الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثالث (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الأطعمـة والأشـربة » آداب الأكل ←
→ كتاب الأطعمـة والأشـربة » 3. الطـيور
كتاب الأطعمـة والأشـربة » الفصـل الثاني في غير الحيوان
مسألة 910: يحرم تناول الأعيان النجسة وكذا المتنجّسة ما دامت باقية على تنجّسها مائعة كانت أم جامدة.
مسألة 911: إذا وقعت النجاسة في الجسم الجامد - كالسَّمْن والعسل الجامدين - لزم رفع النجاسة وما يكتنفها من الملاقي معها برطوبة ويحلّ الباقي، وإذا كان المائع غليظاً ثخيناً - بأن كان بحيث لو أخذ منه شيء بقي مكانه خالياً حين الأخذ وإن امتلأ بعد ذلك - فهو كالجامد، ولا تسري النجاسة إلى تمام أجزائه إذا لاقت بعضها بل تختصّ النجاسة بالبعض الملاقي لها ويبقى الباقي على طهارته.
مسألة 912: يحرم استعمال كلّ ما يضرّ ضرراً بليغاً بالإنسان، سواء أكان موجباً للهلاك كتناول السموم القاتلة وكشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أم كان موجباً لتعطيل بعض الأعضاء أو فقدان بعض الحواسّ، كاستعمال ما يوجب شلل اليد أو عمى العين، والأحوط استحباباً عدم استعمال الرجل أو المرأة ما يجعله عقيماً لا يقدر على التناسل والإنجاب وإن كان يجوز في حدّ ذاته.
مسألة 913: لا فرق في حرمة استعمال المضرّ - بالحدّ المتقدّم - بين معلوم الضرر ومظنونه بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء ولو بلحاظ الاهتمام بالمحتمل بحيث أوجب الخوف عندهم، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة.
مسألة 914: يجوز للمريض أن يتداوى بما يحتمل فيه الضرر البليغ ويؤدّي إليه أحياناً إذا استصوبه له الطبيب الموثوق به بعد موازنته بين درجتي النفع والضرر احتمالاً ومحتملاً، بل يجوز له المعالجة بما يؤدّي إلى الضرر البليغ إذا كان ما يدفع به أعظم ضرراً وأشدّ خطراً، ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفعاً للسراية المؤدّية إلى الهلاك، ولكن يشترط في ذلك أيضاً أن يكون الإقدام عليه عقلائيّاً، بأن يكون العمل صادراً برأي الطبيب الحاذق المحتاط غير المتسامح ولا المتهوّر .
مسألة 915: ما كان كثيره يضرّ ضرراً بليغاً دون قليله يحرم كثيره دون قليله، ولو فرض العكس كان بالعكس، وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره يحرم منفرداً لا منضمّاً، وما كان بالعكس كان بالعكس.
مسألة 916: ما لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين مثلاً، ولكن يضرّ إدمانه وتكرّر تناوله والتعوّد به يحرم تكراره المضرّ خاصّة.
مسألة 917: يحرم استعمال الترياق ومشتقّاته وسائر أنواع الموادّ المخدّرة إذا كان مستتبعاً للضرر البليغ بالشخص سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منها أم من جهة إدمانه، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً إلّا في حال الضرورة فتستعمل بمقدار ما تدعو الضرورة إليه.
مسألة 918: يحرم أكل الطين وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته، وكذا المدر وهو الطين اليابس، ويلحق بهما التراب والرمل على الأحوط وجوباً، نعم لا بأس بما يختلط به حبوب الحنطة والشعير ونحوهما من التراب والمدر مثلاً ويستهلك في دقيقهما عند الطحن، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار إذا كان قليلاً بحيث لا يعدّ أكلاً للتراب، وكذا الماء المتوحّل أي الممتزج بالطين الباقي على إطلاقه، نعم لو أحسّت الذائقة الأجزاء الطينيّة حين الشرب فالأحوط الأولى الاجتناب عن شربه حتّى يصفو .
مسألة 919: لا يلحق بالطين الأحجار وأنواع المعادن والأشجار فهي حلال كلّها مع عدم الضرر البليغ.
مسألة 920: يستثنى من الطين طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام) للاستشفاء، ولا يجوز أكله لغيره، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة الحجم، ولا يلحق به طين قبر غيره حتّى قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، نعم لا بأس بأن يمزج بماء أو مشروب آخر على نحو يستهلك فيه والتبرّك بالاستشفاء بذلك الماء وذلك المشروب.
مسألة 921: قد ذكر لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية خاصّة، ولكنّها شروط كمالٍ لسرعة تأثيرها لا أنّها شرط لجواز تناولها.
مسألة 922: القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً فالأحوط وجوباً الاقتصار عليه، واستعمالها فيما زاد على ذلك ممزوجة بماء أو مشروب آخر على نحو تستهلك فيه ويستشفى به رجاءً.
مسألة 923: تناول التربة المقدّسة للاستشفاء يكون إمّا بازدرادها وابتلاعها، وإمّا بحلّها في الماء ونحوه وشربه، بقصد التبرّك والشفاء.
مسألة 924: إذا أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّه من تلك التربة المقدّسة بالحدّ المتقدّم فلا إشكال، وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة، وفي كفاية قول الثقة أو ذي اليد إشكال إلّا أن يورث الاطمئنان، والأحوط وجوباً في غير صورة العلم والاطمئنان وقيام البيّنة تناولها ممزوجاً بماء ونحوه بعد استهلاكها فيه.
مسألة 925: يجوز أكل الطين الأرمنيّ والداغستانيّ وغيرهما للتداوي عند انحصار العلاج فيها.
مسألة 926: يحرم شرب الخمر بالضرورة من الدين بحيث يحكم بكفر مستحلِّها مع التفاته إلى أنّ لازمه إنكار رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الجملة بتكذيبه (صلّى الله عليه وآله) في تبليغ حرمتها عن الله تعالى، وقد وردت أخبار كثيرة في تشديد أمرها والتوعيد على ارتكابها، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مَنْ شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يُزوّج إذا خطب، ولا يُشفّع إذا شفع، ولا يُصدّق إذا حدّث، ولا يُعاد إذا مرض، ولا يُشهد له جنازة، ولا يُؤتمن على أمانة)، وفي رواية أُخرى: (لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمول إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها).
وعن الصادق (عليه السلام): (إنّ الخمر أُمّ الخبائث، ورأس كلّ شرّ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربّه، ولا يترك معصية إلّا ركبها، ولا يترك حرمة إلّا انتهكها، ولا رحماً ماسّة إلّا قطعها، ولا فاحشة إلّا أتاها، وإن شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وإن شربها حتّى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة، ولم تقبل صلاته أربعين يوماً)(1)، وفي بعض الروايات: (إنّ مدمن الخمر كعابد الوثن) وقد فسّر المدمن في بعضها بأنّه ليس الذي يشربها كلّ يوم ولكنّه الموطِّن نفسه أنّه إذا وجدها شربها.
مسألة 927: يلحق بالخمر - موضوعاً أو حكماً - كلّ مسكر جامداً كان أم مائعاً، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.
مسألة 928: إذا انقلبت الخمر خلّاً حلّت سواء أكان بنفسها أو بعلاج، وسواء أكان العلاج بدون ممازجة شيء معها كما إذا كان بتدخين أو بمجاورة شيء أو كان بالممازجة، وسواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلّاً - كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثُمَّ انقلبت خلّاً - أم لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب، ويطهر الباقي من المزيج بالتبعيّة كما يطهر بها الإناء، نعم إذا كان الإناء متنجّساً بنجاسة خارجيّة قبل الانقلاب لم يطهر، وكذا إذا وقعت النجاسة فيها قبل أن تنقلب وإن استهلكت فيها.
مسألة 929: الفقّاع حرام، وهو شراب معروف متّخذ من الشعير يوجب النَّشْوَة عادة لا السكر، وليس منه ماء الشعير الذي يستعمله الأطبّاء في معالجاتهم.
مسألة 930: يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس، بل الأحوط الأولى الاجتناب عنه بمجرّد النشيش وإن لم يصل إلى حدّ الغليان، وأمّا العصير الزبيبيّ فلا يحرم بالغليان ما لم يوجب الإسكار، وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب عنه وهكذا الحال في العصير التمريّ.
مسألة 931: الماء الذي تشتمل عليه حبّة العنب بحكم عصيره في تحريمه بالغليان على الأحوط، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه، فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ لم يحكم بحرمتها ما لم يعلم بغليان ما في جوفها من الماء وهو غير حاصل غالباً.
مسألة 932: من المعلوم أنّ الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمقصود بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث يصير في الحلاوة بمثابة عصير العنب، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فتستخرج عصارته، وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فهو ليس من عصيره فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغليّ، وعلى هذا فلا إشكال في وضع الزبيب في المطبوخات مثل الْمَرَق والمحشيّ والطبيخ وإن دخل فيه ماء وغلى فضلاً عمّا إذا شكّ فيه.
مسألة 933: عصير العنب المغليّ - إذا لم يصر مسكراً بالغليان - تزول حرمته بذهاب ثلثيه بحسب الكمّ لا بحسب الثقل، ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو ما يلحق بها كالأسلاك المُحْماة بالكهرباء أو بالأشعّة أو بالشمس أو بالهواء، وأمّا مع صيرورته مسكراً بالغليان - كما ربّما يُدّعى ذلك فيما إذا غلى بنفسه - فلا تزول حرمته إلّا بالتخليل ولا أثر فيه لذهاب الثلثين، وهكذا الحكم في العصير التمريّ والزبيبيّ إذا صارا مسكرين.
مسألة 934: إذا صار العصير المغليّ دِبْساً قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفى ذلك في حلّيّته على الأحوط لزوماً.
مسألة 935: إذا اختلط العصير بالماء ثُمَّ غلى يكفي في حلّيّته ذهاب ثلثي المجموع، فلو صبّ عشرين رطلاً من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثُمَّ طبخه حتّى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال، وبهذه الطريقة يمكن طبخ بعض أقسام العصير ممّا لا يمكن لغلظه أن يطبخ على الثلث لأنّه يحترق ويفسد قبل أن يذهب ثلثاه، فيصبّ فيه الماء بمقداره أو أقلّ منه أو أكثر ثُمَّ يطبخ إلى أن يذهب الثلثان.
مسألة 936: لو صبّ على العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغليّ وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صبّ ثانياً، ولا يحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً، فإذا كان في القِدْر تسعة أكواب من العصير فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ثُمَّ صبّ عليه تسعة أكواب أُخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة.
مسألة 937: إذا صبّ العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه في عصير آخر قد غلى ولم يذهب ثلثاه أيضاً فإن تساويا في المقدار الذاهب كما لو كان الذاهب من كلٍّ منهما ثلثه كفى في الحلّيّة ذهاب البقيّة من المجموع وهي نصفه في المثال.
وأمّا مع عدم تساويهما في ذلك كما لو كان الذاهب من أحدهما نصفه ومن الآخر سدسه فلا بُدَّ لحلّيّة المجموع من أن يذهب منه بنسبة ما كان يلزم ذهابه من العصير الثاني - الذي كان المقدار الذاهب منه أقلّ - إلى المقدار الباقي منه وهي ثلاثة أخماسه في المثال.
مسألة 938: لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل السَّفَرْجَل والتُّفاح وغيرهما ويطبخ فيه، ولكن لا يحلّ المطروح بذهاب ثلثي ما في الإناء من العصير، بل لا بُدَّ من ذهاب ثلثي ما جذبه إلى جوفه منه، فما لم يحرز ذلك لم يحكم بحلّيّته.
مسألة 939: يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم إذا لم يكن ممّن يشربه قبل ذهاب ثلثيه، وفي ثبوته بإخبار العدل الواحد إشكال - إلّا إذا أورث الاطمئنان بصدقه - فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط.
مسألة 940: لا يحرم شيء من الربوب - أي ما يخثر من عصير الثمار - كرُبّ الرمّان والتفّاح وإن شمّ منه رائحة المسكر .
مسألة 941: يحرم تناول مال الغير من دون رضاه وإن كان كافراً محترم المال، وقد ورد: (إنّ من أكل من طعام لم يُدْعَ إليه فكأنّما أكل قطعة من النار ).
مسألة 942: يجوز أن يأكل الإنسان - ولو مع عدم الضرورة - من بيوت من تضمّنته الآية الشريفة في سورة النور، وهم: الآباء والأُمّهات، والإخوان والأخوات، والأعمام والعمّات، والأخوال والخالات، وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوّضاً إليه أُموره وحفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكّله، وهو المراد من ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ المذكور فـي تلك الآيـة الشريفة، وكذا يجوز أن يأكل الصديق من بيت صديقه، وكذا الزوجة من بيت زوجها، والأب والأُمّ من بيت الولد.
وإنّما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز رضا وطيب نفس صاحبها، فيجوز مع الشكّ بل ومع الظنّ بالعدم أيضاً بخلاف غيرها.
والأحوط لزوماً اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه والبقول ونحوها دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزّة.
ويشمل الحكم المذكور غير المأكول من المشروبات المتعارفة من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها.
نعم لا يتعدّى إلى بيوت غيرهم، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنّه يقتصر على ما في البيت من المأكول، فلا يتعدّى إلى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت.
مسألة 943: يباح تناول المحرّمات المتقدّمة في موارد الاضطرار(2)، كتوقّف حفظ نفسه وسدّ رمقه عليه، أو عروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه، أو أداء تركه إلى لحوق الضعف الشديد المفرط المؤدّى إلى التلف أو إلى المرض بالحدّ المتقدّم أو الموجب للتخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب، ومنها ما إذا خيف بتركه على نفس أُخرى محترمة كالحامل تخاف على جنينها والمرضعة على طفلها، بل ومن الاضطرار خوف طول المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة أو عسر علاجه بترك التناول، والمدار في الكلّ على الخوف الحاصل من العلم والظنّ بالترتّب أو الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء ولو لأجل أهمّيّة محتمله.
مسألة 944: إنّما يباح تناول المحرّمات المتقدّمة لمن اضطرّ إليه قهراً لا بسوء اختياره فإنّ الاضطرار بالاختيار لا يكون محلِّلاً للمحرّمات إلّا مع تعقُّبه بالتوبة، وأمّا مع عدمه فلا أثر للاضطرار في رفع الحرمة.
نعم إذا دار الأمر حينئذٍ بين تناول المحرّم ومخالفة حكم إلزاميّ أهمّ - كوجوب حفظ النفس - لزم عقلاً اختيار الأوّل لكونه أخفّ عقوبة، وفي حكم المضطرّ بسوء الاختيار - في عدم حلّيّة المضطرّ إليه له مع عدم التوبة - من اضطرّ اتّفاقاً إلى تناول المحرّم في حال كونه محارباً للإمام (عليه السلام) وباغياً عليه أو عادياً وقاطعاً للطريق، فإنّه إذا لم يتب ويرجع عن بغيه وعدوانه لا يحلّ له شرعاً تناول المحرّم، بل يلزمه عقلاً عدم تناوله وإن أدّى ذلك إلى هلاكه.
مسألة 945: كما يباح تناول المحرّمات المذكورة في حال الاضطرار كذلك يباح تناولها في حال الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، أو على نفس محترمة، أو عرض محترم أو مال محترم يكون ترك حفظه حرجيّاً عليه بحدّ لا يتحمّل عادة، أو يكون ممّا يجب حفظه فيما إذا كان وجوب حفظه أهمّ من حرمة تناول المحرّم أو مساوياً لها.
مسألة 946: في كلّ مورد يتوقّف فيه إنقاذ النفس من الهلاك أو ما يدانيه على تناول شيء من المحرّمات المتقدّمة يجب التناول فلا يجوز له التنزّه والحال هذه، ولا فرق في ذلك بين الخمر والطين وسائر المحرّمات، فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه فأصاب خمراً جاز بل وجب شربها، وكذا إذا اضطرّ إلى أكل الطين لإنقاذ نفسه من الهلاك.
مسألة 947: إنّما يباح بالاضطرار خصوص المقدار المضطرّ إليه فلا يجوز الزيادة عليه، فإذا اضطرّ إلى أكل الميتة لسدّ رمقه لزمه الاقتصار على القليل الذي يسدّ به رمقه ولا يجوز له أن يأكل حدّ الشبع إلّا إذا فرض أنّ اضطراره لا يرتفع إلّا بالشبع.
مسألة 948: يجوز التداوي لمعالجة الأمراض الشديدة التي لا تتحمّل عادة بتناول المحرّمات المتقدّمة إذا انحصر العلاج بها فيما بأيدي الأطبّاء من وسائل المعالجة وطرقها، ولا فرق في ذلك بين الخمر ونحوها من المسكرات وبين سائر أنواع المحرّمات، نعم لا يخفى شدّة أمر الخمر فلا يبادر المريض إلى تناولها والمعالجة بها إلّا إذا رأى من نفسه الهلاك أو ما يدانيه لو ترك التداوي بها ولو من جهة توافق جمع من الحذّاق وأُولي الديانة والدراية من الأطبّاء، وإلّا فليصبر على المشقّة فلعلّ الباري تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفّظ على دينه.
مسألة 949: إذا اضطرّ إلى تناول مال الغير بغير رضاه لحفظ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه، أو لحفظ عرضه من الاعتداء عليه بالاغتصاب ونحوه، جاز له ذلك.
وقد تقدّم شطر من أحكامه في المسألة (461) وما بعدها.
مسألة 950: يحرم الأكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر، بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الأحوط لزوماً.
مسألة 911: إذا وقعت النجاسة في الجسم الجامد - كالسَّمْن والعسل الجامدين - لزم رفع النجاسة وما يكتنفها من الملاقي معها برطوبة ويحلّ الباقي، وإذا كان المائع غليظاً ثخيناً - بأن كان بحيث لو أخذ منه شيء بقي مكانه خالياً حين الأخذ وإن امتلأ بعد ذلك - فهو كالجامد، ولا تسري النجاسة إلى تمام أجزائه إذا لاقت بعضها بل تختصّ النجاسة بالبعض الملاقي لها ويبقى الباقي على طهارته.
مسألة 912: يحرم استعمال كلّ ما يضرّ ضرراً بليغاً بالإنسان، سواء أكان موجباً للهلاك كتناول السموم القاتلة وكشرب الحامل ما يوجب سقوط الجنين، أم كان موجباً لتعطيل بعض الأعضاء أو فقدان بعض الحواسّ، كاستعمال ما يوجب شلل اليد أو عمى العين، والأحوط استحباباً عدم استعمال الرجل أو المرأة ما يجعله عقيماً لا يقدر على التناسل والإنجاب وإن كان يجوز في حدّ ذاته.
مسألة 913: لا فرق في حرمة استعمال المضرّ - بالحدّ المتقدّم - بين معلوم الضرر ومظنونه بل ومحتمله أيضاً إذا كان احتماله معتدّاً به عند العقلاء ولو بلحاظ الاهتمام بالمحتمل بحيث أوجب الخوف عندهم، وكذا لا فرق بين أن يكون الضرر المترتّب عليه عاجلاً أو بعد مدّة.
مسألة 914: يجوز للمريض أن يتداوى بما يحتمل فيه الضرر البليغ ويؤدّي إليه أحياناً إذا استصوبه له الطبيب الموثوق به بعد موازنته بين درجتي النفع والضرر احتمالاً ومحتملاً، بل يجوز له المعالجة بما يؤدّي إلى الضرر البليغ إذا كان ما يدفع به أعظم ضرراً وأشدّ خطراً، ومن هذا القبيل قطع بعض الأعضاء دفعاً للسراية المؤدّية إلى الهلاك، ولكن يشترط في ذلك أيضاً أن يكون الإقدام عليه عقلائيّاً، بأن يكون العمل صادراً برأي الطبيب الحاذق المحتاط غير المتسامح ولا المتهوّر .
مسألة 915: ما كان كثيره يضرّ ضرراً بليغاً دون قليله يحرم كثيره دون قليله، ولو فرض العكس كان بالعكس، وكذا ما يضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غيره يحرم منفرداً لا منضمّاً، وما كان بالعكس كان بالعكس.
مسألة 916: ما لا يضرّ تناوله مرّة أو مرّتين مثلاً، ولكن يضرّ إدمانه وتكرّر تناوله والتعوّد به يحرم تكراره المضرّ خاصّة.
مسألة 917: يحرم استعمال الترياق ومشتقّاته وسائر أنواع الموادّ المخدّرة إذا كان مستتبعاً للضرر البليغ بالشخص سواء أكان من جهة زيادة المقدار المستعمل منها أم من جهة إدمانه، بل الأحوط لزوماً الاجتناب عنها مطلقاً إلّا في حال الضرورة فتستعمل بمقدار ما تدعو الضرورة إليه.
مسألة 918: يحرم أكل الطين وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته، وكذا المدر وهو الطين اليابس، ويلحق بهما التراب والرمل على الأحوط وجوباً، نعم لا بأس بما يختلط به حبوب الحنطة والشعير ونحوهما من التراب والمدر مثلاً ويستهلك في دقيقهما عند الطحن، وكذا ما يكون على وجه الفواكه ونحوها من التراب والغبار إذا كان قليلاً بحيث لا يعدّ أكلاً للتراب، وكذا الماء المتوحّل أي الممتزج بالطين الباقي على إطلاقه، نعم لو أحسّت الذائقة الأجزاء الطينيّة حين الشرب فالأحوط الأولى الاجتناب عن شربه حتّى يصفو .
مسألة 919: لا يلحق بالطين الأحجار وأنواع المعادن والأشجار فهي حلال كلّها مع عدم الضرر البليغ.
مسألة 920: يستثنى من الطين طين قبر الإمام الحسين (عليه السلام) للاستشفاء، ولا يجوز أكله لغيره، ولا أكل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة الحجم، ولا يلحق به طين قبر غيره حتّى قبر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، نعم لا بأس بأن يمزج بماء أو مشروب آخر على نحو يستهلك فيه والتبرّك بالاستشفاء بذلك الماء وذلك المشروب.
مسألة 921: قد ذكر لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعية خاصّة، ولكنّها شروط كمالٍ لسرعة تأثيرها لا أنّها شرط لجواز تناولها.
مسألة 922: القدر المتيقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشريف وما يقرب منه على وجه يلحق به عرفاً فالأحوط وجوباً الاقتصار عليه، واستعمالها فيما زاد على ذلك ممزوجة بماء أو مشروب آخر على نحو تستهلك فيه ويستشفى به رجاءً.
مسألة 923: تناول التربة المقدّسة للاستشفاء يكون إمّا بازدرادها وابتلاعها، وإمّا بحلّها في الماء ونحوه وشربه، بقصد التبرّك والشفاء.
مسألة 924: إذا أخذ التربة بنفسه أو علم من الخارج بأنّه من تلك التربة المقدّسة بالحدّ المتقدّم فلا إشكال، وكذا إذا قامت على ذلك البيّنة، وفي كفاية قول الثقة أو ذي اليد إشكال إلّا أن يورث الاطمئنان، والأحوط وجوباً في غير صورة العلم والاطمئنان وقيام البيّنة تناولها ممزوجاً بماء ونحوه بعد استهلاكها فيه.
مسألة 925: يجوز أكل الطين الأرمنيّ والداغستانيّ وغيرهما للتداوي عند انحصار العلاج فيها.
مسألة 926: يحرم شرب الخمر بالضرورة من الدين بحيث يحكم بكفر مستحلِّها مع التفاته إلى أنّ لازمه إنكار رسالة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في الجملة بتكذيبه (صلّى الله عليه وآله) في تبليغ حرمتها عن الله تعالى، وقد وردت أخبار كثيرة في تشديد أمرها والتوعيد على ارتكابها، فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (مَنْ شرب الخمر بعد ما حرّمها الله على لساني فليس بأهل أن يُزوّج إذا خطب، ولا يُشفّع إذا شفع، ولا يُصدّق إذا حدّث، ولا يُعاد إذا مرض، ولا يُشهد له جنازة، ولا يُؤتمن على أمانة)، وفي رواية أُخرى: (لعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الخمر عشرة: غارسها، وحارسها، وعاصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمول إليه، وبائعها، ومشتريها، وآكل ثمنها).
وعن الصادق (عليه السلام): (إنّ الخمر أُمّ الخبائث، ورأس كلّ شرّ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه فلا يعرف ربّه، ولا يترك معصية إلّا ركبها، ولا يترك حرمة إلّا انتهكها، ولا رحماً ماسّة إلّا قطعها، ولا فاحشة إلّا أتاها، وإن شرب منها جرعة لعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون، وإن شربها حتّى سكر منها نزع روح الإيمان من جسده وركبت فيه روح سخيفة خبيثة، ولم تقبل صلاته أربعين يوماً)(1)، وفي بعض الروايات: (إنّ مدمن الخمر كعابد الوثن) وقد فسّر المدمن في بعضها بأنّه ليس الذي يشربها كلّ يوم ولكنّه الموطِّن نفسه أنّه إذا وجدها شربها.
مسألة 927: يلحق بالخمر - موضوعاً أو حكماً - كلّ مسكر جامداً كان أم مائعاً، وما أسكر كثيره دون قليله حرم قليله وكثيره.
مسألة 928: إذا انقلبت الخمر خلّاً حلّت سواء أكان بنفسها أو بعلاج، وسواء أكان العلاج بدون ممازجة شيء معها كما إذا كان بتدخين أو بمجاورة شيء أو كان بالممازجة، وسواء استهلك الخليط فيها قبل أن تنقلب خلّاً - كما إذا مزجت بقليل من الملح أو الخلّ فاستهلكا فيها ثُمَّ انقلبت خلّاً - أم لم يستهلك بل بقي فيها إلى ما بعد الانقلاب، ويطهر الباقي من المزيج بالتبعيّة كما يطهر بها الإناء، نعم إذا كان الإناء متنجّساً بنجاسة خارجيّة قبل الانقلاب لم يطهر، وكذا إذا وقعت النجاسة فيها قبل أن تنقلب وإن استهلكت فيها.
مسألة 929: الفقّاع حرام، وهو شراب معروف متّخذ من الشعير يوجب النَّشْوَة عادة لا السكر، وليس منه ماء الشعير الذي يستعمله الأطبّاء في معالجاتهم.
مسألة 930: يحرم عصير العنب إذا غلى بنفسه أو بالنار أو بالشمس، بل الأحوط الأولى الاجتناب عنه بمجرّد النشيش وإن لم يصل إلى حدّ الغليان، وأمّا العصير الزبيبيّ فلا يحرم بالغليان ما لم يوجب الإسكار، وإن كان الأحوط استحباباً الاجتناب عنه وهكذا الحال في العصير التمريّ.
مسألة 931: الماء الذي تشتمل عليه حبّة العنب بحكم عصيره في تحريمه بالغليان على الأحوط، نعم لا يحكم بحرمته ما لم يعلم بغليانه، فلو وقعت حبّة من العنب في قدر يغلي وهي تعلو وتسفل في الماء المغليّ لم يحكم بحرمتها ما لم يعلم بغليان ما في جوفها من الماء وهو غير حاصل غالباً.
مسألة 932: من المعلوم أنّ الزبيب ليس له عصير في نفسه، فالمقصود بعصيره ما اكتسب منه الحلاوة إمّا بأن يدقّ ويخلط بالماء وإمّا بأن ينقع في الماء ويمكث إلى أن يكتسب حلاوته بحيث يصير في الحلاوة بمثابة عصير العنب، وإمّا بأن يمرس ويعصر بعد النقع فتستخرج عصارته، وأمّا إذا كان الزبيب على حاله وحصل في جوفه ماء فهو ليس من عصيره فلا يحرم بالغليان ولو قلنا بحرمة عصيره المغليّ، وعلى هذا فلا إشكال في وضع الزبيب في المطبوخات مثل الْمَرَق والمحشيّ والطبيخ وإن دخل فيه ماء وغلى فضلاً عمّا إذا شكّ فيه.
مسألة 933: عصير العنب المغليّ - إذا لم يصر مسكراً بالغليان - تزول حرمته بذهاب ثلثيه بحسب الكمّ لا بحسب الثقل، ولا فرق بين أن يكون الذهاب بالنار أو ما يلحق بها كالأسلاك المُحْماة بالكهرباء أو بالأشعّة أو بالشمس أو بالهواء، وأمّا مع صيرورته مسكراً بالغليان - كما ربّما يُدّعى ذلك فيما إذا غلى بنفسه - فلا تزول حرمته إلّا بالتخليل ولا أثر فيه لذهاب الثلثين، وهكذا الحكم في العصير التمريّ والزبيبيّ إذا صارا مسكرين.
مسألة 934: إذا صار العصير المغليّ دِبْساً قبل أن يذهب ثلثاه لا يكفى ذلك في حلّيّته على الأحوط لزوماً.
مسألة 935: إذا اختلط العصير بالماء ثُمَّ غلى يكفي في حلّيّته ذهاب ثلثي المجموع، فلو صبّ عشرين رطلاً من ماء في عشرة أرطال من عصير العنب ثُمَّ طبخه حتّى ذهب منه عشرون وبقي عشرة فهو حلال، وبهذه الطريقة يمكن طبخ بعض أقسام العصير ممّا لا يمكن لغلظه أن يطبخ على الثلث لأنّه يحترق ويفسد قبل أن يذهب ثلثاه، فيصبّ فيه الماء بمقداره أو أقلّ منه أو أكثر ثُمَّ يطبخ إلى أن يذهب الثلثان.
مسألة 936: لو صبّ على العصير المغليّ قبل أن يذهب ثلثاه مقدار من العصير غير المغليّ وجب ذهاب ثلثي مجموع ما بقي من الأوّل مع ما صبّ ثانياً، ولا يحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً، فإذا كان في القِدْر تسعة أكواب من العصير فغلى حتّى ذهب منه ثلاثة وبقي ستّة ثُمَّ صبّ عليه تسعة أكواب أُخر فصار خمسة عشر يجب أن يغلي حتّى يذهب عشرة ولا يكفي ذهاب تسعة وبقاء ستّة.
مسألة 937: إذا صبّ العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه في عصير آخر قد غلى ولم يذهب ثلثاه أيضاً فإن تساويا في المقدار الذاهب كما لو كان الذاهب من كلٍّ منهما ثلثه كفى في الحلّيّة ذهاب البقيّة من المجموع وهي نصفه في المثال.
وأمّا مع عدم تساويهما في ذلك كما لو كان الذاهب من أحدهما نصفه ومن الآخر سدسه فلا بُدَّ لحلّيّة المجموع من أن يذهب منه بنسبة ما كان يلزم ذهابه من العصير الثاني - الذي كان المقدار الذاهب منه أقلّ - إلى المقدار الباقي منه وهي ثلاثة أخماسه في المثال.
مسألة 938: لا بأس بأن يطرح في العصير قبل ذهاب الثلثين مثل السَّفَرْجَل والتُّفاح وغيرهما ويطبخ فيه، ولكن لا يحلّ المطروح بذهاب ثلثي ما في الإناء من العصير، بل لا بُدَّ من ذهاب ثلثي ما جذبه إلى جوفه منه، فما لم يحرز ذلك لم يحكم بحلّيّته.
مسألة 939: يثبت ذهاب الثلثين من العصير المغليّ بالعلم وبالبيّنة وبإخبار ذي اليد المسلم إذا لم يكن ممّن يشربه قبل ذهاب ثلثيه، وفي ثبوته بإخبار العدل الواحد إشكال - إلّا إذا أورث الاطمئنان بصدقه - فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط.
مسألة 940: لا يحرم شيء من الربوب - أي ما يخثر من عصير الثمار - كرُبّ الرمّان والتفّاح وإن شمّ منه رائحة المسكر .
مسألة 941: يحرم تناول مال الغير من دون رضاه وإن كان كافراً محترم المال، وقد ورد: (إنّ من أكل من طعام لم يُدْعَ إليه فكأنّما أكل قطعة من النار ).
مسألة 942: يجوز أن يأكل الإنسان - ولو مع عدم الضرورة - من بيوت من تضمّنته الآية الشريفة في سورة النور، وهم: الآباء والأُمّهات، والإخوان والأخوات، والأعمام والعمّات، والأخوال والخالات، وكذا يجوز لمن كان وكيلاً على بيت أحد مفوّضاً إليه أُموره وحفظه بما فيه أن يأكل من بيت موكّله، وهو المراد من ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ﴾ المذكور فـي تلك الآيـة الشريفة، وكذا يجوز أن يأكل الصديق من بيت صديقه، وكذا الزوجة من بيت زوجها، والأب والأُمّ من بيت الولد.
وإنّما يجوز الأكل من تلك البيوت إذا لم يعلم كراهة صاحب البيت، فيكون امتيازها عن غيرها بعدم توقّف جواز الأكل منها على إحراز رضا وطيب نفس صاحبها، فيجوز مع الشكّ بل ومع الظنّ بالعدم أيضاً بخلاف غيرها.
والأحوط لزوماً اختصاص الحكم بما يعتاد أكله من الخبز والتمر والإدام والفواكه والبقول ونحوها دون نفائس الأطعمة التي تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضياف ذوي الشرف والعزّة.
ويشمل الحكم المذكور غير المأكول من المشروبات المتعارفة من الماء واللبن المخيض واللبن الحليب وغيرها.
نعم لا يتعدّى إلى بيوت غيرهم، ولا إلى غير بيوتهم كدكاكينهم وبساتينهم، كما أنّه يقتصر على ما في البيت من المأكول، فلا يتعدّى إلى ما يشترى من الخارج بثمن يؤخذ من البيت.
مسألة 943: يباح تناول المحرّمات المتقدّمة في موارد الاضطرار(2)، كتوقّف حفظ نفسه وسدّ رمقه عليه، أو عروض المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة بتركه، أو أداء تركه إلى لحوق الضعف الشديد المفرط المؤدّى إلى التلف أو إلى المرض بالحدّ المتقدّم أو الموجب للتخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب، ومنها ما إذا خيف بتركه على نفس أُخرى محترمة كالحامل تخاف على جنينها والمرضعة على طفلها، بل ومن الاضطرار خوف طول المرض الشديد الذي لا يتحمّل عادة أو عسر علاجه بترك التناول، والمدار في الكلّ على الخوف الحاصل من العلم والظنّ بالترتّب أو الاحتمال المعتدّ به عند العقلاء ولو لأجل أهمّيّة محتمله.
مسألة 944: إنّما يباح تناول المحرّمات المتقدّمة لمن اضطرّ إليه قهراً لا بسوء اختياره فإنّ الاضطرار بالاختيار لا يكون محلِّلاً للمحرّمات إلّا مع تعقُّبه بالتوبة، وأمّا مع عدمه فلا أثر للاضطرار في رفع الحرمة.
نعم إذا دار الأمر حينئذٍ بين تناول المحرّم ومخالفة حكم إلزاميّ أهمّ - كوجوب حفظ النفس - لزم عقلاً اختيار الأوّل لكونه أخفّ عقوبة، وفي حكم المضطرّ بسوء الاختيار - في عدم حلّيّة المضطرّ إليه له مع عدم التوبة - من اضطرّ اتّفاقاً إلى تناول المحرّم في حال كونه محارباً للإمام (عليه السلام) وباغياً عليه أو عادياً وقاطعاً للطريق، فإنّه إذا لم يتب ويرجع عن بغيه وعدوانه لا يحلّ له شرعاً تناول المحرّم، بل يلزمه عقلاً عدم تناوله وإن أدّى ذلك إلى هلاكه.
مسألة 945: كما يباح تناول المحرّمات المذكورة في حال الاضطرار كذلك يباح تناولها في حال الإكراه والتقيّة عمّن يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله المعتدّ به، أو على نفس محترمة، أو عرض محترم أو مال محترم يكون ترك حفظه حرجيّاً عليه بحدّ لا يتحمّل عادة، أو يكون ممّا يجب حفظه فيما إذا كان وجوب حفظه أهمّ من حرمة تناول المحرّم أو مساوياً لها.
مسألة 946: في كلّ مورد يتوقّف فيه إنقاذ النفس من الهلاك أو ما يدانيه على تناول شيء من المحرّمات المتقدّمة يجب التناول فلا يجوز له التنزّه والحال هذه، ولا فرق في ذلك بين الخمر والطين وسائر المحرّمات، فإذا أصابه عطش حتّى خاف على نفسه فأصاب خمراً جاز بل وجب شربها، وكذا إذا اضطرّ إلى أكل الطين لإنقاذ نفسه من الهلاك.
مسألة 947: إنّما يباح بالاضطرار خصوص المقدار المضطرّ إليه فلا يجوز الزيادة عليه، فإذا اضطرّ إلى أكل الميتة لسدّ رمقه لزمه الاقتصار على القليل الذي يسدّ به رمقه ولا يجوز له أن يأكل حدّ الشبع إلّا إذا فرض أنّ اضطراره لا يرتفع إلّا بالشبع.
مسألة 948: يجوز التداوي لمعالجة الأمراض الشديدة التي لا تتحمّل عادة بتناول المحرّمات المتقدّمة إذا انحصر العلاج بها فيما بأيدي الأطبّاء من وسائل المعالجة وطرقها، ولا فرق في ذلك بين الخمر ونحوها من المسكرات وبين سائر أنواع المحرّمات، نعم لا يخفى شدّة أمر الخمر فلا يبادر المريض إلى تناولها والمعالجة بها إلّا إذا رأى من نفسه الهلاك أو ما يدانيه لو ترك التداوي بها ولو من جهة توافق جمع من الحذّاق وأُولي الديانة والدراية من الأطبّاء، وإلّا فليصبر على المشقّة فلعلّ الباري تعالى شأنه يعافيه لما رأى منه التحفّظ على دينه.
مسألة 949: إذا اضطرّ إلى تناول مال الغير بغير رضاه لحفظ نفسه من الهلاك أو ما يدانيه، أو لحفظ عرضه من الاعتداء عليه بالاغتصاب ونحوه، جاز له ذلك.
وقد تقدّم شطر من أحكامه في المسألة (461) وما بعدها.
مسألة 950: يحرم الأكل من مائدة يشرب عليها شيء من الخمر أو المسكر، بل يحرم الجلوس عليها أيضاً على الأحوط لزوماً.
(1) أي لا يثاب علي صلاته خلال هذه المدّة، ولكنّها تصحّ بمعني أنّه يتحقّق بها امتثال التكليف بالصلاة، فلا بُدَّ من الإتيان بها.
(2) سيأتي تحديد الاضطرار المسوّغ لتناول مال الغير بغير رضاه في المسأله (949) فلتلاحظ.