الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثالث (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الصيد والذباحـة » تكميل في ما تقع عليه التذكية من الحيوانات و أمارات التذكية
←
→ كتاب الصيد والذباحـة » المبحث الثالث في صيد الجَراد
كتاب الصيد والذباحـة » الفصل الثاني في الذباحة والنحر
مسألة 838: يشترط في ذكاة الذبيحة أُمور :
الأوّل: أن يكون الذابح مسلماً أو من بحكمه كالمتولّد منه.
فلا تحلّ ذبيحة الكافـر مشركاً كان أو غيره حتّى الكتابيّ وإن سمّى على الأحوط لزوماً، ولا يشترط فيه الإيمان فتحلّ ذبيحة جميع فرق المسلمين عدا المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ممّن مرّ ذكرهم في كتاب الطهارة.
مسألة 839: لا يشترط في الذابح الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك، فتحلّ ذبيحة المرأة والصبيّ المميّز إذا أحسن التذكية، وكذا الأعمى والأغلف والخصيّ والجنب والحائض والفاسق وولد الزنا، كما تحلّ ذبيحة المُكْرَه وإن كان إكراهه بغير حـقّ.
الثاني: أن يكون الذبح بالحديد مع الإمكان، فلو ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة والرصاص وغيرها.
نعم إذا لم يوجد الحديد جاز الذبح بكلّ ما يقطع الأوداج وإن لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى الاستعجال في الذبح - كالخوف من تلف الحيوان بالتأخير - ولا فرق في ذلك بين القصب والليطة والحجارة الحادّة والزجاجة وغيرها.
نعم في جواز الذبح بالسنّ والظفر حتّى مع عدم توفّر الحديد إشكال والاحتياط لا يترك، ويجوز الذبح اختياراً بالمِنْجَل ونحوه ممّا يقطع الأوداج ولو بصعوبة وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على حال الضرورة.
مسألة 840: جواز الذبح بالحديد المخلوط بالكروم المسمّى بـ (الإستيل) لا يخلو عن إشكال، وأشدُّ إشكالاً منه الذبح بالحديد المطليّ بالكُروم، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما، نعم من ذبح بهما عن نسيان أو جهل لعذر فيه حلّت ذبيحته.
الثالث: قصد الذبح بفري الأوداج، فلو وقع السكين من يد أحد على مذبح الحيوان فقطعها لم يحلّ وإن سمّى حين أصابها، وكذا لو كان قد قصد بتحريك السكّين على المذبح شيئاً آخر غير الذبح فقطع الأعضاء أو كان سكراناً أو مغمى عليه أو نائماً أو صبيّاً أو مجنوناً غير مميّزين، وأمّا الصبيّ والمجنون المميّزان فيجتزئ بذبحهما.
الرابع: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح إلى القبلة، فإن أخلّ بالاستقبال عالماً عامداً حرمت، وإن كان نسياناً أو لاعتقاد عدم الاشتراط - ولو عن تقصير - أو خطأً منه في جهة القبلة بأن وجّهها إلى جهة معتقداً أنّها القبلة فتبيّن الخلاف لم تحرم في جميع ذلك، وكذا إذا لم يعرف القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها ولو بالاستعانة بالغير واضطرّ إلى تذكيتها كالحيوان المستعصي أو المتردّي في البئر ونحوه.
مسألة 841: إذا خاف موت الذبيحة لو اشتغل بالاستقبال بها إلى جهة القبلة لم يلزم.
مسألة 842: لا يشترط في الذبح استقبال الذابح نفسه وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
مسألة 843: يتحقّق استقبال الحيوان فيما إذا كان قائماً أو قاعداً بما يتحقّق به استقبال الإنسان حال الصلاة في الحالتين، وأمّا إذا كان مضطجعاً على الأيمن أو الأيسر فيتحقّق باستقبال المنحر والبطن ولا يعتبر استقبال الوجه واليدين والرجلين.
الخامس: تسمية الذابح عليها حين الشروع في الذبح أو متّصلاً به عرفاً، فلا يجزئ تسمية غير الذابح عليها، كما لا يجزئ الإتيان بها عند مقدّمات الذبح كربط المذبوح، ولو أخلّ بالتسمية عمداً حرمت وإن كان نسياناً لم تحرم والأحوط الأولى الإتيان بها عند الذكر، ولو تركها جهلاً بالحكم ثبتت الحرمة.
مسألة 844: يعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد أي بعنوان كونها على الذبيحة من جهة الذبح فلا تجزئ التسمية الاتّفاقيّة أو الصادرة لغرض آخر، ولا يعتبر أن يكون الذابح ممّن يعتقد وجوبها في الذبح فيجوز ذبح غيره إذا كان قد سمّى.
مسألة 845: يجوز ذبح الأخرس، وتسميته تحريك لسانه وشفتيه تشبيهاً بمن يتلفّظ بها مع ضمّ الإشارة بالإصبع إليه، هذا في الأخرس الأصمّ من الأوّل، وأمّا الأخرس لعارض مع التفاته إلى لفظها فيأتي به على قدر ما يمكنه، فإن عجز حرّك لسانه وشفتيه حين إخطاره بقلبه وأشار بإصبعه إليه على نحو يناسب تمثيل لفظها إذا تمكّن منها على هذا النحو وإلّا فبأيّ وجه ممكن.
مسألة 846: لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة وأن يكون في ضمن البسملة، بل المدار على صدق ذكر اسم الله وحده عليها، فيكفي أن يقول: (بسم الله) أو (الله أكبر ) أو (الحمد لله) أو (لا إله إلّا الله) ونحو ذلك، وفي الاكتفاء بلفظة (الله) من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالّاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد خلاف، وكذلك التعدّي من لفظة (الله) إلى سائر أسمائه الحسنى كالرحمٰن والرحيم والخالق وغيرها، وكذا التعدّي إلى ما يرادف هذه اللفظة المباركة في سائر اللغات، والصحيح هو الاكتفاء في الجميع.
السادس: قطع الأعضاء الأربعة، وهي: (المريء) وهو مجرى الطعام، و(الحلقوم) وهو مجرى النفس ومحلّه فوق المريء، و(الوَدَجان) وهما عِرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي الاجتزاء بشقّها من دون قطع إشكال وكذا الإشكال في الاجتزاء بقطع الحلقوم وحده فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
مسألة 847: الظاهر أنّ قطع تمام الأعضاء الأربعة يلازم بقاء الخَرَزَة المسمّاة في عرفنا بـ (الجَوْزَة) في العنق، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقّق قطع تمامها، ولا يعتبر أن يكون قطع الأعضاء في أعلى الرقبة بل يجوز أن يكون في وسطها أو من أسفلها.
مسألة 848: يعتبر في قطع الأوداج الأربعة أن يكون في حال الحياة، فلو قطع الذابح بعضها وأرسلها فمات لم يؤثّر قطع الباقي.
ولا يعتبر فيه التتابع، فلو قطع الأوداج قبل زهوق روح الحيوان إلّا أنّه فصل بينها بما هو خارج عن المتعارف المعتاد حُكمَ بحلّيّته.
مسألة 849: لو أخطأ الذابح وذبح من فوق الجوزة ثُمَّ التفت فذبحها من تحت الجوزة قبل أن تموت حلّ لحمها.
مسألة 850: لو قطعت الأوداج الأربعة على غير النهج الشرعيّ كأن ضربها شخص بآلة فانقطعت أو عضّها الذئب فقطعها بأسنانه أو غير ذلك وبقيت الحياة، فإن لم يبقَ شيء من الأوداج أصلاً لم يحلّ أكل الحيوان، وكذا إذا لم يبقَ شيء من الحلقوم، وكذلك إذا بقي مقدار من الجميع معلّقاً بالرأس أو متّصلاً بالبدن على الأحوط لزوماً، نعم إذا كان المقطوع غير المذبح وكان الحيوان حيّاً حلّ أكله بالذبح.
السابع: خروج الدم المتعارف منها حال الذبح، فلو لم يخرج منها الدم أو كان الخارج قليلاً - بالاضافة إلى نوعها - بسبب انجماد الدم في عروقها أو نحوه لم تحلّ، وأمّا إذا كانت قلّته لأجل سبق نزيف الذبيحة - لجرح مثلاً - لم يضرّ ذلك بتذكيتها.
الثامن: أن تتحرّك الذبيحة بعد تماميّة الذبح ولو حركة يسيرة، بأن تطرف عينها أو تحرّك ذَنَبها أو تركض برجلها، هذا فيما إذا شكّ في حياتها حال الذبح وإلّا فلا تعتبر الحركة أصلاً.
مسألة 851: يحرم - على الأحوط لزوماً - إبانة رأس الذبيحة عمداً قبل خروج الروح منها وإن كان يُحْكمُ بحلّيّتها حينئذٍ، بلا فرق في ذلك بين الطيور وغيرها، ولا بأس بالإبانة إذا كانت عن غفلة أو استندت إلى حِدّة السكّين وسبقه مثلاً، وهكذا الحال في كسر رقبة الذبيحة أو إصابة نخاعها عمداً قبل أن تموت، والنخاع هو الخيط الأبيض الممتدّ في وسط الفقار من الرقبة إلى الذنب.
مسألة 852: الأحوط الأولى أن يكون الذبح في المذبح من القدّام وإن حلّ المذبوح من القفا أيضاً، كما أنّ الأحوط الأولى وضع السكّين على المذبح ثُمَّ قطع الأوداج وإن كان يكفي أيضاً إدخال السكّين تحت الأوداج ثُمَّ قطعها من فوق.
مسألة 853: لا يشترط في حلّ الذبيحة استقرار حياتها قبل الذبح بمعنى إمكان أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم، وإنّما يشترط حياتها حال قطع الأعضاء وإن كانت على شرف الموت، فالمنتزع أمعاؤه بشقّ بطنه والمتكسّر عظامه بالسقوط من شاهق وما أكل السَّبُع بعض ما به حياته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والمضروب بالسيف أو الطلقات الناريّة المشرف على الموت إذا ذبح قبل أن يموت يحلّ لحمه مع توفّر الشروط السابقة.
مسألة 854: لو أخذ الذابح بالذبح فشقّ آخر بطنه وانتزع أمعائه مقارناً للذبح فالظاهر حلّ لحمه، وكذا الحكم في كلّ فعل يزهق إذا كان مقارناً للذبح ولكن الاحتياط أحسن.
مسألة 855: لا يشترط في حلّيّة لحم الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليه الذبح الشرعيّ ثُمَّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت إلى الأرض من شاهق أو نحو ذلك ممّا يوجب زوال الحياة لم تحرم، وليس الحكم كذلك في الصيد كما تقدّم فتفترق التذكية بالصيد المذكور عن التذكية بالذبح من هذه الجهة.
مسألة 856: لا يعتبر اتّحاد الذابح فيجوز وقوع الذبح من اثنين على سبيل الاشتراك مقترنين بأن يأخذا السكّين بيديهما ويذبحا معاً، أو يقطع أحدهما بعض الأعضاء والآخر الباقي دفعة أو على وجه التدريج بأن يقطع أحدهما بعض الأعضاء ثُمَّ يقطع الآخر الباقي، وتجب التسمية منهما معاً ولا يجتزأ بتسمية أحدهما.
مسألة 857: تختصّ الإبل من بين البهائم بأنّ تذكيتها بالنحر، ولا يجوز ذلك في غيرها، فلو ذبح الإبل بدلاً عن نحرها أو نحر الشاة أو البقر أو نحوهما بدلاً عن ذبحها حرم لحمها وحكم بنجاستها، نعم لو قطع الأوداج الأربعة من الإبل ثُمَّ نحرها قبل زهوق روحها أو نحر الشاة مثلاً ثُمَّ ذبحها قبل أن تموت حلّ لحمهما وحكم بطهارتهما.
مسألة 858: كيفيّة النحر أن يدخل الآلة من سكّين أو غيره من الآلات الحادّة الحديديّة فى لَبَّتِها، وهي الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متّصلاً بالعنق، والشروط المعتبرة في الذبح تعتبر نظائرها في النحر - عدا الشرط السادس - فيعتبر في الناحر أن يكون مسلماً أو من بحكمه وأن يكون النحر بالحديد وأن يكون النحر مقصوداً للناحر، والاستقبال بالمنحور إلى القبلة، والتسمية حين النحر، وخروج الدم المتعارف بالمعنى المتقدّم، وتحرّك المنحور بعد تماميّة النحر مع الشكّ في حياته عند النحر .
مسألة 859: يجوز نحر الإبل قائمة وباركة وساقطة على جنبها والأولى نحرها قائمة.
مسألة 860: إذا تعذّر ذبح الحيوان أو نحره لاستعصائه أو لوقوعه في بئر أو موضع ضيق على نحو لا يتمكّن من ذبحه أو نحره وخيف موته هناك جاز أن يعقره في غير موضع الذكاة برمح أو بسكّين أو نحوهما ممّا يجرحه ويقتله، فإذا مات بذلك العقر طهر وحلّ أكله وتسقط فيه شرطيّة الاستقبال، نعم لا بُدَّ من توفّر سائر الشروط المعتبرة في التذكية، وقد مرّ في فصل الصيد جواز عقر المستعصي والصائل بالكلب أيضاً.
مسألة 861: ذكاة الجنين ذكاة أمّه، فإذا ماتت أُمّه بدون تذكية فإن مات هو في جوفها حرم أكله، وكذا إذا أُخرج منها حيّاً فمات بلا تذكية، وأمّا إذا أُخرج حيّاً فذكّي حلّ أكله، وإذا ذكّيت أُمّه فمات في جوفها حلّ أكله، وإذا أُخرج حيّاً فإن ذكّي حلّ أكله وإن لم يذكّ حرم.
مسألة 862: إذا ذكّيت أُمّه فخرج حيّاً ولم يتّسع الزمان لتذكيته فمات بلا تذكية فالصحيح حرمته، وما إذا ماتت أُمّه بلا تذكية فخرج حيّاً ولم يتّسع الزمان لتذكيته فمات بدونها فلا إشكال في حرمته.
مسألة 863: تجب المبادرة إلى شقّ بطن الحيوان وإخراج الجنين منه على الوجه المتعارف، فلو توانى عن ذلك زائداً على المقدار المتعارف فأدّى ذلك إلى موت الجنين حرم أكله.
مسألة 864: يشترط في حلّ الجنين بذكاة أُمّه أن يكون تامّ الخلقة بأن يكون قد أشعر أو أوبر وإن فرض عدم ولوج الروح فيه، فإن لم يكن تامّ الخلقة لم يحلّ بذكاة أُمّه، فحلّيّة الجنين إذا خرج ميّتاً من بطن أُمّه المذكّاة مشروطة بأُمور : تمام خلقته، وعدم سبق موته على تذكية أُمّه، وعدم استناد موته إلى التواني في إخراجه على النحو المتعارف.
مسألة 865: لا فرق في ذكاة الجنين بذكاة أُمّه بين محلّل الأكل ومحرّمه إذا كان ممّا يقبل التذكية.
مسألة 866: ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه يستحبّ عند ذبح الغنم أن تربط يداه وإحدى رجليه، وتطلق الأُخرى ويمسك صوفه أو شعره حتّى يبرد.
وعند ذبح البقر أن تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه.
وعند نحر الإبل أن تربط يداها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو إلى الإبطين وتطلق رجلاها، هذا إذا نحرت باركة، أمّا إذا نحرت قائمة فينبغي أن تكون يدها اليسرى معقولة، وعند ذبح الطير أن يرسل بعد الذباحة حتّى يرفرف، ويستحبّ عرض الماء على الحيوان قبل أن يذبح أو ينحر .
ويستحبّ أن يعامل مع الحيوان عند ذبحه أو نحره بنحو لا يوجب أذاه وتعذيبه بأن يحدّ الشفرة ويمرّ السكّين على المذبح بقوّة، ويجدّ في الإسراع، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، ولْيَحُدَّ أحدكم شَفْرَتَه، ولْيُرحْ ذبيحته)، وفي خبر آخر بأنّه (صلّى الله عليه وآله): (أمر أن تُحَدَّ الشِّفار وأن تُوارىٰ عن البهائم).
مسألة 867: يكره في ذبح الحيوانات ونحرها - كما ورد في جملة من الروايات - أُمور :
منها: سلخ جلد الذبيحة قبل خروج روحها.
ومنها: أن تكون الذباحة في الليل أو يوم الجمعة قبل الزوال من دون حاجة.
ومنها: أن تكون الذباحة بمنظر من حيوان آخر من جنسه.
ومنها: أن يذبح ما ربّاه بيده من النعم.
كتاب الصيد والذباحـة » تكميل في ما تقع عليه التذكية من الحيوانات و أمارات التذكية
←
→ كتاب الصيد والذباحـة » المبحث الثالث في صيد الجَراد
الأوّل: أن يكون الذابح مسلماً أو من بحكمه كالمتولّد منه.
فلا تحلّ ذبيحة الكافـر مشركاً كان أو غيره حتّى الكتابيّ وإن سمّى على الأحوط لزوماً، ولا يشترط فيه الإيمان فتحلّ ذبيحة جميع فرق المسلمين عدا المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ممّن مرّ ذكرهم في كتاب الطهارة.
مسألة 839: لا يشترط في الذابح الذكورة ولا البلوغ ولا غير ذلك، فتحلّ ذبيحة المرأة والصبيّ المميّز إذا أحسن التذكية، وكذا الأعمى والأغلف والخصيّ والجنب والحائض والفاسق وولد الزنا، كما تحلّ ذبيحة المُكْرَه وإن كان إكراهه بغير حـقّ.
الثاني: أن يكون الذبح بالحديد مع الإمكان، فلو ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ وإن كان من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضّة والرصاص وغيرها.
نعم إذا لم يوجد الحديد جاز الذبح بكلّ ما يقطع الأوداج وإن لم تكن هناك ضرورة تدعو إلى الاستعجال في الذبح - كالخوف من تلف الحيوان بالتأخير - ولا فرق في ذلك بين القصب والليطة والحجارة الحادّة والزجاجة وغيرها.
نعم في جواز الذبح بالسنّ والظفر حتّى مع عدم توفّر الحديد إشكال والاحتياط لا يترك، ويجوز الذبح اختياراً بالمِنْجَل ونحوه ممّا يقطع الأوداج ولو بصعوبة وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على حال الضرورة.
مسألة 840: جواز الذبح بالحديد المخلوط بالكروم المسمّى بـ (الإستيل) لا يخلو عن إشكال، وأشدُّ إشكالاً منه الذبح بالحديد المطليّ بالكُروم، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما، نعم من ذبح بهما عن نسيان أو جهل لعذر فيه حلّت ذبيحته.
الثالث: قصد الذبح بفري الأوداج، فلو وقع السكين من يد أحد على مذبح الحيوان فقطعها لم يحلّ وإن سمّى حين أصابها، وكذا لو كان قد قصد بتحريك السكّين على المذبح شيئاً آخر غير الذبح فقطع الأعضاء أو كان سكراناً أو مغمى عليه أو نائماً أو صبيّاً أو مجنوناً غير مميّزين، وأمّا الصبيّ والمجنون المميّزان فيجتزئ بذبحهما.
الرابع: الاستقبال بالذبيحة حال الذبح إلى القبلة، فإن أخلّ بالاستقبال عالماً عامداً حرمت، وإن كان نسياناً أو لاعتقاد عدم الاشتراط - ولو عن تقصير - أو خطأً منه في جهة القبلة بأن وجّهها إلى جهة معتقداً أنّها القبلة فتبيّن الخلاف لم تحرم في جميع ذلك، وكذا إذا لم يعرف القبلة أو لم يتمكّن من توجيهها إليها ولو بالاستعانة بالغير واضطرّ إلى تذكيتها كالحيوان المستعصي أو المتردّي في البئر ونحوه.
مسألة 841: إذا خاف موت الذبيحة لو اشتغل بالاستقبال بها إلى جهة القبلة لم يلزم.
مسألة 842: لا يشترط في الذبح استقبال الذابح نفسه وإن كان ذلك أحوط استحباباً.
مسألة 843: يتحقّق استقبال الحيوان فيما إذا كان قائماً أو قاعداً بما يتحقّق به استقبال الإنسان حال الصلاة في الحالتين، وأمّا إذا كان مضطجعاً على الأيمن أو الأيسر فيتحقّق باستقبال المنحر والبطن ولا يعتبر استقبال الوجه واليدين والرجلين.
الخامس: تسمية الذابح عليها حين الشروع في الذبح أو متّصلاً به عرفاً، فلا يجزئ تسمية غير الذابح عليها، كما لا يجزئ الإتيان بها عند مقدّمات الذبح كربط المذبوح، ولو أخلّ بالتسمية عمداً حرمت وإن كان نسياناً لم تحرم والأحوط الأولى الإتيان بها عند الذكر، ولو تركها جهلاً بالحكم ثبتت الحرمة.
مسألة 844: يعتبر في التسمية وقوعها بهذا القصد أي بعنوان كونها على الذبيحة من جهة الذبح فلا تجزئ التسمية الاتّفاقيّة أو الصادرة لغرض آخر، ولا يعتبر أن يكون الذابح ممّن يعتقد وجوبها في الذبح فيجوز ذبح غيره إذا كان قد سمّى.
مسألة 845: يجوز ذبح الأخرس، وتسميته تحريك لسانه وشفتيه تشبيهاً بمن يتلفّظ بها مع ضمّ الإشارة بالإصبع إليه، هذا في الأخرس الأصمّ من الأوّل، وأمّا الأخرس لعارض مع التفاته إلى لفظها فيأتي به على قدر ما يمكنه، فإن عجز حرّك لسانه وشفتيه حين إخطاره بقلبه وأشار بإصبعه إليه على نحو يناسب تمثيل لفظها إذا تمكّن منها على هذا النحو وإلّا فبأيّ وجه ممكن.
مسألة 846: لا يعتبر في التسمية كيفيّة خاصّة وأن يكون في ضمن البسملة، بل المدار على صدق ذكر اسم الله وحده عليها، فيكفي أن يقول: (بسم الله) أو (الله أكبر ) أو (الحمد لله) أو (لا إله إلّا الله) ونحو ذلك، وفي الاكتفاء بلفظة (الله) من دون أن يقرن بما يصير به كلاماً تامّاً دالّاً على صفة كمال أو ثناء أو تمجيد خلاف، وكذلك التعدّي من لفظة (الله) إلى سائر أسمائه الحسنى كالرحمٰن والرحيم والخالق وغيرها، وكذا التعدّي إلى ما يرادف هذه اللفظة المباركة في سائر اللغات، والصحيح هو الاكتفاء في الجميع.
السادس: قطع الأعضاء الأربعة، وهي: (المريء) وهو مجرى الطعام، و(الحلقوم) وهو مجرى النفس ومحلّه فوق المريء، و(الوَدَجان) وهما عِرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي الاجتزاء بشقّها من دون قطع إشكال وكذا الإشكال في الاجتزاء بقطع الحلقوم وحده فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
مسألة 847: الظاهر أنّ قطع تمام الأعضاء الأربعة يلازم بقاء الخَرَزَة المسمّاة في عرفنا بـ (الجَوْزَة) في العنق، فلو بقي شيء منها في الجسد لم يتحقّق قطع تمامها، ولا يعتبر أن يكون قطع الأعضاء في أعلى الرقبة بل يجوز أن يكون في وسطها أو من أسفلها.
مسألة 848: يعتبر في قطع الأوداج الأربعة أن يكون في حال الحياة، فلو قطع الذابح بعضها وأرسلها فمات لم يؤثّر قطع الباقي.
ولا يعتبر فيه التتابع، فلو قطع الأوداج قبل زهوق روح الحيوان إلّا أنّه فصل بينها بما هو خارج عن المتعارف المعتاد حُكمَ بحلّيّته.
مسألة 849: لو أخطأ الذابح وذبح من فوق الجوزة ثُمَّ التفت فذبحها من تحت الجوزة قبل أن تموت حلّ لحمها.
مسألة 850: لو قطعت الأوداج الأربعة على غير النهج الشرعيّ كأن ضربها شخص بآلة فانقطعت أو عضّها الذئب فقطعها بأسنانه أو غير ذلك وبقيت الحياة، فإن لم يبقَ شيء من الأوداج أصلاً لم يحلّ أكل الحيوان، وكذا إذا لم يبقَ شيء من الحلقوم، وكذلك إذا بقي مقدار من الجميع معلّقاً بالرأس أو متّصلاً بالبدن على الأحوط لزوماً، نعم إذا كان المقطوع غير المذبح وكان الحيوان حيّاً حلّ أكله بالذبح.
السابع: خروج الدم المتعارف منها حال الذبح، فلو لم يخرج منها الدم أو كان الخارج قليلاً - بالاضافة إلى نوعها - بسبب انجماد الدم في عروقها أو نحوه لم تحلّ، وأمّا إذا كانت قلّته لأجل سبق نزيف الذبيحة - لجرح مثلاً - لم يضرّ ذلك بتذكيتها.
الثامن: أن تتحرّك الذبيحة بعد تماميّة الذبح ولو حركة يسيرة، بأن تطرف عينها أو تحرّك ذَنَبها أو تركض برجلها، هذا فيما إذا شكّ في حياتها حال الذبح وإلّا فلا تعتبر الحركة أصلاً.
مسألة 851: يحرم - على الأحوط لزوماً - إبانة رأس الذبيحة عمداً قبل خروج الروح منها وإن كان يُحْكمُ بحلّيّتها حينئذٍ، بلا فرق في ذلك بين الطيور وغيرها، ولا بأس بالإبانة إذا كانت عن غفلة أو استندت إلى حِدّة السكّين وسبقه مثلاً، وهكذا الحال في كسر رقبة الذبيحة أو إصابة نخاعها عمداً قبل أن تموت، والنخاع هو الخيط الأبيض الممتدّ في وسط الفقار من الرقبة إلى الذنب.
مسألة 852: الأحوط الأولى أن يكون الذبح في المذبح من القدّام وإن حلّ المذبوح من القفا أيضاً، كما أنّ الأحوط الأولى وضع السكّين على المذبح ثُمَّ قطع الأوداج وإن كان يكفي أيضاً إدخال السكّين تحت الأوداج ثُمَّ قطعها من فوق.
مسألة 853: لا يشترط في حلّ الذبيحة استقرار حياتها قبل الذبح بمعنى إمكان أن يعيش مثلها اليوم أو نصف اليوم، وإنّما يشترط حياتها حال قطع الأعضاء وإن كانت على شرف الموت، فالمنتزع أمعاؤه بشقّ بطنه والمتكسّر عظامه بالسقوط من شاهق وما أكل السَّبُع بعض ما به حياته والمذبوح من قفاه الباقية أوداجه والمضروب بالسيف أو الطلقات الناريّة المشرف على الموت إذا ذبح قبل أن يموت يحلّ لحمه مع توفّر الشروط السابقة.
مسألة 854: لو أخذ الذابح بالذبح فشقّ آخر بطنه وانتزع أمعائه مقارناً للذبح فالظاهر حلّ لحمه، وكذا الحكم في كلّ فعل يزهق إذا كان مقارناً للذبح ولكن الاحتياط أحسن.
مسألة 855: لا يشترط في حلّيّة لحم الذبيحة بعد وقوع الذبح عليها حيّاً أن يكون خروج روحها بذلك الذبح، فلو وقع عليه الذبح الشرعيّ ثُمَّ وقعت في نار أو ماء أو سقطت إلى الأرض من شاهق أو نحو ذلك ممّا يوجب زوال الحياة لم تحرم، وليس الحكم كذلك في الصيد كما تقدّم فتفترق التذكية بالصيد المذكور عن التذكية بالذبح من هذه الجهة.
مسألة 856: لا يعتبر اتّحاد الذابح فيجوز وقوع الذبح من اثنين على سبيل الاشتراك مقترنين بأن يأخذا السكّين بيديهما ويذبحا معاً، أو يقطع أحدهما بعض الأعضاء والآخر الباقي دفعة أو على وجه التدريج بأن يقطع أحدهما بعض الأعضاء ثُمَّ يقطع الآخر الباقي، وتجب التسمية منهما معاً ولا يجتزأ بتسمية أحدهما.
مسألة 857: تختصّ الإبل من بين البهائم بأنّ تذكيتها بالنحر، ولا يجوز ذلك في غيرها، فلو ذبح الإبل بدلاً عن نحرها أو نحر الشاة أو البقر أو نحوهما بدلاً عن ذبحها حرم لحمها وحكم بنجاستها، نعم لو قطع الأوداج الأربعة من الإبل ثُمَّ نحرها قبل زهوق روحها أو نحر الشاة مثلاً ثُمَّ ذبحها قبل أن تموت حلّ لحمهما وحكم بطهارتهما.
مسألة 858: كيفيّة النحر أن يدخل الآلة من سكّين أو غيره من الآلات الحادّة الحديديّة فى لَبَّتِها، وهي الموضع المنخفض الواقع في أعلى الصدر متّصلاً بالعنق، والشروط المعتبرة في الذبح تعتبر نظائرها في النحر - عدا الشرط السادس - فيعتبر في الناحر أن يكون مسلماً أو من بحكمه وأن يكون النحر بالحديد وأن يكون النحر مقصوداً للناحر، والاستقبال بالمنحور إلى القبلة، والتسمية حين النحر، وخروج الدم المتعارف بالمعنى المتقدّم، وتحرّك المنحور بعد تماميّة النحر مع الشكّ في حياته عند النحر .
مسألة 859: يجوز نحر الإبل قائمة وباركة وساقطة على جنبها والأولى نحرها قائمة.
مسألة 860: إذا تعذّر ذبح الحيوان أو نحره لاستعصائه أو لوقوعه في بئر أو موضع ضيق على نحو لا يتمكّن من ذبحه أو نحره وخيف موته هناك جاز أن يعقره في غير موضع الذكاة برمح أو بسكّين أو نحوهما ممّا يجرحه ويقتله، فإذا مات بذلك العقر طهر وحلّ أكله وتسقط فيه شرطيّة الاستقبال، نعم لا بُدَّ من توفّر سائر الشروط المعتبرة في التذكية، وقد مرّ في فصل الصيد جواز عقر المستعصي والصائل بالكلب أيضاً.
مسألة 861: ذكاة الجنين ذكاة أمّه، فإذا ماتت أُمّه بدون تذكية فإن مات هو في جوفها حرم أكله، وكذا إذا أُخرج منها حيّاً فمات بلا تذكية، وأمّا إذا أُخرج حيّاً فذكّي حلّ أكله، وإذا ذكّيت أُمّه فمات في جوفها حلّ أكله، وإذا أُخرج حيّاً فإن ذكّي حلّ أكله وإن لم يذكّ حرم.
مسألة 862: إذا ذكّيت أُمّه فخرج حيّاً ولم يتّسع الزمان لتذكيته فمات بلا تذكية فالصحيح حرمته، وما إذا ماتت أُمّه بلا تذكية فخرج حيّاً ولم يتّسع الزمان لتذكيته فمات بدونها فلا إشكال في حرمته.
مسألة 863: تجب المبادرة إلى شقّ بطن الحيوان وإخراج الجنين منه على الوجه المتعارف، فلو توانى عن ذلك زائداً على المقدار المتعارف فأدّى ذلك إلى موت الجنين حرم أكله.
مسألة 864: يشترط في حلّ الجنين بذكاة أُمّه أن يكون تامّ الخلقة بأن يكون قد أشعر أو أوبر وإن فرض عدم ولوج الروح فيه، فإن لم يكن تامّ الخلقة لم يحلّ بذكاة أُمّه، فحلّيّة الجنين إذا خرج ميّتاً من بطن أُمّه المذكّاة مشروطة بأُمور : تمام خلقته، وعدم سبق موته على تذكية أُمّه، وعدم استناد موته إلى التواني في إخراجه على النحو المتعارف.
مسألة 865: لا فرق في ذكاة الجنين بذكاة أُمّه بين محلّل الأكل ومحرّمه إذا كان ممّا يقبل التذكية.
مسألة 866: ذكر الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه يستحبّ عند ذبح الغنم أن تربط يداه وإحدى رجليه، وتطلق الأُخرى ويمسك صوفه أو شعره حتّى يبرد.
وعند ذبح البقر أن تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه.
وعند نحر الإبل أن تربط يداها ما بين الخفّين إلى الركبتين أو إلى الإبطين وتطلق رجلاها، هذا إذا نحرت باركة، أمّا إذا نحرت قائمة فينبغي أن تكون يدها اليسرى معقولة، وعند ذبح الطير أن يرسل بعد الذباحة حتّى يرفرف، ويستحبّ عرض الماء على الحيوان قبل أن يذبح أو ينحر .
ويستحبّ أن يعامل مع الحيوان عند ذبحه أو نحره بنحو لا يوجب أذاه وتعذيبه بأن يحدّ الشفرة ويمرّ السكّين على المذبح بقوّة، ويجدّ في الإسراع، فعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (إنّ الله تعالى شأنه كتب عليكم الإحسان في كلّ شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، ولْيَحُدَّ أحدكم شَفْرَتَه، ولْيُرحْ ذبيحته)، وفي خبر آخر بأنّه (صلّى الله عليه وآله): (أمر أن تُحَدَّ الشِّفار وأن تُوارىٰ عن البهائم).
مسألة 867: يكره في ذبح الحيوانات ونحرها - كما ورد في جملة من الروايات - أُمور :
منها: سلخ جلد الذبيحة قبل خروج روحها.
ومنها: أن تكون الذباحة في الليل أو يوم الجمعة قبل الزوال من دون حاجة.
ومنها: أن تكون الذباحة بمنظر من حيوان آخر من جنسه.
ومنها: أن يذبح ما ربّاه بيده من النعم.