الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثالث (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الأيمان والنذور والعهود » الفصل الثالث في العهـود
←
→ كتاب الأيمان والنذور والعهود » الفصل الأوّل في الأيمان
كتاب الأيمان والنذور والعهود » الفصل الثاني في النذور
مسألة 703: النذر هو أن يجعل الشخص لله تعالى على ذمّته فعل شيء أو تركه.
مسألة 704: لا ينعقد النذر بمجرّد النيّة بل لا بُدَّ فيه من الصيغة، ويعتبر في صيغة النذر اشتمالها على لفظ (لله) أو ما يشابهه ممّا مرّ في اليمين كأن يقول الناذر : (للهِ عليَّ أن آتي بنافلة الليل) أو (للرّحمٰنِ عليَّ أن أدعَ التعرّضَ للمؤمنينَ بسوء)، وله أن يؤدّي هذا المعنى بأيّة لغة أُخرى غير العربيّة حتّى لمن يحسنها، ولو اقتصر على قوله (عليّ كذا) لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى (لله)، ولو قال: (نذرتُ لله أن أصوم) مثلاً أو (لله عليّ نذر صوم) مثلاً ففي انعقاده إشكال فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 705: يعتبر في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر عن التصرّف في متعلّق النذر، فيلغو نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً، وكذلك نذر المجنون - ولو كان أدواريّاً - حال جنونه، والمكره والسكران ومن اشتدّ به الغضب إلى أن سلبه القصد أو الاختيار، والمُفْلِس إذا تعلّق نذره بما تعلّق به حقّ الغرماء من أمواله، والسفيه سواء تعلّق نذره بعين خارجيّة أم بما في ذمّته.
مسألة 706: لا يصحّ نذر الزوجة بدون إذن زوجها أو إجازته فيما ينافي حقّه في الاستمتاع منها، وفي صحّة نذرها في مالها من دون إذنه وإجازته - في غير الحجّ والزكاة وبرّ والديها وصلة رحمها - إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، هذا فيما إذا كان النذر في حال زوجيّتها له، وأمّا إذا كان قبلها فهل هو كذلك أم لا يعتبر إذنه في مثله فيلزمها العمل به وإن كره الزوج؟ وجهان، والصحيح هو الأوّل.
مسألة 707: إذا أذن لها الزوج في النذر - فيما يعتبر إذنه - فنذرت عن إذنه انعقد، ولم يكن له حلّه بعد ذلك ولا المنع عن الوفاء به.
مسألة 708: يصحّ نذر الولد سواء أذن له الوالد فيه أم لا، ولكن إذا نهاه أحد أبويه عمّا تعلّق به النذر فلم يعدّ بسببه راجحاً في حقّه انحلّ نذره ولم يلزمه الوفاء به، كما لا ينعقد مع سبق توجيه النهي إليه على هذا النحو .
مسألة 709: النذر على قسمين: مطلق ومعلَّق، والمطلق ما لم يكن معلّقاً على شيء، ويسمّى بـ (نذر التبرّع) كقوله: (للهِ عليّ أن أصوم غداً)، والصحيح انعقاده ولزوم الوفاء به، والمعلَّق - ولا إشكال في انعقاده - على قسمين:
القسم الأوّل: نذر برٍّ ، وهو فيما إذا كان المعلّق عليه أمراً وجوديّاً أو عدميّاً مرغوباً فيه للناذر، سواء أكان من فعله أم من فعل غيره، ويعتبر أن يكون ممّا يحسن به تمنّيه ويسوغ له طلبه من الله تعالى.
فلا يصحّ النذر برّاً فيما لو علّقه على فعل حرام أو مكروه، أو ترك واجب أو مستحبّ منه أو من غيره، كأن يقول: (إن تجاهر الناس بالمعاصي أو شاع بينهم المنكرات فللّه عليّ أن أصوم غداً)، ولا يعتبر فيما إذا كان المعلَّق عليه فعل نفسه أن يكون طاعة لله تعالى - من فعل واجب أو مستحبّ أو ترك حرام أو مكروه، أو انقياداً له بفعل ما يحتمل محبوبيّته، أو ترك ما يحتمل مبغوضيّته - بل يجوز أن يكون مباحاً، له فيه منفعة دنيويّة كأن يقول: (إن تركت التدخين سنة فللّه عليّ أن أتصدّق بمائة دينار ).
ويقع نذر البرّ على نحوين:
1. نذر شكر لله تعالى على إيجاده للمعلَّق عليه، أو توفيقه الغير على إيجاده، ومن الأوّل قوله: (إن شفى الله مريضي أو إن أعاد مسافري سالماً فللّه عليّ أن أصوم شهراً) ومن الثاني قوله: (إن وفّقت لزيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، أو إن وفّق ولدي في الامتحان، فللّه عليّ كذا).
2. نذر بعث للغير نحو المعلَّق عليه، كأن يقول لولده: (إن حفظت القرآن الكريم فللّه عليّ أن أبذل لك نفقة حجّك) أو يقول: (من ردّ عليّ مالي فللّه عليّ أن أهبه نصفه).
القسم الثانى: نذر زجر، وهو فيما إذا كان المعلّق عليه - فعلاً كان أو تركاً - أمراً مرغوباً عنه للناذر، سواء أكان من فعله أم من فعل غيره، ويعتبر أن يكون ممّا يحسن به تمنّي عدمه ويسوغ له طلب عدم تحقّقه من الله تعالى، واذا كان النذر لزجر نفس الناذر اعتبر أن يكون متعلّقه أمراً شاقّاً عليه، وإذا كان لزجر غيره اعتبر أن يكون أمراً مبغوضاً لذلك الغير، ومثال الأوّل أن يقول: (إن تعمّدت الكذب أو إن تعمّدت الضحك في المقابر فللّه عليّ أن أصوم شهراً)، ومثال الثاني أن يقول لوارثه: (إن تركت الصلاة فللّه عليّ أن أتصدّق بجميع مالي، أو أُوصي بثلث تركتي للفقراء).
مسألة 710: اذا كان المعلَّق عليه فعلاً اختياريّاً للناذر فالنذر قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر، والمائز هو القصد، مثلاً إذا قال: (إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا) إن كان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب فأوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً لها عنه فهو نذر زجر فينعقد، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها فجعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتَهَيُّؤِ أسبابه له كان نذر شكر فلا ينعقد.
مسألة 711: يعتبر في متعلَّق النذر من الفعل أو الترك أن يكون مقدوراً للناذر في ظرفه، فلو كان عاجزاً عنه في وقته إن كان موقّتاً ومطلقاً إن كان مطلقاً لم ينعقد نذره، وإذا طرأ العجز عنه في الأثناء انحلّ ولا شيء عليه، نعم لو نذر صوم يوم أو أيّام فعجز عن الصوم فالأحوط وجوباً أن يتصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ على مسكين أو يدفع له مُدّين ليصوم عنه.
مسألة 712: يعتبر في متعلَّق النذر أن يكون راجحاً شرعاً حين العمل، بأن يكون طاعة لله تعالى من صلاة أو صوم أو حجّ أو صدقة أو نحوها ممّا يعتبر في صحّتها قصد القربة، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به إلى الله تعالى كزيارة المؤمنين وتشييع جنائزهم وعيادة المرضى وغيرها، فينعقد النذر في كلّ واجب أو مندوب - ولو كان كفائيّاً - إذا تعلّق بفعله، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه.
وأمّا المباح - كما إذا نذر أكل طعام أو تركه - فإن قصد به معنى راجحاً كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة انعقد نذره وإلّا لم ينعقد.
مسألة 713: إذا كان متعلّق النذر راجحاً في ظرف الإتيان به ولم يكن يعلم به الناذر حين النذر، أو نذر الإتيان بمباح من دون أن يقصد به معنى راجحاً ثُمَّ طرأ عليه الرجحان حين العمل لم ينعقد نذره فلا يلزمه الوفاء به.
مسألة 714: كما لا ينعقد النذر فيما إذا لم يكن متعلّقه راجحاً شرعاً كذلك لا ينعقد فيما إذا زال رجحانه لبعض الطوارئ، فلو نذر صيام شهر معيّن ثُمَّ ضرّه الصوم فيه بعد حين، أو نذر ترك التدخين لتتحسّن صحّته ويقوّى على خدمة الدين ثُمَّ ضرّه تركه انحلّ النذر ولا شيء عليه.
مسألة 715: لو نذر الإتيان بالصلاة أو الصوم أو الصدقة أو أيّ عمل راجح آخر مقيّداً بخصوصيّة معيّنة زمانيّة أو مكانيّة أو غيرهما، فإن كانت راجحة بصورة أوّليّة كما لو نذر الصلاة في مسجد الكوفة أو الصوم في يوم الجمعة، أو بصورة ثانويّة طارئة مع كونها ملحوظة حين النذر، كما إذا نذر الصلاة في مكان هو أفرغ للعبادة وأبعد عن الرياء بالنسبة إليه، فلا إشكال في انعقاد نذره وتعيّن الإتيان بالمنذور بالخصوصيّة المعيّنة، فلو أتى به فاقداً لها لم يكن موفياً بنذره.
وأمّا إذا كانت الخصوصيّة خالية عن الرجحان ففي انعقاد نذره وجهان، والصحيح هو الانعقاد، نعم إذا كان منذوره تعيين تلك الخصوصيّة لأداء ذلك العمل الراجح لا نفس ذلك العمل مقيّداً بها لم ينعقد النذر؛ لعدم الرجحان في متعلّقه.
مسألة 716: لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّيّة تجزئ ركعتان، بل تجزئ مفردة الوتر على الأقوى، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى كلّ ما يطلق عليه اسم الصدقة، ولو نذر فعل طاعة أتى بعمل قربيّ ويكفي صيام يوم أو التصدّق بشيء أو صلاة ولو ركعة الوتر من صلاة الليل وغير ذلك.
مسألة 717: لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن وإلّا تخيّر بينهما، وكذا لو نذر صيام سنة فإنّه يكفيه - مع الإطلاق - صيام اثني عشر شهراً ولو متفرّقاً، وهكذا الحال لو نذر صيام شهر فإنّه يجزئه - مع الإطلاق - صوم ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً، ولا يلزمه التتابع بينها إلّا إذا كان مقصوداً له حين النذر على وجه التقييد.
وإذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط الأولى رعاية التتابع في قضائه.
مسألة 718: لو نذر صوم شهر أجزأه صوم ما بين الهلالين من شهر ولو كان ناقصاً، ولو شرع فيه في أثناء الشهر فنقص فهل يجزئه إتباعه من الشهر اللاحق بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل أم يلزمه إكماله ثلاثين يوماً؟ وجهان، والصحيح هو الثاني.
مسألة 719: اذا نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه، وكذا يفطر في الأيّام التي يعرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر لكن يجب القضاء.
مسألة 720: لو نذر صوم كلّ خميس مثلاً فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر أفطر، ويجب عليه القضاء حتّى في الأوّل.
مسألة 721: لو نذر صوم يوم معيّن فأفطر عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة.
مسألة 722: إذا نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروريّ ويفطر ثُمَّ يقضيه ولا كفّارة عليه، وكذلك إذا جاء اليوم وهو مسافر لا يجب عليه الإقامة بل يجوز له الإفطار والقضاء.
مسألة 723: لو نذر زيارة أحد الأئمّة (عليهم السلام) أو بعض الصالحين لزم، ويكفي الحضور والسلام على المزور، ولا يجب غُسْل الزيارة وصلاتها مع الإطلاق وعدم ذكرهما في النذر، وإن عيّن إماماً لم تُجزِ زيارة غيره وإن كان زيارته أفضل، كما أنّه إذا عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه، وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة، وهل يجب معها القضاء أم لا؟ وجهان، والصحيح عدم الوجوب.
مسألة 724: لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) ماشياً انعقد مع القدرة وعدم الضرر، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاده ماشياً، وإن عيّن وقتاً وفات الوقت حنث بلا إشكال ولزمته الكفّارة، وهل يجب مع ذلك القضاء ماشياً أم لا؟ وجهان، والصحيح عدم الوجوب، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في البعض.
مسألة 725: ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من النهر ونحوه إلّا إذا كان الطريق المتعارف برّاً منحصراً فيما يتوقّف على ذلك، ولو انحصر الطريق في البحر فإن كان النذر موقّتاً لم ينعقد من الأوّل وإن كان مطلقاً وتوقّع فتح الطريق البرّيّ فيما بعد انتظر وإلّا فلا شيء عليه، نعم إذا كان المشي ملحوظاً في نذره على نحو تعدّد المطلوب لزمه - في الصورتين - الإتيان بالحجّ أو الزيارة راكباً بعد تعذّر المشي.
مسألة 726: لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض فالأحوط وجوباً أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض الآخر ولا شيء عليه، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط الأولى أن يقوم فيها بقدر الإمكان.
مسألة 727: إذا نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت ولا يجوز له إتلافها ولا تبديلها بعين أُخرى، ولو تلفت انحلّ النذر ولا شيء عليه، نعم إذا كان ذلك بإتلافه مع الالتفات إلى نذره عُدّ حانثاً فتلزمه الكفّارة ولا يضمن العين، هذا إذا كان النذر مطلقاً ومثله ما إذا كان معلّقاً وتحقّق المعلَّق عليه، وأمّا قبل تحقّقه فيجوز له التصرّف في العين المنذورة التصدّق بالإتلاف والنقل إلى الغير ما لم يعلم بتحقّق المعلَّق عليه لاحقاً ولم يكن نذره مشتملاً على الالتزام بإبقاء العين إلى أن يتبيّن له عدم تحقّقه، وأمّا في هاتين الصورتين فلا يجوز له التصرّف فيها أيضاً.
مسألة 728: إذا نذر التصدّق على شخص معيّن لزم ولا يملك المنذور له الإبراء منه، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه، وهل يلزم المنذور له القبـول؟ الصحيح هو عدم اللزوم، فيبطل النذر بعدم قبوله، ولو امتنع ثُمَّ رجع إلى القبول وجب التصدّق عليه إذا كان النذر مطلقاً أو موقّتاً ولم يخرج وقته وكان لمتعلّقه إطلاق يشمل صورة قبوله بعد الامتناع، وأمّا لو كان مقيّداً - ولو ارتكازاً - بغير هذه الصورة فينحلّ النذر بامتناعه أوّلاً.
مسألة 729: إذا نذر التصدّق بمقدار معيّن من ماله ومات قبل الوفاء به لم يُخْرَج من أصل تركته، إلّا أنّ الأحوط استحباباً لكبار الورثة إخراج ذلك المقدار من حصصهم والتصدّق به من قبله.
وإذا نذر التصدّق على شخص معيّن فمات المنذور له قبل الوفاء بالنذر لم يقم وارثه مقامه في وجوب التصدّق عليه.
مسألة 730: يصحّ نذر التصدّق على نحو نذر الفعل، ولا يصحّ على نحو نذر النتيجة بأن ينذر أن يكون ماله المعيّن صدقة على فلان مثلاً.
مسألة 731: لو نذر مبلغاً من النقود لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه كعمارته وفراشه وتهيئة وسائل تبريده وتدفئته وإنارته وأُجور خدمه والقائمين على حفظه وصيانته وما إلى ذلك من شؤونه، وإذا لم يتيسّر صرفه فيما ذكر وأشباهه أو كان المشهد مستغنياً من جميع الوجوه صرفه في معونة زوّاره ممّن قصرت نفقتهم أو قطع بهم الطريق أو تعرّضوا لطارئ آخر، وهكذا الحال لو نذر متاعاً للمشهد فكان مستغنياً عن عينه أو لم يمكن الاستفادة منه فيه فإنّه يبيعه ويصرف ثمنه في مصالحه إن أمكن وإلّا ففي معونة زوّاره على النحو الآنف الذكر .
مسألة 732: لو نذر شيئاً للكعبة المعظّمة فإن أمكن صرف عينــه في مصالحها - كالطيب - فهو وإلّا باعه وصرف قيمته فيها، وإن لم يمكن ذلك أيضاً - ولو لاستغنائها من جميع الوجوه - صرفه عيناً أو قيمة في معونة زوّارها على النهج المتقدّم في المسألة السابقة.
مسألة 733: لو نذر مالاً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو لبعض الأئمّة (عليهم السلام) أو لبعض أعاظم الماضين من العلماء والصالحين وأضرابهم صرفه في جهة راجعة إلى المنذور له كتأمين نفقة المحتاجين من زوّاره أو على مشهده الشريف أو على ما فيه إحياء ذكره وإعلاء شأنه كإقامة المجالس المعدّة لنشر علومه ومواعظه ومحاسن كلامه وذكر فضائله ونحو ذلك، هذا إذا لم يكن من قصد الناذر جهةٍ خاصّة ومصرف معيّن وإلّا اقتصر عليها.
مسألة 734: لو نذر شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) أو لمشهد من المشاهد فنمت نموّاً متّصلاً كالسِّمَنِ كان النماء تابعاً لها في اختصاصها بالجهة المنذور لها، وإذا نمت نموّاً منفصلاً كما إذا ولدت شاة أُخرى أو حصل فيها لبن فالنماء للناذر إلّا إذا كان قاصداً للتعميم حين إنشاء النذر .
مسألة 735: إذا نذر التصدّق بجميع ما يملكه عيناً أو قيمة عندما يقضي الله له حاجة معيّنة فقضاها الله تبارك وتعالى ولكنّه وجد مشقّة شديدة في التصدّق بجميع ماله فالأحوط وجوباً أن يتصدّق بما يمكنه ويقوّم الباقي بقيمة عادلة في ذمّته قبل أن يتصرّف فيه ثُمَّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ويحسب منه ما يعطي إلى الفقراء والمساكين وأرحامه المحتاجين ويقيّد ذلك في سجلّ إلى أن يوفّي التمام فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى من تركته.
مسألة 736: إذا نذر صوم يوم إذا برئ مريضه أو قدم مسافره مثلاً فبان بُرْؤ المريض وقدوم المسافر قبل نذره لم يكن عليه شيء.
مسألة 737: إذا تعلّق نذره بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ويتحقّق الحنث وتجب الكفّارة بتركه فيه، فإن كان صوماً وجب قضاؤه وكذا إن كان صلاة على الأحوط لزوماً دون غيرها، وهكذا الحال فيما إذا كانت الأزمنة المتأخّرة جدّاً خارجة عن محطّ نظره حين النذر فإنّه لا يجوز له التأخير في الإتيان بالمنذور إلى حينها وإلّا كان حانثاً، وأمّا إن كان النذر مطلقاً كان وقته العمر وجاز له التأخير إلى حدّ لا يعدّ معه متوانياً ومتهاوناً في أداء الواجب ويتحقّق الحنث بتركه مدّة عمره.
هذا إذا كان المنذور فعل شيء، وإن كان ترك شيء فإن عيّن له وقتاً كان حنثه بإيجاده فيه، وإن كان مطلقاً كان حنثه بإيجاده في مدّة عمره ولو مرّة، فلو أتى به أكثر من مرّة لم يحنث إلّا بالمرّة الأُولى فلا تتكرّر عليه الكفّارة، كما مرّ نظيره في اليمين.
مسألة 738: إذا نذر الأب أو الأُمّ تزويج بنتهما من هاشميّ أو من غيره في أوان زواجها لم يكن لذاك النذر أثر بالنسبة إليها وعدّ كأن لم يكن، وأمّا الناذر فإن انعقد نذره وتمكن من الوفاء به بإقناع البنت بالزواج ممّن نذر تزويجها منه لزمه ذلك وإلّا فلا شيء عليه.
مسألة 739: إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه نسياناً أو خطأً أو غفلة أو إكراهاً أو اضطراراً أو عن جهل يعذر فيه لم يترتّب عليه شيء، بل لا ينحلّ النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت.
مسألة 740: كفّارة حنث النذر ككفّارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متواليات.
كتاب الأيمان والنذور والعهود » الفصل الثالث في العهـود
←
→ كتاب الأيمان والنذور والعهود » الفصل الأوّل في الأيمان
مسألة 704: لا ينعقد النذر بمجرّد النيّة بل لا بُدَّ فيه من الصيغة، ويعتبر في صيغة النذر اشتمالها على لفظ (لله) أو ما يشابهه ممّا مرّ في اليمين كأن يقول الناذر : (للهِ عليَّ أن آتي بنافلة الليل) أو (للرّحمٰنِ عليَّ أن أدعَ التعرّضَ للمؤمنينَ بسوء)، وله أن يؤدّي هذا المعنى بأيّة لغة أُخرى غير العربيّة حتّى لمن يحسنها، ولو اقتصر على قوله (عليّ كذا) لم ينعقد وإن نوى في ضميره معنى (لله)، ولو قال: (نذرتُ لله أن أصوم) مثلاً أو (لله عليّ نذر صوم) مثلاً ففي انعقاده إشكال فلا تترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 705: يعتبر في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر عن التصرّف في متعلّق النذر، فيلغو نذر الصبيّ وإن كان مميّزاً، وكذلك نذر المجنون - ولو كان أدواريّاً - حال جنونه، والمكره والسكران ومن اشتدّ به الغضب إلى أن سلبه القصد أو الاختيار، والمُفْلِس إذا تعلّق نذره بما تعلّق به حقّ الغرماء من أمواله، والسفيه سواء تعلّق نذره بعين خارجيّة أم بما في ذمّته.
مسألة 706: لا يصحّ نذر الزوجة بدون إذن زوجها أو إجازته فيما ينافي حقّه في الاستمتاع منها، وفي صحّة نذرها في مالها من دون إذنه وإجازته - في غير الحجّ والزكاة وبرّ والديها وصلة رحمها - إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، هذا فيما إذا كان النذر في حال زوجيّتها له، وأمّا إذا كان قبلها فهل هو كذلك أم لا يعتبر إذنه في مثله فيلزمها العمل به وإن كره الزوج؟ وجهان، والصحيح هو الأوّل.
مسألة 707: إذا أذن لها الزوج في النذر - فيما يعتبر إذنه - فنذرت عن إذنه انعقد، ولم يكن له حلّه بعد ذلك ولا المنع عن الوفاء به.
مسألة 708: يصحّ نذر الولد سواء أذن له الوالد فيه أم لا، ولكن إذا نهاه أحد أبويه عمّا تعلّق به النذر فلم يعدّ بسببه راجحاً في حقّه انحلّ نذره ولم يلزمه الوفاء به، كما لا ينعقد مع سبق توجيه النهي إليه على هذا النحو .
مسألة 709: النذر على قسمين: مطلق ومعلَّق، والمطلق ما لم يكن معلّقاً على شيء، ويسمّى بـ (نذر التبرّع) كقوله: (للهِ عليّ أن أصوم غداً)، والصحيح انعقاده ولزوم الوفاء به، والمعلَّق - ولا إشكال في انعقاده - على قسمين:
القسم الأوّل: نذر برٍّ ، وهو فيما إذا كان المعلّق عليه أمراً وجوديّاً أو عدميّاً مرغوباً فيه للناذر، سواء أكان من فعله أم من فعل غيره، ويعتبر أن يكون ممّا يحسن به تمنّيه ويسوغ له طلبه من الله تعالى.
فلا يصحّ النذر برّاً فيما لو علّقه على فعل حرام أو مكروه، أو ترك واجب أو مستحبّ منه أو من غيره، كأن يقول: (إن تجاهر الناس بالمعاصي أو شاع بينهم المنكرات فللّه عليّ أن أصوم غداً)، ولا يعتبر فيما إذا كان المعلَّق عليه فعل نفسه أن يكون طاعة لله تعالى - من فعل واجب أو مستحبّ أو ترك حرام أو مكروه، أو انقياداً له بفعل ما يحتمل محبوبيّته، أو ترك ما يحتمل مبغوضيّته - بل يجوز أن يكون مباحاً، له فيه منفعة دنيويّة كأن يقول: (إن تركت التدخين سنة فللّه عليّ أن أتصدّق بمائة دينار ).
ويقع نذر البرّ على نحوين:
1. نذر شكر لله تعالى على إيجاده للمعلَّق عليه، أو توفيقه الغير على إيجاده، ومن الأوّل قوله: (إن شفى الله مريضي أو إن أعاد مسافري سالماً فللّه عليّ أن أصوم شهراً) ومن الثاني قوله: (إن وفّقت لزيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، أو إن وفّق ولدي في الامتحان، فللّه عليّ كذا).
2. نذر بعث للغير نحو المعلَّق عليه، كأن يقول لولده: (إن حفظت القرآن الكريم فللّه عليّ أن أبذل لك نفقة حجّك) أو يقول: (من ردّ عليّ مالي فللّه عليّ أن أهبه نصفه).
القسم الثانى: نذر زجر، وهو فيما إذا كان المعلّق عليه - فعلاً كان أو تركاً - أمراً مرغوباً عنه للناذر، سواء أكان من فعله أم من فعل غيره، ويعتبر أن يكون ممّا يحسن به تمنّي عدمه ويسوغ له طلب عدم تحقّقه من الله تعالى، واذا كان النذر لزجر نفس الناذر اعتبر أن يكون متعلّقه أمراً شاقّاً عليه، وإذا كان لزجر غيره اعتبر أن يكون أمراً مبغوضاً لذلك الغير، ومثال الأوّل أن يقول: (إن تعمّدت الكذب أو إن تعمّدت الضحك في المقابر فللّه عليّ أن أصوم شهراً)، ومثال الثاني أن يقول لوارثه: (إن تركت الصلاة فللّه عليّ أن أتصدّق بجميع مالي، أو أُوصي بثلث تركتي للفقراء).
مسألة 710: اذا كان المعلَّق عليه فعلاً اختياريّاً للناذر فالنذر قابل لأن يكون نذر شكر وأن يكون نذر زجر، والمائز هو القصد، مثلاً إذا قال: (إن شربت الخمر فللّه عليّ كذا) إن كان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب فأوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً لها عنه فهو نذر زجر فينعقد، وإن كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها فجعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتَهَيُّؤِ أسبابه له كان نذر شكر فلا ينعقد.
مسألة 711: يعتبر في متعلَّق النذر من الفعل أو الترك أن يكون مقدوراً للناذر في ظرفه، فلو كان عاجزاً عنه في وقته إن كان موقّتاً ومطلقاً إن كان مطلقاً لم ينعقد نذره، وإذا طرأ العجز عنه في الأثناء انحلّ ولا شيء عليه، نعم لو نذر صوم يوم أو أيّام فعجز عن الصوم فالأحوط وجوباً أن يتصدّق عن كلّ يوم بمُدٍّ على مسكين أو يدفع له مُدّين ليصوم عنه.
مسألة 712: يعتبر في متعلَّق النذر أن يكون راجحاً شرعاً حين العمل، بأن يكون طاعة لله تعالى من صلاة أو صوم أو حجّ أو صدقة أو نحوها ممّا يعتبر في صحّتها قصد القربة، أو أمراً ندب إليه الشرع ويصحّ التقرّب به إلى الله تعالى كزيارة المؤمنين وتشييع جنائزهم وعيادة المرضى وغيرها، فينعقد النذر في كلّ واجب أو مندوب - ولو كان كفائيّاً - إذا تعلّق بفعله، وفي كلّ حرام أو مكروه إذا تعلّق بتركه.
وأمّا المباح - كما إذا نذر أكل طعام أو تركه - فإن قصد به معنى راجحاً كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة انعقد نذره وإلّا لم ينعقد.
مسألة 713: إذا كان متعلّق النذر راجحاً في ظرف الإتيان به ولم يكن يعلم به الناذر حين النذر، أو نذر الإتيان بمباح من دون أن يقصد به معنى راجحاً ثُمَّ طرأ عليه الرجحان حين العمل لم ينعقد نذره فلا يلزمه الوفاء به.
مسألة 714: كما لا ينعقد النذر فيما إذا لم يكن متعلّقه راجحاً شرعاً كذلك لا ينعقد فيما إذا زال رجحانه لبعض الطوارئ، فلو نذر صيام شهر معيّن ثُمَّ ضرّه الصوم فيه بعد حين، أو نذر ترك التدخين لتتحسّن صحّته ويقوّى على خدمة الدين ثُمَّ ضرّه تركه انحلّ النذر ولا شيء عليه.
مسألة 715: لو نذر الإتيان بالصلاة أو الصوم أو الصدقة أو أيّ عمل راجح آخر مقيّداً بخصوصيّة معيّنة زمانيّة أو مكانيّة أو غيرهما، فإن كانت راجحة بصورة أوّليّة كما لو نذر الصلاة في مسجد الكوفة أو الصوم في يوم الجمعة، أو بصورة ثانويّة طارئة مع كونها ملحوظة حين النذر، كما إذا نذر الصلاة في مكان هو أفرغ للعبادة وأبعد عن الرياء بالنسبة إليه، فلا إشكال في انعقاد نذره وتعيّن الإتيان بالمنذور بالخصوصيّة المعيّنة، فلو أتى به فاقداً لها لم يكن موفياً بنذره.
وأمّا إذا كانت الخصوصيّة خالية عن الرجحان ففي انعقاد نذره وجهان، والصحيح هو الانعقاد، نعم إذا كان منذوره تعيين تلك الخصوصيّة لأداء ذلك العمل الراجح لا نفس ذلك العمل مقيّداً بها لم ينعقد النذر؛ لعدم الرجحان في متعلّقه.
مسألة 716: لو نذر صوماً ولم يعيّن العدد كفى صوم يوم، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفيّة والكمّيّة تجزئ ركعتان، بل تجزئ مفردة الوتر على الأقوى، ولو نذر صدقة ولم يعيّن جنسها ومقدارها كفى كلّ ما يطلق عليه اسم الصدقة، ولو نذر فعل طاعة أتى بعمل قربيّ ويكفي صيام يوم أو التصدّق بشيء أو صلاة ولو ركعة الوتر من صلاة الليل وغير ذلك.
مسألة 717: لو نذر صوم عشرة أيّام مثلاً فإن قيّد بالتتابع أو التفريق تعيّن وإلّا تخيّر بينهما، وكذا لو نذر صيام سنة فإنّه يكفيه - مع الإطلاق - صيام اثني عشر شهراً ولو متفرّقاً، وهكذا الحال لو نذر صيام شهر فإنّه يجزئه - مع الإطلاق - صوم ثلاثين يوماً ولو متفرّقاً، ولا يلزمه التتابع بينها إلّا إذا كان مقصوداً له حين النذر على وجه التقييد.
وإذا فاته الصوم المنذور المشروط فيه التتابع فالأحوط الأولى رعاية التتابع في قضائه.
مسألة 718: لو نذر صوم شهر أجزأه صوم ما بين الهلالين من شهر ولو كان ناقصاً، ولو شرع فيه في أثناء الشهر فنقص فهل يجزئه إتباعه من الشهر اللاحق بمقدار ما مضى من الشهر الأوّل أم يلزمه إكماله ثلاثين يوماً؟ وجهان، والصحيح هو الثاني.
مسألة 719: اذا نذر صيام سنة معيّنة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه، وكذا يفطر في الأيّام التي يعرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر لكن يجب القضاء.
مسألة 720: لو نذر صوم كلّ خميس مثلاً فصادف بعضها أحد العيدين أو أحد العوارض المبيحة للإفطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر أفطر، ويجب عليه القضاء حتّى في الأوّل.
مسألة 721: لو نذر صوم يوم معيّن فأفطر عمداً يجب قضاؤه مع الكفّارة.
مسألة 722: إذا نذر صوم يوم معيّن جاز له السفر وإن كان غير ضروريّ ويفطر ثُمَّ يقضيه ولا كفّارة عليه، وكذلك إذا جاء اليوم وهو مسافر لا يجب عليه الإقامة بل يجوز له الإفطار والقضاء.
مسألة 723: لو نذر زيارة أحد الأئمّة (عليهم السلام) أو بعض الصالحين لزم، ويكفي الحضور والسلام على المزور، ولا يجب غُسْل الزيارة وصلاتها مع الإطلاق وعدم ذكرهما في النذر، وإن عيّن إماماً لم تُجزِ زيارة غيره وإن كان زيارته أفضل، كما أنّه إذا عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه، وإن عيّن للزيارة زماناً تعيّن فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفّارة، وهل يجب معها القضاء أم لا؟ وجهان، والصحيح عدم الوجوب.
مسألة 724: لو نذر أن يحجّ أو يزور الحسين (عليه السلام) ماشياً انعقد مع القدرة وعدم الضرر، فلو حجّ أو زار راكباً مع القدرة على المشي فإن كان النذر مطلقاً ولم يعيّن الوقت أعاده ماشياً، وإن عيّن وقتاً وفات الوقت حنث بلا إشكال ولزمته الكفّارة، وهل يجب مع ذلك القضاء ماشياً أم لا؟ وجهان، والصحيح عدم الوجوب، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في البعض.
مسألة 725: ليس لمن نذر الحجّ أو الزيارة ماشياً أن يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج إلى ركوب السفينة ونحوها ولو لأجل العبور من النهر ونحوه إلّا إذا كان الطريق المتعارف برّاً منحصراً فيما يتوقّف على ذلك، ولو انحصر الطريق في البحر فإن كان النذر موقّتاً لم ينعقد من الأوّل وإن كان مطلقاً وتوقّع فتح الطريق البرّيّ فيما بعد انتظر وإلّا فلا شيء عليه، نعم إذا كان المشي ملحوظاً في نذره على نحو تعدّد المطلوب لزمه - في الصورتين - الإتيان بالحجّ أو الزيارة راكباً بعد تعذّر المشي.
مسألة 726: لو طرأ لناذر المشي العجز عنه في بعض الطريق دون البعض فالأحوط وجوباً أن يمشي مقدار ما يستطيع ويركب في البعض الآخر ولا شيء عليه، ولو اضطرّ إلى ركوب السفينة فالأحوط الأولى أن يقوم فيها بقدر الإمكان.
مسألة 727: إذا نذر التصدّق بعين شخصيّة تعيّنت ولا يجوز له إتلافها ولا تبديلها بعين أُخرى، ولو تلفت انحلّ النذر ولا شيء عليه، نعم إذا كان ذلك بإتلافه مع الالتفات إلى نذره عُدّ حانثاً فتلزمه الكفّارة ولا يضمن العين، هذا إذا كان النذر مطلقاً ومثله ما إذا كان معلّقاً وتحقّق المعلَّق عليه، وأمّا قبل تحقّقه فيجوز له التصرّف في العين المنذورة التصدّق بالإتلاف والنقل إلى الغير ما لم يعلم بتحقّق المعلَّق عليه لاحقاً ولم يكن نذره مشتملاً على الالتزام بإبقاء العين إلى أن يتبيّن له عدم تحقّقه، وأمّا في هاتين الصورتين فلا يجوز له التصرّف فيها أيضاً.
مسألة 728: إذا نذر التصدّق على شخص معيّن لزم ولا يملك المنذور له الإبراء منه، فلا يسقط عن الناذر بإبرائه، وهل يلزم المنذور له القبـول؟ الصحيح هو عدم اللزوم، فيبطل النذر بعدم قبوله، ولو امتنع ثُمَّ رجع إلى القبول وجب التصدّق عليه إذا كان النذر مطلقاً أو موقّتاً ولم يخرج وقته وكان لمتعلّقه إطلاق يشمل صورة قبوله بعد الامتناع، وأمّا لو كان مقيّداً - ولو ارتكازاً - بغير هذه الصورة فينحلّ النذر بامتناعه أوّلاً.
مسألة 729: إذا نذر التصدّق بمقدار معيّن من ماله ومات قبل الوفاء به لم يُخْرَج من أصل تركته، إلّا أنّ الأحوط استحباباً لكبار الورثة إخراج ذلك المقدار من حصصهم والتصدّق به من قبله.
وإذا نذر التصدّق على شخص معيّن فمات المنذور له قبل الوفاء بالنذر لم يقم وارثه مقامه في وجوب التصدّق عليه.
مسألة 730: يصحّ نذر التصدّق على نحو نذر الفعل، ولا يصحّ على نحو نذر النتيجة بأن ينذر أن يكون ماله المعيّن صدقة على فلان مثلاً.
مسألة 731: لو نذر مبلغاً من النقود لمشهد من المشاهد المشرّفة صرفه في مصالحه كعمارته وفراشه وتهيئة وسائل تبريده وتدفئته وإنارته وأُجور خدمه والقائمين على حفظه وصيانته وما إلى ذلك من شؤونه، وإذا لم يتيسّر صرفه فيما ذكر وأشباهه أو كان المشهد مستغنياً من جميع الوجوه صرفه في معونة زوّاره ممّن قصرت نفقتهم أو قطع بهم الطريق أو تعرّضوا لطارئ آخر، وهكذا الحال لو نذر متاعاً للمشهد فكان مستغنياً عن عينه أو لم يمكن الاستفادة منه فيه فإنّه يبيعه ويصرف ثمنه في مصالحه إن أمكن وإلّا ففي معونة زوّاره على النحو الآنف الذكر .
مسألة 732: لو نذر شيئاً للكعبة المعظّمة فإن أمكن صرف عينــه في مصالحها - كالطيب - فهو وإلّا باعه وصرف قيمته فيها، وإن لم يمكن ذلك أيضاً - ولو لاستغنائها من جميع الوجوه - صرفه عيناً أو قيمة في معونة زوّارها على النهج المتقدّم في المسألة السابقة.
مسألة 733: لو نذر مالاً للنبيّ (صلّى الله عليه وآله) أو لبعض الأئمّة (عليهم السلام) أو لبعض أعاظم الماضين من العلماء والصالحين وأضرابهم صرفه في جهة راجعة إلى المنذور له كتأمين نفقة المحتاجين من زوّاره أو على مشهده الشريف أو على ما فيه إحياء ذكره وإعلاء شأنه كإقامة المجالس المعدّة لنشر علومه ومواعظه ومحاسن كلامه وذكر فضائله ونحو ذلك، هذا إذا لم يكن من قصد الناذر جهةٍ خاصّة ومصرف معيّن وإلّا اقتصر عليها.
مسألة 734: لو نذر شاة للصدقة أو لأحد الأئمّة (عليهم السلام) أو لمشهد من المشاهد فنمت نموّاً متّصلاً كالسِّمَنِ كان النماء تابعاً لها في اختصاصها بالجهة المنذور لها، وإذا نمت نموّاً منفصلاً كما إذا ولدت شاة أُخرى أو حصل فيها لبن فالنماء للناذر إلّا إذا كان قاصداً للتعميم حين إنشاء النذر .
مسألة 735: إذا نذر التصدّق بجميع ما يملكه عيناً أو قيمة عندما يقضي الله له حاجة معيّنة فقضاها الله تبارك وتعالى ولكنّه وجد مشقّة شديدة في التصدّق بجميع ماله فالأحوط وجوباً أن يتصدّق بما يمكنه ويقوّم الباقي بقيمة عادلة في ذمّته قبل أن يتصرّف فيه ثُمَّ يتصدّق عمّا في ذمّته شيئاً فشيئاً ويحسب منه ما يعطي إلى الفقراء والمساكين وأرحامه المحتاجين ويقيّد ذلك في سجلّ إلى أن يوفّي التمام فإن بقي منه شيء أوصى بأن يؤدّى من تركته.
مسألة 736: إذا نذر صوم يوم إذا برئ مريضه أو قدم مسافره مثلاً فبان بُرْؤ المريض وقدوم المسافر قبل نذره لم يكن عليه شيء.
مسألة 737: إذا تعلّق نذره بإيجاد عمل من صوم أو صلاة أو صدقة أو غيرها، فإن عيّن له وقتاً تعيّن ويتحقّق الحنث وتجب الكفّارة بتركه فيه، فإن كان صوماً وجب قضاؤه وكذا إن كان صلاة على الأحوط لزوماً دون غيرها، وهكذا الحال فيما إذا كانت الأزمنة المتأخّرة جدّاً خارجة عن محطّ نظره حين النذر فإنّه لا يجوز له التأخير في الإتيان بالمنذور إلى حينها وإلّا كان حانثاً، وأمّا إن كان النذر مطلقاً كان وقته العمر وجاز له التأخير إلى حدّ لا يعدّ معه متوانياً ومتهاوناً في أداء الواجب ويتحقّق الحنث بتركه مدّة عمره.
هذا إذا كان المنذور فعل شيء، وإن كان ترك شيء فإن عيّن له وقتاً كان حنثه بإيجاده فيه، وإن كان مطلقاً كان حنثه بإيجاده في مدّة عمره ولو مرّة، فلو أتى به أكثر من مرّة لم يحنث إلّا بالمرّة الأُولى فلا تتكرّر عليه الكفّارة، كما مرّ نظيره في اليمين.
مسألة 738: إذا نذر الأب أو الأُمّ تزويج بنتهما من هاشميّ أو من غيره في أوان زواجها لم يكن لذاك النذر أثر بالنسبة إليها وعدّ كأن لم يكن، وأمّا الناذر فإن انعقد نذره وتمكن من الوفاء به بإقناع البنت بالزواج ممّن نذر تزويجها منه لزمه ذلك وإلّا فلا شيء عليه.
مسألة 739: إنّما يتحقّق الحنث الموجب للكفّارة بمخالفة النذر اختياراً، فلو أتى بشيء تعلّق النذر بتركه نسياناً أو خطأً أو غفلة أو إكراهاً أو اضطراراً أو عن جهل يعذر فيه لم يترتّب عليه شيء، بل لا ينحلّ النذر به، فيجب الترك بعد ارتفاع العذر لو كان النذر مطلقاً أو موقّتاً وقد بقي الوقت.
مسألة 740: كفّارة حنث النذر ككفّارة اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيّام متواليات.