الكتب الفتوائية » الفتاوى الميسّـرة
البحث في:
حواريّة الذباحة والصيد ←
→ حواريّة الخُمس
حواريّة التجارة وما يُلحق بها
ــ هل تودّ أنْ تمتهن التجارة ؟ إذن فتفقه في دينك .
قال ذلك أبي وأردف :
( مَن أراد التجارة فليتفقّه في دِينه ؛ لِيعلَم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرُم عليه ، ومَن لم يتفقّه في دينه ثُمّ اتّجر تورّط في الشبُهات ) .
بهذا الحِوار المعزّز بنصٍ شريف للإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليهما السلام ) ، بدأ أبي حواريّة التجارة ليشير الى قضيّةٍ قال : إنّه غَفّل عنها الكثيرون أو تغافلوا فتورّطوا في الشبُهات .
ولمّا كنت لم أدرك بعد كنه وسرّ هذا الربط بين الفقه والتجارة سألت أبي :
* وما علاقة الفقه بالتجارة يا أبي ؟
قال موضحاً بنبرةٍ هادئةٍ مستعيناً بحركةٍ بسيطةٍ ليديه :
ــ لقد كفل لنا التشريع الإسلامي معالجة مُختلف جوانب حياتنا الاقتصاديّة ، بما يضمن العدالة وحُسن استثمار وتوزيع وانتقال الثروة بين مختلف أفراد وطبَقَات المجتمع لما فيه خيرٌ ومصلحةٌ وسعادة الجميع .
وطبيعي أنْ يُؤسّس المشرّع الإسلامي ـ لأجل تطبيق مبدئه الاقتصادي مِن خلال منظوره ذاك ـ عدّة ضوابط تُجيز أو تَحظر بعض الأنشطة الاَقتصاديّة أحياناً ، أو تضيّق أو توسِّع قنَوَات بعضٍ منها أحياناً أُخرى .
فهو يوجِب على المكلّف السعي للتكسّب لمعيشة نفسه ، ولضمان معيشة مَن يجِب عليه الإنفاق عليهم ، كالزوجة والأولاد والأبوين عند حاجتهم إذا لم يكن المكلّف واجداً لها .
وهو إذ يُلزمه بالسعي لكسب لقمة العيش لا يترك له الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزاولة أيٍّ من الإعمال والنشاطات يقع اختياره عليها ، فهناك من الأنشطة التجاريّة ما يحرم مزاولتة أو مباشرته .
* مثلاً ؟
بيع الخمر مثلاً والبيرة حرام .
وبيع الكلاب ـ عدا كلب الصيد ـ حرام .
وبيع الخنزير حرام .
وبيع الميتة النجِسة ـ مثلاً ـ بما في ذلك لُحوم وجُلود الحيوانات المذبوحة بطريقة غير شرعيّة حرام .
وغصب المال وبيعه حرام .
وبيع ما لا ينتفع به إلاّ بالحرام مثل آلات القمار وآلات اللهو المحرّم كالمزمار حرام .
والغش حرام .
والربا حرام .
واحتكار الطعام ـ والمقصود به هنا القوت الغالب لأهل البلَد ـ واحتكار ما يتوقّف عليه تهيئة الطعام كالوقود ، وما يُعدُّ مِن مقوّماته كالملح والسمن انتظاراً لزيادة قيمتها السوقيّة مع حاجة المسلمين ، أو من يلحق بهم من النفوس المحترمة إليها وعدَم وجود من يطرحها في الأسواق حرام .
والرشوة على القضاء بالحقّ أو الباطل حرام .
واللعب بآلات القمار كالشطرنج والدومنة والطاولي مع الرهن ، بل اللعب بالشطرنج والطاولي [ونحوهما] مِن دونِ رهنٍ أيضاً حرام .
وزيادة أحدٍ في ثمن شيءٍ لا يُريد شراءه حقيقةً ، بل مِن أجل أنْ يسمعه غيره فيزيد في سِعر ذلك الشيء بعد زيادته حرام [وإِنْ خلا عن تغرير الغير وغشّه] .
وشراء المأخوذ بالقمار أو السرقة حرام ، وغيرها .
* هذه كلّها محرّمات . فهل هناك مكروهات ؟
ــ نعم ، هناك من الأنشطة التجاريّة ما هو مرجوح عند المشرّع الإسلامي ، ولكن رغبة تركه واجتنابه والنأي عنه غير ملزمة للمكلّفين فهو مكروه لا محرّم .
* اِضرب لي مثلاً ؟
ــ بيع العقار مثلاً مكروه إِلاّ أنْ يشتري بثمنه عقاراً آخر .
وبيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة مِن غير زيادةٍ مكروهٌ ، وأمّا مع الزيادة فحرام .
والاَقتراض مِن مستحدَث النّعمة مكروه .
كما يُكره للإنسان أنْ يمتهن الجزارة ( ذبح الحيوان ) والحِجامة أو يحترف بيع الأكفان وهناك غيرها .
قال ذلك أبي وأضاف : ثمّ إِنّ بعضاً مِن أساليب وطرائق التعامل في الأنشطة التجاريّة مكروهٌ لدى المشرّع الإسلامي .
* مثلاً ؟
ــ يُكره كتمان العيب إذا لم يُؤدِّ الى غشٍّ مثلاً . أمّا إذا أدّى الى غشٍّ فهو حرام .
ويُكره الحِلف في المعاملة إذا كان صادقاً ، أمّا الحِلف الكاذب فهو حرام .
ويُكره زيادة الربّح على المؤمن إذا زاد ذلك الربح على مقدار الحاجة إليه .
ويُكره طلَب تنقيص السعر بعد البيع .
ويُكره البيع في المكان المظلِم الذي لا يظهر فيه عيب السلعة .
ويُكره مدح البائع سلعته وذمّ المشتري لها .
وغيرها .
* هذه كلّها مكروهات فهل هناك مستحبّات ؟
ــ نعم هناك من الأنشطة التجاريّة ما هو مرغوبٌ فيه لدى المشرّع الإسلامي ومحبوب له . ولكنّه غير ملزم للمكلّفين ولا واجب عليهم فهو مستحب .
* اضرب لي مثلاً على ما تقول ؟
ــ مثلاً : إقراض المؤمن بغير طلب الزيادة مستحب .
وشراء العقار مستحبٌّ .
وإعطاء المال لِمَن يُتاجر به وفق نسبة معيّنة مِن الرّبح للطرفين مستحبٌّ .
كما أنّ بعضاً مِن أساليب وطرائق الأنشطة التجاريّة محبوبةً للمشرِّع الإسلامي ومرغوب فيها .
* مثلاً :
ــ مثلاً يستحبُّ التسوية بين المبتاعين في الثمن ، إِلاّ لمرجّح كالفقر فيحسُن أنْ لا يفرّق البائع بين المشتري المُماكِس ـ ذلك الذي يلحّ على تخفيض السعر ـ وبين غيره ممّن يشتري دون مماطلة أو مماكسة .
ويُستحبُّ للبائع أنْ يقيل النادم . وهو الذي يشتري البضاعة ثُمّ يندم على شرائها ويرغب بإعادتها لبائعها واسترجاع ثمنها .
ويُستحبُّ للإنسان أنْ يأخذ الناقص ويعطي الراجح .
ويُستحب التساهل في الثمن .
ويُستحب فتح الباب والجلوس في المحل لعلّه يبيع .
ويُستحبّ التعرّض للرزق وطلبه والتصدّي له .
ويُستحبّ الإحسان في البيع والسماح فيه .
ويُستحب اختيار وشراء الجيّد وبيعه .
ويُستحبُّ الاغتراب في طلب الرزق والتبكير إليه .
وغيرها .
أضاف أبي :
كما أنّ بعضاً مِن الأنشطة التجاريّة وأساليبها غير محبوبة لدى المشرِّع الإسلامي ، ولا مبغوضةً له فالإنسان مخيّر بين فعلها وتركها مِن دون ترجيح للفعل أو الترك ، فهي مباحةٌ كما هو حال الكثير من الأنشطة التجاريّة السائدة اليوم .
قال ذلك أبي وعقّب عليه :
ثُمّ إنّ المشرِّع الإسلامي ـ إضافةً الى ذلك كلّه ـ يشترط شروطاً فيما يُباع ، وشروطاً في نفس البيع ، وشروطاً فيمن يبيع ويشتري .
وما الذي يشترط فيما يُباع ؟
ــ شروط عدّة :
1 ـ العِلم بمقدار ما يُباع وزناً أو كيلاً أو عدداً أو مساحةً حسب اِختلاف الأجناس فيما تقدّر به .
2 ـ القدرة على تسليم المبيع ، فلا يجوز مثلاً بيع السمك وهو في النهر ، ولا بيع الطائر وهو محلّق في الجو .
نعم يكفي قدرة المشتري على تسلّم المبيع ، كما لو باع الدابّة
الشاردة وكان المشتري قادراً على أخذها .
3 ـ معرفة الخصوصيّات التي تختلف بها الرغبات ، ولو بشكلٍ عام كالألوان والطعوم والجودة والرداءة ، وغير ذلك ممّا يترتّب عليه اختلاف القيمة السوقيّة للمبيع لكلٍّ منها .
4 ـ أنْ لا يتعلّق بالمبيع حقٌّ لأحد يقتضي بقاءه في ملكيّة البائع ، فلا يجوز للراهن بيع الرّهن مِن دون موافقة المرتهن ، كما لا يجوز بيع الوقف إلاّ إذا سقَط عن الانتفاع به في جِهة الوقف أو كان في معرض السقوط .
5 ـ أنْ يكون المبيع من الأعيان كالدار أو الكتاب أو الجهاز مثلاً ، فلا يجوز بيع منفعة الدار .
قال ذلك أبي وأردف مضيفاً :
ــ كما أنّ ما يباع بالوزن في بلدٍ ما لا يصحّ بيعه في ذلك البلد إِلاّ بالوزن .
وما يُباع بالكيل في بلدٍ ما لا يجوز بيعه إِلاّ بالكيل في ذلك البلد .
وهكذا حتّى لا تكون جهالة في البيع .
* اِضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ــ الفاكهة مثلاً تُباع في بلدٍ ما بالوزن فلا يجوز بيعها في ذلك البلد إِلاّ بالوزن .
والحليب مثلاً يُباع في بلدٍ ما باللتر ، فلا يجوز بيعه في ذلك البلد إلاّ باللتر .
وهكذا حذراً مِن حصول الجهالة .
هذهِ جملة مِن الشروط الواجب توفرّها في ما يُباع وما يُشترى .
وهناك بعض ما يُشترط في نفس البيع ، منها : أنّه لا يجوز تعليق البيع على أمرٍ غير حاصل ساعة البيع .
* اضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ــ لا يجوز أنْ تقول للمشتري مثلاً : بعتك داري هذه إذا هلِّ هلال الشهر ، ولا أنْ تقول له : بعتك سيارتي هذه إذا ولِد لي ولدٌ ذكر وغيرها . بل لا بدّ مِن تجديد الاتّفاق ثانيةً بعد ولادة الولد أو بزوغ الهلال مثلاً .
* وما هي الشروط الواجب توفّرها فيمن يبيع ويشتري ، تلك التي أشّرت إليها في حديثك ؟
ــ يُشترط فيمن يبيع أو يشتري : أنْ يكون بالغاً عاقل اً، رشيداً ، قاصداً البيع ، مختاراً غير مُجبَر ولا مُكرَه ، قادراً على التصرّف ، سَواء أكان مالِكاً أم وكيلاً عنه أم مأذوناً منه أو وليّاً عليه .
* ولو أُكره أو أُجبر مالكٌ على بيع ما يملك ؟
ــ لا يصحّ البيع إذا كان ناشئاً عن أمرِ ظالم ، بحيث يخاف المالك ـ لو خالفه ـ ترتّب ضرر على نفسه أو ماله أو مَن يتعلّق به ممّن يهمّه أمرهم .
* أحياناً يُجبر إنسان ما على تغيير محلّ إقامته ظُلماً فيضطرّ إلى أنْ يبيع بعض أملاكه أو حاجيّاته ؟
ــ هذا البيع صحيح .
* قلت لي : يُشترط فيمن يبيع أنْ يكون مالكاً أو وكيلاً أو وليّاً أو مأذوناً ، فلو باع غير هؤلاء كالصّديق أو الجار أو القريب أو ما شاكل ذلك ؟
ــ لا يصحّ البيع غِلاّ إِذا أجازه المالك أو الوكيل أو الولي أو المأذون بالبيع ، وإِلاّ فالبيع باطل .
* ولو تمّ بيع المال المغصوب ثُمّ رضيَ المالك بعد ذلك ببيع ماله ؟
ــ صحّ البيع .
* قلت لي : يُشترط فيمن يبيع ويشتري أنْ يكون بالغاً سنّ التكليف ، فكيف بمال الصبيّ غير البالغ إِذا أراد الصبيُّ بيعه ؟
ــ يصحّ بيعه في الأشياء اليسيرة مِن ماله التي جرت العادة بتصدّي الصبيّ المميّز لمعاملتها ، وأمّا غيرها فلا يصحّ له بيعه ، منفرداً أو مستقلاًّ في المعاملة .
* ومَن يحقُّ له بيع أموال الصبيّ ؟
ــ ذلك هو الوليّ وهو الأب ، والجدّ للأب والوصيّ لأحدهما . والحاكم الشرعي مع فقد مَن سبق ، فيجوز للأب ـ مثلاً ـ بيع مال الصبيّ مع عدم المفسدة فيه كما يجوز للحاكم بيع ماله ـ مع فقد
الأبِّ والجدِّ للأب والوصيّ لأحدهما ـ مراعاةً لمصلحته .
* وهل يحقّ للصبيّ أنْ يتوكّل عن غيره كأبيه أو جدّه في بيع ماله ؟
ــ نعم يحقّ له ذلك .
* ولو تمّ البيع وفق الشروط مارّة الذكر . بيع أيّ شيء ، فهل يحقّ للمشتري أنْ يعيد ما اشتراه ويستعيد الثمن ؟ وهكذا هل يجوز للبائع أنْ يعيد الثمن ويستعيد ما باعه .
ــ يحقّ إلغاء البيع في حالات عدّة :
1 ـ إذا كان البائع والمشتري مازالا بعد مصطحبين في محلّ البيع أو في الطريق مثلاً ولم يتفرقا ، فيحقّ لأيٍّ منهما إلغاء البيع .
* وإذا تفرّقا وذهبَ كلّ منهما لحاله وسبيله ؟
ــ عندئذ يلزم البيع ويثبت .
2 ـ إذا كان البائع أو المشتري مغبوناً فيحقُّ له إلغاء البيع ، فمثلاً إذا باع البائع بأقلِّ من القيمة السوقيّة للبضاعة بفرقٍ واضح غير قابل للتسامح وهو لا يعلم ثُمّ علِم بذلك فيحقّ له إلغاء البيع ، وكذلك إذا اشترى المشتري بأكثر من القيمة السوقيّة للبضاعة وهو لا يدري ، ثُمّ تبيّن له فيحقّ له إرجاع البضاعة واِستعادة ماله الذي دفعه .
3 ـ إذا اعتقد المشتري وجدان البضاعة الشخصيّة الغائبة حين البيع لبعض الصفات ـ أمّا لإخبار البائع أو اعتماداً على رؤيةٍ سابقة ـ فاشتراها ثُمّ تبيّن له بعد ذلك أنّ البضاعة فاقدة لتلك الصفات فيحقّ للمشتري إرجاع البضاعة وإلغاء البيع .
4 ـ إذا اِشترط البائع أو المشتري على الآخر شرطاً يخوِّله بموجبه فسخ البيع خلال مدّةٍ معيّنة فله حقّ فسخه خلال تلك المدّة .
5 ـ إذا تعهّد أحد المتبايعين بالعمل بطريقةٍ معيّنة ولم يعمل وفق ما قال . أو اِشترط المشتري وجود صفةٍ خاصّة بالبضاعة فلم يجدها بعد الشراء ، كان له حقّ إلغاء البيع كما مرّ .
6 ـ إذا اشترى المشتري شيئاً فوجد فيه عيباً جاز له إرجاعه ، كما إذا وجد البائع عيباً في الثمن جاز له إرجاعه واِستعادة البضاعة .
7 ـ إذا تبيّن أنّ بعض الحاجات التي اِشتراها المشتري هي لغير البائع ، ولا يوافق مالكها على بيعها ، جاز للمشتري إلغاء البيع في تمامها .
8 ـ إذا لم يتمكّن البائع مِن تسليم المبيع فللمشتري إلغاء البيع وإبطاله .
9 ـ إذا كان المبيع حيواناً فللمشتري حقَّ إلغاء البيع وإرجاع الحيوان لصاحبه خلال ثلاثة أيّام مِن تاريخ البيع واِستعادة الثمن .
وهكذا لو كان الثمن حيواناً فإنّ للبائع حينئذ حقّ إلغاء البيع وإرجاع الحيوان الى المشتري خلال ثلاثة أيّام مِن تاريخ البيع واستعادة المبيع .
10 ـ إذا أرى البائع بضاعته بأفضل ممّا هي عليه في الواقع
ليرغّب فيها المشتري ، أو يزيد رغبةً فيه فإنّ للمشتري حقّ إرجاعها للبائع واِستعادة ثمنه إذا تبيّن له الحال بعد ذلك .
11 ـ إذا باع البائع بضاعةً معيّنة ، ولم يقبض الثمن ، ولم يسلّم البضاعة حتّى يجيء المشتري بالثمن ، لزم البيع ، وثبت لثلاثة أيّام فقط ، ويحقّ بعدها للبائع إلغاء البيع إذا لم يأت المشتري بالثمن .
هذا إذا أمهله البائع في تأخير تسليم الثمن من غير تعيين مدّة الإمهال .
وإمّا إنْ لم يمهله أبداً فله إلغاء البيع بمجرّد تأخّره في تسليم الثمن.
وإن أمهله مدّةً معيّنة لم يكن له إلغاء البيع قبل مضيّها وإنْ كانت أزيَد من ثلاثة أيّام .
* إذا تمّ الاتّفاق بين البائع والمشتري على تأجيل دفع الثمن وتأخيره ، أقصد البيع بالدين فهل يصحّ هذا ؟
ــ يصحّ ، ولكن يجب أنْ تكون مدّة الدين محدودة غير قابلة للزيادة والنقصان ، لا مبهمة غامضة ، فلو اتّفقا على دفع الثمن حين الحصاد ، بطل البيع ؛ لأنّ موعد الحصاد غير محدّد .
* وإذا حلّ موعد تسديد الدين واتّفقا على تأجيله لمدّةٍ معيّنة مقابل زيادة ؟
ــ لا يجوز ذلك ؛ لأنّه مِن الربا ، والربا محرّم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) .
* يتّفق البائع والمشتري أحياناً على بيع مِئة كيلو من الحنطة بمِئة وعشرين كيلو منها .
ــ هذا مِن الربا وهو محرّم .
* ويتّفقان أحياناً أُخرى على مِئة كيلو من الحنطة بمِئة كيلو مِن الحنطة زائداً خمسين ديناراً ؟
ــ هذا البيع مِن الربا كذلك وهو ـ كما عرفت ـ حرام ، إِلاّ أنْ يُضمّ الى الناقص شيئاً متموّلاً كالمنديل ويُقصد كون الحنطة في أحد الطرفين بإزاء المنديل في الطرف الآخر ، والخمسين ديناراً في ذاك الطرف بإزاء الحنطة في الطرف الأوّل فإنّه حينئذٍ يصحّ البيع مطلقاً ولا يستلزم الربا المحرم .
* وكيف أعرف أنّ هذه المعاملة مِن الربا فأجتنبها ؟
ــ يُشترط في تحقّق الربا بالمعاملة النقديّة شيئان :
1 ـ أنْ يكون كل مِن العِوَضين ممّا يُكال أو يُوزن : كالحنطة أو الشعير أو الرز أو العدَس أو الماش أو الفاكهة أو الذهب أو الفضّة ، وكل ما يوزن أو يكال .
2 ـ أنْ يكونا من جِنسٍ واحد .
وإذا كانت المعاملة نسيئة أي البيع بالأجل فهل يُشترط في تحقّق الربا فيها نفس الأمرين المتقدّمين ؟
ــ [كلا بل يتحقّق الربا فيها مع فقدهما أيضاً في موردين :
أ ـ أنْ يكون كل من العوضين من الموزون أو المكيل مع
الاَختلاف في الجِنس ، كبيعِ مِئة كيلو من الأرُز بمِئة كيلو مِن الحنطة الى شهر .
ب ـ أنْ يكون العِوَضان مِن غير المكيل والموزون مع اتّحادهما في الجنس ، وكون الزّيادة عينيّه كبيع عشر جَوزات بخمسِ عشرة جوزة إلى شهر] .
* هذا يعني أنّه إذا كان كل مِن العوضين يُباع بالعدد مثلاً لا بالوزن أو الكيل كالبيض مثلاً ، أو كان يُباع بالمساحة كالأقمشة التي تُباع بالأمتار وغيرهما فيجوز بيعها بالزيادة إذا كانت المعاملة نقديّة ؟
ــ نعم يجوز بيعها عندئذٍ بزيادة ، فيجوز بيع ثلاثين متراً من القماش بأربعين متراً منها نقداً ، كما يجوز بيع ثلاثين بيضةً بأربعين بيضةً نقداً وهكذا غيرهما .
* والذهب ؟
ــ لا يجوز فيه لأنّه موزون .
* وبيع الذهب المصوغ بأكثر منه مِن غير المصوغ ، كما هو السائد اليوم عند الصاغة ؟
ــ هذا من الربا ، وهو حرام إِلاّ أنْ يُضمّ شيءٌ مع الناقص كما تقدّم .
لو اختلفت نوعيّة الحنطة كما لو بيعت مِئة كيلو حنطة رديئة بتسعين كيلو حنطة جيدة ، أو الرُز كما لو بيعت مِئة كيلو من العنبَر الجيد بمِئة وعشرين كيلو مِن العنبر الرديء ، وهكذا غيرهما ؟
ــ كذلك لا يجوز بيع كهذا ؛ لأنّه ربا إلاّ مع الضميمة كما سبَق .
* ولو بيعت مِئة كيلو مِن الحنطة بسبعين كيلو مِن الرز ؟
ــ يجوز البيع نقداً ؛ لأنّ الحنطة جنس والرز جنسٌ آخر ، مع ملاحظة أنّ الحنطة والشعير في الربا جنسٌ واحد ، فلا يجوز بيع مِئة كيلو مِن الحنطة مثلاً بمِئةٍ وخمسين كيلو مِن الشعير بمفرده ، كما أنّ التمور بأنواعها المختلفة جنسٌ واحد ، والحنطة والدقيق منها والخبز منها جنس واحد ، والحليب واللبن والجبن من نوعِ حيوانٍ واحد جنسٌ واحد ، والرطب والتمر والدِّبس جنسٌ واحد ؛ لأنّ الأصل وما يتفرّع عنه يعتبر جنساً واحداً [دائما] .
ــ هذا ، وهناك نوع آخر من الربا يسمى بــ ( ربا القرض ) .
* وما ربا القرض ؟
ــ ربا القرض أنْ يشترط المُقرِض زيادة في الدَّين على المقترض كأنْ يُقرضه ألفَ دينارٍ على أنْ يدفع له بعد فترة مِن الزمن ألفا ومِئة دينار وهو كذلك محرّم . محرّم عليهما معاً ( المقرض والمقترض ) .
* ربا القرض إذن دين بفائدة ، أمّا الدين بلا فائدة ؟
ــ إقراض المؤمن دون فائدة مِن المستحبّات الأكيدة ، كما قُلت لك من قَبل ، وخاصّة لذوي الحاجة والعوز منهم فعَن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه ).
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام ) : ( مكتوبٌ على باب الجنّة : الصدَقة بعشرة والقرض بثمانية عشَر ) .
* كان هذا هو حال القرض ، وحبّذا لو تذكر لي بعض أحكام الشركة ، فقد عرفت أنّ أخي ينوي الاشتراك مع صديقٍ له في عملٍ تجاري .
ــ الشركة جائزة بين شريكين بالغين عاقلين مختارين غير مُجبرين مع عدم الحجْر عليهما لسفهٍ أو فلَس .
قال ذلك أبي ثُمّ أضاف :
ويقَع عقد الشركة على أنحاءٍ مختلفة ومنها ما يصطلح عليه بالشركة الاذنيّة ، ويتوقّف على كون رأس مال الشركة الذي يُساهم الطرَفان في تكوينه مشاعاً بينهما بأحدِ أسباب الإشاعة كالامتزاج والتشريك ، ويحقّ فيه لكلٍّ من الشريكين أو الشركاء فسخُ العقد وإلغاء الشركة وكذا المطالبة بتقسيم المال المشترك ، إذا كان ذلك لا يؤدّي الى ضرر شريكه ضرراً ملموساً ، فإذا فسخه أحدهما لم يجز للآخر التصرّف في المال المشترك ، ويلحق كلاًّ من الشريكين من الربح والخسران بنسبةِ ماله فإنْ تساويا في الحصّة كان الربح والخسران بينهما بالسويّة ، وإن اختلفا فنسبة كلٍّ منهما من الربح والخسارة بنسبة ما وضَع من مال .
* وإذا اتّفق الشريكان على زيادةٍ لأحدهما في الربح ، لأنّه يقوم بالعمل أو لأنّ عمله أكثر أو أهمّ مِن عمل شريكه أو لا لشيءٍ من ذلك ؟
ــ الاتّفاق صحيحٌ ونافذ .
* وإذا تلف بيد مَن يعمل منهما شيءٌ من مال الشركة ؟
ــ الشريك العامل أمينٌ فلا يضمن التلف إلاّ بالتعدّي أو التفريط .
* وهناك معاملة أُخرى سائدة بين الناس تشبه الشركة ، وهي أنْ يدفع مالكٌ أمواله لشخصٍ قادر على التجارة ليُتاجر بها ، على أنْ يكون الربح بينهما بنسبةٍ محدّدة كالنصف أو الثلث أو الربع ؟
ــ هذه المعاملة صحيحة إذا اتفقا وكانا بالغيَن عاقلَين رشيدَين مختارَين ، وكان المالك غيرُ محجورٍ عليه لفلَس ، وتسمّى بالمضاربة .
* والعامل ؟
ــ يجوز أنْ يكون محجوراً عليه لفلَس إذا لم يستلزم الاتّفاق تصرّفه في أمواله التي حُجِر عليها . ثُمّ إِنّه يحقّ لكلٍّ من المالك والعامل إلغاء الاتفاق قبل الشروع بالعمل أو بعده ، قبل تحقق الربح أو بعده ، ولا خُسران على العامل إذا لم يفرّط أو لم يتعدّ .
* وإذا اِشترط صاحب المال على العامل أنْ تكون تمام الخسارة على العامل ؟
ــ هذا الشرط صحيح ولكن نتيجته أنْ تكون تمام الربح للعامل أيضاً مِن دون مشاركة المالك فيه .
، وإذا اشترط أنْ تكون الخسارة عليهما معاً كالربح ؟
ــ هذا الشرط باطل ، نعم إذا اشترط على العامل أنْ يتدارك
جزءاً من الخسارة أو تمامها ، وتعويضها مِن ماله الخاص ، صحّ الشرط ولزِم الوفاء به .
* وإذا اختلفا في مقدار نصيب العامل ، فادّعى المالك نسبةً أقل ، وادّعى العامل نسبةً أكثر ، ولا بينّة للعامل ؟
ــ القول قول المالك ، يأخذ به الحاكم الشرعي عند رفع القضيّة إليه مع حِلفه عليه ما لم يكن مخالفاً للظاهر .
* وكيف يكون مخالفاً للظاهر ؟
ــ مثاله ما إذا ادّعى المالك قلّة نصيب العامل مِن الربح بمقدار لا يُجعل عادةً للعامل كواحد في الألف وادّعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف .
* وإذا ادّعى العامل تلف البضاعة ، أو الخسارة ، أو عدم الربح وأنكر قوله المالك ؟
ــ القول قول العامل عند المراجعة الى الحاكم الشرعي ما لم يكن مخالفاً للظاهر ، كما إذا ادّعى تلف البضاعة بحريقٍ أصابها وحدَها دون سائر الأموال التي كانت في ضمنها .
* وإذا ادّعى المالك أنْ العامل قد خان أو فرط في الأموال ؟
ــ القول قول العامل يأخُذ به ـ كسابقه ـ الحاكم الشرعي عند المراجعة بالشرط المتقدّم .
* أحياناً يوكّل إنسانٌ إنساناً آخَر ليقوم مقامه في عملٍ كان هو
يُباشره ، كأن يوكّل إنسانٌ إنساناً آخَر بأنْ يبيع داره أو محلّه أو ما شاكل ، فهل لهذه شروط خاصّة ؟
ــ نعم يُعتبر في الوكيل والموكّل أنْ يكونا عاقلَين قاصدَين إجراء الوكالة مختارين غير مجبرَين عليها ، كما يُعتبر في الموكّل البلوغ إلاّ فيما تصحّ مباشرته من الصبيّ المميّز .
* وهل هناك لفظة معيّنة للوكالة أو صيغة محدّدة ؟
ــ كلا ، فليس للوكالة لفظٌ محدّد ولا صيغة معيّنة ، ويكفي فيها كلّ ما يدلّ عليها مِن قولٍ أو فعلٍ أو كتابة ، وتبطل الوكالة بموتِ الوكيل أو الموكل .
* أحياناً يؤجِّر الإنسان داره أو دكّانه أو نحوهما أو يؤجّر نفسه لعملٍ كالخياطة أو البناء أو السياقة مثلاً ، فماذا يعتبر في الإجارة وما هي أحكامها ؟
ــ تصحّ الإجارة من المالك أو الوكيل أو الولي ، وتصحّ من الآخرين إذا أجازها بعد ذلك المالك أو الوكيل أو الولي ، ويعتبر في المؤجّر والمستأجر البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجْر لسفهٍ أو فلَس ، نعم تصحّ إجارة المُفلِس نفسه .
ويعتبر فيما يؤجّر كالمحل أنْ يكون معيّناً محدّداً ، وأنْ يُشاهده المستأجر أو يعلم مِن خلال الوصف خصوصيّاته وأنْ يتمكّن المؤجّر مِن تسليمه للمستأجر . نعم يكفي تمكّن المستأجر من الاستيلاء عليه وأنْ يكون قابلاً للانتفاع به لِما قصده المستأجر مع بقاء عينه ، وأنْ يكون ذلك الانتفاع محلّلاً فلا تصحّ إجارة المحل مثلاً لبيع الخمر ، وهكذا غيره من المحرّمات .
* وهل للإجازة لفظ محدّد ؟
ــ ليس للإجارة لفظٌ محدّد ، بل يكفي في صحّتها كلّ فعلٍ يدلّ عليها ، فيكفي للأخرس مثلاً أنْ يشير إشارةً مُفهِمةً للإيجار أو الاستئجار ، فتصحّ إجارته .
* وإذا استأجر إنسانٌ بيتاً أو محلاًّ واشترط عليه المؤجّر أنْ يسكنه هو دون غيره أو يعمل فيه هو دون غيره ، فهل يحقّ للمستأجر أنْ يؤجّره غيره ؟
ــ كلا لا يحقُّ له ذلك .
* إذا لم يشترط عليه المؤجّر شرطاً كهذا ؟
ــ للمستأجر حينئذٍ الحقّ في إيجاره لغيره ، شرط أنْ لا يؤجّره بالأكثر قيمة ممّا أستأجره به ، إِلاّ أنْ يرمّمه أو يصبغه أو يعمّره أو ما شاكل ، هذا في الدار والسفينة والحانوت [وكذلك في غيرهما مِن الأعيان المستأجرة ، بما في ذلك الأراضي الزراعيّة] .
قال ذلك أبي ثُمّ أضاف .
ولا تصحّ الإجارة إلاّ إذا حُدِّدَت مدّتها ، فمَن أجّر داراً يجب أنْ يُحدّد مدّة إجارته ، ومَن أجّر محلاًّ يجب أنْ يُحدّد مدّة إجارته وهكذا .
* اِضرب لي مثلاً على إجارةٍ غير محدّدة وبالتالي فهي غير صحيحة ؟
ــ لو قال المالك للمستأجر : ( آجرتك داري كلّ شهر بمِئة دينار مهما أقمت فيها ) . فالإجارة غير صحيحة .
ولو قال المالك للمستأجر : ( آجرتك محلّي لهذا الشهر فقط بخمسين ديناراً ، وكلّما أقمت بعد ذلك فبحسابه ) . فالإجارة صحيحة بالنسبة للشهر الأوّل فقط وباطلة في غيرها .
هذا إذا كانت المعاملة السابقة بعنوان الإجارة ، ويُمكن أنْ تُعالج وِفْق عناوين أُخرى لا مجال هنا لذكرها .
* وإذا سلمَّ المؤجّر داره أو محلّه للمستأجر ؟
ــ وجب على المستأجر تسليم الأُجرة .
* وإذا انهدمت الدار أثناء مدّة الإجارة وهي بيد المستأجر ؟
ــ إذا لم يُقصّر المستأجر في حفظها ولم يتعدّ فيتسبّب في هدمها فهو غير مسؤول عن ذلك .
ولو آجر مؤجّر سيّارته لمستأجرٍ مثلاً ؟
ــ وجب تحديد كيفيّة استخدامها فهل هي للركوب ، أو لحمل البضاعة ، أو لكليهما معاً ، وهكذا في بقيّة الأشياء الأُخرى يجب تعيين نوع المنفعة .
* وإذا أجرها لنقل كمّية مِن اللحوم المذبوحة بطريقةٍ غير شرعيّة ليبيعها على مَن يستحلّها ؟
ــ ألم أقل لك سابقاً : لا تصحّ إجارة محلٍّ لبيع الخمر ؟ [هذه مثلها لا تصحّ كذلك] .
* لو وكلِّ مالكٌ شخصاً ليستأجر له عمّالاً بأجرٍ معيّن فاستأجرهم الوكيل بأقلّ ممّا حدّد المالك ؟
ـ يحرم على الوكيل أخذ الزيادة ويجب إعادتها الى المالك .
* ولو استأجر مالكٌ دارَ صبّاغاً لصبغِ داره بصبغ حُدِّد للصبّاغ نوعه ولونه ومواصفاته ، فصبغه الصبّاغ بغيره .
ــ لم يستحقّ الصبّاغ أُجرةً أصلاً .
* بقي أنْ أَسأَلُك عن ( السرقفليّة ) أو ( الخلوّ ) ؟
ــ السرقفليّة تقع على أنحاءٍ مختلفة.. منها أنْ يتّفق المالك والمستأجر في ضِمن عقد الإيجار على أنْ يأخذ المالك مبلغاً معيّناً من المال ، ويبقى للمستأجر حقّ استغلال المحلّ بعد انتهاء مدّة الإيجار إِزاء مبلغ معيّن سنويّاً ، أو إزاء ما يُعادل الأُجرة السنويّة المتعارفة للمحلّ في كلِّ سنة .
فإذا اتّفقا على هذا النحو جاز للمستأجر أنْ يبقى في المحلّ بعد انتهاء مدّة الإجارة ، ويدفع الى المالك المبلغ المتّفق عليه كما يحقّ له التنازل عن حقّه هذا لشخصٍ ثالث ويُخلّي له المحلّ إزاء مبلغٍ يتّفقان بشأنه ، ولا يُشترط في الحالتين إذن المالك ورضاه بعد ما وافق منذ البداية على المستأجر حقّ استغلال المحلّ والاستفادة منه بعد انتهاء مدّة الإجارة .
* لو أهدى إنسانٌ إنساناً شيئاً ما ، دون مقابل ووَهَبه إيّاه فهل لذلك شروطٌ معيّنة مِن وجهة نظر المشرّع الإسلامي ؟
ــ نعم يُعتبر في الواهب المُهدي أنْ يكون بالغاً عاقلاً قاصداً الإهداء ، مختاراً غير مُجبَرٍ ولا محجورٍ عليه فيما وهبه ، فإنّه حينئذٍ تصحّ هديّته أو هِبته بما في ذلك هديّة أو هِبة المريض وهو في مرَض الموت ، فهي تنفذ بمقدار الثلث فما دونه ، أمّا فيما هو أكثر من ذلك فيصحّ بإجازة الوَرَثَة .
ــ والهِبة عقدٌ يحتاج الى إيجاب وقَبول ويكفي فيهما كلّ ما يدلّ عليهما مِن قولٍ أو فعلٍ كما يحتاج الى القبض أي أنّ يقبض الموهوب له العين الموهوبة إذا لم تكن هي بالأصل عنده .
* وإذا لم تكن عند الموهوب له ، ولم يقبضها من الواهب ؟
ــ تبقى على ملك مالكها الأوّل حتّى يتسلّمها الموهوب له في حياة الواهب فتنتقل الى ملكه .
* وكيف يُمكن قبض مثل الدار لو أُعطيَت هديّة ؟
ــ إذا رفع الواهب يده عن الدار أو العقار وأخلاه وجعله تحت سيطرة الموهوب له فقد تمّ التسليم والقبض وصحّت الهديّة أو الهبة .
* ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض أو التسليم ؟
بطلت الهديّة أو الهِبة وانتقل الشيء الموهوب الى وارث الشخص الواهب .
أحيانا يجد الإنسان حاجةً أو مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فيلتقطه ؟
ــ هنا عدّة حالات :
1 ـ أنْ لا يوجد في المال الملتقط علامة ( أي ميزة يُمكن أنْ يصفه بها صاحبه فيتوصّل بها إليه ) ، وفي هذه الحالة يجوز للملتقط أنْ يأخذه لنفسه .
2 ـ أنْ يكون في المال الملتقط علامة وكانت قيمته دون الدرهم الشرعي أي 6\12 حمّصة من الفضّة المسكوكة ، وفي هذه الحالة لا يجب على الملتقط الفحص عن مالكه ولكن [ ليس له أيضا أنْ يأخذه لنفسه ، بل يَتصدّق به على فقير] .
3 ـ أنْ يكون في المال الملتقط علامة وتكون قيمته درهماً أو يزيد ، وفي هذه الحالة يجب على الملتقط المبادرة الى التعريف به ، والتحرّي عن مالكه مِن تاريخ الالتقاط واِلى تمام السنة ، ويجب أنْ يكون التعريف به في أماكن تجمّع الناس كالأسواق والمحلاّت العامّة والمجالِس وغيرها حيث يتوقّع وجود صاحبه هناك .
* إذا لم يعثُر على المالك ؟
ــ إذا لم يعثر الملتقط على المالك وكانت اللقطة في حرم مكّة المكرّمة [تصدّق بها عن مالكها] ، وإذا كانت في أيّ مكان آخر تخيّر الملتقط بين أمرين : إمّا أنْ يحفظها لمالكها وله حينئذٍ حقّ الانتفاع بها مع التحّفظ على عينها ، وإمّا أنْ يتصدّق بها عن مالِكها [وليس له أنْ يتملكها في مطلق الأحوال] .
* لو كان الشيء الملتقط مجموعةً من العملات النقديّة ؟
ــ إذا أمكن معرفة مالكها بسبب بعض خصوصيّاتها ، مثل عددها أو زمانها الخاصّ أو مكانها الخاصّ وجب التعريف بها .
* ولو ادّعى مدّعٍ أنّه مالكها ؟
ــ إذا عُلم صِدقهُ وجَب دفعها إليه ، وإذا وصَفَها وكان وصفَه مطابقاً للحقيقة فحصّل الاطمئنان بصدِقه وجَب كذلك دفعها إليه .
* تقول الاطمئنان ، وإذا لم يحصل الاطمئنان بصدقه ، بل حصل الظن ؟
ــ لا يكفي حصول الظن .
* كان هذا هو حكم مالٍ ملتقط لم يُعرف صاحبه ، أمّا إذا استولى إنسانٌ ما على أموالٍ أو حاجات أو عقار من إنسانٍ آخر ظلماً وعدواناً وغصباً ؟
ــ الغصب من كبائر المحرّمات ، ويُعذَّب الغاصب يوم القيامة بأشدِّ أنواع العذاب ، فقد رُوي عن النبيّ الأكرم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن غصَب شِبراً مِن الأرض طوّقه الله مِن سَبع أرَضين يوم القيامة ) .
ويجب على الغاصب رَدِّ المغصوب الى مالِكه داراً كان الشيء المغصوب أو نقوداً أو حاجات أو غير ذلك .
* وإذا أعاد الدار المغصوبة الى صاحبها فهل تبرأ ذمّته ؟
* لا ، بل يغرم له مقدار أجرة مثل تلك الدار أيضاً .
* حتّى لو لم يسكنها غاصبها ؟
ــ نعم يغرم أجرتها حتّى لو لم يسكنها في تلك المدّة ؛ لأنّه فوّت عليه استيفاء منفعة مُلكه ، فكأنّه قد أتلفها عليه فيضمنها له .
* لو غصَب إنسانٌ أرضاً فغرسها وزرعها ؟
ــ على الغاصب إزالة غرسِه وزرعه فوراً ، مع أُجرة مثل هذا المقدار من استغلاله للأرض ، بل لو استلزم قلع الغرس والزرع نقصاناً في قيمة الأرض بسبب القلع وجب على الغاصب التعويض بدفع بدل النقصان ، هذا إذا لم يرضَ المالك ببقائه في الأرض مجّاناً أو بأُجرة ، وإلاّ لم تجب على الغاصب إزالته ، بل يجوز له إبقاؤه فيها بالنحو الذي يرضى به المالك .
* وإذا تلف المغصوب عند الغصب دون تعمّدٍ منه ؟
ــ يجب عليه ردّ عوضه الى مالكه وعوض منافعه المستوفاة والمفوّتة .
* وكيف يُردّ عليه عوضه ؟
ــ المغصوب ، على نوعين :
1 ـ القيمي : وهو الذي لا يكثر وجود ما يُماثله تماما في الخصوصيّات والمشخَّصات ، التي تختلف باختلافها الرغَبَات كالبقر والغنم.. وهذا النوع يُردّ الغاصب قيمته يوم التلف .
2 ـ المثلي : وهو الذي يكثُر ما يُماثله تماماً في الخصوصيّات والمشخّصات كالحنطة والشعير فيلزم الغاصب ردّ مثله ، شريطة أنْ يتّحد المثل المدفوع مع التالف في جميع الخصوصيّات النوعيّة والصنفيّة فلا يجزي الرديء من الحنطة ـ مثلاً ـ عن النوعيّة الجيدة منها .
* وإذا أُخذَت غصباً سلعةٌ من غاصبها الأوّل ، ثُمّ تلفت السلعة ؟
ــ يحقّ لصاحبها مطالبة أيٌّ مِن الغاصبين شاء ببدلها من المثل أو القيمة سَواء غاصبها الأوّل أو غاصبها الثاني ، لكن لو رجَع المالك على الغاصب الأوّل كان له أنْ يُطالب الثاني بما غرمه للمالك دون العكس .
* إذا علِم المالك بوجود ماله المغصوب عند الغاصب ؟
ــ يحقّ له انتزاعه من يدِ غاصبه ولو بالقوّة . قال ذلك أبي وأضاف : وإذا وقَع في يده مالٌ للغاصب جاز له أخذه بدل المال المغصوب لو كان مساوياً له في القيمة .
* وإذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من المال المغصوب ؟
ــ يجوز لصاحب المال المغصوب أخذ حصّةً منه مساويةًّ لقيمة ماله المغصوب يَستوفي بها حقّه .
قبل أنْ تختم حواريّة اليوم أحبُّ أن أسالك سؤالاً
شخصيّا ً.
ــ تفضّل .
كثيراً ما أُشاهدك تدفع الصدقة .
ــ نعم ، ولكن كيف لاحظتني فأنا حين أتصدّق أُحاول أنْ لا يراني أحد ؛ ذلك أنّ الصدقة المستحبّة إذا دُفعت سِرّاً كانت أفضل ممّا لو دُفعت جهراً أمام أعيُن الناس ، فقد كان إمامك عليّ بن الحسين (عليه السلام ) يقول : ( صدقةُ السرّ تُطفئ غضَب الربّ ) .
* وهل يُعتبر في الصدقة شيء ؟
ــ يعتبر في الصدقة قَصدُ القُربى لله تعالى .
* وهل لها وقتٌ محدّد ؟
ــ كلا.. ولكن يُستحبُّ التبكير بها ، فإنّ التبكير بها يدفع شرَّ ذلك اليوم ، ويُستحبُّ دفعها في أوّل الليل كذلك فإنّ دفْعها في أوّل الليل يدفَع شرَّ الليل .
يقول معلّى بن خنيس : ( خرج أبو عبد الله ( عليه السلام ) في ليلةٍ قد رشّت السماء ، وهو يُريد ظلّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا هو قد سقَط منه شيء ، فقال : ( بسم الله اللّهم ردّ علينا ) . قال : فأتيته فسلّمت عليه ، فقال : ( أنت معلى ؟ ) قلت : نعم ، جُعلْتُ فِداك ، وقال لي : ( التمس بيدك فما وجدت مِن شيء فادفعه إليّ ) . قال : فإذا بخبزٍ منتثر فجعلت أدفع إليه ما وجدته فإذا أنا بجراب مِن خبز ، فقلت : جُعلت فِداك أحمله عنك، فقال : ( لا ، أنا أولى به منك ولكن امض معي ) .
قال : فأتينا ظلّة بني
ساعدة فإذا نحن بقومٍ نيام ، فجعَل يدسّ الرغيف والرغيفين تحت ثوب كلّ واحدٍ منهم حتّى أتى على آخره . ثُمّ انصرفنا . فقلت : جُعلت فِداك يعرف هؤلاء الحق ؟ فقال : ( لو عرفوا لواسيناهم بالدقة ـ والدقة هي المِلح ـ إنّ الله لم يخلق شيئاً إِلاّ وله خازن يخزنه ، الاّ الصدقة ، فإِنّ الربَّ تبارك وتعالى يليها بنفسه وكان أبي إِذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثمّ أرتده منه وقبله وشمّه ثُم ردّه في يد السائل ، وذلك أنّها تقع في يد الله قبل أنْ تقع في يد السائل ) .
* أفهم من هذه القصّة أنّ للصدقة فضلاً عظيماً ؟
ــ نعم فقد تواترت الروايات في الحثّ عليها والترغيب فيها . فورد أنّها دواء المريض ، وبها يُدفع البلاء وقد أُبرم إبراماً ، وبها يُستَنزَل الرزق ، وبها يُقضى الدين ، وإنّها تَزيد في المال ، وتَدفع ميتة السوء والداء ، و..، و... إلى أنْ عدَّ سبعين باباً من أبواب السوء تسدّ .
ولكن رغم كلّ هذا الفضل للصدقة فإنّ التوسعة على العيال أفضل مِن الصدقة على غيرهم . كما أنّ الصدقة على القريب المُحتاج أفضل من الصدقَة على غيره ، وأفضل منها الصدقة على الرحم المُعادي .
* على الرحم المعادي ؟
ــ نعم الرحم المعادي .
ــ وأفضل من الصدقة القرض . نعم أفضل من الصدقة الإقراض كما سبق نقل الرواية فيها .
حواريّة الذباحة والصيد ←
→ حواريّة الخُمس
قال ذلك أبي وأردف :
( مَن أراد التجارة فليتفقّه في دِينه ؛ لِيعلَم بذلك ما يحلّ له ممّا يحرُم عليه ، ومَن لم يتفقّه في دينه ثُمّ اتّجر تورّط في الشبُهات ) .
بهذا الحِوار المعزّز بنصٍ شريف للإمام جعفر بن محمّد الصادق ( عليهما السلام ) ، بدأ أبي حواريّة التجارة ليشير الى قضيّةٍ قال : إنّه غَفّل عنها الكثيرون أو تغافلوا فتورّطوا في الشبُهات .
ولمّا كنت لم أدرك بعد كنه وسرّ هذا الربط بين الفقه والتجارة سألت أبي :
* وما علاقة الفقه بالتجارة يا أبي ؟
قال موضحاً بنبرةٍ هادئةٍ مستعيناً بحركةٍ بسيطةٍ ليديه :
ــ لقد كفل لنا التشريع الإسلامي معالجة مُختلف جوانب حياتنا الاقتصاديّة ، بما يضمن العدالة وحُسن استثمار وتوزيع وانتقال الثروة بين مختلف أفراد وطبَقَات المجتمع لما فيه خيرٌ ومصلحةٌ وسعادة الجميع .
وطبيعي أنْ يُؤسّس المشرّع الإسلامي ـ لأجل تطبيق مبدئه الاقتصادي مِن خلال منظوره ذاك ـ عدّة ضوابط تُجيز أو تَحظر بعض الأنشطة الاَقتصاديّة أحياناً ، أو تضيّق أو توسِّع قنَوَات بعضٍ منها أحياناً أُخرى .
فهو يوجِب على المكلّف السعي للتكسّب لمعيشة نفسه ، ولضمان معيشة مَن يجِب عليه الإنفاق عليهم ، كالزوجة والأولاد والأبوين عند حاجتهم إذا لم يكن المكلّف واجداً لها .
وهو إذ يُلزمه بالسعي لكسب لقمة العيش لا يترك له الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزاولة أيٍّ من الإعمال والنشاطات يقع اختياره عليها ، فهناك من الأنشطة التجاريّة ما يحرم مزاولتة أو مباشرته .
* مثلاً ؟
بيع الخمر مثلاً والبيرة حرام .
وبيع الكلاب ـ عدا كلب الصيد ـ حرام .
وبيع الخنزير حرام .
وبيع الميتة النجِسة ـ مثلاً ـ بما في ذلك لُحوم وجُلود الحيوانات المذبوحة بطريقة غير شرعيّة حرام .
وغصب المال وبيعه حرام .
وبيع ما لا ينتفع به إلاّ بالحرام مثل آلات القمار وآلات اللهو المحرّم كالمزمار حرام .
والغش حرام .
والربا حرام .
واحتكار الطعام ـ والمقصود به هنا القوت الغالب لأهل البلَد ـ واحتكار ما يتوقّف عليه تهيئة الطعام كالوقود ، وما يُعدُّ مِن مقوّماته كالملح والسمن انتظاراً لزيادة قيمتها السوقيّة مع حاجة المسلمين ، أو من يلحق بهم من النفوس المحترمة إليها وعدَم وجود من يطرحها في الأسواق حرام .
والرشوة على القضاء بالحقّ أو الباطل حرام .
واللعب بآلات القمار كالشطرنج والدومنة والطاولي مع الرهن ، بل اللعب بالشطرنج والطاولي [ونحوهما] مِن دونِ رهنٍ أيضاً حرام .
وزيادة أحدٍ في ثمن شيءٍ لا يُريد شراءه حقيقةً ، بل مِن أجل أنْ يسمعه غيره فيزيد في سِعر ذلك الشيء بعد زيادته حرام [وإِنْ خلا عن تغرير الغير وغشّه] .
وشراء المأخوذ بالقمار أو السرقة حرام ، وغيرها .
* هذه كلّها محرّمات . فهل هناك مكروهات ؟
ــ نعم ، هناك من الأنشطة التجاريّة ما هو مرجوح عند المشرّع الإسلامي ، ولكن رغبة تركه واجتنابه والنأي عنه غير ملزمة للمكلّفين فهو مكروه لا محرّم .
* اِضرب لي مثلاً ؟
ــ بيع العقار مثلاً مكروه إِلاّ أنْ يشتري بثمنه عقاراً آخر .
وبيع الذهب بالذهب أو الفضّة بالفضّة مِن غير زيادةٍ مكروهٌ ، وأمّا مع الزيادة فحرام .
والاَقتراض مِن مستحدَث النّعمة مكروه .
كما يُكره للإنسان أنْ يمتهن الجزارة ( ذبح الحيوان ) والحِجامة أو يحترف بيع الأكفان وهناك غيرها .
قال ذلك أبي وأضاف : ثمّ إِنّ بعضاً مِن أساليب وطرائق التعامل في الأنشطة التجاريّة مكروهٌ لدى المشرّع الإسلامي .
* مثلاً ؟
ــ يُكره كتمان العيب إذا لم يُؤدِّ الى غشٍّ مثلاً . أمّا إذا أدّى الى غشٍّ فهو حرام .
ويُكره الحِلف في المعاملة إذا كان صادقاً ، أمّا الحِلف الكاذب فهو حرام .
ويُكره زيادة الربّح على المؤمن إذا زاد ذلك الربح على مقدار الحاجة إليه .
ويُكره طلَب تنقيص السعر بعد البيع .
ويُكره البيع في المكان المظلِم الذي لا يظهر فيه عيب السلعة .
ويُكره مدح البائع سلعته وذمّ المشتري لها .
وغيرها .
* هذه كلّها مكروهات فهل هناك مستحبّات ؟
ــ نعم هناك من الأنشطة التجاريّة ما هو مرغوبٌ فيه لدى المشرّع الإسلامي ومحبوب له . ولكنّه غير ملزم للمكلّفين ولا واجب عليهم فهو مستحب .
* اضرب لي مثلاً على ما تقول ؟
ــ مثلاً : إقراض المؤمن بغير طلب الزيادة مستحب .
وشراء العقار مستحبٌّ .
وإعطاء المال لِمَن يُتاجر به وفق نسبة معيّنة مِن الرّبح للطرفين مستحبٌّ .
كما أنّ بعضاً مِن أساليب وطرائق الأنشطة التجاريّة محبوبةً للمشرِّع الإسلامي ومرغوب فيها .
* مثلاً :
ــ مثلاً يستحبُّ التسوية بين المبتاعين في الثمن ، إِلاّ لمرجّح كالفقر فيحسُن أنْ لا يفرّق البائع بين المشتري المُماكِس ـ ذلك الذي يلحّ على تخفيض السعر ـ وبين غيره ممّن يشتري دون مماطلة أو مماكسة .
ويُستحبُّ للبائع أنْ يقيل النادم . وهو الذي يشتري البضاعة ثُمّ يندم على شرائها ويرغب بإعادتها لبائعها واسترجاع ثمنها .
ويُستحبُّ للإنسان أنْ يأخذ الناقص ويعطي الراجح .
ويُستحب التساهل في الثمن .
ويُستحب فتح الباب والجلوس في المحل لعلّه يبيع .
ويُستحبّ التعرّض للرزق وطلبه والتصدّي له .
ويُستحبّ الإحسان في البيع والسماح فيه .
ويُستحب اختيار وشراء الجيّد وبيعه .
ويُستحبُّ الاغتراب في طلب الرزق والتبكير إليه .
وغيرها .
أضاف أبي :
كما أنّ بعضاً مِن الأنشطة التجاريّة وأساليبها غير محبوبة لدى المشرِّع الإسلامي ، ولا مبغوضةً له فالإنسان مخيّر بين فعلها وتركها مِن دون ترجيح للفعل أو الترك ، فهي مباحةٌ كما هو حال الكثير من الأنشطة التجاريّة السائدة اليوم .
قال ذلك أبي وعقّب عليه :
ثُمّ إنّ المشرِّع الإسلامي ـ إضافةً الى ذلك كلّه ـ يشترط شروطاً فيما يُباع ، وشروطاً في نفس البيع ، وشروطاً فيمن يبيع ويشتري .
وما الذي يشترط فيما يُباع ؟
ــ شروط عدّة :
1 ـ العِلم بمقدار ما يُباع وزناً أو كيلاً أو عدداً أو مساحةً حسب اِختلاف الأجناس فيما تقدّر به .
2 ـ القدرة على تسليم المبيع ، فلا يجوز مثلاً بيع السمك وهو في النهر ، ولا بيع الطائر وهو محلّق في الجو .
نعم يكفي قدرة المشتري على تسلّم المبيع ، كما لو باع الدابّة
الشاردة وكان المشتري قادراً على أخذها .
3 ـ معرفة الخصوصيّات التي تختلف بها الرغبات ، ولو بشكلٍ عام كالألوان والطعوم والجودة والرداءة ، وغير ذلك ممّا يترتّب عليه اختلاف القيمة السوقيّة للمبيع لكلٍّ منها .
4 ـ أنْ لا يتعلّق بالمبيع حقٌّ لأحد يقتضي بقاءه في ملكيّة البائع ، فلا يجوز للراهن بيع الرّهن مِن دون موافقة المرتهن ، كما لا يجوز بيع الوقف إلاّ إذا سقَط عن الانتفاع به في جِهة الوقف أو كان في معرض السقوط .
5 ـ أنْ يكون المبيع من الأعيان كالدار أو الكتاب أو الجهاز مثلاً ، فلا يجوز بيع منفعة الدار .
قال ذلك أبي وأردف مضيفاً :
ــ كما أنّ ما يباع بالوزن في بلدٍ ما لا يصحّ بيعه في ذلك البلد إِلاّ بالوزن .
وما يُباع بالكيل في بلدٍ ما لا يجوز بيعه إِلاّ بالكيل في ذلك البلد .
وهكذا حتّى لا تكون جهالة في البيع .
* اِضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ــ الفاكهة مثلاً تُباع في بلدٍ ما بالوزن فلا يجوز بيعها في ذلك البلد إِلاّ بالوزن .
والحليب مثلاً يُباع في بلدٍ ما باللتر ، فلا يجوز بيعه في ذلك البلد إلاّ باللتر .
وهكذا حذراً مِن حصول الجهالة .
هذهِ جملة مِن الشروط الواجب توفرّها في ما يُباع وما يُشترى .
وهناك بعض ما يُشترط في نفس البيع ، منها : أنّه لا يجوز تعليق البيع على أمرٍ غير حاصل ساعة البيع .
* اضرب لي مثلاً على ذلك ؟
ــ لا يجوز أنْ تقول للمشتري مثلاً : بعتك داري هذه إذا هلِّ هلال الشهر ، ولا أنْ تقول له : بعتك سيارتي هذه إذا ولِد لي ولدٌ ذكر وغيرها . بل لا بدّ مِن تجديد الاتّفاق ثانيةً بعد ولادة الولد أو بزوغ الهلال مثلاً .
* وما هي الشروط الواجب توفّرها فيمن يبيع ويشتري ، تلك التي أشّرت إليها في حديثك ؟
ــ يُشترط فيمن يبيع أو يشتري : أنْ يكون بالغاً عاقل اً، رشيداً ، قاصداً البيع ، مختاراً غير مُجبَر ولا مُكرَه ، قادراً على التصرّف ، سَواء أكان مالِكاً أم وكيلاً عنه أم مأذوناً منه أو وليّاً عليه .
* ولو أُكره أو أُجبر مالكٌ على بيع ما يملك ؟
ــ لا يصحّ البيع إذا كان ناشئاً عن أمرِ ظالم ، بحيث يخاف المالك ـ لو خالفه ـ ترتّب ضرر على نفسه أو ماله أو مَن يتعلّق به ممّن يهمّه أمرهم .
* أحياناً يُجبر إنسان ما على تغيير محلّ إقامته ظُلماً فيضطرّ إلى أنْ يبيع بعض أملاكه أو حاجيّاته ؟
ــ هذا البيع صحيح .
* قلت لي : يُشترط فيمن يبيع أنْ يكون مالكاً أو وكيلاً أو وليّاً أو مأذوناً ، فلو باع غير هؤلاء كالصّديق أو الجار أو القريب أو ما شاكل ذلك ؟
ــ لا يصحّ البيع غِلاّ إِذا أجازه المالك أو الوكيل أو الولي أو المأذون بالبيع ، وإِلاّ فالبيع باطل .
* ولو تمّ بيع المال المغصوب ثُمّ رضيَ المالك بعد ذلك ببيع ماله ؟
ــ صحّ البيع .
* قلت لي : يُشترط فيمن يبيع ويشتري أنْ يكون بالغاً سنّ التكليف ، فكيف بمال الصبيّ غير البالغ إِذا أراد الصبيُّ بيعه ؟
ــ يصحّ بيعه في الأشياء اليسيرة مِن ماله التي جرت العادة بتصدّي الصبيّ المميّز لمعاملتها ، وأمّا غيرها فلا يصحّ له بيعه ، منفرداً أو مستقلاًّ في المعاملة .
* ومَن يحقُّ له بيع أموال الصبيّ ؟
ــ ذلك هو الوليّ وهو الأب ، والجدّ للأب والوصيّ لأحدهما . والحاكم الشرعي مع فقد مَن سبق ، فيجوز للأب ـ مثلاً ـ بيع مال الصبيّ مع عدم المفسدة فيه كما يجوز للحاكم بيع ماله ـ مع فقد
الأبِّ والجدِّ للأب والوصيّ لأحدهما ـ مراعاةً لمصلحته .
* وهل يحقّ للصبيّ أنْ يتوكّل عن غيره كأبيه أو جدّه في بيع ماله ؟
ــ نعم يحقّ له ذلك .
* ولو تمّ البيع وفق الشروط مارّة الذكر . بيع أيّ شيء ، فهل يحقّ للمشتري أنْ يعيد ما اشتراه ويستعيد الثمن ؟ وهكذا هل يجوز للبائع أنْ يعيد الثمن ويستعيد ما باعه .
ــ يحقّ إلغاء البيع في حالات عدّة :
1 ـ إذا كان البائع والمشتري مازالا بعد مصطحبين في محلّ البيع أو في الطريق مثلاً ولم يتفرقا ، فيحقّ لأيٍّ منهما إلغاء البيع .
* وإذا تفرّقا وذهبَ كلّ منهما لحاله وسبيله ؟
ــ عندئذ يلزم البيع ويثبت .
2 ـ إذا كان البائع أو المشتري مغبوناً فيحقُّ له إلغاء البيع ، فمثلاً إذا باع البائع بأقلِّ من القيمة السوقيّة للبضاعة بفرقٍ واضح غير قابل للتسامح وهو لا يعلم ثُمّ علِم بذلك فيحقّ له إلغاء البيع ، وكذلك إذا اشترى المشتري بأكثر من القيمة السوقيّة للبضاعة وهو لا يدري ، ثُمّ تبيّن له فيحقّ له إرجاع البضاعة واِستعادة ماله الذي دفعه .
3 ـ إذا اعتقد المشتري وجدان البضاعة الشخصيّة الغائبة حين البيع لبعض الصفات ـ أمّا لإخبار البائع أو اعتماداً على رؤيةٍ سابقة ـ فاشتراها ثُمّ تبيّن له بعد ذلك أنّ البضاعة فاقدة لتلك الصفات فيحقّ للمشتري إرجاع البضاعة وإلغاء البيع .
4 ـ إذا اِشترط البائع أو المشتري على الآخر شرطاً يخوِّله بموجبه فسخ البيع خلال مدّةٍ معيّنة فله حقّ فسخه خلال تلك المدّة .
5 ـ إذا تعهّد أحد المتبايعين بالعمل بطريقةٍ معيّنة ولم يعمل وفق ما قال . أو اِشترط المشتري وجود صفةٍ خاصّة بالبضاعة فلم يجدها بعد الشراء ، كان له حقّ إلغاء البيع كما مرّ .
6 ـ إذا اشترى المشتري شيئاً فوجد فيه عيباً جاز له إرجاعه ، كما إذا وجد البائع عيباً في الثمن جاز له إرجاعه واِستعادة البضاعة .
7 ـ إذا تبيّن أنّ بعض الحاجات التي اِشتراها المشتري هي لغير البائع ، ولا يوافق مالكها على بيعها ، جاز للمشتري إلغاء البيع في تمامها .
8 ـ إذا لم يتمكّن البائع مِن تسليم المبيع فللمشتري إلغاء البيع وإبطاله .
9 ـ إذا كان المبيع حيواناً فللمشتري حقَّ إلغاء البيع وإرجاع الحيوان لصاحبه خلال ثلاثة أيّام مِن تاريخ البيع واِستعادة الثمن .
وهكذا لو كان الثمن حيواناً فإنّ للبائع حينئذ حقّ إلغاء البيع وإرجاع الحيوان الى المشتري خلال ثلاثة أيّام مِن تاريخ البيع واستعادة المبيع .
10 ـ إذا أرى البائع بضاعته بأفضل ممّا هي عليه في الواقع
ليرغّب فيها المشتري ، أو يزيد رغبةً فيه فإنّ للمشتري حقّ إرجاعها للبائع واِستعادة ثمنه إذا تبيّن له الحال بعد ذلك .
11 ـ إذا باع البائع بضاعةً معيّنة ، ولم يقبض الثمن ، ولم يسلّم البضاعة حتّى يجيء المشتري بالثمن ، لزم البيع ، وثبت لثلاثة أيّام فقط ، ويحقّ بعدها للبائع إلغاء البيع إذا لم يأت المشتري بالثمن .
هذا إذا أمهله البائع في تأخير تسليم الثمن من غير تعيين مدّة الإمهال .
وإمّا إنْ لم يمهله أبداً فله إلغاء البيع بمجرّد تأخّره في تسليم الثمن.
وإن أمهله مدّةً معيّنة لم يكن له إلغاء البيع قبل مضيّها وإنْ كانت أزيَد من ثلاثة أيّام .
* إذا تمّ الاتّفاق بين البائع والمشتري على تأجيل دفع الثمن وتأخيره ، أقصد البيع بالدين فهل يصحّ هذا ؟
ــ يصحّ ، ولكن يجب أنْ تكون مدّة الدين محدودة غير قابلة للزيادة والنقصان ، لا مبهمة غامضة ، فلو اتّفقا على دفع الثمن حين الحصاد ، بطل البيع ؛ لأنّ موعد الحصاد غير محدّد .
* وإذا حلّ موعد تسديد الدين واتّفقا على تأجيله لمدّةٍ معيّنة مقابل زيادة ؟
ــ لا يجوز ذلك ؛ لأنّه مِن الربا ، والربا محرّم ، قال الله تعالى في كتابه الكريم : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) .
* يتّفق البائع والمشتري أحياناً على بيع مِئة كيلو من الحنطة بمِئة وعشرين كيلو منها .
ــ هذا مِن الربا وهو محرّم .
* ويتّفقان أحياناً أُخرى على مِئة كيلو من الحنطة بمِئة كيلو مِن الحنطة زائداً خمسين ديناراً ؟
ــ هذا البيع مِن الربا كذلك وهو ـ كما عرفت ـ حرام ، إِلاّ أنْ يُضمّ الى الناقص شيئاً متموّلاً كالمنديل ويُقصد كون الحنطة في أحد الطرفين بإزاء المنديل في الطرف الآخر ، والخمسين ديناراً في ذاك الطرف بإزاء الحنطة في الطرف الأوّل فإنّه حينئذٍ يصحّ البيع مطلقاً ولا يستلزم الربا المحرم .
* وكيف أعرف أنّ هذه المعاملة مِن الربا فأجتنبها ؟
ــ يُشترط في تحقّق الربا بالمعاملة النقديّة شيئان :
1 ـ أنْ يكون كل مِن العِوَضين ممّا يُكال أو يُوزن : كالحنطة أو الشعير أو الرز أو العدَس أو الماش أو الفاكهة أو الذهب أو الفضّة ، وكل ما يوزن أو يكال .
2 ـ أنْ يكونا من جِنسٍ واحد .
وإذا كانت المعاملة نسيئة أي البيع بالأجل فهل يُشترط في تحقّق الربا فيها نفس الأمرين المتقدّمين ؟
ــ [كلا بل يتحقّق الربا فيها مع فقدهما أيضاً في موردين :
أ ـ أنْ يكون كل من العوضين من الموزون أو المكيل مع
الاَختلاف في الجِنس ، كبيعِ مِئة كيلو من الأرُز بمِئة كيلو مِن الحنطة الى شهر .
ب ـ أنْ يكون العِوَضان مِن غير المكيل والموزون مع اتّحادهما في الجنس ، وكون الزّيادة عينيّه كبيع عشر جَوزات بخمسِ عشرة جوزة إلى شهر] .
* هذا يعني أنّه إذا كان كل مِن العوضين يُباع بالعدد مثلاً لا بالوزن أو الكيل كالبيض مثلاً ، أو كان يُباع بالمساحة كالأقمشة التي تُباع بالأمتار وغيرهما فيجوز بيعها بالزيادة إذا كانت المعاملة نقديّة ؟
ــ نعم يجوز بيعها عندئذٍ بزيادة ، فيجوز بيع ثلاثين متراً من القماش بأربعين متراً منها نقداً ، كما يجوز بيع ثلاثين بيضةً بأربعين بيضةً نقداً وهكذا غيرهما .
* والذهب ؟
ــ لا يجوز فيه لأنّه موزون .
* وبيع الذهب المصوغ بأكثر منه مِن غير المصوغ ، كما هو السائد اليوم عند الصاغة ؟
ــ هذا من الربا ، وهو حرام إِلاّ أنْ يُضمّ شيءٌ مع الناقص كما تقدّم .
لو اختلفت نوعيّة الحنطة كما لو بيعت مِئة كيلو حنطة رديئة بتسعين كيلو حنطة جيدة ، أو الرُز كما لو بيعت مِئة كيلو من العنبَر الجيد بمِئة وعشرين كيلو مِن العنبر الرديء ، وهكذا غيرهما ؟
ــ كذلك لا يجوز بيع كهذا ؛ لأنّه ربا إلاّ مع الضميمة كما سبَق .
* ولو بيعت مِئة كيلو مِن الحنطة بسبعين كيلو مِن الرز ؟
ــ يجوز البيع نقداً ؛ لأنّ الحنطة جنس والرز جنسٌ آخر ، مع ملاحظة أنّ الحنطة والشعير في الربا جنسٌ واحد ، فلا يجوز بيع مِئة كيلو مِن الحنطة مثلاً بمِئةٍ وخمسين كيلو مِن الشعير بمفرده ، كما أنّ التمور بأنواعها المختلفة جنسٌ واحد ، والحنطة والدقيق منها والخبز منها جنس واحد ، والحليب واللبن والجبن من نوعِ حيوانٍ واحد جنسٌ واحد ، والرطب والتمر والدِّبس جنسٌ واحد ؛ لأنّ الأصل وما يتفرّع عنه يعتبر جنساً واحداً [دائما] .
ــ هذا ، وهناك نوع آخر من الربا يسمى بــ ( ربا القرض ) .
* وما ربا القرض ؟
ــ ربا القرض أنْ يشترط المُقرِض زيادة في الدَّين على المقترض كأنْ يُقرضه ألفَ دينارٍ على أنْ يدفع له بعد فترة مِن الزمن ألفا ومِئة دينار وهو كذلك محرّم . محرّم عليهما معاً ( المقرض والمقترض ) .
* ربا القرض إذن دين بفائدة ، أمّا الدين بلا فائدة ؟
ــ إقراض المؤمن دون فائدة مِن المستحبّات الأكيدة ، كما قُلت لك من قَبل ، وخاصّة لذوي الحاجة والعوز منهم فعَن النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة ، وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه ).
وعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام ) : ( مكتوبٌ على باب الجنّة : الصدَقة بعشرة والقرض بثمانية عشَر ) .
* كان هذا هو حال القرض ، وحبّذا لو تذكر لي بعض أحكام الشركة ، فقد عرفت أنّ أخي ينوي الاشتراك مع صديقٍ له في عملٍ تجاري .
ــ الشركة جائزة بين شريكين بالغين عاقلين مختارين غير مُجبرين مع عدم الحجْر عليهما لسفهٍ أو فلَس .
قال ذلك أبي ثُمّ أضاف :
ويقَع عقد الشركة على أنحاءٍ مختلفة ومنها ما يصطلح عليه بالشركة الاذنيّة ، ويتوقّف على كون رأس مال الشركة الذي يُساهم الطرَفان في تكوينه مشاعاً بينهما بأحدِ أسباب الإشاعة كالامتزاج والتشريك ، ويحقّ فيه لكلٍّ من الشريكين أو الشركاء فسخُ العقد وإلغاء الشركة وكذا المطالبة بتقسيم المال المشترك ، إذا كان ذلك لا يؤدّي الى ضرر شريكه ضرراً ملموساً ، فإذا فسخه أحدهما لم يجز للآخر التصرّف في المال المشترك ، ويلحق كلاًّ من الشريكين من الربح والخسران بنسبةِ ماله فإنْ تساويا في الحصّة كان الربح والخسران بينهما بالسويّة ، وإن اختلفا فنسبة كلٍّ منهما من الربح والخسارة بنسبة ما وضَع من مال .
* وإذا اتّفق الشريكان على زيادةٍ لأحدهما في الربح ، لأنّه يقوم بالعمل أو لأنّ عمله أكثر أو أهمّ مِن عمل شريكه أو لا لشيءٍ من ذلك ؟
ــ الاتّفاق صحيحٌ ونافذ .
* وإذا تلف بيد مَن يعمل منهما شيءٌ من مال الشركة ؟
ــ الشريك العامل أمينٌ فلا يضمن التلف إلاّ بالتعدّي أو التفريط .
* وهناك معاملة أُخرى سائدة بين الناس تشبه الشركة ، وهي أنْ يدفع مالكٌ أمواله لشخصٍ قادر على التجارة ليُتاجر بها ، على أنْ يكون الربح بينهما بنسبةٍ محدّدة كالنصف أو الثلث أو الربع ؟
ــ هذه المعاملة صحيحة إذا اتفقا وكانا بالغيَن عاقلَين رشيدَين مختارَين ، وكان المالك غيرُ محجورٍ عليه لفلَس ، وتسمّى بالمضاربة .
* والعامل ؟
ــ يجوز أنْ يكون محجوراً عليه لفلَس إذا لم يستلزم الاتّفاق تصرّفه في أمواله التي حُجِر عليها . ثُمّ إِنّه يحقّ لكلٍّ من المالك والعامل إلغاء الاتفاق قبل الشروع بالعمل أو بعده ، قبل تحقق الربح أو بعده ، ولا خُسران على العامل إذا لم يفرّط أو لم يتعدّ .
* وإذا اِشترط صاحب المال على العامل أنْ تكون تمام الخسارة على العامل ؟
ــ هذا الشرط صحيح ولكن نتيجته أنْ تكون تمام الربح للعامل أيضاً مِن دون مشاركة المالك فيه .
، وإذا اشترط أنْ تكون الخسارة عليهما معاً كالربح ؟
ــ هذا الشرط باطل ، نعم إذا اشترط على العامل أنْ يتدارك
جزءاً من الخسارة أو تمامها ، وتعويضها مِن ماله الخاص ، صحّ الشرط ولزِم الوفاء به .
* وإذا اختلفا في مقدار نصيب العامل ، فادّعى المالك نسبةً أقل ، وادّعى العامل نسبةً أكثر ، ولا بينّة للعامل ؟
ــ القول قول المالك ، يأخذ به الحاكم الشرعي عند رفع القضيّة إليه مع حِلفه عليه ما لم يكن مخالفاً للظاهر .
* وكيف يكون مخالفاً للظاهر ؟
ــ مثاله ما إذا ادّعى المالك قلّة نصيب العامل مِن الربح بمقدار لا يُجعل عادةً للعامل كواحد في الألف وادّعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف .
* وإذا ادّعى العامل تلف البضاعة ، أو الخسارة ، أو عدم الربح وأنكر قوله المالك ؟
ــ القول قول العامل عند المراجعة الى الحاكم الشرعي ما لم يكن مخالفاً للظاهر ، كما إذا ادّعى تلف البضاعة بحريقٍ أصابها وحدَها دون سائر الأموال التي كانت في ضمنها .
* وإذا ادّعى المالك أنْ العامل قد خان أو فرط في الأموال ؟
ــ القول قول العامل يأخُذ به ـ كسابقه ـ الحاكم الشرعي عند المراجعة بالشرط المتقدّم .
* أحياناً يوكّل إنسانٌ إنساناً آخَر ليقوم مقامه في عملٍ كان هو
يُباشره ، كأن يوكّل إنسانٌ إنساناً آخَر بأنْ يبيع داره أو محلّه أو ما شاكل ، فهل لهذه شروط خاصّة ؟
ــ نعم يُعتبر في الوكيل والموكّل أنْ يكونا عاقلَين قاصدَين إجراء الوكالة مختارين غير مجبرَين عليها ، كما يُعتبر في الموكّل البلوغ إلاّ فيما تصحّ مباشرته من الصبيّ المميّز .
* وهل هناك لفظة معيّنة للوكالة أو صيغة محدّدة ؟
ــ كلا ، فليس للوكالة لفظٌ محدّد ولا صيغة معيّنة ، ويكفي فيها كلّ ما يدلّ عليها مِن قولٍ أو فعلٍ أو كتابة ، وتبطل الوكالة بموتِ الوكيل أو الموكل .
* أحياناً يؤجِّر الإنسان داره أو دكّانه أو نحوهما أو يؤجّر نفسه لعملٍ كالخياطة أو البناء أو السياقة مثلاً ، فماذا يعتبر في الإجارة وما هي أحكامها ؟
ــ تصحّ الإجارة من المالك أو الوكيل أو الولي ، وتصحّ من الآخرين إذا أجازها بعد ذلك المالك أو الوكيل أو الولي ، ويعتبر في المؤجّر والمستأجر البلوغ ، والعقل ، والاختيار ، وعدم الحجْر لسفهٍ أو فلَس ، نعم تصحّ إجارة المُفلِس نفسه .
ويعتبر فيما يؤجّر كالمحل أنْ يكون معيّناً محدّداً ، وأنْ يُشاهده المستأجر أو يعلم مِن خلال الوصف خصوصيّاته وأنْ يتمكّن المؤجّر مِن تسليمه للمستأجر . نعم يكفي تمكّن المستأجر من الاستيلاء عليه وأنْ يكون قابلاً للانتفاع به لِما قصده المستأجر مع بقاء عينه ، وأنْ يكون ذلك الانتفاع محلّلاً فلا تصحّ إجارة المحل مثلاً لبيع الخمر ، وهكذا غيره من المحرّمات .
* وهل للإجازة لفظ محدّد ؟
ــ ليس للإجارة لفظٌ محدّد ، بل يكفي في صحّتها كلّ فعلٍ يدلّ عليها ، فيكفي للأخرس مثلاً أنْ يشير إشارةً مُفهِمةً للإيجار أو الاستئجار ، فتصحّ إجارته .
* وإذا استأجر إنسانٌ بيتاً أو محلاًّ واشترط عليه المؤجّر أنْ يسكنه هو دون غيره أو يعمل فيه هو دون غيره ، فهل يحقّ للمستأجر أنْ يؤجّره غيره ؟
ــ كلا لا يحقُّ له ذلك .
* إذا لم يشترط عليه المؤجّر شرطاً كهذا ؟
ــ للمستأجر حينئذٍ الحقّ في إيجاره لغيره ، شرط أنْ لا يؤجّره بالأكثر قيمة ممّا أستأجره به ، إِلاّ أنْ يرمّمه أو يصبغه أو يعمّره أو ما شاكل ، هذا في الدار والسفينة والحانوت [وكذلك في غيرهما مِن الأعيان المستأجرة ، بما في ذلك الأراضي الزراعيّة] .
قال ذلك أبي ثُمّ أضاف .
ولا تصحّ الإجارة إلاّ إذا حُدِّدَت مدّتها ، فمَن أجّر داراً يجب أنْ يُحدّد مدّة إجارته ، ومَن أجّر محلاًّ يجب أنْ يُحدّد مدّة إجارته وهكذا .
* اِضرب لي مثلاً على إجارةٍ غير محدّدة وبالتالي فهي غير صحيحة ؟
ــ لو قال المالك للمستأجر : ( آجرتك داري كلّ شهر بمِئة دينار مهما أقمت فيها ) . فالإجارة غير صحيحة .
ولو قال المالك للمستأجر : ( آجرتك محلّي لهذا الشهر فقط بخمسين ديناراً ، وكلّما أقمت بعد ذلك فبحسابه ) . فالإجارة صحيحة بالنسبة للشهر الأوّل فقط وباطلة في غيرها .
هذا إذا كانت المعاملة السابقة بعنوان الإجارة ، ويُمكن أنْ تُعالج وِفْق عناوين أُخرى لا مجال هنا لذكرها .
* وإذا سلمَّ المؤجّر داره أو محلّه للمستأجر ؟
ــ وجب على المستأجر تسليم الأُجرة .
* وإذا انهدمت الدار أثناء مدّة الإجارة وهي بيد المستأجر ؟
ــ إذا لم يُقصّر المستأجر في حفظها ولم يتعدّ فيتسبّب في هدمها فهو غير مسؤول عن ذلك .
ولو آجر مؤجّر سيّارته لمستأجرٍ مثلاً ؟
ــ وجب تحديد كيفيّة استخدامها فهل هي للركوب ، أو لحمل البضاعة ، أو لكليهما معاً ، وهكذا في بقيّة الأشياء الأُخرى يجب تعيين نوع المنفعة .
* وإذا أجرها لنقل كمّية مِن اللحوم المذبوحة بطريقةٍ غير شرعيّة ليبيعها على مَن يستحلّها ؟
ــ ألم أقل لك سابقاً : لا تصحّ إجارة محلٍّ لبيع الخمر ؟ [هذه مثلها لا تصحّ كذلك] .
* لو وكلِّ مالكٌ شخصاً ليستأجر له عمّالاً بأجرٍ معيّن فاستأجرهم الوكيل بأقلّ ممّا حدّد المالك ؟
ـ يحرم على الوكيل أخذ الزيادة ويجب إعادتها الى المالك .
* ولو استأجر مالكٌ دارَ صبّاغاً لصبغِ داره بصبغ حُدِّد للصبّاغ نوعه ولونه ومواصفاته ، فصبغه الصبّاغ بغيره .
ــ لم يستحقّ الصبّاغ أُجرةً أصلاً .
* بقي أنْ أَسأَلُك عن ( السرقفليّة ) أو ( الخلوّ ) ؟
ــ السرقفليّة تقع على أنحاءٍ مختلفة.. منها أنْ يتّفق المالك والمستأجر في ضِمن عقد الإيجار على أنْ يأخذ المالك مبلغاً معيّناً من المال ، ويبقى للمستأجر حقّ استغلال المحلّ بعد انتهاء مدّة الإيجار إِزاء مبلغ معيّن سنويّاً ، أو إزاء ما يُعادل الأُجرة السنويّة المتعارفة للمحلّ في كلِّ سنة .
فإذا اتّفقا على هذا النحو جاز للمستأجر أنْ يبقى في المحلّ بعد انتهاء مدّة الإجارة ، ويدفع الى المالك المبلغ المتّفق عليه كما يحقّ له التنازل عن حقّه هذا لشخصٍ ثالث ويُخلّي له المحلّ إزاء مبلغٍ يتّفقان بشأنه ، ولا يُشترط في الحالتين إذن المالك ورضاه بعد ما وافق منذ البداية على المستأجر حقّ استغلال المحلّ والاستفادة منه بعد انتهاء مدّة الإجارة .
* لو أهدى إنسانٌ إنساناً شيئاً ما ، دون مقابل ووَهَبه إيّاه فهل لذلك شروطٌ معيّنة مِن وجهة نظر المشرّع الإسلامي ؟
ــ نعم يُعتبر في الواهب المُهدي أنْ يكون بالغاً عاقلاً قاصداً الإهداء ، مختاراً غير مُجبَرٍ ولا محجورٍ عليه فيما وهبه ، فإنّه حينئذٍ تصحّ هديّته أو هِبته بما في ذلك هديّة أو هِبة المريض وهو في مرَض الموت ، فهي تنفذ بمقدار الثلث فما دونه ، أمّا فيما هو أكثر من ذلك فيصحّ بإجازة الوَرَثَة .
ــ والهِبة عقدٌ يحتاج الى إيجاب وقَبول ويكفي فيهما كلّ ما يدلّ عليهما مِن قولٍ أو فعلٍ كما يحتاج الى القبض أي أنّ يقبض الموهوب له العين الموهوبة إذا لم تكن هي بالأصل عنده .
* وإذا لم تكن عند الموهوب له ، ولم يقبضها من الواهب ؟
ــ تبقى على ملك مالكها الأوّل حتّى يتسلّمها الموهوب له في حياة الواهب فتنتقل الى ملكه .
* وكيف يُمكن قبض مثل الدار لو أُعطيَت هديّة ؟
ــ إذا رفع الواهب يده عن الدار أو العقار وأخلاه وجعله تحت سيطرة الموهوب له فقد تمّ التسليم والقبض وصحّت الهديّة أو الهبة .
* ولو مات الواهب أو الموهوب له قبل القبض أو التسليم ؟
بطلت الهديّة أو الهِبة وانتقل الشيء الموهوب الى وارث الشخص الواهب .
أحيانا يجد الإنسان حاجةً أو مالاً ضائعاً لا يعرف صاحبه فيلتقطه ؟
ــ هنا عدّة حالات :
1 ـ أنْ لا يوجد في المال الملتقط علامة ( أي ميزة يُمكن أنْ يصفه بها صاحبه فيتوصّل بها إليه ) ، وفي هذه الحالة يجوز للملتقط أنْ يأخذه لنفسه .
2 ـ أنْ يكون في المال الملتقط علامة وكانت قيمته دون الدرهم الشرعي أي 6\12 حمّصة من الفضّة المسكوكة ، وفي هذه الحالة لا يجب على الملتقط الفحص عن مالكه ولكن [ ليس له أيضا أنْ يأخذه لنفسه ، بل يَتصدّق به على فقير] .
3 ـ أنْ يكون في المال الملتقط علامة وتكون قيمته درهماً أو يزيد ، وفي هذه الحالة يجب على الملتقط المبادرة الى التعريف به ، والتحرّي عن مالكه مِن تاريخ الالتقاط واِلى تمام السنة ، ويجب أنْ يكون التعريف به في أماكن تجمّع الناس كالأسواق والمحلاّت العامّة والمجالِس وغيرها حيث يتوقّع وجود صاحبه هناك .
* إذا لم يعثُر على المالك ؟
ــ إذا لم يعثر الملتقط على المالك وكانت اللقطة في حرم مكّة المكرّمة [تصدّق بها عن مالكها] ، وإذا كانت في أيّ مكان آخر تخيّر الملتقط بين أمرين : إمّا أنْ يحفظها لمالكها وله حينئذٍ حقّ الانتفاع بها مع التحّفظ على عينها ، وإمّا أنْ يتصدّق بها عن مالِكها [وليس له أنْ يتملكها في مطلق الأحوال] .
* لو كان الشيء الملتقط مجموعةً من العملات النقديّة ؟
ــ إذا أمكن معرفة مالكها بسبب بعض خصوصيّاتها ، مثل عددها أو زمانها الخاصّ أو مكانها الخاصّ وجب التعريف بها .
* ولو ادّعى مدّعٍ أنّه مالكها ؟
ــ إذا عُلم صِدقهُ وجَب دفعها إليه ، وإذا وصَفَها وكان وصفَه مطابقاً للحقيقة فحصّل الاطمئنان بصدِقه وجَب كذلك دفعها إليه .
* تقول الاطمئنان ، وإذا لم يحصل الاطمئنان بصدقه ، بل حصل الظن ؟
ــ لا يكفي حصول الظن .
* كان هذا هو حكم مالٍ ملتقط لم يُعرف صاحبه ، أمّا إذا استولى إنسانٌ ما على أموالٍ أو حاجات أو عقار من إنسانٍ آخر ظلماً وعدواناً وغصباً ؟
ــ الغصب من كبائر المحرّمات ، ويُعذَّب الغاصب يوم القيامة بأشدِّ أنواع العذاب ، فقد رُوي عن النبيّ الأكرم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) : ( مَن غصَب شِبراً مِن الأرض طوّقه الله مِن سَبع أرَضين يوم القيامة ) .
ويجب على الغاصب رَدِّ المغصوب الى مالِكه داراً كان الشيء المغصوب أو نقوداً أو حاجات أو غير ذلك .
* وإذا أعاد الدار المغصوبة الى صاحبها فهل تبرأ ذمّته ؟
* لا ، بل يغرم له مقدار أجرة مثل تلك الدار أيضاً .
* حتّى لو لم يسكنها غاصبها ؟
ــ نعم يغرم أجرتها حتّى لو لم يسكنها في تلك المدّة ؛ لأنّه فوّت عليه استيفاء منفعة مُلكه ، فكأنّه قد أتلفها عليه فيضمنها له .
* لو غصَب إنسانٌ أرضاً فغرسها وزرعها ؟
ــ على الغاصب إزالة غرسِه وزرعه فوراً ، مع أُجرة مثل هذا المقدار من استغلاله للأرض ، بل لو استلزم قلع الغرس والزرع نقصاناً في قيمة الأرض بسبب القلع وجب على الغاصب التعويض بدفع بدل النقصان ، هذا إذا لم يرضَ المالك ببقائه في الأرض مجّاناً أو بأُجرة ، وإلاّ لم تجب على الغاصب إزالته ، بل يجوز له إبقاؤه فيها بالنحو الذي يرضى به المالك .
* وإذا تلف المغصوب عند الغصب دون تعمّدٍ منه ؟
ــ يجب عليه ردّ عوضه الى مالكه وعوض منافعه المستوفاة والمفوّتة .
* وكيف يُردّ عليه عوضه ؟
ــ المغصوب ، على نوعين :
1 ـ القيمي : وهو الذي لا يكثر وجود ما يُماثله تماما في الخصوصيّات والمشخَّصات ، التي تختلف باختلافها الرغَبَات كالبقر والغنم.. وهذا النوع يُردّ الغاصب قيمته يوم التلف .
2 ـ المثلي : وهو الذي يكثُر ما يُماثله تماماً في الخصوصيّات والمشخّصات كالحنطة والشعير فيلزم الغاصب ردّ مثله ، شريطة أنْ يتّحد المثل المدفوع مع التالف في جميع الخصوصيّات النوعيّة والصنفيّة فلا يجزي الرديء من الحنطة ـ مثلاً ـ عن النوعيّة الجيدة منها .
* وإذا أُخذَت غصباً سلعةٌ من غاصبها الأوّل ، ثُمّ تلفت السلعة ؟
ــ يحقّ لصاحبها مطالبة أيٌّ مِن الغاصبين شاء ببدلها من المثل أو القيمة سَواء غاصبها الأوّل أو غاصبها الثاني ، لكن لو رجَع المالك على الغاصب الأوّل كان له أنْ يُطالب الثاني بما غرمه للمالك دون العكس .
* إذا علِم المالك بوجود ماله المغصوب عند الغاصب ؟
ــ يحقّ له انتزاعه من يدِ غاصبه ولو بالقوّة . قال ذلك أبي وأضاف : وإذا وقَع في يده مالٌ للغاصب جاز له أخذه بدل المال المغصوب لو كان مساوياً له في القيمة .
* وإذا كان مال الغاصب أكثر قيمة من المال المغصوب ؟
ــ يجوز لصاحب المال المغصوب أخذ حصّةً منه مساويةًّ لقيمة ماله المغصوب يَستوفي بها حقّه .
قبل أنْ تختم حواريّة اليوم أحبُّ أن أسالك سؤالاً
شخصيّا ً.
ــ تفضّل .
كثيراً ما أُشاهدك تدفع الصدقة .
ــ نعم ، ولكن كيف لاحظتني فأنا حين أتصدّق أُحاول أنْ لا يراني أحد ؛ ذلك أنّ الصدقة المستحبّة إذا دُفعت سِرّاً كانت أفضل ممّا لو دُفعت جهراً أمام أعيُن الناس ، فقد كان إمامك عليّ بن الحسين (عليه السلام ) يقول : ( صدقةُ السرّ تُطفئ غضَب الربّ ) .
* وهل يُعتبر في الصدقة شيء ؟
ــ يعتبر في الصدقة قَصدُ القُربى لله تعالى .
* وهل لها وقتٌ محدّد ؟
ــ كلا.. ولكن يُستحبُّ التبكير بها ، فإنّ التبكير بها يدفع شرَّ ذلك اليوم ، ويُستحبُّ دفعها في أوّل الليل كذلك فإنّ دفْعها في أوّل الليل يدفَع شرَّ الليل .
يقول معلّى بن خنيس : ( خرج أبو عبد الله ( عليه السلام ) في ليلةٍ قد رشّت السماء ، وهو يُريد ظلّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا هو قد سقَط منه شيء ، فقال : ( بسم الله اللّهم ردّ علينا ) . قال : فأتيته فسلّمت عليه ، فقال : ( أنت معلى ؟ ) قلت : نعم ، جُعلْتُ فِداك ، وقال لي : ( التمس بيدك فما وجدت مِن شيء فادفعه إليّ ) . قال : فإذا بخبزٍ منتثر فجعلت أدفع إليه ما وجدته فإذا أنا بجراب مِن خبز ، فقلت : جُعلت فِداك أحمله عنك، فقال : ( لا ، أنا أولى به منك ولكن امض معي ) .
قال : فأتينا ظلّة بني
ساعدة فإذا نحن بقومٍ نيام ، فجعَل يدسّ الرغيف والرغيفين تحت ثوب كلّ واحدٍ منهم حتّى أتى على آخره . ثُمّ انصرفنا . فقلت : جُعلت فِداك يعرف هؤلاء الحق ؟ فقال : ( لو عرفوا لواسيناهم بالدقة ـ والدقة هي المِلح ـ إنّ الله لم يخلق شيئاً إِلاّ وله خازن يخزنه ، الاّ الصدقة ، فإِنّ الربَّ تبارك وتعالى يليها بنفسه وكان أبي إِذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثمّ أرتده منه وقبله وشمّه ثُم ردّه في يد السائل ، وذلك أنّها تقع في يد الله قبل أنْ تقع في يد السائل ) .
* أفهم من هذه القصّة أنّ للصدقة فضلاً عظيماً ؟
ــ نعم فقد تواترت الروايات في الحثّ عليها والترغيب فيها . فورد أنّها دواء المريض ، وبها يُدفع البلاء وقد أُبرم إبراماً ، وبها يُستَنزَل الرزق ، وبها يُقضى الدين ، وإنّها تَزيد في المال ، وتَدفع ميتة السوء والداء ، و..، و... إلى أنْ عدَّ سبعين باباً من أبواب السوء تسدّ .
ولكن رغم كلّ هذا الفضل للصدقة فإنّ التوسعة على العيال أفضل مِن الصدقة على غيرهم . كما أنّ الصدقة على القريب المُحتاج أفضل من الصدقَة على غيره ، وأفضل منها الصدقة على الرحم المُعادي .
* على الرحم المعادي ؟
ــ نعم الرحم المعادي .
ــ وأفضل من الصدقة القرض . نعم أفضل من الصدقة الإقراض كما سبق نقل الرواية فيها .