الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثالث (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الخلع والمباراة » طلاق الخلع ←
→ كتاب الطـلاق » 5. عدّة الوفاة
كتاب الطـلاق » الفصل الرابع في أحكام المفقود زوجها
مسألة 588: المفقود المنقطع خبره عن أهله على قسمين:
القسم الأوّل: من تعلم زوجته بحياته ولكنّها لا تعلم في أيّ بلد هو، وحكمها حينئذٍ لزوم الصبر والانتظار إلى أن يرجع إليها زوجها أو يأتيها خبر موته، أو طلاقه، أو ارتداده، فليس لها المطالبة بالطلاق قبل ذلك.
نعم إذا طالت المدّة، ولم يكن طريق للاتّصال به ولم يكن له مال ينفق منه عليها ولم ينفق عليها وليّه من مال نفسه ففي جواز طلاقها من قبل الحاكم الشرعي بطلب منها إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
وإذا ثبت لدى الحاكم الشرعيّ أنّه قد هجرها تاركاً أداء ما لها من الحقوق الزوجيّة، وقد تعمّد إخفاء موضعه لكي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ - فيما إذا رفعت الزوجة أمرها إليه - أن يتّصل به ويلزمه بأحد الأمرين: إمّا أداء حقوقها أو طلاقها، ويطلّقها لو تعذّر إلزامه بأحدهما، ففي هذه الحالة يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها فيما إذا طلبت منه ذلك، فإنّ حكم هذا المفقود حكم غيره المتقدّم في المسألة (357).
القسم الثاني: من لا تعلم زوجته حياته ولا موته وفيه حالتان:
الحالة الأُولى: أن يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، أو يقوم وليّه بالإنفاق عليها من مال نفسه، وفي هذه الحالة يجب على الزوجة الصبر والانتظار كما في القسم الأوّل المتقدّم، وليس لها المطالبة بالطلاق مادام ينفق عليها من مال زوجها أو من مال وليّه وإن طالت المدّة.
الحالة الثانية: أن لا يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، ولا ينفق عليها وليّه من مال نفسه، وحينئذٍ يجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ أو المأذون من قبله في ذلك فيؤجّلها أربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال هذه المدّة، فإن انقضت السنين الأربع ولم تتبيّن حياته ولا موته أمر الحاكم وليّه بطلاقها، فإن لم يُقْدِم على الطلاق أجبره على ذلك، فإن لم يمكن إجباره أو لم يكن له وليّ طلّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله فتعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام، فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبيّة عن زوجها وجاز لها أن تتزوّج ممّن تشاء.
ويختصّ هذا الحكم بالنكاح الدائم فلا يجري في المتعة.
مسألة 589: ظاهر كلمات جمع من الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) أنّه كما لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته أن تطالب بالطلاق إلّا مع عدم توفّر مال للزوج ينفق منه عليها وعدم إنفاق وليّه عليها من مال نفسه كذلك لا يحقّ لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ مطالبة إيّاه بتأجيلها أربع سنوات والفحص عن زوجها خلال ذلك إلّا بعد انقطاع الإنفاق عليها من مال الزوج ومن مال وليّه، ولكن الصحيح أنّه يحقّ لها المطالبة بالتأجيل والفحص في حال الإنفاق عليها أيضاً إذا احتمل نفاد مال الزوج وانقطاع وليّه عن الإنفاق عليها قبل تبيّن حياته أو وفاته.
وفائدة ذلك أنّه لو انقضت السنوات الأربع وقد فحص خلالها عن الزوج ولم تتبيّن حياته ولا مماته جاز لزوجته المطالبة بالطلاق متى انقطع الإنفاق عليها من ماله ومن مال وليّه من غير حاجة إلى الانتظار أربع سنوات أُخرى وتجديد الفحص خلالها عنه.
مسألة 590: إذا كانت للمفقود الذي لا تعلم حياته زوجات أُخرى لم يرفعن أمرهن إلى الحاكم يجوز للحاكم طلاقهنّ إذا طلبن ذلك، أي يجتزئ بمضيّ المدّة المذكورة والفحص عنه بعد طلب إحداهنّ ولا يحتاج إلى تأجيل وفحص جديد.
مسألة 591: المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق منه وإن مضى على فقده أربع سنوات مع تحقّق الفحص خلالها عنه إذا لم يكن ذلك بتأجيل من الحاكم الشرعيّ وأمره بالفحص عنه خلال تلك المدّة، ولكن الصحيح هو الاجتزاء بالفحص عنه أربع سنوات بعد فقده مع وقوع جزء من الفحص بأمر الحاكم الشرعيّ وإن لم يكن بتأجيل منه، فلو رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم بعد أربع سنوات مثلاً من فقد زوجها مع قيامها بالفحص عنه خلال تلك المدّة أمر الحاكم بتجديد الفحــص عنه مقداراً مــا - مع احتمال ترتّب الفائدة عليه - فإذا لم يبلغ عنه خبر أمر بطلاقها على ما تقدّم.
مسألة 592: تقدّم أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق مادام للمفقود مال ينفق منه عليها أو ينفق وليّه عليها من مال نفسه، فهل الحكم كذلك فيما إذا وجد متبرّع بنفقتها من شخص أو مؤسّسة حكوميّة أو أهليّة أم لا؟ وجهان، والصحيح هو الوجه الثاني، فيجوز لها المطالبة بالطلاق بالشروط المتقدّمة إذا لم ينفق عليها من مال الزوج أو من مال وليّه وإن وجد من ينفق عليها من غير هذين الطريقين.
مسألة 593: الوليّ الذي لا يحقّ لزوجة المفقود المطالبة بالطلاق منه مادام ينفق عليها من مال نفسه والذي يأمره الحاكم الشرعيّ - مع عدم إنفاقه عليها - بطلاقها ويجبره على الطلاق لو امتنع منه هو أبو المفقود وجدّه لأبيه، وإذا كان للمفقود وكيل مفوّض إليه طلاق زوجته كان بحكم الوليّ من جهة الطلاق.
مسألة 594: لا فرق في المفقود - فيما ذكر من الأحكام - بين المسافر والهارب، ومن كان في معركة قتال ففقد، ومن انكسرت سفينته في البحر فلم يظهر له أثر ومن أخذه قطّاع الطرق أو الأعداء فذهبوا به، ومن اعتقلته السلطات الحكوميّة فانقطعت أخباره ولم يعلم مكان اعتقاله.
مسألة 595: ليس للفحص عن المفقود كيفيّة خاصّة وطريقة معيّنة، بل المدار على ما يعدّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً، ويختلف ذلك باختلاف أنواع المفقودين، فالمسافر المفقود يبعث من يعرفه باسمه وشخصه أو بحِلْيَتِه إلى مظانّ وجوده للظفر به، أو يكتب إلى من يعرفه ليتفقّد عنه فيما يحتمل وجوده فيه من البلاد، أو يطلب من المسافرين إليها من الزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم أن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم ويستخبر منهم إذا رجعوا من أسفارهم.
وأمّا المفقود في جبهات القتال فتراجع بشأنه الدوائر المَعْنيّة بأحوال الجنود المشاركين في المعركة أو يسأل عنه رِفاقه العائدون من الجبهات والأسرى العائدون من الأسر .
وأمّا المعتقل المفقود فتسأل عنه دوائر الشرطة والجهات الأمنيّة ذات العلاقة وهكذا.
مسألة 596: مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام - كما تقدّم - ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ بل يكفي فيه تصدّي الطلب عنه بحيث يصدق عرفاً أنّه قد فحص عنه في تلك المدّة.
مسألة 597: المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثاله، فالمسافر المفقود في بلدٍ مخصوص أو جهةٍ مخصوصةٍ إذا دلّت القرائن على عدم انتقاله منها كفى البحث عنه في ذلك البلد أو تلك الجهة، ولا يعتبر استقصاء البلد والجهات، ولا يعتنى باحتمال وصوله إلى بلدٍ احتمالاً بعيداً.
مسألة 598: المسافر المفقود إذا علم أنّه كان في بلد معيّن في زمان ثُمَّ انقطع أثره يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على النحو المتعارف، بأن يسأل عنه في جوامعه ومجامعه وفنادقه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وسجونه ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش والسؤال بل يكتفى بالبعض المعتدّ به من مشاهيرها، ويلاحظ في ذلك زِيّ المفقود وصنعته وحرفته فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه أبناء صنفه وحرفته، مثلاً إذا كان من طلبة العلم فالمحلّ المناسب له المدارس ومجامع العلم فيسأل عنه العلماء وطلبة العلم وهكذا بقيّة الأصناف كالتجّار والحرفيّين والأطبّاء ونحوهم.
فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر، ولم يعلم موته ولا حياته، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محلٍّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين كما تقدّم، وإن احتمل الانتقال احتمالاً معتدّاً به فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحّص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كلّ قرية قرية ولا في كلّ بلدة بلدة بل يكتفى ببعض الأماكن المهمّة والمعروفة في كلّ جهةٍ مراعياً للأقرب فالأقرب إلى البلد الأوّل، وإذا كان احتمال انتقاله إلى بعضها أقوى فاللازم جعل محلّ الفحص ذلك البعض، ويكتفى بالفحص فيه إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره.
هذا فيما إذا علم أنّ المسافر المفقود كان في بلد معيّن في زمان، وأمّا إذا علم أنّه كان في بعض الأقطار كإيران والعراق ولبنان والهند ثُمَّ انقطع أثره كفى الفحص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال مع ملاحظة صنف المفقود وحرفته في ذلك.
وإذا علم أنّه خرج من منزله قاصداً التوجّه إلى بلد معيّن - كالعراقي إذا خرج برّاً يريد زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهده المقدّس بخراسان ثُمَّ انقطع خبره - يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة على طريقه إلى ذلك البلد، وفي نفس ذلك البلد، ولا يجب الفحص عنه في الأماكن البعيدة عن الطريق فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف ذلك القطر .
وإذا علم أنّه خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره لزم الفحص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب التي يحتمل وصوله إليه احتمالاً معتدّاً به، ولا يُنظر إلى ما بَعُد احتمال توجّهه إليه.
مسألة 599: يجوز للحاكم الاستنابة في الفحص وإن كان النائب نفس الزوجة، فإذا رفعت أمرها إليه فقال: (تفحّصوا عنه إلى أن تمضي أربع سنوات)،ثُمَّ تصدّت الزوجة أو بعض أقاربها للفحص والطلب حتّى مضت المدّة كفى.
مسألة 600: لا تشترط العدالة في النائب وفيمن يستخبر منهم عن حال المفقود بل يكفي الاطمئنان بصحّة أقوالهم.
مسألة 601: إذا تعذّر الفحص مدّة لم يسقط فيلزم زوجة المفقود الانتظار إلى حين تيسّره، نعم إذا علم أنّه لا يجدي في معرفة حاله ولا يترتّب عليه أثر أصلاً سقط وجوبه، ولكن لا يجوز طلاقها قبل مضيّ المدّة على الأحوط وجوباً.
مسألة 602: إذا تحقّق الفحص التامّ قبل انقضاء المدّة فإن احتمل الوجدان بالفحص في المقدار الباقي ولو بعيداً لزم الفحص، وإن تيقّن عدم الوجدان سقط وجوب الفحص، ولكن يجب الانتظار إلى تمام المدّة على الأحوط وجوباً.
مسألة 603: إذا تمّت السنوات الأربع واحتمل وجدانه بالفحص بعدها لم يجب بل يكتفى بالفحص في المدّة المضروبة.
مسألة 604: يجوز لها اختيار البقاء على الزوجيّة بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلَّق ولو بعد تحقّق الفحص وانقضاء الأجل، فليست هي ملزمة باختيار الطلاق، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص بل يكتفى بالأوّل.
مسألة 605: العدّة الواقعة بعد الطلاق من الوليّ أو الحاكم عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وهو طلاق رجعيّ فتستحقّ النفقة أيّامها، وإذا حضر الزوج أثناء العدّة جاز له الرجوع إليها، وإذا مات أحدهما في العدّة ورثه الآخر، ولو مات بعد العدّة فلا توارث بينهما وليس عليها حداد بعد الطلاق في أيّام العدّة.
مسألة 606: إذا تبيّن موت الزوج المفقود قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة، وإذا تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها، سواء أكان التبيّن قبل التزوّج من غيره أم بعده، وسواء أكان موته المتبيّن وقع قبل الشروع في العدّة أم بعدها أم في أثنائها أم بعد التزوّج من الغير، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن؟ وجهان، والصحيح هو الوجه الثاني.
مسألة 607: إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته، وإن كان بعده فإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما تقدّم كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين منه، وإن كان بعد انقضائها فإن تزوّجت من غيره فلا سبيل له عليها كما مرّ، وإن لم تتزوّج ففي جواز رجوعها إليه وعدمه قولان، والصحيح هو القول الثاني.
مسألة 608: إذا تبيّن بعد الطلاق وانقضاء العدّة عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر شرعاً، كأن تبيّن عدم تحقّق الفحص على وجهه، أو عدم انقضاء مدّة أربع سنوات، أو عدم تحقّق شروط الطلاق أو نحو ذلك، لزم التدارك ولو بالاستئناف، وإذا كان ذلك بعد تزوّجها من الغير كان باطلاً، وإن كان الزوج الثاني قد دخل بها جاهلاً بالحال حرمت عليه أبداً على الأحوط لزوماً.
نعم إذا تبيّن أنّ العقد عليها وقع بعد موت زوجها المفقود وقبل أن يبلغ خبره إليها فالعقد وإن كان باطلاً إلّا أنّه لا يوجب الحرمة الأبديّة حتّى مع الدخول؛ لعدم كونها حين وقوعه ذات بعل ولا ذات عدّة، كما تقدّم في المسألة (198).
مسألة 609: إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها بينها وبين الله تعالى أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم، نعم في جواز الاكتفاء بقولها لمن يريد الزواج بها، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها، إشكال كما تقدّم في المسألة (54).
مسألة 610: ذكر بعض الأكابر من الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّ المفقود غير المعلوم حياته إذا أمكن إعمال الكيفيّات المتقدّمة من ضرب الأجل والفحص لتخليص زوجته ولكن كان ذلك موجباً لوقوعها في المعصية لعدم صبرها عن الزوج يجوز للحاكم الشرعيّ المبادرة إلى طلاقها تلبية لطلبها من دون إعمال تلك الكيفيّات، وكذلك إذا لم يكن لها من ينفق عليها خلال المدّة المضروبة.
وذكر أيضاً أنّ المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكّن زوجته من الصبر يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها استجابة لطلبها، وكذلك المحبوس الذي لا يرجى إطلاقه من الحبس أبداً، ولكن ما أفاده (قدّس سرّه) غير تامّ.
كتاب الخلع والمباراة » طلاق الخلع ←
→ كتاب الطـلاق » 5. عدّة الوفاة
القسم الأوّل: من تعلم زوجته بحياته ولكنّها لا تعلم في أيّ بلد هو، وحكمها حينئذٍ لزوم الصبر والانتظار إلى أن يرجع إليها زوجها أو يأتيها خبر موته، أو طلاقه، أو ارتداده، فليس لها المطالبة بالطلاق قبل ذلك.
نعم إذا طالت المدّة، ولم يكن طريق للاتّصال به ولم يكن له مال ينفق منه عليها ولم ينفق عليها وليّه من مال نفسه ففي جواز طلاقها من قبل الحاكم الشرعي بطلب منها إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
وإذا ثبت لدى الحاكم الشرعيّ أنّه قد هجرها تاركاً أداء ما لها من الحقوق الزوجيّة، وقد تعمّد إخفاء موضعه لكي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ - فيما إذا رفعت الزوجة أمرها إليه - أن يتّصل به ويلزمه بأحد الأمرين: إمّا أداء حقوقها أو طلاقها، ويطلّقها لو تعذّر إلزامه بأحدهما، ففي هذه الحالة يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها فيما إذا طلبت منه ذلك، فإنّ حكم هذا المفقود حكم غيره المتقدّم في المسألة (357).
القسم الثاني: من لا تعلم زوجته حياته ولا موته وفيه حالتان:
الحالة الأُولى: أن يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، أو يقوم وليّه بالإنفاق عليها من مال نفسه، وفي هذه الحالة يجب على الزوجة الصبر والانتظار كما في القسم الأوّل المتقدّم، وليس لها المطالبة بالطلاق مادام ينفق عليها من مال زوجها أو من مال وليّه وإن طالت المدّة.
الحالة الثانية: أن لا يكون للزوج مال ينفق منه على زوجته، ولا ينفق عليها وليّه من مال نفسه، وحينئذٍ يجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ أو المأذون من قبله في ذلك فيؤجّلها أربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال هذه المدّة، فإن انقضت السنين الأربع ولم تتبيّن حياته ولا موته أمر الحاكم وليّه بطلاقها، فإن لم يُقْدِم على الطلاق أجبره على ذلك، فإن لم يمكن إجباره أو لم يكن له وليّ طلّقها الحاكم بنفسه أو بوكيله فتعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام، فإذا خرجت من العدّة صارت أجنبيّة عن زوجها وجاز لها أن تتزوّج ممّن تشاء.
ويختصّ هذا الحكم بالنكاح الدائم فلا يجري في المتعة.
مسألة 589: ظاهر كلمات جمع من الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) أنّه كما لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته أن تطالب بالطلاق إلّا مع عدم توفّر مال للزوج ينفق منه عليها وعدم إنفاق وليّه عليها من مال نفسه كذلك لا يحقّ لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ مطالبة إيّاه بتأجيلها أربع سنوات والفحص عن زوجها خلال ذلك إلّا بعد انقطاع الإنفاق عليها من مال الزوج ومن مال وليّه، ولكن الصحيح أنّه يحقّ لها المطالبة بالتأجيل والفحص في حال الإنفاق عليها أيضاً إذا احتمل نفاد مال الزوج وانقطاع وليّه عن الإنفاق عليها قبل تبيّن حياته أو وفاته.
وفائدة ذلك أنّه لو انقضت السنوات الأربع وقد فحص خلالها عن الزوج ولم تتبيّن حياته ولا مماته جاز لزوجته المطالبة بالطلاق متى انقطع الإنفاق عليها من ماله ومن مال وليّه من غير حاجة إلى الانتظار أربع سنوات أُخرى وتجديد الفحص خلالها عنه.
مسألة 590: إذا كانت للمفقود الذي لا تعلم حياته زوجات أُخرى لم يرفعن أمرهن إلى الحاكم يجوز للحاكم طلاقهنّ إذا طلبن ذلك، أي يجتزئ بمضيّ المدّة المذكورة والفحص عنه بعد طلب إحداهنّ ولا يحتاج إلى تأجيل وفحص جديد.
مسألة 591: المشهور بين الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق منه وإن مضى على فقده أربع سنوات مع تحقّق الفحص خلالها عنه إذا لم يكن ذلك بتأجيل من الحاكم الشرعيّ وأمره بالفحص عنه خلال تلك المدّة، ولكن الصحيح هو الاجتزاء بالفحص عنه أربع سنوات بعد فقده مع وقوع جزء من الفحص بأمر الحاكم الشرعيّ وإن لم يكن بتأجيل منه، فلو رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم بعد أربع سنوات مثلاً من فقد زوجها مع قيامها بالفحص عنه خلال تلك المدّة أمر الحاكم بتجديد الفحــص عنه مقداراً مــا - مع احتمال ترتّب الفائدة عليه - فإذا لم يبلغ عنه خبر أمر بطلاقها على ما تقدّم.
مسألة 592: تقدّم أنّه لا يحقّ لزوجة المفقود غير المعلوم حياته المطالبة بالطلاق مادام للمفقود مال ينفق منه عليها أو ينفق وليّه عليها من مال نفسه، فهل الحكم كذلك فيما إذا وجد متبرّع بنفقتها من شخص أو مؤسّسة حكوميّة أو أهليّة أم لا؟ وجهان، والصحيح هو الوجه الثاني، فيجوز لها المطالبة بالطلاق بالشروط المتقدّمة إذا لم ينفق عليها من مال الزوج أو من مال وليّه وإن وجد من ينفق عليها من غير هذين الطريقين.
مسألة 593: الوليّ الذي لا يحقّ لزوجة المفقود المطالبة بالطلاق منه مادام ينفق عليها من مال نفسه والذي يأمره الحاكم الشرعيّ - مع عدم إنفاقه عليها - بطلاقها ويجبره على الطلاق لو امتنع منه هو أبو المفقود وجدّه لأبيه، وإذا كان للمفقود وكيل مفوّض إليه طلاق زوجته كان بحكم الوليّ من جهة الطلاق.
مسألة 594: لا فرق في المفقود - فيما ذكر من الأحكام - بين المسافر والهارب، ومن كان في معركة قتال ففقد، ومن انكسرت سفينته في البحر فلم يظهر له أثر ومن أخذه قطّاع الطرق أو الأعداء فذهبوا به، ومن اعتقلته السلطات الحكوميّة فانقطعت أخباره ولم يعلم مكان اعتقاله.
مسألة 595: ليس للفحص عن المفقود كيفيّة خاصّة وطريقة معيّنة، بل المدار على ما يعدّ طلباً وفحصاً وتفتيشاً، ويختلف ذلك باختلاف أنواع المفقودين، فالمسافر المفقود يبعث من يعرفه باسمه وشخصه أو بحِلْيَتِه إلى مظانّ وجوده للظفر به، أو يكتب إلى من يعرفه ليتفقّد عنه فيما يحتمل وجوده فيه من البلاد، أو يطلب من المسافرين إليها من الزوّار والحجّاج والتجّار وغيرهم أن يتفقّدوا عنه في مسيرهم ومنازلهم ومقامهم ويستخبر منهم إذا رجعوا من أسفارهم.
وأمّا المفقود في جبهات القتال فتراجع بشأنه الدوائر المَعْنيّة بأحوال الجنود المشاركين في المعركة أو يسأل عنه رِفاقه العائدون من الجبهات والأسرى العائدون من الأسر .
وأمّا المعتقل المفقود فتسأل عنه دوائر الشرطة والجهات الأمنيّة ذات العلاقة وهكذا.
مسألة 596: مقدار الفحص بحسب الزمان أربعة أعوام - كما تقدّم - ولا يعتبر فيه الاتّصال التامّ بل يكفي فيه تصدّي الطلب عنه بحيث يصدق عرفاً أنّه قد فحص عنه في تلك المدّة.
مسألة 597: المقدار اللازم من الفحص هو المتعارف لأمثاله، فالمسافر المفقود في بلدٍ مخصوص أو جهةٍ مخصوصةٍ إذا دلّت القرائن على عدم انتقاله منها كفى البحث عنه في ذلك البلد أو تلك الجهة، ولا يعتبر استقصاء البلد والجهات، ولا يعتنى باحتمال وصوله إلى بلدٍ احتمالاً بعيداً.
مسألة 598: المسافر المفقود إذا علم أنّه كان في بلد معيّن في زمان ثُمَّ انقطع أثره يتفحّص عنه أوّلاً في ذلك البلد على النحو المتعارف، بأن يسأل عنه في جوامعه ومجامعه وفنادقه وأسواقه ومتنزّهاته ومستشفياته وسجونه ونحوها، ولا يلزم استقصاء تلك المحال بالتفتيش والسؤال بل يكتفى بالبعض المعتدّ به من مشاهيرها، ويلاحظ في ذلك زِيّ المفقود وصنعته وحرفته فيتفقّد عنه في المحالّ المناسبة له ويسأل عنه أبناء صنفه وحرفته، مثلاً إذا كان من طلبة العلم فالمحلّ المناسب له المدارس ومجامع العلم فيسأل عنه العلماء وطلبة العلم وهكذا بقيّة الأصناف كالتجّار والحرفيّين والأطبّاء ونحوهم.
فإذا تمّ الفحص في ذلك البلد ولم يظهر منه أثر، ولم يعلم موته ولا حياته، فإن لم يحتمل انتقاله منه إلى محلٍّ آخر بقرائن الأحوال سقط الفحص والسؤال واكتفي بانقضاء مدّة التربّص أربع سنين كما تقدّم، وإن احتمل الانتقال احتمالاً معتدّاً به فإن تساوت الجهات في احتمال انتقاله منه إليها تفحّص عنه في تلك الجهات، ولا يلزم الاستقصاء بالتفتيش في كلّ قرية قرية ولا في كلّ بلدة بلدة بل يكتفى ببعض الأماكن المهمّة والمعروفة في كلّ جهةٍ مراعياً للأقرب فالأقرب إلى البلد الأوّل، وإذا كان احتمال انتقاله إلى بعضها أقوى فاللازم جعل محلّ الفحص ذلك البعض، ويكتفى بالفحص فيه إذا بعد احتمال انتقاله إلى غيره.
هذا فيما إذا علم أنّ المسافر المفقود كان في بلد معيّن في زمان، وأمّا إذا علم أنّه كان في بعض الأقطار كإيران والعراق ولبنان والهند ثُمَّ انقطع أثره كفى الفحص عنه مدّة التربّص في بلادها المشهورة التي تشدّ إليها الرحال مع ملاحظة صنف المفقود وحرفته في ذلك.
وإذا علم أنّه خرج من منزله قاصداً التوجّه إلى بلد معيّن - كالعراقي إذا خرج برّاً يريد زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في مشهده المقدّس بخراسان ثُمَّ انقطع خبره - يكفي الفحص عنه في البلاد والمنازل الواقعة على طريقه إلى ذلك البلد، وفي نفس ذلك البلد، ولا يجب الفحص عنه في الأماكن البعيدة عن الطريق فضلاً عن البلاد الواقعة في أطراف ذلك القطر .
وإذا علم أنّه خرج من منزله مريداً للسفر أو هرب ولا يدري إلى أين توجّه وانقطع أثره لزم الفحص عنه مدّة التربّص في الأطراف والجوانب التي يحتمل وصوله إليه احتمالاً معتدّاً به، ولا يُنظر إلى ما بَعُد احتمال توجّهه إليه.
مسألة 599: يجوز للحاكم الاستنابة في الفحص وإن كان النائب نفس الزوجة، فإذا رفعت أمرها إليه فقال: (تفحّصوا عنه إلى أن تمضي أربع سنوات)،ثُمَّ تصدّت الزوجة أو بعض أقاربها للفحص والطلب حتّى مضت المدّة كفى.
مسألة 600: لا تشترط العدالة في النائب وفيمن يستخبر منهم عن حال المفقود بل يكفي الاطمئنان بصحّة أقوالهم.
مسألة 601: إذا تعذّر الفحص مدّة لم يسقط فيلزم زوجة المفقود الانتظار إلى حين تيسّره، نعم إذا علم أنّه لا يجدي في معرفة حاله ولا يترتّب عليه أثر أصلاً سقط وجوبه، ولكن لا يجوز طلاقها قبل مضيّ المدّة على الأحوط وجوباً.
مسألة 602: إذا تحقّق الفحص التامّ قبل انقضاء المدّة فإن احتمل الوجدان بالفحص في المقدار الباقي ولو بعيداً لزم الفحص، وإن تيقّن عدم الوجدان سقط وجوب الفحص، ولكن يجب الانتظار إلى تمام المدّة على الأحوط وجوباً.
مسألة 603: إذا تمّت السنوات الأربع واحتمل وجدانه بالفحص بعدها لم يجب بل يكتفى بالفحص في المدّة المضروبة.
مسألة 604: يجوز لها اختيار البقاء على الزوجيّة بعد رفع الأمر إلى الحاكم قبل أن تطلَّق ولو بعد تحقّق الفحص وانقضاء الأجل، فليست هي ملزمة باختيار الطلاق، ولها أن تعدل عن اختيار البقاء إلى اختيار الطلاق وحينئذٍ لا يلزم تجديد ضرب الأجل والفحص بل يكتفى بالأوّل.
مسألة 605: العدّة الواقعة بعد الطلاق من الوليّ أو الحاكم عدّة طلاق وإن كانت بقدر عدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، وهو طلاق رجعيّ فتستحقّ النفقة أيّامها، وإذا حضر الزوج أثناء العدّة جاز له الرجوع إليها، وإذا مات أحدهما في العدّة ورثه الآخر، ولو مات بعد العدّة فلا توارث بينهما وليس عليها حداد بعد الطلاق في أيّام العدّة.
مسألة 606: إذا تبيّن موت الزوج المفقود قبل انقضاء المدّة أو بعده قبل الطلاق وجب عليها عدّة الوفاة، وإذا تبيّن بعد انقضاء العدّة اكتفي بها، سواء أكان التبيّن قبل التزوّج من غيره أم بعده، وسواء أكان موته المتبيّن وقع قبل الشروع في العدّة أم بعدها أم في أثنائها أم بعد التزوّج من الغير، وأمّا لو تبيّن موته في أثناء العدّة فهل يكتفى بإتمامها أو تستأنف عدّة الوفاة من حين التبيّن؟ وجهان، والصحيح هو الوجه الثاني.
مسألة 607: إذا جاء الزوج بعد الفحص وانقضاء الأجل فإن كان قبل الطلاق فهي زوجته، وإن كان بعده فإن كان في أثناء العدّة فله الرجوع إليها كما تقدّم كما أنّ له إبقاءها على حالها حتّى تنقضي عدّتها وتبين منه، وإن كان بعد انقضائها فإن تزوّجت من غيره فلا سبيل له عليها كما مرّ، وإن لم تتزوّج ففي جواز رجوعها إليه وعدمه قولان، والصحيح هو القول الثاني.
مسألة 608: إذا تبيّن بعد الطلاق وانقضاء العدّة عدم وقوع المقدّمات على الوجه المعتبر شرعاً، كأن تبيّن عدم تحقّق الفحص على وجهه، أو عدم انقضاء مدّة أربع سنوات، أو عدم تحقّق شروط الطلاق أو نحو ذلك، لزم التدارك ولو بالاستئناف، وإذا كان ذلك بعد تزوّجها من الغير كان باطلاً، وإن كان الزوج الثاني قد دخل بها جاهلاً بالحال حرمت عليه أبداً على الأحوط لزوماً.
نعم إذا تبيّن أنّ العقد عليها وقع بعد موت زوجها المفقود وقبل أن يبلغ خبره إليها فالعقد وإن كان باطلاً إلّا أنّه لا يوجب الحرمة الأبديّة حتّى مع الدخول؛ لعدم كونها حين وقوعه ذات بعل ولا ذات عدّة، كما تقدّم في المسألة (198).
مسألة 609: إذا حصل لزوجة الغائب بسبب القرائن وتراكم الأمارات العلم بموته جاز لها بينها وبين الله تعالى أن تتزوّج بعد العدّة من دون حاجة إلى مراجعة الحاكم، وليس لأحد عليها اعتراض ما لم يعلم كذبها في دعوى العلم، نعم في جواز الاكتفاء بقولها لمن يريد الزواج بها، وكذا لمن يصير وكيلاً عنها في إيقاع العقد عليها، إشكال كما تقدّم في المسألة (54).
مسألة 610: ذكر بعض الأكابر من الفقهاء (رضوان الله تعالى عليهم) أنّ المفقود غير المعلوم حياته إذا أمكن إعمال الكيفيّات المتقدّمة من ضرب الأجل والفحص لتخليص زوجته ولكن كان ذلك موجباً لوقوعها في المعصية لعدم صبرها عن الزوج يجوز للحاكم الشرعيّ المبادرة إلى طلاقها تلبية لطلبها من دون إعمال تلك الكيفيّات، وكذلك إذا لم يكن لها من ينفق عليها خلال المدّة المضروبة.
وذكر أيضاً أنّ المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكّن زوجته من الصبر يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها استجابة لطلبها، وكذلك المحبوس الذي لا يرجى إطلاقه من الحبس أبداً، ولكن ما أفاده (قدّس سرّه) غير تامّ.