الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الإقرار ←
→ كتاب الكفالة
كتاب الصلح
الصلح هو : التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حقّ بعوض مادّيّ أو مجّاناً.
ولا يشترط كونه مسبوقاً بالنزاع، ويجوز إيقاعه على كلّ أمر وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام، وقد مرّ المقصود بهما في المسألة (172) من كتاب التجارة.
مسألة 1205: الصلح عقد مستقلّ بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود وإن أفاد فائدتها، فيفيد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض، وفائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض، وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض، وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حقّ أو دين وهكذا، فعلى ذلك فلا يلحقه أحكام سائر العقود ولا يجري فيه شروطها وإن أفاد فائدتها، فما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع كخياري المجلس والحيوان، ولا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس إذا تعلّق بمعاوضة النقدين، وما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة وهكذا.
مسألة 1206: لمّا كان الصلح عقدا من العقود فإنّه يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً حتّى فيما أفاد فائدة الإبراء وإسقاط الحقّ، فإبراء المديون من الدَّيْن وإسقاط الحقّ عمّن عليه الحقّ وإن لم يتوقّفا على قبول مَنْ عليه الدين أو الحقّ لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا على القبول.
مسألة 1207: يتحقّق الصلح بكلّ ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك، ولا تعتبر فيه صيغة خاصّة، نعم لفظ (صالحت) كالصريح في إفادة هذا المعنى من طرف الموجب فيقول مثلاً : (صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا أو على كذا) فيقول المتصالِح: (قبلت المصالحة).
مسألة 1208: عقد الصلح لازم في نفسه حتّى فيما إذا كان بلا عوض وكانت فائدته فائدة الهبة، ولا ينفسخ إلّا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ مَنْ جعل له حقّ الفسخ منهما في ضمن الصلح.
مسألة 1209: لا يجري خيار المجلس ولا خيار الحيوان في الصلح كما مرّ، ولا يجري خيار الغبن في الصلح الواقع في موارد قطع النزاع والخصومات، وجريانه في غيره محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وكذا لا يجري فيه خيار التأخير على النحو المتقدّم في البيع، نعم لو أخّر تسليم المصالح به عن الحدّ المتعارف أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة، وأمّا بقيّة الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضاً.
مسألة 1210: لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ، وأمّا أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1211: متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عيناً أو منفعة أو ديناً أو حقّاً، فهذه عشرون صورة كلّها صحيحة، فيصحّ الصلح عن عين بعين ومنفعة ودين وحقّ وبلا عوض وعن منفعة بمنفعة وعين ودين وحقّ وبلا عوض وهكذا.
مسألة 1212: إذا تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء أكان مع العوض أم بدونه، وكذا إذا تعلّق بدين للمصالح على ثالث أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص وحقّ الأولويّة لمن بيده الأرض الخراجيّة، وإذا تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه، وكذا الحال إذا تعلّق بحقّ قابل للإسقاط وغير قابل للنقل والانتقال كحقّ الشفعة ونحوه، وأمّا ما لا يقبل الانتقال ولا الإسقاط فلا يصحّ الصلح عليه.
مسألة 1213: يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماءه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، أو يكون له الممرّ والمخرج من داره أو بستانه، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه وغير ذلك، ولا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه.
مسألة 1214: يعتبر في المتصالحين: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة أن يتصرّف في ماله من الطرفين أن لا يكون محجوراً عليه من ذلك لسفه أو فلس.
مسألة 1215: يجري الفضوليّ في الصلح - كما يجري في البيع ونحوه - حتّى فيما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللَّـذَيْن لا تجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 1216: يجوز الصلح على ثمار وخضر وزرع العام الواحد قبل ظهورها من دون ضميمة وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مرّ .
مسألة 1217: لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجيّ معيّن، ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذّراً وما إذا لم يكن متعذّراً.
مسألة 1218: لو علم المديون بمقدار الدين ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقلّ ممّا يستحقّه لم تبرأ ذمّته عن المقدار الزائد، إلّا أن يعلم رضا الدائن بالمصالحة حتّى لو علم بمقدار الدين أيضاً، وهكذا لو لم يعلم بمقدار الدين تحديداً ولكنّه علم إجمالاً زيادته على المقدار المصالح به فإنّه لا تبرأ ذمّته عن المقدار الزائد إلّا في الحالة المذكورة، ويجري نظير هذا الكلام في العين أيضاً.
مسألة 1219: إذا كان شخصان لكلٍّ منهما مال في يد الآخر أو على ذمّته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما أيضاً، لأنّ حرمة الربا تعمّ الصلح على هذا النحو، وهكذا الحكم في صورة احتمال الزيادة وعدم العلم بها على الأحوط لزوماً، ويمكن الاستغناء عن الصلح على المبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما لصاحبه في الفرض الأوّل: (صالحتك على أن تهب لي ما في يدي وأهب لك ما في يدك) فيقبل الآخر، ويقول في الفرض الثاني: (صالحتك على أن تبرأني ممّا لك في ذمّتي وأبرأك ممّا لي في ذمّتك) فيقبل الآخر .
مسألة 1220: لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مرّ في المسألة السابقة، مثلاً : إذا كان أحد الدَّيْنَيْن الحالّين من الحنطة الجيّدة والآخر من الحنطة الرديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما بالآخر، ومع فرض زيادة أحدهما - في المثال - لا تجوز المصالحة على المبادلة بينهما.
مسألة 1221: يصحّ الصلح في الدين المؤجّل بأقلّ منه إذا كان الغرض إبراء ذمّة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضّة أو غيرهما من المكيل أو الموزون، وأمّا في غير ذلك فيجوز الصلح والبيع بالأقلّ نقداً من المديون وغيره، وعليه فيجوز للدائن تنزيل (الكَمْبِيالة) في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر على ما مرّ في المسألة (234).
مسألة 1222: يجوز للمتنازعين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدّعى به أو بشيء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط بهذا الصلح حقّ الدعوى، وكذا يسقط حقّ اليمين الذي كان للمدّعي على المنكر، فليس للمدّعي بعد ذلك تجديد المرافعة، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً ولا يحلّ به لغير المحقّ ما يأخذه بالصلح، وذلك مثل ما إذا ادّعى شخص على آخر ديناً فأنكره ثُمَّ تصالحا على النصف فهذا الصلح وإن أثّر في سقوط الدعوى، ولكن المدّعي لو كان محقّاً فقد وصل إليه نصف حقّه ويبقى نصفه الآخر في ذمّة المنكر وإن لم يكن عليه إثم إن كان معذوراً في اعتقاده.
نعم لو فرض رضا المدّعي باطناً بالصلح عن جميع ماله في الواقع فقد سقط حقّه، ولو كان المدّعي مبطلاً في الواقع حرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعاً بأن يكون للمدّعي ما صالح به لا أنّه رضي به تخلّصاً من دعواه الكاذبة.
مسألة 1223: لو قال المدّعى عليه للمدّعي: (صالحني) لم يكن ذلك منه إقراراً بالحقّ، لما عرفت من أنّ الصلح يصحّ مع الإقرار والإنكار، وأمّا لو قال: (بعني) أو (مَلِّكْني) كان إقراراً.
مسألة 1224: يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 1225: لو تصالح مع الراعيّ بأن يسلّم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلاً بإزاء لبنها واشترط عليه أن يعطي له مقداراً معيّناً من الدهن صحّت المصالحة، بل لو آجر نعاجه من الراعيّ سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض مقدار معيّن من الدهن غير المقيّد بالدهن المأخوذ منها صحّت الإجارة أيضاً.
مسألة 1226: إذا كان لواحدٍ ثوب اشتراه بعشرين درهماً ولآخر ثوب اشتراه بثلاثين واشتبها، ولم يميّز كلّ منهما ماله عن مال صاحبه، فإن خيّر أحدهما صاحبه فلا إشكال، فكلّ ما اختاره يحلّ له ويحلّ الآخر لصاحبه، وأمّا مع عدمه فإن توافقا على بيعهما بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة رأس مالهما فيعطي صاحب العشرين في المثال سهمين من خمسة والآخر ثلاثة أسهم منها، ولو تعاسرا في البيع ولو من جهة كون مقصود أحدهما أو كليهما نفس المال لا ثمنه فلا بُدَّ من القرعة.
مسألة 1227: لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهةٍ خاصّةٍ ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهةٍ عامّةٍ في حياة المصالح أو بعد وفاته صحّ ولزم الوفاء بالشرط.
مسألة 1228: إذا كان شخصان لكلٍّ منهما مال فاختلطا ثُمَّ تلف البعض من المجموع، فإن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في الخليط حسب التالف عليهما بنسبة المالين، وإن لم يكن يوجب الشركة فيه - سواء أكانا مثليّين أو قيميّين - فإن تساوى المالان في المقدار حسب التالف عليهما وقسّم الباقي بينهما نصفين.
وأمّا مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال وقوع التلف ممّن ماله أقلّ ضعيفاً يوثق بخلافه حكم بوقوعه في مال الآخر، كما إذا كان المجموع عشرة آلاف درهم، لأحدهما درهم أو درهمان والبقيّة للآخر وكان التالف درهماً أو درهمين أيضاً فإنّ احتمال كون التالف ممّن ماله أقلّ واحد من عشرة آلاف أو خمسة آلاف وهو احتمال ضعيف لا يعبأ به العقلاء.
وأمّا إذا لم يكن كذلك فيحسب التالف عليهما بنسبة ماليهما، فلو كان المجموع عشرة لأحدهما درهم واحد وللآخر تسعة دراهم وكان التالف درهماً واحداً أُعطي لصاحب الواحد تسعة أعشار الدرهم ولصاحب التسعة ثمانية دراهم وعُشْر الدرهم، ولو كان التالف في المثال خمسة أعطى لصاحب الدرهم نصف درهم ولصاحب التسعة أربعة دراهم ونصف وهكذا.
كتاب الإقرار ←
→ كتاب الكفالة
ولا يشترط كونه مسبوقاً بالنزاع، ويجوز إيقاعه على كلّ أمر وفي كلّ مقام إلّا إذا كان محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام، وقد مرّ المقصود بهما في المسألة (172) من كتاب التجارة.
مسألة 1205: الصلح عقد مستقلّ بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود وإن أفاد فائدتها، فيفيد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض، وفائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض، وفائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض، وفائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حقّ أو دين وهكذا، فعلى ذلك فلا يلحقه أحكام سائر العقود ولا يجري فيه شروطها وإن أفاد فائدتها، فما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه وشروطه، فلا يجري فيه الخيارات المختصّة بالبيع كخياري المجلس والحيوان، ولا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس إذا تعلّق بمعاوضة النقدين، وما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة وهكذا.
مسألة 1206: لمّا كان الصلح عقدا من العقود فإنّه يحتاج إلى الإيجاب والقبول مطلقاً حتّى فيما أفاد فائدة الإبراء وإسقاط الحقّ، فإبراء المديون من الدَّيْن وإسقاط الحقّ عمّن عليه الحقّ وإن لم يتوقّفا على قبول مَنْ عليه الدين أو الحقّ لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقّفا على القبول.
مسألة 1207: يتحقّق الصلح بكلّ ما يدلّ عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك، ولا تعتبر فيه صيغة خاصّة، نعم لفظ (صالحت) كالصريح في إفادة هذا المعنى من طرف الموجب فيقول مثلاً : (صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا أو على كذا) فيقول المتصالِح: (قبلت المصالحة).
مسألة 1208: عقد الصلح لازم في نفسه حتّى فيما إذا كان بلا عوض وكانت فائدته فائدة الهبة، ولا ينفسخ إلّا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ مَنْ جعل له حقّ الفسخ منهما في ضمن الصلح.
مسألة 1209: لا يجري خيار المجلس ولا خيار الحيوان في الصلح كما مرّ، ولا يجري خيار الغبن في الصلح الواقع في موارد قطع النزاع والخصومات، وجريانه في غيره محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وكذا لا يجري فيه خيار التأخير على النحو المتقدّم في البيع، نعم لو أخّر تسليم المصالح به عن الحدّ المتعارف أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة، وأمّا بقيّة الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضاً.
مسألة 1210: لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ، وأمّا أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب ففيه إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 1211: متعلّق الصلح إمّا عين أو منفعة أو دين أو حقّ، وعلى التقادير إمّا أن يكون مع العوض أو بدونه، وعلى الأوّل إمّا أن يكون العوض عيناً أو منفعة أو ديناً أو حقّاً، فهذه عشرون صورة كلّها صحيحة، فيصحّ الصلح عن عين بعين ومنفعة ودين وحقّ وبلا عوض وعن منفعة بمنفعة وعين ودين وحقّ وبلا عوض وهكذا.
مسألة 1212: إذا تعلّق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح، سواء أكان مع العوض أم بدونه، وكذا إذا تعلّق بدين للمصالح على ثالث أو حقّ قابل للانتقال كحقّي التحجير والاختصاص وحقّ الأولويّة لمن بيده الأرض الخراجيّة، وإذا تعلّق بدين على المتصالح أفاد سقوطه، وكذا الحال إذا تعلّق بحقّ قابل للإسقاط وغير قابل للنقل والانتقال كحقّ الشفعة ونحوه، وأمّا ما لا يقبل الانتقال ولا الإسقاط فلا يصحّ الصلح عليه.
مسألة 1213: يصحّ الصلح على مجرّد الانتفاع بعين، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدّة، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه، أو يجري ماءه على سطح داره، أو يكون ميزابه على عرصة داره، أو يكون له الممرّ والمخرج من داره أو بستانه، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه وغير ذلك، ولا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه.
مسألة 1214: يعتبر في المتصالحين: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة أن يتصرّف في ماله من الطرفين أن لا يكون محجوراً عليه من ذلك لسفه أو فلس.
مسألة 1215: يجري الفضوليّ في الصلح - كما يجري في البيع ونحوه - حتّى فيما إذا تعلّق بإسقاط دين أو حقّ وأفاد فائدة الإبراء والإسقاط اللَّـذَيْن لا تجري فيهما الفضوليّة.
مسألة 1216: يجوز الصلح على ثمار وخضر وزرع العام الواحد قبل ظهورها من دون ضميمة وإن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مرّ .
مسألة 1217: لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجيّ معيّن، ولا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذّراً وما إذا لم يكن متعذّراً.
مسألة 1218: لو علم المديون بمقدار الدين ولم يعلم به الدائن وصالحه بأقلّ ممّا يستحقّه لم تبرأ ذمّته عن المقدار الزائد، إلّا أن يعلم رضا الدائن بالمصالحة حتّى لو علم بمقدار الدين أيضاً، وهكذا لو لم يعلم بمقدار الدين تحديداً ولكنّه علم إجمالاً زيادته على المقدار المصالح به فإنّه لا تبرأ ذمّته عن المقدار الزائد إلّا في الحالة المذكورة، ويجري نظير هذا الكلام في العين أيضاً.
مسألة 1219: إذا كان شخصان لكلٍّ منهما مال في يد الآخر أو على ذمّته وعلمت زيادة أحدهما على الآخر، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما أيضاً، لأنّ حرمة الربا تعمّ الصلح على هذا النحو، وهكذا الحكم في صورة احتمال الزيادة وعدم العلم بها على الأحوط لزوماً، ويمكن الاستغناء عن الصلح على المبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما لصاحبه في الفرض الأوّل: (صالحتك على أن تهب لي ما في يدي وأهب لك ما في يدك) فيقبل الآخر، ويقول في الفرض الثاني: (صالحتك على أن تبرأني ممّا لك في ذمّتي وأبرأك ممّا لي في ذمّتك) فيقبل الآخر .
مسألة 1220: لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مرّ في المسألة السابقة، مثلاً : إذا كان أحد الدَّيْنَيْن الحالّين من الحنطة الجيّدة والآخر من الحنطة الرديئة وكانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما بالآخر، ومع فرض زيادة أحدهما - في المثال - لا تجوز المصالحة على المبادلة بينهما.
مسألة 1221: يصحّ الصلح في الدين المؤجّل بأقلّ منه إذا كان الغرض إبراء ذمّة المديون من بعض الدين وأخذ الباقي منه نقداً، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضّة أو غيرهما من المكيل أو الموزون، وأمّا في غير ذلك فيجوز الصلح والبيع بالأقلّ نقداً من المديون وغيره، وعليه فيجوز للدائن تنزيل (الكَمْبِيالة) في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر على ما مرّ في المسألة (234).
مسألة 1222: يجوز للمتنازعين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدّعى به أو بشيء آخر حتّى مع إنكار المدّعى عليه، ويسقط بهذا الصلح حقّ الدعوى، وكذا يسقط حقّ اليمين الذي كان للمدّعي على المنكر، فليس للمدّعي بعد ذلك تجديد المرافعة، ولكن هذا قطع للنزاع ظاهراً ولا يحلّ به لغير المحقّ ما يأخذه بالصلح، وذلك مثل ما إذا ادّعى شخص على آخر ديناً فأنكره ثُمَّ تصالحا على النصف فهذا الصلح وإن أثّر في سقوط الدعوى، ولكن المدّعي لو كان محقّاً فقد وصل إليه نصف حقّه ويبقى نصفه الآخر في ذمّة المنكر وإن لم يكن عليه إثم إن كان معذوراً في اعتقاده.
نعم لو فرض رضا المدّعي باطناً بالصلح عن جميع ماله في الواقع فقد سقط حقّه، ولو كان المدّعي مبطلاً في الواقع حرم عليه ما أخذه من المنكر إلّا مع فرض طيب نفسه واقعاً بأن يكون للمدّعي ما صالح به لا أنّه رضي به تخلّصاً من دعواه الكاذبة.
مسألة 1223: لو قال المدّعى عليه للمدّعي: (صالحني) لم يكن ذلك منه إقراراً بالحقّ، لما عرفت من أنّ الصلح يصحّ مع الإقرار والإنكار، وأمّا لو قال: (بعني) أو (مَلِّكْني) كان إقراراً.
مسألة 1224: يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن يكون لأحدهما رأس المال والربح للآخر والخسران عليه.
مسألة 1225: لو تصالح مع الراعيّ بأن يسلّم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلاً بإزاء لبنها واشترط عليه أن يعطي له مقداراً معيّناً من الدهن صحّت المصالحة، بل لو آجر نعاجه من الراعيّ سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض مقدار معيّن من الدهن غير المقيّد بالدهن المأخوذ منها صحّت الإجارة أيضاً.
مسألة 1226: إذا كان لواحدٍ ثوب اشتراه بعشرين درهماً ولآخر ثوب اشتراه بثلاثين واشتبها، ولم يميّز كلّ منهما ماله عن مال صاحبه، فإن خيّر أحدهما صاحبه فلا إشكال، فكلّ ما اختاره يحلّ له ويحلّ الآخر لصاحبه، وأمّا مع عدمه فإن توافقا على بيعهما بيعا وقسّم الثمن بينهما بنسبة رأس مالهما فيعطي صاحب العشرين في المثال سهمين من خمسة والآخر ثلاثة أسهم منها، ولو تعاسرا في البيع ولو من جهة كون مقصود أحدهما أو كليهما نفس المال لا ثمنه فلا بُدَّ من القرعة.
مسألة 1227: لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهةٍ خاصّةٍ ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهةٍ عامّةٍ في حياة المصالح أو بعد وفاته صحّ ولزم الوفاء بالشرط.
مسألة 1228: إذا كان شخصان لكلٍّ منهما مال فاختلطا ثُمَّ تلف البعض من المجموع، فإن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في الخليط حسب التالف عليهما بنسبة المالين، وإن لم يكن يوجب الشركة فيه - سواء أكانا مثليّين أو قيميّين - فإن تساوى المالان في المقدار حسب التالف عليهما وقسّم الباقي بينهما نصفين.
وأمّا مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال وقوع التلف ممّن ماله أقلّ ضعيفاً يوثق بخلافه حكم بوقوعه في مال الآخر، كما إذا كان المجموع عشرة آلاف درهم، لأحدهما درهم أو درهمان والبقيّة للآخر وكان التالف درهماً أو درهمين أيضاً فإنّ احتمال كون التالف ممّن ماله أقلّ واحد من عشرة آلاف أو خمسة آلاف وهو احتمال ضعيف لا يعبأ به العقلاء.
وأمّا إذا لم يكن كذلك فيحسب التالف عليهما بنسبة ماليهما، فلو كان المجموع عشرة لأحدهما درهم واحد وللآخر تسعة دراهم وكان التالف درهماً واحداً أُعطي لصاحب الواحد تسعة أعشار الدرهم ولصاحب التسعة ثمانية دراهم وعُشْر الدرهم، ولو كان التالف في المثال خمسة أعطى لصاحب الدرهم نصف درهم ولصاحب التسعة أربعة دراهم ونصف وهكذا.