الكتب الفتوائية » الفتاوى الميسّـرة
البحث في:
حواريّة الزّكاة ←
→ تُمسِك عن عدّة أُمور تُسمّى بالمفطرات وهي تسعة
حواريّة الحـجّ
بِوَلِهِ عاشقٍ قديم لم يندمل بعدُ جُرح عشقِه ، وبحرقةِ مُولعٍ متيّمٍ عادَ لتوِّه مِن نعمى لقاءٍ باذخ . راحَ أبي يقُصٌّ عليَّ حَجّته الأُولى ، وفي عينيه فتورٌ مستثار ، وعلى لسانهِ حذَرٌ ناعم ، وفوق فمِه ابتسامةٌ مُشرَبةٌ بحُبٍّ تُحاول أنْ تُفصح عن نفسها ، فيمنعها ـ كما يبدو ـ حياءٌ مهيب ووقارٌ وجلالٌ بهيّ .
قُلت لأبي ـ وقد استثارتني حالته تلك ـ : أراك تتحدّث عن حَجّتك الأُولى كما يتحدّث مغرمٌ عن سعادة وصاله الأَوّل .
قال ـ وقد تهدّج صوته وتكسّر وهو يُخاطبني ـ : وأنا أستعيد معك الآن شريط ذكرياتِ ذلك الشوط المُمتع ، أسترجع بشوقٍ دافق دفءَ وعذوبةَ ونشوةَ ذلك الهوى الممضِّ المبرّح المغروس في القلب :
ألم تقرأ قوله تعالى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ) .
وقوله تعالى ـ على لسان نبيّه إبراهيم ( عليه السلام ) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) .
وها هو ذا فؤادي يهفو ثانيةً الآن كما هفا أوّل مرّةٍ ، لذلك البيت الطاهر في الوادي المُقفِر ، المسكون بجلال الوحي ، الخصيب بالنور والطيب والعِشق الخالص والجمال والمحبّة .
قال أبي ذلك ، ثُم أطرَق إطراقةً خفيفةً وأنشد بصوتٍ خفيض مُناجياً نفسه :
أيا مهجتي وادي الحبيب iiمحمّد * * * خصيب الهوى والزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزهراء والوحي iiوالشذا * * * هنا النور ، فافني في هواه iiوذوبي
ويا مهجتي بين الحطيم iiوزمزم * * * تركت دموعي شافعاً iiلذنوبي
لثمت الثرى سَبعاً وكحلت iiمقلتي * * * بحسن كأسرار السماء iiمهيب
وفي الكعبة الزهراء زينت iiلوعتي * * * وذهّبَ أبواب السماء نحيبي
ثُمّ رفع رأسه وخاطبني قائلاً : هكذا تَعلّق قلبي بالحَجّة الأُولى ، وما أنْ يحلُّ موسم ذلك اللقاء السنَوي حتّى أحنّ له . وقد كنت دعوت ربّي هناك أنْ يرزقني سعادة الحجِّ ثانيةً وثالثةً ورابعة .
وقاطعت أبي باستغراب :
* أوَ يَجِب أنْ يحجّ حجّةً أُولى ثمّ ثانية وثالثة ورابعة ؟
ــ كلاّ ، بل يجب عليك أنْ تحجّ مرّةً واحدة بعد استطاعتك . قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) .
أمّا الحَجّة الثانية والثالثة والرّابعة فهي مِن المستحبّات .
* قصَّ عليَّ إذن قصّة حَجّتك الأُولى تلك التي ولعت بها ؟
ــ بعد أنْ وصلت ( الجُحفَة ) : وهي إحدى الأماكن التي حدّدتها الشريعة الإسلاميّة للإحرام وأسمتها بـ ( مواقيت الإحرام ) ، بعد أنْ وصلتها ونَوَيت الإحرام للعمرة المتمتَّع بها الى الحَجّ متقرِّباً الى الله تعالى خلَعتُ ملابسي ولبِست ثوبَي الإحرام وهما قميصٌ وإزار أبيضان ، ثُمّ لبّيت فقُلتُ بلغةٍ عربيّةٍ صحيحة : ( لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك ) .
وما أنْ قلتُ ( لبّيك ) حتّى ارتعدَت مفاصِلي ، فقد تملّكتني حالةٌ مِن الرّهبة والخُشوع لم أعهدهما في نفسي مِن قَبل ، فتذكّرت حينها ما كان يعتري إِمامك (عليه السلام ) مِن رهبة واصفرار لون وتعثّر لسان ، وتلكّؤ ساعة التلبية خَشيةً مِن الله عزّ وجل وفرقاً منه .
ومذ أحرمتُ فقد حرُم عليَّ الممارسة الجنسيّة بكلِّ أنواعها وأشكالها ، واستعمال الطِّيب ، والنظر في المرآة للزّينة ، والاستظلال مِن الشمس [ والمطَر ] ، ولبس المخيط وما بحكمه والجورب وستر الرأس ، وغيرها ممّا نصّت عليه كُتُب الفقه .
* وبعد أنْ أحرَمتَ ؟
ــ بعد أنْ أحرمتُ توجّهت الى مكّة المكرّمة وأنا متطهّر ، لأطوف حول البيت العتيق أشواطاً سبعة مبتدئاً بالحجَر الأسوَد ومختتماً به ، مُصلّياً بعد فراغي مِن الطواف ركعتين كصلاة الصبح خلف مقام إبراهيم (عليه السلام ) متقرّباً بكلِّ أعمالي مِن العمرة والحجّ الى الله تعالى .
بعد ذلك توجّهت للسعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة كذلك مبتدئاً بالصّفا ومختتماً بالمروة .
ولمّا أتمَمت شَوطِي السابع بالمروة قَصَّرتُ فقَصَصْت شيئاً مِن شعرِ رأسي .
وبالتقصير أتمَمت عمرة الحجّ ، وتحلّلت مِن إِحرامي منتظراً حلول اليوم الثامن مِن ذي الحجّة ( يوم الترْوِيَة ) لأُحرم من مكّة نفسها مرّة أُخرى ، ولكنّ الإحرام للحجّ هذه المرّة لا للعمرة .
وما أنْ حلَّ اليوم الثامن حتّى لبست مئزري وقميصي ثانيةً ، ونويت لإحرام الحجّ ، ولبّيت ، ثمَّ توجّهت لعرفَات بسيارةٍ مكشوفة ، حيث يجِب عليَّ أنْ أقف هناك وأكون ، بِدءاً مِن أوّل ظُهر اليوم التاسع مِن ذي الحجّة الى غروب الشمس .
ولمّا غرُبَت شمس اليوم التاسع وأنا بعرفَات توجّهت الى ( المُزدَلِفة ) فبِتُّ فيها ليلة العاشر مِن ذي الحجّة ، حيث يجب أنْ يطلع عليَّ فجر اليوم العاشر وأنا بالمزدلفة ، وأنْ أبقى بها الى قُبَيل طُلوع الشمس .
وحين طلعَت شمس اليوم العاشر أفَضْتُ من المزدلفة الى ( مِنى ) ومعي حَصيَّات التقطتها مِن المزدلفة ، حيثُ تنتظرني بمنى ثلاثة واجبات يوم ذاك عليَّ أنْ أُودّيها وهي :
1 ـ رمي جمرة العقَبَة بسبع حصيَّات واحدة تلو الأُخرى .
2 ـ النحر أو ذبح الهدي بمنى .
3 ـ الحلق بمنى .
وحين أتممتها وحلقت تحلّلت مِن ما عدا الاستمتاع بالنساء والطيب [والصيد] ، فتوجّهت ثانية الى مكّة لأطوف طواف الحجّ ، وأُصلي صلاة الطواف ، وأسعى بين الصفا والمروة ، كما طُفت وصلّيت وسعيت أوّل وصولي الى مكّة . ولمّا أتمَمتها طُفت طواف النساء ، وصلّيت صلاة الطواف ، ثُم عُدت بعد ذلك كلّه الى منى حيثُ يجب عليَّ أنْ أبيت هناك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، وأبقى بمنى حتّى ما بعد ظهر اليوم الثاني عشر ، رمَيت خلال هذه الفترة الجَمَرات الثلاث : الجمرة الأولى ، والوسطى ، والعقبة ، بالترتيب في اليوم الحادي عشر ثمّ عدت فرميتها ثانية في اليوم الثاني عشر كما رميتها سابقاً .
ولمّا حلَّ ظهر اليوم الثاني عشر وتجاوز ، وأنا بمنى صلّيت الظهر ثُمّ غادرتها وقد انتهيت مِن كلّ واجبات الحجّ .
ورغم الزحام الشديد والشمس اللاهبة والرمل الحارق ، ورغم أنّي أجهدت نفسي ـ كما هو المفروض ـ لأتأكّد تماماً من أنّي واقف بعرفات لا خارجها ، وأنّي بالمزدلفة لا خارجها ، وأنّي بمنى لا خارجها ، رغم ذلك فقد كان الحجّ موسماً خصباً للتوسّل بالله عزّ وجل والتقرّب إليه ، والتعلّق به والوقوف بين يديه والتلذّذ بمناجاته ليل نهار .
بعد ذلك غادرت مكّة المكرّمة ـ وكلّي شوق لها ، وأسفٌ ممضٌ على فراقها ـ للمدينة المنوّرة حيث تشرفّت بزيارة قبر النبيّ الكريم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، وقبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ) عليها السلام ) ، وقبور أئمّة البقيع ( عليهم السلام ) : ( الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، والإمام عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) ، والإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ) ، والإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) .
ثُمّ زيارة المساجد والمشاهد المشرّفة حول المدينة المنوّرة ، وزيارة قبر حمزة عمّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) .
هذه باختصار قصّة حَجّتي الأُولى أوجزتها لك الآن ، وحين تملك مالاً تستطيع به الحجّ بعد تطهيره بإخراج زكاته وخُمسه لو تعلّق به خُمس أو زكاة ، وحينئذٍ سأشرح لك بالتفصيل كلّ خطوةٍ تخطوها هناك .
وفّقك الله لزيارة بيته الحرام ، ونفع بك هناك إِنّه قريب مجيب .
* قبل أنْ تنهي حواريّتنا هذه يا أبتي أحبّ أنْ أسألك عن ( تطهير الأموال ) ، زكاتها وخُمسها تلك التي ذكرتها في حديثك .
ــ ليس الآن ، فالحديث عن الزكاة والخُمس يطول ، وسنفرد لكلّ منهما حواريّةً خاصةً بها إنْ شاء الله .
* ستحدّثني عن الزكاة إذن في حواريّتنا القادمة ، وبعدها عن الخُمس .
ــ كما تُحِب إنْ شاء الله تعالى .
إن شاء الله .
حواريّة الزّكاة ←
→ تُمسِك عن عدّة أُمور تُسمّى بالمفطرات وهي تسعة
قُلت لأبي ـ وقد استثارتني حالته تلك ـ : أراك تتحدّث عن حَجّتك الأُولى كما يتحدّث مغرمٌ عن سعادة وصاله الأَوّل .
قال ـ وقد تهدّج صوته وتكسّر وهو يُخاطبني ـ : وأنا أستعيد معك الآن شريط ذكرياتِ ذلك الشوط المُمتع ، أسترجع بشوقٍ دافق دفءَ وعذوبةَ ونشوةَ ذلك الهوى الممضِّ المبرّح المغروس في القلب :
ألم تقرأ قوله تعالى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ) .
وقوله تعالى ـ على لسان نبيّه إبراهيم ( عليه السلام ) ـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) .
وها هو ذا فؤادي يهفو ثانيةً الآن كما هفا أوّل مرّةٍ ، لذلك البيت الطاهر في الوادي المُقفِر ، المسكون بجلال الوحي ، الخصيب بالنور والطيب والعِشق الخالص والجمال والمحبّة .
قال أبي ذلك ، ثُم أطرَق إطراقةً خفيفةً وأنشد بصوتٍ خفيض مُناجياً نفسه :
أيا مهجتي وادي الحبيب iiمحمّد * * * خصيب الهوى والزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزهراء والوحي iiوالشذا * * * هنا النور ، فافني في هواه iiوذوبي
ويا مهجتي بين الحطيم iiوزمزم * * * تركت دموعي شافعاً iiلذنوبي
لثمت الثرى سَبعاً وكحلت iiمقلتي * * * بحسن كأسرار السماء iiمهيب
وفي الكعبة الزهراء زينت iiلوعتي * * * وذهّبَ أبواب السماء نحيبي
ثُمّ رفع رأسه وخاطبني قائلاً : هكذا تَعلّق قلبي بالحَجّة الأُولى ، وما أنْ يحلُّ موسم ذلك اللقاء السنَوي حتّى أحنّ له . وقد كنت دعوت ربّي هناك أنْ يرزقني سعادة الحجِّ ثانيةً وثالثةً ورابعة .
وقاطعت أبي باستغراب :
* أوَ يَجِب أنْ يحجّ حجّةً أُولى ثمّ ثانية وثالثة ورابعة ؟
ــ كلاّ ، بل يجب عليك أنْ تحجّ مرّةً واحدة بعد استطاعتك . قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) .
أمّا الحَجّة الثانية والثالثة والرّابعة فهي مِن المستحبّات .
* قصَّ عليَّ إذن قصّة حَجّتك الأُولى تلك التي ولعت بها ؟
ــ بعد أنْ وصلت ( الجُحفَة ) : وهي إحدى الأماكن التي حدّدتها الشريعة الإسلاميّة للإحرام وأسمتها بـ ( مواقيت الإحرام ) ، بعد أنْ وصلتها ونَوَيت الإحرام للعمرة المتمتَّع بها الى الحَجّ متقرِّباً الى الله تعالى خلَعتُ ملابسي ولبِست ثوبَي الإحرام وهما قميصٌ وإزار أبيضان ، ثُمّ لبّيت فقُلتُ بلغةٍ عربيّةٍ صحيحة : ( لبّيك اللهم لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمدَ والنّعمة لك والمُلك ، لا شريك لك لبّيك ) .
وما أنْ قلتُ ( لبّيك ) حتّى ارتعدَت مفاصِلي ، فقد تملّكتني حالةٌ مِن الرّهبة والخُشوع لم أعهدهما في نفسي مِن قَبل ، فتذكّرت حينها ما كان يعتري إِمامك (عليه السلام ) مِن رهبة واصفرار لون وتعثّر لسان ، وتلكّؤ ساعة التلبية خَشيةً مِن الله عزّ وجل وفرقاً منه .
ومذ أحرمتُ فقد حرُم عليَّ الممارسة الجنسيّة بكلِّ أنواعها وأشكالها ، واستعمال الطِّيب ، والنظر في المرآة للزّينة ، والاستظلال مِن الشمس [ والمطَر ] ، ولبس المخيط وما بحكمه والجورب وستر الرأس ، وغيرها ممّا نصّت عليه كُتُب الفقه .
* وبعد أنْ أحرَمتَ ؟
ــ بعد أنْ أحرمتُ توجّهت الى مكّة المكرّمة وأنا متطهّر ، لأطوف حول البيت العتيق أشواطاً سبعة مبتدئاً بالحجَر الأسوَد ومختتماً به ، مُصلّياً بعد فراغي مِن الطواف ركعتين كصلاة الصبح خلف مقام إبراهيم (عليه السلام ) متقرّباً بكلِّ أعمالي مِن العمرة والحجّ الى الله تعالى .
بعد ذلك توجّهت للسعي بين الصفا والمروة أشواطاً سبعة كذلك مبتدئاً بالصّفا ومختتماً بالمروة .
ولمّا أتمَمت شَوطِي السابع بالمروة قَصَّرتُ فقَصَصْت شيئاً مِن شعرِ رأسي .
وبالتقصير أتمَمت عمرة الحجّ ، وتحلّلت مِن إِحرامي منتظراً حلول اليوم الثامن مِن ذي الحجّة ( يوم الترْوِيَة ) لأُحرم من مكّة نفسها مرّة أُخرى ، ولكنّ الإحرام للحجّ هذه المرّة لا للعمرة .
وما أنْ حلَّ اليوم الثامن حتّى لبست مئزري وقميصي ثانيةً ، ونويت لإحرام الحجّ ، ولبّيت ، ثمَّ توجّهت لعرفَات بسيارةٍ مكشوفة ، حيث يجِب عليَّ أنْ أقف هناك وأكون ، بِدءاً مِن أوّل ظُهر اليوم التاسع مِن ذي الحجّة الى غروب الشمس .
ولمّا غرُبَت شمس اليوم التاسع وأنا بعرفَات توجّهت الى ( المُزدَلِفة ) فبِتُّ فيها ليلة العاشر مِن ذي الحجّة ، حيث يجب أنْ يطلع عليَّ فجر اليوم العاشر وأنا بالمزدلفة ، وأنْ أبقى بها الى قُبَيل طُلوع الشمس .
وحين طلعَت شمس اليوم العاشر أفَضْتُ من المزدلفة الى ( مِنى ) ومعي حَصيَّات التقطتها مِن المزدلفة ، حيثُ تنتظرني بمنى ثلاثة واجبات يوم ذاك عليَّ أنْ أُودّيها وهي :
1 ـ رمي جمرة العقَبَة بسبع حصيَّات واحدة تلو الأُخرى .
2 ـ النحر أو ذبح الهدي بمنى .
3 ـ الحلق بمنى .
وحين أتممتها وحلقت تحلّلت مِن ما عدا الاستمتاع بالنساء والطيب [والصيد] ، فتوجّهت ثانية الى مكّة لأطوف طواف الحجّ ، وأُصلي صلاة الطواف ، وأسعى بين الصفا والمروة ، كما طُفت وصلّيت وسعيت أوّل وصولي الى مكّة . ولمّا أتمَمتها طُفت طواف النساء ، وصلّيت صلاة الطواف ، ثُم عُدت بعد ذلك كلّه الى منى حيثُ يجب عليَّ أنْ أبيت هناك ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، وأبقى بمنى حتّى ما بعد ظهر اليوم الثاني عشر ، رمَيت خلال هذه الفترة الجَمَرات الثلاث : الجمرة الأولى ، والوسطى ، والعقبة ، بالترتيب في اليوم الحادي عشر ثمّ عدت فرميتها ثانية في اليوم الثاني عشر كما رميتها سابقاً .
ولمّا حلَّ ظهر اليوم الثاني عشر وتجاوز ، وأنا بمنى صلّيت الظهر ثُمّ غادرتها وقد انتهيت مِن كلّ واجبات الحجّ .
ورغم الزحام الشديد والشمس اللاهبة والرمل الحارق ، ورغم أنّي أجهدت نفسي ـ كما هو المفروض ـ لأتأكّد تماماً من أنّي واقف بعرفات لا خارجها ، وأنّي بالمزدلفة لا خارجها ، وأنّي بمنى لا خارجها ، رغم ذلك فقد كان الحجّ موسماً خصباً للتوسّل بالله عزّ وجل والتقرّب إليه ، والتعلّق به والوقوف بين يديه والتلذّذ بمناجاته ليل نهار .
بعد ذلك غادرت مكّة المكرّمة ـ وكلّي شوق لها ، وأسفٌ ممضٌ على فراقها ـ للمدينة المنوّرة حيث تشرفّت بزيارة قبر النبيّ الكريم محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) ، وقبر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ) عليها السلام ) ، وقبور أئمّة البقيع ( عليهم السلام ) : ( الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، والإمام عليّ بن الحسين ( عليهما السلام ) ، والإمام محمّد الباقر ( عليه السلام ) ، والإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) .
ثُمّ زيارة المساجد والمشاهد المشرّفة حول المدينة المنوّرة ، وزيارة قبر حمزة عمّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله ) .
هذه باختصار قصّة حَجّتي الأُولى أوجزتها لك الآن ، وحين تملك مالاً تستطيع به الحجّ بعد تطهيره بإخراج زكاته وخُمسه لو تعلّق به خُمس أو زكاة ، وحينئذٍ سأشرح لك بالتفصيل كلّ خطوةٍ تخطوها هناك .
وفّقك الله لزيارة بيته الحرام ، ونفع بك هناك إِنّه قريب مجيب .
* قبل أنْ تنهي حواريّتنا هذه يا أبتي أحبّ أنْ أسألك عن ( تطهير الأموال ) ، زكاتها وخُمسها تلك التي ذكرتها في حديثك .
ــ ليس الآن ، فالحديث عن الزكاة والخُمس يطول ، وسنفرد لكلّ منهما حواريّةً خاصةً بها إنْ شاء الله .
* ستحدّثني عن الزكاة إذن في حواريّتنا القادمة ، وبعدها عن الخُمس .
ــ كما تُحِب إنْ شاء الله تعالى .
إن شاء الله .