الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الوصية » الفصل الرابع في طرق إثبات الوصيّة
←
→ كتاب الوصية » الفصل الثاني في الموصىٰ له
كتاب الوصية » الفصل الثالث في الوصيّ
مسألة 1416:يجوز للموصي أن يعيّن شخصاً لتنفيذ وصاياه، ويقال له: (الوصيّ) كما مرّ، ويشترط فيه أُمور :
الأوّل: البلوغ، فلا تصحّ الوصاية إلى الصبيّ منفرداً إذا أراد منه التصرّف في حال صِباه مستقلّاً، هذا هو المشهور بين الفقهاء(رضوان الله تعالى عليهم) ولكنّه لا يخلو عن إشكال، فلو أوصى إلى الصبيّ كذلك فالأحوط لزوماً أن يكون التصرّف بالتّوافق بينه وبين الحاكم الشرعيّ، وأمّا لو أراد أن يكون تصرّفه بعد البلوغ أو مع إذن الوليّ، فتصحّ الوصاية.
وتجوز الوصاية إلي الصبيّ منضمّاً إلى الكامل سواء أراد أن لا يتصرّف الكامل إلّا بعد بلوغ الصبيّ أم أراد أن يتصرّف منفرداً قبل بلوغ الصبيّ، لكن في الصورة الأُولى إذا كان عليه تصرّفات فوريّة كوفاء دين عليه ونحوه يتولّى ذلك الحاكم الشرعيّ، وفي الصورة الثانية إذا بلغ الصبيّ شارك الكامل من حينه وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلّا ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت فيردّه إليه.
الثاني: العقل فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون في حال جنونه سواء أكان مطبقاً أم أدواريّاً، وإذا أوصى إليه في حال العقل ثُمَّ جُنّ فإن كان مطبقاً بطلت الوصاية إليه، وإن كان أدواريّاً لم تبطل، فتنفذ تصرّفاته حال إفاقته.
الثالث: الإسلام - إذا كان الموصي مسلماً - على الأحوط لزوماً.
مسألة 1417: لا يعتبر العدالة في الوصيّ، بل يكفي الوثوق والاطمئنان بتنفيذه للوصيّة.
هذا في أداء الحقوق الواجبة على الموصي وما يتعلّق بالتصرّف في مال الأيتام ونحو ذلك، وأمّا في غيره كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات والقربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال وإن كان هو الأحوط لزوماً.
مسألة 1418: إذا ارتدّ الوصيّ بطلت وصايته بناءً على اعتبار الإسلام في الوصيّ، ولا تعود إليه إذا أسلم إلّا إذا نصّ الموصي على عودها.
مسألة 1419: إذا أوصى إلى عادل ففسق فإن ظهر من القرينة التقييد بالعدالة بطلت الوصيّة ولا تعود بعود العدالة إلّا إذا فهم من كلام الموصي ذلك، وإن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل، وكذا الحكم إذا أوصى إلى الثقة.
مسألة 1420: تجوز الوصاية إلى المرأة والأعمى والوارث.
مسألة 1421: إذا أوصى إلى صبيّ وبالغ فمات الصبيّ قبل بلوغه أو بلغ مجنوناً ففي جواز انفراد البالغ بالوصيّة قولان أحوطهما لزوماً الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ فيضمّ إليه آخر، إلّا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد البالغ بالوصاية في هاتين الصورتين.
مسألة 1422: يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام وعلى نحو الاستقلال.
فإن نصّ على الأوّل فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرّف لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه، وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه فإن كان هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد الآخر بالوصاية عندئذٍ فهو وإلّا ضمّ الحاكم آخر إليه، وإن عرض ذلك عليهما أقام الحاكم شخصين مكانهما ويكفي إقامة شخص واحد أيضاً إذا كان كافياً للقيام بشؤون الوصيّة.
وإن نصّ على الثاني جاز لكلٍّ منهما الاستقلال فأيّهما سبق نفذ تصرّفه، وإن اقترنا في التصرّف مع تنافي التصرّفين بأن باع أحدهما على زيد والآخر على عمرو في زمان واحد بطلا معاً ولهما أن يقتسما الثلث بالسويّة وبغير السويّة، وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر ولم يضمّ إليه الحاكم آخر .
وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينصّ على الانضمام والاستقلال جرى عليه حكم الانضمام إلّا إذا كانت قرينة على الاستقلال كما إذا قال: (وصيّي فلان وفلان فإذا ماتا كان الوصيّ فلاناً) فإنّه إذا مات أحدهما استقلّ الآخر ولم يحتج إلى أن يضمّ إليه الحاكم آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.
مسألة 1423: إذا قال: (زيد وصيّي فإن مات فعمرو وصيّي) صحّ ويكونان وصيّين مترتّبين، وكذا يصحّ إذا قال: (وصيّي زيد فإن بلغ ولدي فهو الوصيّ).
مسألة 1424: يجوز أن يوصي إلى وصيّين أو أكثر ويجعل الوصاية إلى كلّ واحد في أمر بعينه ولا يشاركه فيه الآخر .
مسألة 1425: إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحّا ولم يجتمعا بحيث كان يؤدّي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصيّة فإن لم يكن السبب فيه وجود مانع شرعيّ لدى كلٍّ منهما عن اتّباع نظر غيره أجبرهما الحاكم الشرعيّ على الاجتماع، وإن تعذّر ذلك أو كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما ضمّ الحاكم إلى أحدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة وينفذ تصرّفهما.
مسألة 1426: إذا قال: (أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصيّ فلاناً إن استمرّ على طلب العلم مثلاً) صحّ وكان فلان وصيّاً إذا استمرّ على طلب العلم، فإن انصرف عنه بطلت وصايته وتولّى تنفيذ وصيّته الحاكم الشرعيّ.
مسألة 1427: إذا عجز الوصيّ عن تنفيذ الوصيّة لكبر ونحوه - ولو على جهة التوكيل أو الاستئجار - ضمّ إليه الحاكم الشرعيّ من يساعده، وإذا ظهرت منه الخيانة فإن كانت الوصيّة مقيّدة بأمانته انعزل ونصب الحاكم آخر مكانه وإلّا ضمّ إليه أميناً يمنعه عن الخيانة فإن لم يمكن ذلك عزله ونصب غيره.
مسألة 1428: إذا مات الوصيّ قبل تنجيز تمام ما أوصي إليه به نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً لتنفيذه.
وكذا إذا مات في حياة الموصي ولم يعلم هو بذلك أو علم ولم ينصب غيره ولم يكن ما يدلّ على عدوله عن أصل الوصيّة.
مسألة 1429: ليس للوصيّ أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصي إليه به إلّا أن يكون مأذوناً من الموصي في الإيصاء إلى غيره.
مسألة 1430: الوصيّ أمين لا يضمن ما في يده إلّا بالتعدّي أو التفريط، ويكفي في الضمان حصول الخيانة في مورد بالإضافة إلى ضمان موردها، ولا يوجب الضمان بالنسبة إلى الموارد الأُخر ممّا لم يتحقّق فيها الخيانة.
مسألة 1431: إذا خرج الوصيّ عن الوصاية لخيانة أو فسق أو نحوهما ضمن ما في يده من مال الوصاية إلّا أن يدفعه إلى من يعود إليه أمر تنفيذها من شريكه في الوصيّة أو الحاكم الشرعيّ.
مسألة 1432: إذا عيّن الموصي للوصيّ عملاً خاصّاً أو قدراً خاصّاً أو كيفيّة خاصّة وجب الاقتصار على ما عيّن ولم يجز له التعدّي فإن تعدّى كان خائناً، و إذا أطلق له التصرّف بأن قال له: (أخرج ثلثي وأَنْفِقْه) عمل بنظر نفسه، ولا بُدَّ له من ملاحظة مصلحة الميّت، فلا يجوز أن يتصرّف كيف شاء وإن لم يكن صلاحاً للميّت أو كان غيره أصلح مع تيسّر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربّما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطيّة عنه، وربّما يكون الأصلح أداء الحقوق الماليّة الاحتياطيّة، وربّما يكون الأصلح أداء حقّ بعينه احتياطيّ دون غيره أو أداء الصلاة عنه دون الصوم، وربّما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات وكسوة العُراة ومداواة المرضى ونحو ذلك.
هذا إذا لم يوجد تعارف يكون قرينة على تعيين مصرف بعينه وإلّا كان عليه العمل.
مسألة 1433: إذا قال: (أنت وصيّي) ولم يعيّن شيئاً وتردّد بين أُمور كثيرة كتجهيزه وصرف ثلثه وشؤون أُخرى كان لغواً إلّا مع وجود تعارف يكون قرينة على تعيين المراد، كما يتعارف في كثير من بلدان العراق من أنّهم يريدون به أنّه وصيّ في إخراج الثلث وصرفه في مصلحة الموصي وأداء الحقوق التي عليه وأخذ الحقوق التي له وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها.
نعم في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط لزوماً أن لا يتصدّى لأُمورهم إلّا بعد مراجعة الحاكم الشرعيّ وعدم نصب الحاكم غيره إلّا بموافقته.
مسألة 1434: لا يجب على الوصيّ قبول الوصاية، وله أن يردّها في حياة الموصي بشرط أن يبلغه الردّ، بل الأحوط لزوماً اعتبار تمكّنه من الإيصاء إلى شخص آخر أيضاً، فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن الردّ لم يبلغه حتّى مات أو بلغه ولم يتمكّن من الإيصاء إلى غيره لشدّة المرض مثلاً لم يكن للردّ أثر وكانت الوصاية لازمة، نعم إذا كان العمل بالوصيّة حرجيّاً على الوصيّ جاز له ردّها.
مسألة 1435: الردّ السابق على الوصيّة لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو : (لا أقبل أن توصي إليّ) فأوصى عمرو إليه لزمته الوصيّة إلّا أن يردّها بعد ذلك على ما تقدّم.
مسألة 1436: لو أوصى إلى أحد فردّ الوصيّة فأوصى إليه ثانياً ولم يردّها ثانياً لجهله بها لم تَلْزَمْه الوصيّة.
مسألة 1437: يجوز للوصيّ أن يوكل أمر تنفيذ الوصيّة - كلّاً أو بعضاً - إلى غيره ممّن يوثق به ما لم يكن غرض الموصي مباشرته له بشخصه، كأن يوكل أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات ويوكّل أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها ويوكل أمر الكفّارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفيّة القسمة عليهم وهكذا، وربّما يوكل الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كانت له خبرة في جميعها.
وربّما لا يكون الموصي قد أوصى بأُمور معيّنة بل أوصى بصرف ثلثه في مصالحه وأوكل تعيين المصرف كمّاً وكيفاً إلى نظر الوصيّ فيرى الوصيّ من هو أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيّتها فيوكل الأمر إليه ويدفع له الثلث بتمامه ويفوّض إليه تعيين الجهات كمّاً وكيفاً، كما يتعارف ذلك عند كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم، فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرّف ولو بواسطة الإيكال إلى الغير، فلا بأس أن يوكل الوصيّ أمر الوصيّة إلى غيره إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الموصي منه المباشرة، فلا يجوز له حينئذٍ ذلك.
مسألة 1438: لا يجوز للوصيّ تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل نفسه عن الوصاية وجعلها له فيكون غيره وصيّاً عن الميّت بجعل منه.
مسألة 1439: إذا بطلت وصاية الوصيّ لفوات شرطها نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً مكانه أو تولّى تنفيذ الوصيّة بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعيّن وصيّاً أصلاً كما تقدّم.
مسألة 1440: إذا اشتبه مصرف المال الموصى به لنسيان أو غيره فإن كانت الشبهة غير محصورة جاز صرفه في وجه من وجوه البرّ، ولكن الأحوط لزوماً أن لا يكون المصرف خارجاً عن أطراف الشبهة بل ولا يكون احتمال كونه مصرفاً أضعف من غيره، وأمّا إذا كانت الشبهة محصورة فإن كانت أطرافها عناوين متصادقة في الجملة تعيّن صرف المال في المجمع، وأمّا مع التباين الكلّيّ بينها أو كون الموصى له مردّداً بين أفراد تعيّن الرجوع إلى القرعة، ويـراعى في عــدد السهــام درجـــة الاحتمــال - قوّة وضعفاً - في جميع الأطراف.
نعم إذا كانت الوصيّة تمليكيّة مردّدة بين أفراد فلا بُدَّ من إعلامهم بالحال فإن رفض الجميع قبولها رجع ميراثاً وهكذا الحال فيما إذا قبلها بعض دون بعض، وأمّا إذا قبلها الجميع صار المال مردّداً بينهم فإن تراضوا بصلح أو غيره فهو وإلّا رجعوا إلى الحاكم الشرعيّ لفصل النزاع بينهم.
مسألة 1441: يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ومشرفاً على عمله، ووظيفته تابعة لجعل الموصي، وهو على قسمين:
الأوّل: - ولعلّه الغالب - أن يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ من جهة الاستيثاق على عمله بالوصيّة مطابقاً لما أوصى به حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه.
ومثل هذا الناظر لا يجب على الوصيّ استئذانه في تصرّفاته ومتابعة رأيه ونظره فيها، بل إنّما يجب أن تكون أعماله باطّلاعه وإشرافه، فلو أوصى باستنابة من يصلّي عنه فاستناب الوصيّ لها شخصاً واجداً للشرائط وأعلم الناظر بذلك فقد عمل بوظيفته وليس للناظر الاعتراض عليه ومطالبته باختيار غيره ما دام لا يقدح في صلاحيّة الأوّل للاستنابة، وأمّا لو استناب الوصيّ شخصاً ولم يعلم الناظر به كان ذلك خيانة منه للوصيّة وتصرّفاً غير مأذون فيه.
الثاني: أن يجعل الناظر مشاوراً للوصيّ بحيث لا يعمل إلّا بإذن منه وموافقته، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلّاً في التصرّف والتنفيذ لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر فلا يمضى من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر وكان بإذنه، فلو استبدّ بالعمل على نظره من دون موافقة الناظر لم ينفذ تصرّفه، ففي المثال المتقدّم لو لم يوافق الناظر على من اختاره الوصيّ للنيابة عن الموصي في الصلاة لم تصحّ استنابته بل يتعيّن استنابة من يتوافقان عليه.
وفي كلا القسمين إذا خان الوصيّ لم يجب على الناظر - بما هو ناظر - مدافعته فلو لم يدافع لم يكن ضامناً.
مسألة 1442: إذا مات الناظر لزم الوصيّ الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ ليقيم شخصاً مكانه.
مسألة 1443: الوصيّة جائزة من طرف الموصي، فله ما دام فيه الروح - مع الشرائط المتقدّمة من العقل والاختيار وغيرهما - أن يرجع عن وصيّته وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها، فله تبديل الموصى به كلّاً أو بعضاً وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثُمَّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعل الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصيّة بحالها، وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ثُمَّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعيّن مصارف أُخر وهكذا، وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على القاصرين.
مسألة 1444: إذا أوصى إلى شخص ثُمَّ أوصى إلى آخر ولم يخبر الوصيّ الأوّل بالعدول عنه إلى غيره فمات فعمل الوصيّ الأوّل بالوصيّة ثُمَّ علم كانت الغرامة على الميّت فتخرج من أصل التركة ثُمَّ يخرج الثلث للوصيّ الثاني.
هذا إذا لم يكن العدول عن الأوّل لسبب ظاهر لا يخفى على مثله عادةً، أمّا إذا كان لسبب كذلك كما إذا هاجر الوصيّ الأوّل إلى بلاد بعيدة أو حدثت بينه وبين الموصي عداوة ومقاطعة فعدل عنه كان ما صرفه الوصيّ الأوّل من مال نفسه.
مسألة 1445: يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول مثل أن يقول: (رجعت عن وصيّتي إلى زيد) وبالفعل مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثُمَّ يوصي بوقفه، ومثل أن يوصي بوقف عين أو بصرفها ثُمَّ يبيعها أو يهبها مثلاً، وكذا إذا أوكل غيره في بيعها مثلاً مع التفاته إلى وصيّته.
مسألة 1446: لا يعتبر في وجوب العمل بالوصيّة عدم مرور مدّة طويلة عليها فإذا أوصى ثُمَّ مات ولو بعد مرور سنين وجب العمل بوصيّته، نعم يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شكّ في الرجوع بنى على عدمه، هذا فيما إذا كانت الوصيّة مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان توفّاه الله تعالى، فلو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا مثلاً ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت تلك الوصيّة واحتاج إلى وصيّة جديدة.
مسألة 1447: إذا كان الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيّته وإن لم يمت في ذلك السفر، ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحُجّاج عند العزم على الحجّ ومثلهم زوّار الإمام الرضا (عليه السلام) والمسافرون أسفاراً بعيدة، فإنّ الظاهر أنّ هؤلاء وأمثالهم لم يقيّدوا الوصيّة بالموت في ذلك السفر وإنّما كان الداعي على الوصيّة خوف الموت في ذلك السفر فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقّق الرجوع عنها.
مسألة 1448: يجوز للوصيّ أن يأخذ أجرة مثل عمله إذا كانت له أجرة، إلّا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجّاناً - كما لو صرّح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه - فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذٍ ويجب عليه العمل بالوصيّة إن كان قد قبل، أمّا إذا لم يقبل فلا يجب عليه ذلك.
هذا بالنسبة إلى العمل الذي أوصى بتولّيه له كالبيع والشراء وأداء الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته.
أمّا لو أوصى إليه بأن يباشر الإتيان بعمل مثل أن يجهّزه بنفسه أو يحجّ عنه أو يصلّي عنه أو نحو ذلك لم يجب عليه القبول وإن لم يكن على وجه المجّانيّة، بل له أن يردّه ولو لم يعلم به في حياة الموصي، ولو قَبِلَ في حياته وبلغه قبوله فالأحوط لزوماً عدم التخلّف عن القيام به.
مسألة 1449: إذا طلب من زيد أن يحجّ عنه بعد وفاته وجعل له أجرة معيّنة بأن قال له: (حُجَّ عنّي بمائة دينار ) كان إجارة فإن قبل في حياته وجب العمل بها ويستحقّ الأجرة، وإلّا لم يجب.
ولو كان بأجرة غير معيّنة عندهما بأن قال له: (حُجَّ عنّي بأجرة المثل) ولم تكن الأجرة معلومة عندهما فقبل في حياته لم يجب عليه العمل وجرى عليه حكم الإجارة الفاسدة.
ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل، لكنّه يستحقّ الأجرة على تقدير العمل لصدق الوصيّة حينئذٍ.
كتاب الوصية » الفصل الرابع في طرق إثبات الوصيّة
←
→ كتاب الوصية » الفصل الثاني في الموصىٰ له
الأوّل: البلوغ، فلا تصحّ الوصاية إلى الصبيّ منفرداً إذا أراد منه التصرّف في حال صِباه مستقلّاً، هذا هو المشهور بين الفقهاء(رضوان الله تعالى عليهم) ولكنّه لا يخلو عن إشكال، فلو أوصى إلى الصبيّ كذلك فالأحوط لزوماً أن يكون التصرّف بالتّوافق بينه وبين الحاكم الشرعيّ، وأمّا لو أراد أن يكون تصرّفه بعد البلوغ أو مع إذن الوليّ، فتصحّ الوصاية.
وتجوز الوصاية إلي الصبيّ منضمّاً إلى الكامل سواء أراد أن لا يتصرّف الكامل إلّا بعد بلوغ الصبيّ أم أراد أن يتصرّف منفرداً قبل بلوغ الصبيّ، لكن في الصورة الأُولى إذا كان عليه تصرّفات فوريّة كوفاء دين عليه ونحوه يتولّى ذلك الحاكم الشرعيّ، وفي الصورة الثانية إذا بلغ الصبيّ شارك الكامل من حينه وليس له الاعتراض فيما أمضاه الكامل سابقاً إلّا ما كان على خلاف ما أوصى به الميّت فيردّه إليه.
الثاني: العقل فلا تصحّ الوصيّة إلى المجنون في حال جنونه سواء أكان مطبقاً أم أدواريّاً، وإذا أوصى إليه في حال العقل ثُمَّ جُنّ فإن كان مطبقاً بطلت الوصاية إليه، وإن كان أدواريّاً لم تبطل، فتنفذ تصرّفاته حال إفاقته.
الثالث: الإسلام - إذا كان الموصي مسلماً - على الأحوط لزوماً.
مسألة 1417: لا يعتبر العدالة في الوصيّ، بل يكفي الوثوق والاطمئنان بتنفيذه للوصيّة.
هذا في أداء الحقوق الواجبة على الموصي وما يتعلّق بالتصرّف في مال الأيتام ونحو ذلك، وأمّا في غيره كما إذا أوصى إليه في أن يصرف ثلثه في الخيرات والقربات ففي اعتبار الوثوق به إشكال وإن كان هو الأحوط لزوماً.
مسألة 1418: إذا ارتدّ الوصيّ بطلت وصايته بناءً على اعتبار الإسلام في الوصيّ، ولا تعود إليه إذا أسلم إلّا إذا نصّ الموصي على عودها.
مسألة 1419: إذا أوصى إلى عادل ففسق فإن ظهر من القرينة التقييد بالعدالة بطلت الوصيّة ولا تعود بعود العدالة إلّا إذا فهم من كلام الموصي ذلك، وإن لم يظهر من القرينة التقييد بالعدالة لم تبطل، وكذا الحكم إذا أوصى إلى الثقة.
مسألة 1420: تجوز الوصاية إلى المرأة والأعمى والوارث.
مسألة 1421: إذا أوصى إلى صبيّ وبالغ فمات الصبيّ قبل بلوغه أو بلغ مجنوناً ففي جواز انفراد البالغ بالوصيّة قولان أحوطهما لزوماً الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ فيضمّ إليه آخر، إلّا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد البالغ بالوصاية في هاتين الصورتين.
مسألة 1422: يجوز جعل الوصاية إلى اثنين أو أكثر على نحو الانضمام وعلى نحو الاستقلال.
فإن نصّ على الأوّل فليس لأحدهما الاستقلال بالتصرّف لا في جميع ما أوصى به ولا في بعضه، وإذا عرض لأحدهما ما يوجب سقوطه عن الوصاية من موت ونحوه فإن كان هناك قرينة على إرادة الموصي انفراد الآخر بالوصاية عندئذٍ فهو وإلّا ضمّ الحاكم آخر إليه، وإن عرض ذلك عليهما أقام الحاكم شخصين مكانهما ويكفي إقامة شخص واحد أيضاً إذا كان كافياً للقيام بشؤون الوصيّة.
وإن نصّ على الثاني جاز لكلٍّ منهما الاستقلال فأيّهما سبق نفذ تصرّفه، وإن اقترنا في التصرّف مع تنافي التصرّفين بأن باع أحدهما على زيد والآخر على عمرو في زمان واحد بطلا معاً ولهما أن يقتسما الثلث بالسويّة وبغير السويّة، وإذا سقط أحدهما عن الوصاية انفرد الآخر ولم يضمّ إليه الحاكم آخر .
وإذا أطلق الوصاية إليهما ولم ينصّ على الانضمام والاستقلال جرى عليه حكم الانضمام إلّا إذا كانت قرينة على الاستقلال كما إذا قال: (وصيّي فلان وفلان فإذا ماتا كان الوصيّ فلاناً) فإنّه إذا مات أحدهما استقلّ الآخر ولم يحتج إلى أن يضمّ إليه الحاكم آخر، وكذا الحكم في ولاية الوقف.
مسألة 1423: إذا قال: (زيد وصيّي فإن مات فعمرو وصيّي) صحّ ويكونان وصيّين مترتّبين، وكذا يصحّ إذا قال: (وصيّي زيد فإن بلغ ولدي فهو الوصيّ).
مسألة 1424: يجوز أن يوصي إلى وصيّين أو أكثر ويجعل الوصاية إلى كلّ واحد في أمر بعينه ولا يشاركه فيه الآخر .
مسألة 1425: إذا أوصى إلى اثنين بشرط الانضمام فتشاحّا ولم يجتمعا بحيث كان يؤدّي ذلك إلى تعطيل العمل بالوصيّة فإن لم يكن السبب فيه وجود مانع شرعيّ لدى كلٍّ منهما عن اتّباع نظر غيره أجبرهما الحاكم الشرعيّ على الاجتماع، وإن تعذّر ذلك أو كان السبب فيه وجود المانع عنه لدى كليهما ضمّ الحاكم إلى أحدهما شخصاً آخر حسب ما يراه من المصلحة وينفذ تصرّفهما.
مسألة 1426: إذا قال: (أوصيت بكذا وكذا وجعلت الوصيّ فلاناً إن استمرّ على طلب العلم مثلاً) صحّ وكان فلان وصيّاً إذا استمرّ على طلب العلم، فإن انصرف عنه بطلت وصايته وتولّى تنفيذ وصيّته الحاكم الشرعيّ.
مسألة 1427: إذا عجز الوصيّ عن تنفيذ الوصيّة لكبر ونحوه - ولو على جهة التوكيل أو الاستئجار - ضمّ إليه الحاكم الشرعيّ من يساعده، وإذا ظهرت منه الخيانة فإن كانت الوصيّة مقيّدة بأمانته انعزل ونصب الحاكم آخر مكانه وإلّا ضمّ إليه أميناً يمنعه عن الخيانة فإن لم يمكن ذلك عزله ونصب غيره.
مسألة 1428: إذا مات الوصيّ قبل تنجيز تمام ما أوصي إليه به نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً لتنفيذه.
وكذا إذا مات في حياة الموصي ولم يعلم هو بذلك أو علم ولم ينصب غيره ولم يكن ما يدلّ على عدوله عن أصل الوصيّة.
مسألة 1429: ليس للوصيّ أن يوصي إلى أحد في تنفيذ ما أوصي إليه به إلّا أن يكون مأذوناً من الموصي في الإيصاء إلى غيره.
مسألة 1430: الوصيّ أمين لا يضمن ما في يده إلّا بالتعدّي أو التفريط، ويكفي في الضمان حصول الخيانة في مورد بالإضافة إلى ضمان موردها، ولا يوجب الضمان بالنسبة إلى الموارد الأُخر ممّا لم يتحقّق فيها الخيانة.
مسألة 1431: إذا خرج الوصيّ عن الوصاية لخيانة أو فسق أو نحوهما ضمن ما في يده من مال الوصاية إلّا أن يدفعه إلى من يعود إليه أمر تنفيذها من شريكه في الوصيّة أو الحاكم الشرعيّ.
مسألة 1432: إذا عيّن الموصي للوصيّ عملاً خاصّاً أو قدراً خاصّاً أو كيفيّة خاصّة وجب الاقتصار على ما عيّن ولم يجز له التعدّي فإن تعدّى كان خائناً، و إذا أطلق له التصرّف بأن قال له: (أخرج ثلثي وأَنْفِقْه) عمل بنظر نفسه، ولا بُدَّ له من ملاحظة مصلحة الميّت، فلا يجوز أن يتصرّف كيف شاء وإن لم يكن صلاحاً للميّت أو كان غيره أصلح مع تيسّر فعله على النحو المتعارف، ويختلف ذلك باختلاف الأموات، فربّما يكون الأصلح أداء العبادات الاحتياطيّة عنه، وربّما يكون الأصلح أداء الحقوق الماليّة الاحتياطيّة، وربّما يكون الأصلح أداء حقّ بعينه احتياطيّ دون غيره أو أداء الصلاة عنه دون الصوم، وربّما يكون الأصلح فعل القربات والصدقات وكسوة العُراة ومداواة المرضى ونحو ذلك.
هذا إذا لم يوجد تعارف يكون قرينة على تعيين مصرف بعينه وإلّا كان عليه العمل.
مسألة 1433: إذا قال: (أنت وصيّي) ولم يعيّن شيئاً وتردّد بين أُمور كثيرة كتجهيزه وصرف ثلثه وشؤون أُخرى كان لغواً إلّا مع وجود تعارف يكون قرينة على تعيين المراد، كما يتعارف في كثير من بلدان العراق من أنّهم يريدون به أنّه وصيّ في إخراج الثلث وصرفه في مصلحة الموصي وأداء الحقوق التي عليه وأخذ الحقوق التي له وردّ الأمانات والبضائع إلى أهلها وأخذها.
نعم في شموله للقيمومة على القاصرين من أولاده إشكال، والأحوط لزوماً أن لا يتصدّى لأُمورهم إلّا بعد مراجعة الحاكم الشرعيّ وعدم نصب الحاكم غيره إلّا بموافقته.
مسألة 1434: لا يجب على الوصيّ قبول الوصاية، وله أن يردّها في حياة الموصي بشرط أن يبلغه الردّ، بل الأحوط لزوماً اعتبار تمكّنه من الإيصاء إلى شخص آخر أيضاً، فلو كان الردّ بعد موت الموصي أو قبل موته ولكن الردّ لم يبلغه حتّى مات أو بلغه ولم يتمكّن من الإيصاء إلى غيره لشدّة المرض مثلاً لم يكن للردّ أثر وكانت الوصاية لازمة، نعم إذا كان العمل بالوصيّة حرجيّاً على الوصيّ جاز له ردّها.
مسألة 1435: الردّ السابق على الوصيّة لا أثر له، فلو قال زيد لعمرو : (لا أقبل أن توصي إليّ) فأوصى عمرو إليه لزمته الوصيّة إلّا أن يردّها بعد ذلك على ما تقدّم.
مسألة 1436: لو أوصى إلى أحد فردّ الوصيّة فأوصى إليه ثانياً ولم يردّها ثانياً لجهله بها لم تَلْزَمْه الوصيّة.
مسألة 1437: يجوز للوصيّ أن يوكل أمر تنفيذ الوصيّة - كلّاً أو بعضاً - إلى غيره ممّن يوثق به ما لم يكن غرض الموصي مباشرته له بشخصه، كأن يوكل أمر العبادات التي أوصى بها إلى من له خبرة في الاستنابة في العبادات ويوكّل أمر العمارات التي أوصى بها إلى من له خبرة فيها ويوكل أمر الكفّارات التي أوصى بها إلى من له خبرة بالفقراء وكيفيّة القسمة عليهم وهكذا، وربّما يوكل الأمر في جميع ذلك إلى شخص واحد إذا كانت له خبرة في جميعها.
وربّما لا يكون الموصي قد أوصى بأُمور معيّنة بل أوصى بصرف ثلثه في مصالحه وأوكل تعيين المصرف كمّاً وكيفاً إلى نظر الوصيّ فيرى الوصيّ من هو أعرف منه في تعيين جهات المصرف وكيفيّتها فيوكل الأمر إليه ويدفع له الثلث بتمامه ويفوّض إليه تعيين الجهات كمّاً وكيفاً، كما يتعارف ذلك عند كثير من الأوصياء حيث يدفعون الثلث الموصى به إلى المجتهد الموثوق به عندهم، فالوصاية إلى شخص ولاية في التصرّف ولو بواسطة الإيكال إلى الغير، فلا بأس أن يوكل الوصيّ أمر الوصيّة إلى غيره إلّا أن تقوم القرينة على إرادة الموصي منه المباشرة، فلا يجوز له حينئذٍ ذلك.
مسألة 1438: لا يجوز للوصيّ تفويض الوصاية إلى غيره بمعنى عزل نفسه عن الوصاية وجعلها له فيكون غيره وصيّاً عن الميّت بجعل منه.
مسألة 1439: إذا بطلت وصاية الوصيّ لفوات شرطها نصب الحاكم الشرعيّ وصيّاً مكانه أو تولّى تنفيذ الوصيّة بنفسه، وكذا إذا أوصى ولم يعيّن وصيّاً أصلاً كما تقدّم.
مسألة 1440: إذا اشتبه مصرف المال الموصى به لنسيان أو غيره فإن كانت الشبهة غير محصورة جاز صرفه في وجه من وجوه البرّ، ولكن الأحوط لزوماً أن لا يكون المصرف خارجاً عن أطراف الشبهة بل ولا يكون احتمال كونه مصرفاً أضعف من غيره، وأمّا إذا كانت الشبهة محصورة فإن كانت أطرافها عناوين متصادقة في الجملة تعيّن صرف المال في المجمع، وأمّا مع التباين الكلّيّ بينها أو كون الموصى له مردّداً بين أفراد تعيّن الرجوع إلى القرعة، ويـراعى في عــدد السهــام درجـــة الاحتمــال - قوّة وضعفاً - في جميع الأطراف.
نعم إذا كانت الوصيّة تمليكيّة مردّدة بين أفراد فلا بُدَّ من إعلامهم بالحال فإن رفض الجميع قبولها رجع ميراثاً وهكذا الحال فيما إذا قبلها بعض دون بعض، وأمّا إذا قبلها الجميع صار المال مردّداً بينهم فإن تراضوا بصلح أو غيره فهو وإلّا رجعوا إلى الحاكم الشرعيّ لفصل النزاع بينهم.
مسألة 1441: يجوز للموصي أن يجعل ناظراً على الوصيّ ومشرفاً على عمله، ووظيفته تابعة لجعل الموصي، وهو على قسمين:
الأوّل: - ولعلّه الغالب - أن يجعل الناظر رقيباً على الوصيّ من جهة الاستيثاق على عمله بالوصيّة مطابقاً لما أوصى به حتّى أنّه لو رأى منه خلاف ما قرّره الموصي لاعترض عليه.
ومثل هذا الناظر لا يجب على الوصيّ استئذانه في تصرّفاته ومتابعة رأيه ونظره فيها، بل إنّما يجب أن تكون أعماله باطّلاعه وإشرافه، فلو أوصى باستنابة من يصلّي عنه فاستناب الوصيّ لها شخصاً واجداً للشرائط وأعلم الناظر بذلك فقد عمل بوظيفته وليس للناظر الاعتراض عليه ومطالبته باختيار غيره ما دام لا يقدح في صلاحيّة الأوّل للاستنابة، وأمّا لو استناب الوصيّ شخصاً ولم يعلم الناظر به كان ذلك خيانة منه للوصيّة وتصرّفاً غير مأذون فيه.
الثاني: أن يجعل الناظر مشاوراً للوصيّ بحيث لا يعمل إلّا بإذن منه وموافقته، فالوصيّ وإن كان وليّاً مستقلّاً في التصرّف والتنفيذ لكنّه غير مستقلّ في الرأي والنظر فلا يمضى من أعماله إلّا ما وافق نظر الناظر وكان بإذنه، فلو استبدّ بالعمل على نظره من دون موافقة الناظر لم ينفذ تصرّفه، ففي المثال المتقدّم لو لم يوافق الناظر على من اختاره الوصيّ للنيابة عن الموصي في الصلاة لم تصحّ استنابته بل يتعيّن استنابة من يتوافقان عليه.
وفي كلا القسمين إذا خان الوصيّ لم يجب على الناظر - بما هو ناظر - مدافعته فلو لم يدافع لم يكن ضامناً.
مسألة 1442: إذا مات الناظر لزم الوصيّ الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ ليقيم شخصاً مكانه.
مسألة 1443: الوصيّة جائزة من طرف الموصي، فله ما دام فيه الروح - مع الشرائط المتقدّمة من العقل والاختيار وغيرهما - أن يرجع عن وصيّته وتبديلها من أصلها أو من بعض جهاتها وكيفيّاتها ومتعلّقاتها، فله تبديل الموصى به كلّاً أو بعضاً وتغيير الوصيّ والموصى له وغير ذلك، ولو رجع عن بعض الجهات يبقى غيرها بحالها، فلو أوصى بصرف ثلثه في مصارف مخصوصة وجعل الوصاية لزيد ثُمَّ بعد ذلك عدل عن وصاية زيد وجعل الوصاية لعمرو تبقى أصل الوصيّة بحالها، وكذلك إذا أوصى بصرف ثلثه في مصارف معيّنة على يد زيد ثُمَّ بعد ذلك عدل عن تلك المصارف وعيّن مصارف أُخر وهكذا، وكما له الرجوع في الوصيّة المتعلّقة بالمال كذلك له الرجوع في الوصيّة بالولاية على القاصرين.
مسألة 1444: إذا أوصى إلى شخص ثُمَّ أوصى إلى آخر ولم يخبر الوصيّ الأوّل بالعدول عنه إلى غيره فمات فعمل الوصيّ الأوّل بالوصيّة ثُمَّ علم كانت الغرامة على الميّت فتخرج من أصل التركة ثُمَّ يخرج الثلث للوصيّ الثاني.
هذا إذا لم يكن العدول عن الأوّل لسبب ظاهر لا يخفى على مثله عادةً، أمّا إذا كان لسبب كذلك كما إذا هاجر الوصيّ الأوّل إلى بلاد بعيدة أو حدثت بينه وبين الموصي عداوة ومقاطعة فعدل عنه كان ما صرفه الوصيّ الأوّل من مال نفسه.
مسألة 1445: يتحقّق الرجوع عن الوصيّة بالقول مثل أن يقول: (رجعت عن وصيّتي إلى زيد) وبالفعل مثل أن يوصي بصرف ثلثه ثُمَّ يوصي بوقفه، ومثل أن يوصي بوقف عين أو بصرفها ثُمَّ يبيعها أو يهبها مثلاً، وكذا إذا أوكل غيره في بيعها مثلاً مع التفاته إلى وصيّته.
مسألة 1446: لا يعتبر في وجوب العمل بالوصيّة عدم مرور مدّة طويلة عليها فإذا أوصى ثُمَّ مات ولو بعد مرور سنين وجب العمل بوصيّته، نعم يعتبر عدم الرجوع عنها، وإذا شكّ في الرجوع بنى على عدمه، هذا فيما إذا كانت الوصيّة مطلقة بأن كان مقصود الموصي وقوع مضمون الوصيّة والعمل بها بعد موته في أيّ زمان توفّاه الله تعالى، فلو كانت مقيّدة بموته في سفر كذا أو عن مرض كذا مثلاً ولم يتّفق موته في ذلك السفر أو عن ذلك المرض بطلت تلك الوصيّة واحتاج إلى وصيّة جديدة.
مسألة 1447: إذا كان الداعي له على إنشاء الوصيّة خوف الموت في السفر الذي عزم عليه وجب العمل بوصيّته وإن لم يمت في ذلك السفر، ولأجل ذلك يجب العمل بوصايا الحُجّاج عند العزم على الحجّ ومثلهم زوّار الإمام الرضا (عليه السلام) والمسافرون أسفاراً بعيدة، فإنّ الظاهر أنّ هؤلاء وأمثالهم لم يقيّدوا الوصيّة بالموت في ذلك السفر وإنّما كان الداعي على الوصيّة خوف الموت في ذلك السفر فيجب العمل بوصاياهم ما لم يتحقّق الرجوع عنها.
مسألة 1448: يجوز للوصيّ أن يأخذ أجرة مثل عمله إذا كانت له أجرة، إلّا إذا كان أوصى إليه بأن يعمل مجّاناً - كما لو صرّح الموصي بذلك أو كانت قرينة عليه - فلا يجوز له أخذ الأجرة حينئذٍ ويجب عليه العمل بالوصيّة إن كان قد قبل، أمّا إذا لم يقبل فلا يجب عليه ذلك.
هذا بالنسبة إلى العمل الذي أوصى بتولّيه له كالبيع والشراء وأداء الديون ونحو ذلك من الأعمال التي هي موضوع ولايته.
أمّا لو أوصى إليه بأن يباشر الإتيان بعمل مثل أن يجهّزه بنفسه أو يحجّ عنه أو يصلّي عنه أو نحو ذلك لم يجب عليه القبول وإن لم يكن على وجه المجّانيّة، بل له أن يردّه ولو لم يعلم به في حياة الموصي، ولو قَبِلَ في حياته وبلغه قبوله فالأحوط لزوماً عدم التخلّف عن القيام به.
مسألة 1449: إذا طلب من زيد أن يحجّ عنه بعد وفاته وجعل له أجرة معيّنة بأن قال له: (حُجَّ عنّي بمائة دينار ) كان إجارة فإن قبل في حياته وجب العمل بها ويستحقّ الأجرة، وإلّا لم يجب.
ولو كان بأجرة غير معيّنة عندهما بأن قال له: (حُجَّ عنّي بأجرة المثل) ولم تكن الأجرة معلومة عندهما فقبل في حياته لم يجب عليه العمل وجرى عليه حكم الإجارة الفاسدة.
ولو كان بطريق الجعالة لم يجب العمل، لكنّه يستحقّ الأجرة على تقدير العمل لصدق الوصيّة حينئذٍ.