الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الوكالة ←
→ كتاب الصلح
كتاب الإقرار
الإقرار هو : إخبار الشخص عن حقّ ثابت عليه أو نفي حقّ له سواء أكان من حقوق الله تعالى أم من حقوق الناس.
مسألة 1229: لا يعتبر في الإقرار لفظ خاصّ فيكفي كلّ لفظ مفهم له عرفاً، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضاً.
مسألة 1230: يعتبر في الإقرار الجزم بمعنى عدم اشتمال الكلام على الشكّ والترديد، فلو قال: (أظنّ أو احتمل أنّك تطلبني كذا) لم يكن إقراراً.
مسألة 1231: يعتبر في الإخبار الذي يعدّ بلحاظ نفسه أو لوازمه إقراراً أن يكون واضحاً في مدلوله إمّا على نحو الصراحة أو الظهور، فلا عبرة بالكلام المجمل وإن كان إجماله طارئاً ناشئاً من اقترانه ببعض الخصوصيّات التي تمنع من انعقاد الظهور له عند أهل المحاورة.
مسألة 1232: لا يعتبر في تحقّق الإقرار دلالة الكلام عليه بأحد طرق الدلالة اللفظيّة (المطابقة والتضمن والالتزام) ولا كونه مقصوداً بالإفادة، فيؤخذ المتكلّم بلازم كلامه وإن لم ينعقد له ظهور فيه - بعد أن كان ظاهراً في ملزومه - بل وحتّى مع جهل المقرّ بالملازمة أو غفلته عنها، فإذا نفى الأسباب الشرعيّة لانتقال مال إليه واحداً بعد واحد كان ذلك إقراراً منه بعدم مالكيّته له فيلزم به.
مسألة 1233: يعتبر في المقرّ به أن يكون ممّا لو كان المقرّ صادقاً في إخباره لأمكن إلزامه به شرعاً، وذلك بأن يكون المقرّ به مالاً في ذمّته أو عيناً خارجيّة أو عملاً أو حقّاً كحقّ الخيار والشفعة وحقّ الاستطراق في ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره، أو يكون فعلاً مستوجباً للحدّ شرعاً كالزنا وشرب الخمر وما شاكل ذلك، وأمّا إذا أقرّ بما لا يمكن إلزامه به شرعاً فلا أثر له، فإذا أقرّ بأنّ عليه لزيد شيئاً من ثمن خنزير ونحو ذلك لم ينفذ إقراره.
مسألة 1234: إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه، لا فيما يكون ضرراً على غيره ولا فيما يكون فيه نفع المقرّ إذا لم يصدّقه الغير، فإذا أقرّ بزوجيّة امرأة ولم تصدّقه نفذ إقراره بالنسبة إلى حرمة زواجه من أُمّها مثلاً لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه.
مسألة 1235: يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقرّ، وللمقرّ له أن يلزمه بالتفسير والبيان ورفع الإبهام، ويقبل منه ما فسّره به ويلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه، فلو قال: (لك عليّ شـيء) فله إلزامه بالتفسير، فإذا فسّره بأيّ شـيء يصحّ أن يكون في ذمّة المقرّ للمقرّ له يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً كحبّة من حنطة ومثلها الخمر والخنزير إذا كان الطرفان ذمّيّين، وأمّا لو قال: (لك عليّ مال) لم يقبل منه إلّا إذا كان ما فسّره به من الأموال وإن كانت ماليّته قليلة لا مثل حفنة من التراب.
مسألة 1236: إذا أقرّ بنقد أو وزن أو كيل يرجع في تعيينه إلى القرائن إن وجدت، ومع الإبهام يرجع إلى تفسيره وتعيينه، فإذا اتّحد بلد الإقرار والمقرّ والمقرّ له حمل على المتعارف فيه، وإن تعدّد البلد أو تعدّد المتعارف في البلد الواحد ولم توجد قرينة على التعيين يرجع إلى تفسير المقرّ .
مسألة 1237: لو أقرّ بشيء وأنكره المقرّ له، فإن كان المقرّ به ديناً على ذمّة المقرّ فلا أثر للإقرار ولا يطالب المقرّ بشيء، وإن كان عيناً خارجيّة قيل إنّ للحاكم الشرعيّ انتزاعها من يده ولكن الصحيح أنّه ليس له ذلك.
هذا بحسب الظاهر وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه وبين الله تعالى تفريغ ذمّته من الدين وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره فله إلزام المقرّ بالدفع إليه لو كان باقيا على إقراره.
مسألة 1238: لو أبهم المقرّ به وادّعى عدم معرفته به حتّى يعيّنه فإن صدّقه المقرّ له في ذلك وقال: (أنا أيضاً لا أدري) فلا محيص عن الصلح إن أمكن وإلّا فالقرعة، وإن ادّعى المعرفة وعيّنه فإن صدّقه المقرّ فذاك وإلّا فله أن يطالبه بالبيّنة، ومع عدمها فله أن يحلفه، وإن نَكَل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً فلا محيص عن الصلح وإن لم يمكن فالقرعة.
مسألة 1239: كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به لا يضرّان في المقرّ له، فلو قال: (هذه الدار التي بيدي لأحد هذين) يقبل ولهما إلزامه بالتعيين، فمن عيّنه يقبل ويكون هو المقرّ له، فإن صدّقه الآخر فذاك وإلّا تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ، ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه في ذلك سقط عنه لزوم التعيين، ولو ادّعيا - أو أحدهما - عليه العلم كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر كما مرّ في نظائره.
مسألة 1240: لو أقرّ بالمظروف لم يدخل الظرف.
مسألة 1241: لو أقرّ بالدين المؤجّل ثبت المؤجّل ولم يستحقّ المقرّ له المطالبة به قبل الأجل، ولو أقرّ بالمردّد بين الأقلّ والأكثر ثبت الأقلّ.
مسألة 1242: يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا ينفذ إقرار الصبيّ والمجنون والسكران وكذا الهازل والساهي والغافل وكذا المكره، نعم لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إذا تعلّق بما يحقّ له أن يفعله كبيع الأشياء اليسيرة كما مرّ في المسألة (62).
مسألة 1243: السفيه إن أقرّ بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ويقبل فيما عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما، وإن أقرّ بأمر مشتمل على مال وغيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال وقبل بالنسبة إلى غيره، فيحدّ إذا أقرّ بالسرقة ولا يلزم بأداء المال.
مسألة 1244: لا ينفذ إقرار المفلس فيما يتعلّق بماله الذي حجر عليه وينفذ فيما عداه كدار سكناه وأثاث بيته ونحوهما، وكذا ينفذ إقراره في الدين سابقاً ولاحقاً ولكن لا يشارك المقرّ له الغرماء كما مرّ في كتاب الحجر .
مسألة 1245: ينفذ إقرار المريض كالصحيح إلّا إذا كان في مرض الموت مع التّهمة، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث سواء أقرّ لوارث أو أجنبيّ كما مرّ في كتاب الحجر .
مسألة 1246: إذا ادّعى الصبيّ البلوغ، فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ولا يثبت بمجرّد دعواه، وكذا إن ادّعاه بالسنّ فإنّه يطالب بالبيّنة، وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1247: يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق، فلو أقرّ بدين لدابّة مثلاً لغا، نعم لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال صحّ وقبل، حيث أنّ المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.
مسألة 1248: إذا أقرّ بشيء ثُمَّ عقبه بما يضادّه وينافيه يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه، فلو قال: (له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة)، ولو قال: (له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار) يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقبه، وكذا لوقال: (له عندي وديعة وقد هلكت)، فإنّ إخباره بتلف الوديعة وهلاكها ينافي قوله: (له عندي) الظاهر في وجودها عنده، نعم لو قال: (كانت له عندي وديعة وقد هلكت) فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقاً ولا تنافي بينه وبين طروّ الهلاك عليها، لكن هذا دعوى منه لا بُدَّ من فصلها على الموازين الشرعيّة.
مسألة 1249: ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي، فلو قال: (له عليّ عشرة إلّا درهماً) أو (هذه الدار التي بيدي لزيد إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بالتسعة وبالدار ما عدا الغرفة، ولو قال: (ما له عليّ شـيء إلّا درهم) أو (ليس له من هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بدرهم والغرفة.
هذا إذا كان الإخبار بالإثبات أو النفي متعلّقاً بحقّ الغير عليه، وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس، فلو قال: (لي عليك عشرة إلّا درهماً) أو (لي هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن الدرهم الزائد على التسعة ونفي ملكيّة الغرفة، فلو ادّعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتّى الغرفة لم يسمع منه، ولو قال: (ليس لي عليك إلّا درهم) أو (ليس لي من هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً منه بنفي استحقاق ما عدا الدرهم وما عدا الغرفة.
مسألة 1250: لو أقرّ بعين لشخص ثُمَّ أقرّ بها لشخص آخر - كما إذا قال: (هذه الدار لزيد ثُمَّ قال بل لعمرو) - حكم بكونها للأوّل وأعطيت له وأغرم للثاني قيمتها.
مسألة 1251: لو ادّعى البائع إنّ إقراره بقبض الثمن كان مواطأة للإشهاد عليه عند الحاكم الشرعيّ لغرض تصديقه وثيقة البيع مثلاً وأنّه لم يقبض الثمن في الواقع كان عليه إقامة البيّنة على دعواه أو إحلاف المشتري على إقباض الثمن.
مسألة 1252: إذا أقرّ بولد أو أخ أو أُخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع احتمال صدقه فيما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث ونحو ذلك، وأمّا بالنسبة إلى غير ذلك ممّا عليه من الأحكام ففيه تفصيل، فإن كان الإقرار بالولد ثبت النسب بإقراره مع احتمال صدقه عادة وشرعاً وعدم المنازع إذا كان الولد صغيراً وكان تحت يده، ولا يشترط فيه تصديق الصغير، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ويثبت بذلك النسب بينهما وكذا بين أولادهما وسائر الطبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة مقتضى الاحتياط.
وأمّا في غير الولد الصغير فلا أثر للإقرار إلّا مع تصديق الآخر فإن لم يصدّقه الآخر لم يثبت النسب وإن صدّقه - ولا وارث غيرهما - توارثا، وفي ثبوت التوارث مع الوارث الآخر إن لم يكن مقرّاً إشكال والاحتياط لا يترك، وكذلك في تعدّي التوارث إلى غيرهما، ولا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقرّ بولد أو غيره ثُمَّ نفاه بعد ذلك.
مسألة 1253: لو أقرّ الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه ولو كان مساوياً دفع بنسبة نصيبه من الأصل، ولو أقرّ باثنين دفعة فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما فيعمل بالإقرار، ولكن تبقى الدعوى قائمة بينهما، ولو أقرّ بأولى منه في الميراث ثُمَّ أقرّ بأولى من المقرّ له أوّلاً - كما إذا أقرّ العمّ بالأخ ثُمَّ أقرّ بالولد - فإن صدّقه المقرّ له أوّلاً دفع إلى الثاني وإلّا فإلى الأوّل ويُغَرَّم للثاني.
مسألة 1254: لو أقرّ الولد بآخر ثُمَّ أقرّ بثالث وأنكر الثالث الثاني كان للثالث النصف وللثاني السدس، ولو كانا معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكاره فيكون المال بينهم أثلاثاً.
مسألة 1255: إذا كان للميّت ولدان وأقرّ أحدهما له بثالث وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقرّ الثلث - حيث أنّ هذا نصيبه بمقتضى إقراره - ويأخذ المقرّ به السدس، وهو تكملة نصيب المقرّ وقد نقص بسبب إقراره.
مسألة 1256: إذا كانت للميّت زوجة وإخوة مثلاً وأقرّت الزوجة بولد له فإن صدّقتها الإخوة كان ثمن التركة للزوجة والباقي للولد، وإن لم تصدّقها أخذت الإخوة ثلاثة أرباع التركة وأخذت الزوجة ثمنها والباقي وهو الثمن للمقرّ له.
مسألة 1257: إذا مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته قيل ثبت بذلك نسبه ويكون ميراثه للمقرّ إذا كان له مال ولكنّه محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1258: يثبت النسب بشهادة عدلين ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين ولا بشهادة رجل ويمين.
مسألة 1259: لو شهد الأخوان بابن للميّت وكانا عدلين كان أولى منهما ويثبت النسب، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب ويثبت الميراث إذا لم يكن لهما ثالث وإلّا كان إقرارهما نافذاً في حقّهما دون غيرهما.
مسألة 1260: لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً لأنّه كإقرار الميّت، ولو أقرّ بعضهم وأنكر البعض فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما، وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة، ويؤخذ منه للدين الذي أقرّ به مثلاً بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلٍّ من الوارثين خمسين فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين، وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء وأنكر البعض.
كتاب الوكالة ←
→ كتاب الصلح
مسألة 1229: لا يعتبر في الإقرار لفظ خاصّ فيكفي كلّ لفظ مفهم له عرفاً، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضاً.
مسألة 1230: يعتبر في الإقرار الجزم بمعنى عدم اشتمال الكلام على الشكّ والترديد، فلو قال: (أظنّ أو احتمل أنّك تطلبني كذا) لم يكن إقراراً.
مسألة 1231: يعتبر في الإخبار الذي يعدّ بلحاظ نفسه أو لوازمه إقراراً أن يكون واضحاً في مدلوله إمّا على نحو الصراحة أو الظهور، فلا عبرة بالكلام المجمل وإن كان إجماله طارئاً ناشئاً من اقترانه ببعض الخصوصيّات التي تمنع من انعقاد الظهور له عند أهل المحاورة.
مسألة 1232: لا يعتبر في تحقّق الإقرار دلالة الكلام عليه بأحد طرق الدلالة اللفظيّة (المطابقة والتضمن والالتزام) ولا كونه مقصوداً بالإفادة، فيؤخذ المتكلّم بلازم كلامه وإن لم ينعقد له ظهور فيه - بعد أن كان ظاهراً في ملزومه - بل وحتّى مع جهل المقرّ بالملازمة أو غفلته عنها، فإذا نفى الأسباب الشرعيّة لانتقال مال إليه واحداً بعد واحد كان ذلك إقراراً منه بعدم مالكيّته له فيلزم به.
مسألة 1233: يعتبر في المقرّ به أن يكون ممّا لو كان المقرّ صادقاً في إخباره لأمكن إلزامه به شرعاً، وذلك بأن يكون المقرّ به مالاً في ذمّته أو عيناً خارجيّة أو عملاً أو حقّاً كحقّ الخيار والشفعة وحقّ الاستطراق في ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره، أو يكون فعلاً مستوجباً للحدّ شرعاً كالزنا وشرب الخمر وما شاكل ذلك، وأمّا إذا أقرّ بما لا يمكن إلزامه به شرعاً فلا أثر له، فإذا أقرّ بأنّ عليه لزيد شيئاً من ثمن خنزير ونحو ذلك لم ينفذ إقراره.
مسألة 1234: إنّما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقرّ ويمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه، لا فيما يكون ضرراً على غيره ولا فيما يكون فيه نفع المقرّ إذا لم يصدّقه الغير، فإذا أقرّ بزوجيّة امرأة ولم تصدّقه نفذ إقراره بالنسبة إلى حرمة زواجه من أُمّها مثلاً لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه.
مسألة 1235: يصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ويقبل من المقرّ، وللمقرّ له أن يلزمه بالتفسير والبيان ورفع الإبهام، ويقبل منه ما فسّره به ويلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف واللغة وأمكن بحسبهما أن يكون مراداً منه، فلو قال: (لك عليّ شـيء) فله إلزامه بالتفسير، فإذا فسّره بأيّ شـيء يصحّ أن يكون في ذمّة المقرّ للمقرّ له يقبل منه وإن لم يكن متموّلاً كحبّة من حنطة ومثلها الخمر والخنزير إذا كان الطرفان ذمّيّين، وأمّا لو قال: (لك عليّ مال) لم يقبل منه إلّا إذا كان ما فسّره به من الأموال وإن كانت ماليّته قليلة لا مثل حفنة من التراب.
مسألة 1236: إذا أقرّ بنقد أو وزن أو كيل يرجع في تعيينه إلى القرائن إن وجدت، ومع الإبهام يرجع إلى تفسيره وتعيينه، فإذا اتّحد بلد الإقرار والمقرّ والمقرّ له حمل على المتعارف فيه، وإن تعدّد البلد أو تعدّد المتعارف في البلد الواحد ولم توجد قرينة على التعيين يرجع إلى تفسير المقرّ .
مسألة 1237: لو أقرّ بشيء وأنكره المقرّ له، فإن كان المقرّ به ديناً على ذمّة المقرّ فلا أثر للإقرار ولا يطالب المقرّ بشيء، وإن كان عيناً خارجيّة قيل إنّ للحاكم الشرعيّ انتزاعها من يده ولكن الصحيح أنّه ليس له ذلك.
هذا بحسب الظاهر وأمّا بحسب الواقع فعلى المقرّ بينه وبين الله تعالى تفريغ ذمّته من الدين وتخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك وإن كان بدسّه في أمواله، ولو رجع المقرّ له عن إنكاره فله إلزام المقرّ بالدفع إليه لو كان باقيا على إقراره.
مسألة 1238: لو أبهم المقرّ به وادّعى عدم معرفته به حتّى يعيّنه فإن صدّقه المقرّ له في ذلك وقال: (أنا أيضاً لا أدري) فلا محيص عن الصلح إن أمكن وإلّا فالقرعة، وإن ادّعى المعرفة وعيّنه فإن صدّقه المقرّ فذاك وإلّا فله أن يطالبه بالبيّنة، ومع عدمها فله أن يحلفه، وإن نَكَل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معاً فلا محيص عن الصلح وإن لم يمكن فالقرعة.
مسألة 1239: كما لا يضرّ الإبهام والجهالة في المقرّ به لا يضرّان في المقرّ له، فلو قال: (هذه الدار التي بيدي لأحد هذين) يقبل ولهما إلزامه بالتعيين، فمن عيّنه يقبل ويكون هو المقرّ له، فإن صدّقه الآخر فذاك وإلّا تقع المخاصمة بينه وبين من عيّنه المقرّ، ولو ادّعى عدم المعرفة وصدّقاه في ذلك سقط عنه لزوم التعيين، ولو ادّعيا - أو أحدهما - عليه العلم كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر كما مرّ في نظائره.
مسألة 1240: لو أقرّ بالمظروف لم يدخل الظرف.
مسألة 1241: لو أقرّ بالدين المؤجّل ثبت المؤجّل ولم يستحقّ المقرّ له المطالبة به قبل الأجل، ولو أقرّ بالمردّد بين الأقلّ والأكثر ثبت الأقلّ.
مسألة 1242: يعتبر في المقرّ البلوغ والعقل والقصد والاختيار، فلا ينفذ إقرار الصبيّ والمجنون والسكران وكذا الهازل والساهي والغافل وكذا المكره، نعم لا يبعد صحّة إقرار الصبيّ إذا تعلّق بما يحقّ له أن يفعله كبيع الأشياء اليسيرة كما مرّ في المسألة (62).
مسألة 1243: السفيه إن أقرّ بمال في ذمّته أو تحت يده لم يقبل ويقبل فيما عدا المال كالطلاق والخلع ونحوهما، وإن أقرّ بأمر مشتمل على مال وغيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال وقبل بالنسبة إلى غيره، فيحدّ إذا أقرّ بالسرقة ولا يلزم بأداء المال.
مسألة 1244: لا ينفذ إقرار المفلس فيما يتعلّق بماله الذي حجر عليه وينفذ فيما عداه كدار سكناه وأثاث بيته ونحوهما، وكذا ينفذ إقراره في الدين سابقاً ولاحقاً ولكن لا يشارك المقرّ له الغرماء كما مرّ في كتاب الحجر .
مسألة 1245: ينفذ إقرار المريض كالصحيح إلّا إذا كان في مرض الموت مع التّهمة، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث سواء أقرّ لوارث أو أجنبيّ كما مرّ في كتاب الحجر .
مسألة 1246: إذا ادّعى الصبيّ البلوغ، فإن ادّعاه بالإنبات اختبر ولا يثبت بمجرّد دعواه، وكذا إن ادّعاه بالسنّ فإنّه يطالب بالبيّنة، وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام في الحدّ الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1247: يعتبر في المقرّ له أن يكون له أهليّة الاستحقاق، فلو أقرّ بدين لدابّة مثلاً لغا، نعم لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال صحّ وقبل، حيث أنّ المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمّته ببعض ما يتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها ونحوها.
مسألة 1248: إذا أقرّ بشيء ثُمَّ عقبه بما يضادّه وينافيه يؤخذ بإقراره ويلغى ما ينافيه، فلو قال: (له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة)، ولو قال: (له عليّ كذا وهو من ثمن الخمر أو بسبب القمار) يلزم بالمال ولا يسمع منه ما عقبه، وكذا لوقال: (له عندي وديعة وقد هلكت)، فإنّ إخباره بتلف الوديعة وهلاكها ينافي قوله: (له عندي) الظاهر في وجودها عنده، نعم لو قال: (كانت له عندي وديعة وقد هلكت) فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقاً ولا تنافي بينه وبين طروّ الهلاك عليها، لكن هذا دعوى منه لا بُدَّ من فصلها على الموازين الشرعيّة.
مسألة 1249: ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي، بل يكون المقرّ به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت ونفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي، فلو قال: (له عليّ عشرة إلّا درهماً) أو (هذه الدار التي بيدي لزيد إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بالتسعة وبالدار ما عدا الغرفة، ولو قال: (ما له عليّ شـيء إلّا درهم) أو (ليس له من هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بدرهم والغرفة.
هذا إذا كان الإخبار بالإثبات أو النفي متعلّقاً بحقّ الغير عليه، وأمّا لو كان متعلّقاً بحقّه على الغير كان الأمر بالعكس، فلو قال: (لي عليك عشرة إلّا درهماً) أو (لي هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقّه عن الدرهم الزائد على التسعة ونفي ملكيّة الغرفة، فلو ادّعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتّى الغرفة لم يسمع منه، ولو قال: (ليس لي عليك إلّا درهم) أو (ليس لي من هذه الدار إلّا الغرفة الفلانيّة) كان إقراراً منه بنفي استحقاق ما عدا الدرهم وما عدا الغرفة.
مسألة 1250: لو أقرّ بعين لشخص ثُمَّ أقرّ بها لشخص آخر - كما إذا قال: (هذه الدار لزيد ثُمَّ قال بل لعمرو) - حكم بكونها للأوّل وأعطيت له وأغرم للثاني قيمتها.
مسألة 1251: لو ادّعى البائع إنّ إقراره بقبض الثمن كان مواطأة للإشهاد عليه عند الحاكم الشرعيّ لغرض تصديقه وثيقة البيع مثلاً وأنّه لم يقبض الثمن في الواقع كان عليه إقامة البيّنة على دعواه أو إحلاف المشتري على إقباض الثمن.
مسألة 1252: إذا أقرّ بولد أو أخ أو أُخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع احتمال صدقه فيما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث ونحو ذلك، وأمّا بالنسبة إلى غير ذلك ممّا عليه من الأحكام ففيه تفصيل، فإن كان الإقرار بالولد ثبت النسب بإقراره مع احتمال صدقه عادة وشرعاً وعدم المنازع إذا كان الولد صغيراً وكان تحت يده، ولا يشترط فيه تصديق الصغير، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ويثبت بذلك النسب بينهما وكذا بين أولادهما وسائر الطبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة مقتضى الاحتياط.
وأمّا في غير الولد الصغير فلا أثر للإقرار إلّا مع تصديق الآخر فإن لم يصدّقه الآخر لم يثبت النسب وإن صدّقه - ولا وارث غيرهما - توارثا، وفي ثبوت التوارث مع الوارث الآخر إن لم يكن مقرّاً إشكال والاحتياط لا يترك، وكذلك في تعدّي التوارث إلى غيرهما، ولا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقرّ بولد أو غيره ثُمَّ نفاه بعد ذلك.
مسألة 1253: لو أقرّ الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه ولو كان مساوياً دفع بنسبة نصيبه من الأصل، ولو أقرّ باثنين دفعة فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما فيعمل بالإقرار، ولكن تبقى الدعوى قائمة بينهما، ولو أقرّ بأولى منه في الميراث ثُمَّ أقرّ بأولى من المقرّ له أوّلاً - كما إذا أقرّ العمّ بالأخ ثُمَّ أقرّ بالولد - فإن صدّقه المقرّ له أوّلاً دفع إلى الثاني وإلّا فإلى الأوّل ويُغَرَّم للثاني.
مسألة 1254: لو أقرّ الولد بآخر ثُمَّ أقرّ بثالث وأنكر الثالث الثاني كان للثالث النصف وللثاني السدس، ولو كانا معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكاره فيكون المال بينهم أثلاثاً.
مسألة 1255: إذا كان للميّت ولدان وأقرّ أحدهما له بثالث وأنكر الآخر لم يثبت نسب المقرّ به فيأخذ المنكر نصف التركة ويأخذ المقرّ الثلث - حيث أنّ هذا نصيبه بمقتضى إقراره - ويأخذ المقرّ به السدس، وهو تكملة نصيب المقرّ وقد نقص بسبب إقراره.
مسألة 1256: إذا كانت للميّت زوجة وإخوة مثلاً وأقرّت الزوجة بولد له فإن صدّقتها الإخوة كان ثمن التركة للزوجة والباقي للولد، وإن لم تصدّقها أخذت الإخوة ثلاثة أرباع التركة وأخذت الزوجة ثمنها والباقي وهو الثمن للمقرّ له.
مسألة 1257: إذا مات صبيّ مجهول النسب فأقرّ إنسان ببنوّته قيل ثبت بذلك نسبه ويكون ميراثه للمقرّ إذا كان له مال ولكنّه محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1258: يثبت النسب بشهادة عدلين ولا يثبت بشهادة رجل وامرأتين ولا بشهادة رجل ويمين.
مسألة 1259: لو شهد الأخوان بابن للميّت وكانا عدلين كان أولى منهما ويثبت النسب، ولو كانا فاسقين لم يثبت النسب ويثبت الميراث إذا لم يكن لهما ثالث وإلّا كان إقرارهما نافذاً في حقّهما دون غيرهما.
مسألة 1260: لو أقرّ الورثة بأسرهم بدين على الميّت أو بشيء من ماله للغير كان مقبولاً لأنّه كإقرار الميّت، ولو أقرّ بعضهم وأنكر البعض فإن أقرّ اثنان وكانا عدلين ثبت الدين على الميّت، وكذا العين للمقرّ له بشهادتهما، وإن لم يكونا عدلين أو كان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ في حقّ نفسه خاصّة، ويؤخذ منه للدين الذي أقرّ به مثلاً بنسبة نصيبه من التركة، فإذا كانت التركة مائة ونصيب كلٍّ من الوارثين خمسين فأقرّ أحدهما لأجنبيّ بخمسين وكذّبه الآخر أخذ المقرّ له من نصيب المقرّ خمسة وعشرين، وكذا الحال فيما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ الميّت أوصى لأجنبيّ بشيء وأنكر البعض.