رُويَ عنه فراش الصّدّيقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقال : ( كان فراش فاطمة إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه ) .
قلت لأبي :
ومشكلة عدم وجود موردٍ مادّي مضمون عند الشاب ليُقوِّم أُسرةً بعد زواجه . أو فلنَقُل خوف الحاجة بعد الزّواج ؟ خوف الفقر ؟ خوف أنْ لا يجد ما يقوِّم مصرف أُسرةٍ ؟
قال أبي : يقول الله سُبحانه وتعالى في كتابه المجيد : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
ويعقب الإمام الصادق ( عليه السلام ) على هذه الآية فيما روي عنه فيقول : ( مَن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله ، يقول سُبحانه ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) .
قلتُ : هناك مشكلة يطرحها بعض الوجَهَاء والأثرياء وذوي
المكانة المرموقة في المجتمع .
ملخصّها : أنّه لا يزوّج ابنته إلاّ لرجلٍ يراه هو بحساباته الخاصّة لائقاً بها ، وحين لا يقدّم مَن يعتبره هو مناسباً لها ـ رغم كثرة مَن يتقدّم لخطبتها ـ تبقى البنت بلا زواج .
ــ قال أبي : دعني انقل لك نظرة الإسلام للزوج اللائق المناسب مِن خلال رسالة وردت للإمام الباقر ( عليه السلام ) وجواب الإمام عليها فقد رُوي أنّه كتب عليّ بن أسباط الى الإمام الباقر ( عليه السلام ) في أمر بناته ، وأنّه لا يجد أحداً مثله فكتَب إليه الإمام ( عليه السلام ) مجيباً :
( فهمتُ ما ذكرت في أمر بناتك ، وأنّك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحِمَك الله ، فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : إذا جاءكم مَن تَرضون خُلُقه ودينه فزوّجوه ، ألاّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير ) .
تركني أبي عند هذه النقطة غارقاً في تأمّلاتي ، ومُستعرضاً بنقدٍ جارح عادات وتقاليد اجتماعيّة ضارّة ، نشأت خلال تراكمات زمنيّة سيّئة ، فترسّخت ضاربةً أطنابها في مجتمعاتنا .
فالإسلام يدعو الى تخفيف تكاليف الزواج ، والتقاليد تخالفه .
والإسلام يدعو الى تقليل المهور ، والتقاليد تخالفه .
والإسلام يقول : تزوّجوا ولا تخشوا الفقر ، ونحن نُخالفه .
والإسلام يضع في اعتباره الخُلُق والدين مقياساً للزوج اللائق المناسب ، والمجتمع يضَع مقاييس أُخرى ، ربّما في مقدّمتها الثروة والوجاهة والطبقة الاجتماعيّة .
* وما أنْ قاربت الساعة الخامسة حتّى توجّهنا أنا وأبي الى حيث بيت جارنا أبي عليّ وحفلة العقد .
وسأصف لكم حفلة عقد قران علي كما شاهدتها.
صالة الاستقبال مكتظّة بالمدعوّين المهنّئين ، الملابس الأنيقة المترفة تملأَ عينيك أنّى تلفَّتَّ . فرَحٌ مكتوم يكحل أعين الجالسين ، الأضواء تُرفرف في سماء الصالة المشعّة بالبياض ، المزدانة بالنور ، بينما راحت باقات من وردٍ أبيض ، وأُخرى مِن وردٍ بنفسجي تتفتّح توّاً أو تكاد ، تتمايل مثقلةً بحملها أو متثاقلة فتضفي على جو الصّالة نكهةً براءة ذات سحرٍ سرّيٍّ غامض .
العريس عليّ يجلس في صدر الصالة ، قرب بابٍ داخلي مُغلق ، ويجلس الى جواره سيّد مهيب الطلعة ، تبدو عليه سيماء الصلاح والوقار والطيبة ، ويطغى على تقاطيع وجهه بهاءٌ رزين .
الصالة الفخمة ضاجّة بالصمت ، بينما راح السيّد المهيب الوقور يَقرع جدار الصمت بصوته القويّ الرصين ، وهو يُخاطب العروس مِن وراء الباب المغلق ، بعد أنْ قرأ بعض الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث الشريفة قائلاً : أترضين يا فاطمة ، بأنْ أكون وكيلك ، على أنْ أزوّجك مِن الشاب عليّ بن محمّد بمهرٍ قدره ( 500 ) درهم نقداً ، فإنْ رضيت بذلك فقولي أنتَ وكيلي .
فأجابت العروس بصوتٍ خفيض ، حيي لا يكاد يُسمع ، قائلةً :
أنتَ وكيلي .
وما أنْ قالت جملة ( أنت وكيلي ) وقَبِل السيّد وكالتها حتّى علت ( الهلاهيل ) ـ الزغاريد ـ وسَط الدار ، كأجراس متّصلة ، تتقاطع أحياناً ، وتنفرد أحياناً أُخرى .
وعلت الابتسامة الوجوه ، وتوجّه ذلك السيّد الرزين الوقور صوب الشاب عليّ قائلاً له : زوّجتك موكّلتي فاطمة بنت أحمد على مهر قدره ( خمسمِئة ) درهم نقداً ، فأجاب العريس عليّ مباشرةً من دون فصل : قَبِلتُ التزويج .
* ولماذا هذا المهر القليل يا أبتي ؟
ــ إنّه مهر السُنّة وقد سنَّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) مهور المؤمنات من أُمّته خمسمِئة درهم مِن الفضّة في ذلك الوقت وهو زهيدٌ كما ترى .
* قلت لأبي : وهل يحقّ للعروس فاطمة أنْ تُزوِّج نفسها مِن دون توسّط هذا ( السيّد العاقد ) .
قال : نعم يحقُّ للزوجين إجراء العقد بنفسيهما دون توسّط أحد ، ويحقُّ لأحدهما أو كليهما توكيل مَن ينوب عنهما في إجراء العقد ويُرجّح أنْ يتطابق الإيجاب والقبول .
* كيف ؟
ــ إذا قالت الزوجة مثلاً : ( زوَّجتك نفسي ) ، يقول الزوج مباشرةً مِن دون فصل ( قبلت التزويج ) ولا يقول ( قبلت النكاح ) .
هذا إذا كان الزواج زواجاً دائميّاً .
* وهل هناك زواج غير دائم ؟
ــ نعم هناك زواج مؤقّت تتعيّن فيه المدّة والمهر ، وتتحدّد المدّة بيومٍ مثلاً أو شهرٍ أو سنة أو ما شاكل ذلك ممّا لا يزيد على عُمر احدهما عادةً ويحقّ للزوجين فيه تماماً ـ كما في الزواج الدائم ـ مباشرةً العقد بنفسيهما أو توكيل مَن ينوب عنهما فيه ، فلو باشر الزوجان العقد غير الدائم بنفسيهما فقالت المرأة للرجل مثلاً : ( زوّجتك نفسي مدّة سنة بمِئة دينار ) ، قال الرجل مباشرةً من دون فصل ( قبلت التزويج ) صحّ العقد .
* وإذا تمّ ذلك ؟
ــ إذا تمّ ذلك ، فستصبح المرأة زوجة ، تحلّ لزوجها مدّة العقد ، مِن دون توارث بينهما ، ولا يجب على الزوج الإنفاق عليها ، ولا المبيت عندها .
فإذا انتهت المدّة المتّفق عليها ، حرمت عليه ، بينما تحلّ المرأة في العقد الدائم لزوجها مدى الحياة ما لم يطلِّقها .
هذا ولعقد الزواج شروط ←
→ وهذه الشروط هي
* عقد قران مَن ؟
ــ عقد قران ابنه عليّ .
* ولكن عليّاً لا زال بعد في مُقتبل شبابه فهو الآن في العشرين مِن عمره ولم يحِن بعد وقت زواجه !
ــ في العشرين من عمره ، وتقول لم يحِن بعد وقت زواجه ! إنّه الآن في عُنفوان الشباب وفي أوجّ تفتّح قِواه الجسديّة والعقليّة بما في ذلك طاقاته الجنسيّة .
أضاف أبي :
ولمّا كان ضغط الجنس فاعلاً ومحرّكاً في عمرٍ كهذا ، إذن يحسن بالشاب أنْ يتزوّج في سنٍّ مبكرّة ليعصم نفسه من الوقوع في هاوية فعلِ محرّم ، فالنفس أمّارة بالسّوء كما تقول الآية الكريمة : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
ــ وما أنْ سمِعت بضغط الجنس حتّى خجِلت ، ففي سنٍّ مثل سنّي يخجَل أحدُنا أنْ يتحدّث أو يسمَع شيئاً عن الجنس رغم شوقه وحاجته لأنْ يتحدَّث أو يسمع شيئاً ما عنه .
وإذ لاحظ أبي إمارات الخجَل باديةً على وجهي سألني :
ــ أخجِلت ؟
* نعم ، فالحديث عن الجنس مُخجِل .
ــ وعن ضغط الغريزة الجنسيّة مُخجِل هو الآخر . أليس كذلك ؟
* نعم .
ــ ولكنّها حاجة بايولوجيّة ـ حياتيّة ـ يشعر بها كلُّ إنسان سويٍّ مكتمل.. إنّها كالطعام والشراب وغيرهما من حاجات الجسد الأُخرى .
فكما أنّك تحت ضغط الحاجة الى الطعام تأكل.. وأنّك تحت ضغط الحاجة الى شرب الماء تشرب . فإنّك تحت ضغط الحاجة الى الجنس تتزوّج .
* ولكنّ عليّاً لا زال شابّاً ؟
ــ أحياناً يجب الزواج على الإنسان .
* تقول أحياناً يجب الزواج.. تقصد يجب شرعاً ؟
ــ نعم يجب الزواج شرعا ً، إذا كان الإنسان لا يستطيع تحت ضغط الحاجة أنْ يمنع نفسه من الوقوع في فعل محرّم بسبب عدم زواجه .
ــ إذن كان عليٌّ شجاعاً حين اتّخذ قراره بالتزويج وهو بعد في مقتبل عمره؟
ــ شجاعاً . نعم ، وجريئاً ومبدئيّاً.. فمُذ أحسَّ بضغط الحاجة الجنسيّة ، ورأى انثيال المُغرِيات أمامه أنّى توجّه أو تلفَّت أو سار ، أدرك بوعي الملتزم ومبدئيّته أنّ ثباته أصبح عرضةً للاِهتزاز وربّما السقوط .
فها هي ذي نفسه تلحُّ عليه وتجاذبه وتراوده ، وها هو ذا يضعف أمامها ويتردّد وينهار .
وفي ظلّ ظرفٍ ضاغط كهذا ومُقلق ومحرّض ومستفز وحرِج ، آثر عليٌّ أنْ يُفاتِح أباه برغبته في الزواج ليحرز نصف دينه عملاً بمنطوق قول النبيّ الأكرم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن تزوّج فقد أحرَز نصف دينه ، فليتّق الله في النصف الآخر).
قال ذلك أبي وأضاف معقِّباً :
الزواج عملٌ محبوب لله عزّ وجل ، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد ) : وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) . وقال تعالى في موضعٍ آخر من كتابه الكريم : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) .
وروى الإمام الباقر (عليه السلام ) عن جدِّه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قوله : ( ما بُني بناء في الإسلام أحبُّ الى الله عزّ وجل من التزويج ) وقال ( صلّى الله عليه وآله ) : ( تَزوّجوا وزوِّجوا ) .
ونُقلت لنا كُتب الحديث عن الإمام عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) أنّه قال : ( تزوّجوا فإنّ التزويج سُنّة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ( فإنّه كان يقول : مَن كان يُحبُّ أنْ يتّبع سُنّتي فإِنّ سنّتي التزويج ( .
وعن الإمام أبي عبدا لله ) عليه السلام ( أنّه قال : ( مِن أخلاق الأنبياء حُبُّ النساء ) وعنه ) عليه السلام ) : ( ركعتان يُصلّيهما المتزوّج أفضل مِن سبعين ركعة يُصلّيها أعزب ( .
وحكي أنّه روى عن أبيه الإمام الباقر ) عليه السلام ( أنّه قال : ( ما أُحب أنّ لي الدنيا وما فيها وأنّي بتُّ ليلةً وليست لي زوجة ) .
وروي عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أنّه قال : ( ثلاثةٌ يستظّلون بظلِّ عرش الله يوم القيامة يوم لا ظلَّ إلاّ ظلّه : رجلٌ زوّج أخاه المسلم ، أو أخدمه ، أو كتم له سرّاً ( .
وهناك غير هذه الأحاديث ما يُشير الى اِستحباب الزواج وكراهيّة العزوبيّة للرجل والمرأة .
* تقول للرجل والمرأة ؟! المرأة !!!
ــ نعم كراهيّة العزوبة للرجل المرأة معاً ، فهناك من الأحاديث ما يدعو المرأة الى الزواج ويحثُّ عليه..
فقد رُوي عن الإمام أبي عبدا لله ) عليه السلام ( أنّه قال : ( نهى رسول الله ) صلّى الله عليه وآله ( النساء أنْ يتبتَّلن ويُعطِّلن أنفسهن مِن الأزواج ( .
بل أكثر مِن ذلك فهناك من الأحاديث ما يدعو الى تعجيل زواج البنت وعدم تأخيرها ، فقد ورَد عن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) قوله : ( مِن بركة المرأة سرعة تزويجها ) .
* التبكير بالزواج حسن إذن . هذا جيد ، ولكن تكاليف الزواج باهضة يا أبي ، فمِن أين يأتي الشاب بكلّ هذه الأموال ليتَزوّج والزواج يُريد ويُريد .
ــ الإسلام يدعو الى تخفيف مؤنة التزويج وتقليل تكاليفه .
* تقليل تكاليف الزواج ؟
ــ نعم يدعو الإسلام الى تقليل تكاليف الزواج .
* والمهور الغالية تلك التي يشكو منها الكثيرون ؟
ــ يستحبّ تقليل المهر ويُكره تكثيره .
* ماذا تقول ؟! أيُكره تكثير المهر ؟!
ــ نعم يُكره تكثير المهر ويستحبُّ تقليله ، فقد رُوي عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) أنّه قال : ( أفضل نساء أُمّتي أصبحهُنَّ وجهاً وأقلّهُنّ مهراً ) .
ورُوي عن الإمام الباقر (عليه السلام ) أنّه قال : ( تذاكروا الشؤم عند أبي فقال : فأمّا شؤم المرأة فكثرة مهرِها وعُقم رحمها ) .
وقد ورد في الأحاديث الشريفة كذلك : ( مِن برَكة المرأة قلّة مهرها ، ومن شؤمها كثرة مهرها ) .
قال ذلك أبي ثمّ أطرق قليلاً كمن تذكّر شيئاً ذا بال وأضاف
معزّزاً حديثه قائلاً :
زوَّج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ابنته الصّدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وهي سيّدة نساء العالمين ، زوَّجها من أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) على مهرٍ قليل.. على ( درع حطيميّة ) .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( زوّج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) عليّاً ( عليه السلام ) على درع حطيميّة ) .
ووصَف الإمام أبو جعفر ( عليه السلام ) فيما رُويَ عنه فراش الصّدّيقة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) فقال : ( كان فراش فاطمة إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه ) .
قلت لأبي :
ومشكلة عدم وجود موردٍ مادّي مضمون عند الشاب ليُقوِّم أُسرةً بعد زواجه . أو فلنَقُل خوف الحاجة بعد الزّواج ؟ خوف الفقر ؟ خوف أنْ لا يجد ما يقوِّم مصرف أُسرةٍ ؟
قال أبي : يقول الله سُبحانه وتعالى في كتابه المجيد : ( وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ).
ويعقب الإمام الصادق ( عليه السلام ) على هذه الآية فيما روي عنه فيقول : ( مَن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله ، يقول سُبحانه ( إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )) .
قلتُ : هناك مشكلة يطرحها بعض الوجَهَاء والأثرياء وذوي
المكانة المرموقة في المجتمع .
ملخصّها : أنّه لا يزوّج ابنته إلاّ لرجلٍ يراه هو بحساباته الخاصّة لائقاً بها ، وحين لا يقدّم مَن يعتبره هو مناسباً لها ـ رغم كثرة مَن يتقدّم لخطبتها ـ تبقى البنت بلا زواج .
ــ قال أبي : دعني انقل لك نظرة الإسلام للزوج اللائق المناسب مِن خلال رسالة وردت للإمام الباقر ( عليه السلام ) وجواب الإمام عليها فقد رُوي أنّه كتب عليّ بن أسباط الى الإمام الباقر ( عليه السلام ) في أمر بناته ، وأنّه لا يجد أحداً مثله فكتَب إليه الإمام ( عليه السلام ) مجيباً :
( فهمتُ ما ذكرت في أمر بناتك ، وأنّك لا تجد أحداً مثلك فلا تنظر في ذلك رحِمَك الله ، فإنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) قال : إذا جاءكم مَن تَرضون خُلُقه ودينه فزوّجوه ، ألاّ تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير ) .
تركني أبي عند هذه النقطة غارقاً في تأمّلاتي ، ومُستعرضاً بنقدٍ جارح عادات وتقاليد اجتماعيّة ضارّة ، نشأت خلال تراكمات زمنيّة سيّئة ، فترسّخت ضاربةً أطنابها في مجتمعاتنا .
فالإسلام يدعو الى تخفيف تكاليف الزواج ، والتقاليد تخالفه .
والإسلام يدعو الى تقليل المهور ، والتقاليد تخالفه .
والإسلام يقول : تزوّجوا ولا تخشوا الفقر ، ونحن نُخالفه .
والإسلام يضع في اعتباره الخُلُق والدين مقياساً للزوج اللائق المناسب ، والمجتمع يضَع مقاييس أُخرى ، ربّما في مقدّمتها الثروة والوجاهة والطبقة الاجتماعيّة .
* وما أنْ قاربت الساعة الخامسة حتّى توجّهنا أنا وأبي الى حيث بيت جارنا أبي عليّ وحفلة العقد .
وسأصف لكم حفلة عقد قران علي كما شاهدتها.
صالة الاستقبال مكتظّة بالمدعوّين المهنّئين ، الملابس الأنيقة المترفة تملأَ عينيك أنّى تلفَّتَّ . فرَحٌ مكتوم يكحل أعين الجالسين ، الأضواء تُرفرف في سماء الصالة المشعّة بالبياض ، المزدانة بالنور ، بينما راحت باقات من وردٍ أبيض ، وأُخرى مِن وردٍ بنفسجي تتفتّح توّاً أو تكاد ، تتمايل مثقلةً بحملها أو متثاقلة فتضفي على جو الصّالة نكهةً براءة ذات سحرٍ سرّيٍّ غامض .
العريس عليّ يجلس في صدر الصالة ، قرب بابٍ داخلي مُغلق ، ويجلس الى جواره سيّد مهيب الطلعة ، تبدو عليه سيماء الصلاح والوقار والطيبة ، ويطغى على تقاطيع وجهه بهاءٌ رزين .
الصالة الفخمة ضاجّة بالصمت ، بينما راح السيّد المهيب الوقور يَقرع جدار الصمت بصوته القويّ الرصين ، وهو يُخاطب العروس مِن وراء الباب المغلق ، بعد أنْ قرأ بعض الآيات القرآنيّة الكريمة والأحاديث الشريفة قائلاً : أترضين يا فاطمة ، بأنْ أكون وكيلك ، على أنْ أزوّجك مِن الشاب عليّ بن محمّد بمهرٍ قدره ( 500 ) درهم نقداً ، فإنْ رضيت بذلك فقولي أنتَ وكيلي .
فأجابت العروس بصوتٍ خفيض ، حيي لا يكاد يُسمع ، قائلةً :
أنتَ وكيلي .
وما أنْ قالت جملة ( أنت وكيلي ) وقَبِل السيّد وكالتها حتّى علت ( الهلاهيل ) ـ الزغاريد ـ وسَط الدار ، كأجراس متّصلة ، تتقاطع أحياناً ، وتنفرد أحياناً أُخرى .
وعلت الابتسامة الوجوه ، وتوجّه ذلك السيّد الرزين الوقور صوب الشاب عليّ قائلاً له : زوّجتك موكّلتي فاطمة بنت أحمد على مهر قدره ( خمسمِئة ) درهم نقداً ، فأجاب العريس عليّ مباشرةً من دون فصل : قَبِلتُ التزويج .
* ولماذا هذا المهر القليل يا أبتي ؟
ــ إنّه مهر السُنّة وقد سنَّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) مهور المؤمنات من أُمّته خمسمِئة درهم مِن الفضّة في ذلك الوقت وهو زهيدٌ كما ترى .
* قلت لأبي : وهل يحقّ للعروس فاطمة أنْ تُزوِّج نفسها مِن دون توسّط هذا ( السيّد العاقد ) .
قال : نعم يحقُّ للزوجين إجراء العقد بنفسيهما دون توسّط أحد ، ويحقُّ لأحدهما أو كليهما توكيل مَن ينوب عنهما في إجراء العقد ويُرجّح أنْ يتطابق الإيجاب والقبول .
* كيف ؟
ــ إذا قالت الزوجة مثلاً : ( زوَّجتك نفسي ) ، يقول الزوج مباشرةً مِن دون فصل ( قبلت التزويج ) ولا يقول ( قبلت النكاح ) .
هذا إذا كان الزواج زواجاً دائميّاً .
* وهل هناك زواج غير دائم ؟
ــ نعم هناك زواج مؤقّت تتعيّن فيه المدّة والمهر ، وتتحدّد المدّة بيومٍ مثلاً أو شهرٍ أو سنة أو ما شاكل ذلك ممّا لا يزيد على عُمر احدهما عادةً ويحقّ للزوجين فيه تماماً ـ كما في الزواج الدائم ـ مباشرةً العقد بنفسيهما أو توكيل مَن ينوب عنهما فيه ، فلو باشر الزوجان العقد غير الدائم بنفسيهما فقالت المرأة للرجل مثلاً : ( زوّجتك نفسي مدّة سنة بمِئة دينار ) ، قال الرجل مباشرةً من دون فصل ( قبلت التزويج ) صحّ العقد .
* وإذا تمّ ذلك ؟
ــ إذا تمّ ذلك ، فستصبح المرأة زوجة ، تحلّ لزوجها مدّة العقد ، مِن دون توارث بينهما ، ولا يجب على الزوج الإنفاق عليها ، ولا المبيت عندها .
فإذا انتهت المدّة المتّفق عليها ، حرمت عليه ، بينما تحلّ المرأة في العقد الدائم لزوجها مدى الحياة ما لم يطلِّقها .