الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الرهن ←
→ كتاب الدين والقرض » أحكام الدين
كتاب الدين والقرض » أحكام القرض
وهو : تمليك مال لآخر بالضمان في الذمّة بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً، ويقال: للمُمَلِّك (المقرض) وللمُتَمَلِّك (المقترض) و(المستقرض).
مسألة 1002: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة وتخفّ كراهته مع الحاجة وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول، والأحوط لزوماً لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقّب حصوله عدم الاستدانة إلّا عند الضرورة أو مع علم المستدان بحاله.
مسألة 1003: إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة سيّما لذوي الحاجة لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته، وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه)، وعن الصادق (عليه السلام): (أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة)، وعنه (عليه السلام) أنّه قال: (والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه)، وعنه (عليه السلام): (ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله إلّا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتّى يرجع ماله إليه).
مسألة 1004: حيث إنّ القرض عقد من العقود فإنّه يحتاج إلى إيجاب كقوله: (أقرضتك) وما يؤدّي معناه، وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب، ولا يعتبر في عقده العربيّة بل يقع بكلّ لغة، بل لا تعتبر الصيغة فيه فلو دفع مالاً إلى أحدٍ بقصد القرض وأخذه المدفوع إليه بهذا القصد صحّ قرضاً.
مسألة 1005: يعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر العقود الماليّة من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد، وكذا يعتبر عدم الحجر لفَلَس في المقرض.
مسألة 1006: يعتبر في القرض أن يكون المال عيناً، فلو كان ديناً أو منفعة لم يصحّ القرض، نعم يصحّ إقراض الكلّيّ في المعيّن كإقراض درهم من درهمين معيّنين، ولا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين المالين.
مسألة 1007: يعتبر في القرض أن يكون المال ممّا يصحّ تملّكه، فلا يصحّ إقراض الخمر والخنزير، ولا يعتبر فيه تعيين مقداره وأوصافه وخصوصيّاته التي تختلف الماليّة باختلافها إذا كان مثليّاً ولا قيمته إذا كان قيميّاً، نعم على المقترض تحصيل العلم بذلك مقدّمة لأدائه، وهذا أجنبيّ عن اعتباره في صحّة القرض.
مسألة 1008: يعتبر في القرض القبض، فلا يملك المستقرض المال المقترَض إلّا بعد قبضه، ولا يتوقّف على التصرّف.
مسألة 1009: القرض عقد لازم ليس للمقرض ولا المُقْتَرِض فسخه حتّى ترجع العين المقترضة إلى المقرض لو كانت موجودة، نعم للمقرض فيما إذا لم يكن القرض مؤجّلاً لمصلحة المقترض عدم إنظاره ومطالبته بالأداء ولو قبل قضاء وَطَره بل ولو قبل مضيّ زمان يمكن فيه ذلك، كما أنّ للمقترض فيما إذا لم يكن القرض مؤجّلاً لمصلحة المقرض أن يؤدّيه إليه وليس له حقّ الامتناع من قبوله.
مسألة 1010: لو كان المال المقترَض مثليّاً كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ونحوها ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض، ولو كان قيميّاً كالغنم ونحوها ثبت في ذمّته قيمته وقت التسليم إلى المقترض.
مسألة 1011: يحرم اشتراط الزيادة على المقترض بأن يقرضه مالاً على أن يؤدّيه بأزيد ممّا اقترضه، سـواء اشتــرطاه صــريحاً أو أضمــراه بحيــث وقع القــرض مبنيّاً عليــه - وتستثنى من ذلك موارد تقدّمت في المسألة (232) -، وهذا هو الربا القرضيّ المحرّم - الذي وعدنا ذكره في كتاب البيع - وحرمته تعمّ المعطي والآخذ.
مسألة 1012: إنَّ القرض لا يبطل باشتراط الزيادة، بل يبطل الشرط فقط، فيملك المقترض ما يأخذه قرضاً ولا يملك المقرض ما يأخذه من الزيادة، فلو أخذ الحنطة مثلاً بالقرض الربويّ فزرعها جاز له التصرّف في حاصله، وكذا الحال فيما إذا أخذ مالاً بالقرض الربويّ ثُمَّ اشترى بعينه شيئاً كالثوب، وأمّا لو اشترى المقرض شيئاً بعين الزيادة التي أخذها في القرض فلا يملكه ولم يجز له التصرّف فيه، نعم إذا كان المعطي راضياً بتصرّفه فيما أخذه من الزيادة حتّى لو فرض أنّه لم يكن بينهما معاملة ربويّة جاز له التصرّف فيه.
مسألة 1013: لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين أن تكون الزيادة عينيّة كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي اثني عشر، أو عملاً كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم فضّيّة مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة، كما لا فرق فيها بين أن تكون الزيادة راجعة إلى المقرض أو غيره، فلو قال: (أقرضتك ديناراً بشرط أن تهب زيداً أو تصرف في المسجد أو المأتم درهماً) لم يجز، وكذا إذا اشترط عليه أن يعمر المسجد أم يقيم المأتم أو نحو ذلك ممّا لوحظ فيه المال فإنّه حرام.
وأمّا اشتراط ما لم يلحظ فيه المال أو ما هو واجب على المقترض فلا بأس به مثل أن يقول: (أقرضتك بشرط أن تدعو لي أو تدعو لزيد أو تصلّي أو تصوم لنفسك، أو بشرط أن تؤدّي زكاتك أو دينك) ممّا كان مالاً لازم الأداء، فهذا كلّه جائز لأنّ المدار في المنع ما لوحظ فيه المال ولم يكن ثابتاً بغير القرض.
مسألة 1014: إذا أقرضه شيئاً وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته أو يؤاجره بأقلّ من أجرته كان داخلاً في شرط الزيادة فيحرم، وقد يتخلّص منه بأن يبيع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته أو يشتري منه شيئاً بأكثر من قيمته ويشترط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً، ولكن هذا محلّ إشكال فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.
مسألة 1015: إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، وأمّا بدونه فلا بأس بها، بل يستحبّ ذلك للمقترض، حيث أنّه من حسن القضاء وخير الناس أحسنهم قضاءً، بل يجوز ذلك - إعطاءاً وأخذاً - لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه، نعم يكره أخذه للمقرض خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحبّ له أنّه إذا أعطاه المقترض شيئاً بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره.
مسألة 1016: إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، وأمّا إذا شرطها للمقترض فلا بأس به، كما إذا أقرضه عشرة دنانير على أن يؤدّي تسعة دنانير، كما لا بأس أن يشترط المقترض على المقرض شيئاً لنفسه.
مسألة 1017: يجوز دفع النقد قرضاً إلى تاجر في بلد ليحوّله إلى صاحبه في بلد آخر بأقلّ ممّا دفعه.
مسألة 1018: لا يجوز دفع مال إلى أحد في بلد لأخذ أزيد منه في بلد آخر إذا كان المدفوع ممّا يباع بالكيل أو الوزن كالحنطة والذهب والفضّة لأنّه من الربا، ولو أعطى الدافع متاعاً أو قام بعمل بإزاء الزيادة جاز، ولا يجوز أخذ الزيادة في المعدود - كالأوراق النقديّة - قرضاً، ويجوز ذلك بيعاً إلّا في البيع نسيئة مع الاتّحاد في الجنس فإنّ الأحوط لزوماً تركه كما مرّ في محلّه.
مسألة 1019: المال المقترض إن كان مثليّاً كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء أبقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أم تَرقّى أم تَنزّل.
وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به وليس له الامتناع ولو ترقّىٰ سعره عمّا أخذه بكثير، كما أنّ المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع ولو تنزّل بكثير .
ويمكن أن يؤدّى بالقيمة أو بغير جنسه بأن يعطي بدل الدراهم دنانير مثلاً أو بالعكس، ولكن هذا النحو من الأداء يتوقّف على التراضي، فلو أعطى بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها ولو تساويا في القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلى، كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع وإن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أقلّ قيمة.
هذا إذا كان المال المقترض مثليّاً، وأمّا إذا كان قيميّاً فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّة المقترض بالقيمة، وإنّما تكون بالنقود الرائجة، فأداؤه الذي لا يتوقّف على التراضي يكون بإعطائها، ويمكن أن يؤدّى بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنّه يتوقّف على التراضي.
ولو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك جاز الامتناع للآخر .
مسألة 1020: يجوز في قرض المثليّ أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّيه من غير جنسه، بأن يؤدّي عوض الدراهم مثلاً دنانير وبالعكس، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة عند الأداء أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترضه.
مسألة 1021: لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به وكان كسائر الديون المؤجّلة وقد مرّ حكمها في المسألة (985).
مسألة 1022: لو اشترط في القرض أداؤه في مكان معيّن صحّ ولزم العمل به، فلو طالب المقرض به في غير ذلك المكان لم يلزم على المقترض القبول، كما أنّه لو أدّاه المقترض في غيره لم يلزم على المقرض القبول، هذا إذا كان الشرط حقّاً لهما معاً، أو لأحدهما ولم يسقطه وأمّا إذا أسقطه كان كأن لم يشترط، وسيأتي حكمه.
مسألة 1023: في حكم الاشتراط وجود قرينة حاليّة أو مقاليّة على تعيين مكان التسليم كبلد القرض أو غيره، ومع فقدها فإن وجدت قرينة صارفة عن بعض الأمكنة بالخصوص - ولو كانت هي لزوم الضرر والاحتياج إلى المؤونة في الحمل إليه - كان ذلك في حكم تعيين غيره ولو إجمالاً، وحينئذٍ يجب الأداء على المقترض لو طالبه المقرض في أيّ مكان غيره ويجب القبول على المقرض لو أدّاه المقترض في أيّ مكان كذلك، وإن كان الأحوط استحباباً لهما التراضي.
مسألة 1024: يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل، وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع المالي للمقرض ولو كان مصلحة له.
مسألة 1025: إذا اقترض دنانير ذهبيّة مثلاً ثُمَّ أسقطتها الحكومة عن الاعتبار وجاءت بنقد آخر غيرها كانت عليه الدنانير الأُولى، ولو اقترض شيئاً من الأوراق النقديّة المسماة بـ (إسكناس) ثُمَّ أسقط عن الاعتبار لم تفرغ ذمّة المقترض بأدائه بل عليه أداء قيمته قبل زمن الإسقاط، ولو تنزّلت قيمته إلى حدٍّ كبير بسبب التضخّم ونحوه فالأحوط لزوماً المصالحة بشأن أدائه.
مسألة 1026: إذا أخذ الربا في القرض وكان جاهلاً - سواء أكان جهله بالحكم أم بالموضوع - ثُمَّ علم بالحال فإن تاب حلّ له ما أخذه حال الجهل وعليه أن يتركه فيما بعد، ولا فرق في ذلك بين كون الطرف الآخر عالماً بالحال وجاهلاً به.
مسألة 1027: إذا ورث مالاً فيه الربا، فإن كان مخلوطاً بالمال الحلال فليس عليه شـيء، وإن كان معلوماً ومعروفاً وعرف صاحبه ردّه إليه، وإن لم يعرف عامله معاملة المال المجهول مالكه.
كتاب الرهن ←
→ كتاب الدين والقرض » أحكام الدين
مسألة 1002: يكره الاقتراض مع عدم الحاجة وتخفّ كراهته مع الحاجة وكلّما خفّت الحاجة اشتدّت الكراهة، وكلّما اشتدّت خفّت إلى أن تزول، والأحوط لزوماً لمن لم يكن عنده ما يوفي به دينه ولم يترقّب حصوله عدم الاستدانة إلّا عند الضرورة أو مع علم المستدان بحاله.
مسألة 1003: إقراض المؤمن من المستحبّات الأكيدة سيّما لذوي الحاجة لما فيه من قضاء حاجته وكشف كربته، وعن النبيّ (صلّى الله عليه وآله): (من أقرض مؤمناً قرضاً ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتّى يؤدّيه)، وعن الصادق (عليه السلام): (أيّما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر يسّر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة)، وعنه (عليه السلام) أنّه قال: (والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه)، وعنه (عليه السلام): (ما من مؤمن أقرض مؤمناً يلتمس به وجه الله إلّا حسب الله له أجره بحساب الصدقة حتّى يرجع ماله إليه).
مسألة 1004: حيث إنّ القرض عقد من العقود فإنّه يحتاج إلى إيجاب كقوله: (أقرضتك) وما يؤدّي معناه، وقبول دالّ على الرضا بالإيجاب، ولا يعتبر في عقده العربيّة بل يقع بكلّ لغة، بل لا تعتبر الصيغة فيه فلو دفع مالاً إلى أحدٍ بقصد القرض وأخذه المدفوع إليه بهذا القصد صحّ قرضاً.
مسألة 1005: يعتبر في المقرض والمقترض ما يعتبر في المتعاقدين في سائر العقود الماليّة من البلوغ والعقل والقصد والاختيار والرشد، وكذا يعتبر عدم الحجر لفَلَس في المقرض.
مسألة 1006: يعتبر في القرض أن يكون المال عيناً، فلو كان ديناً أو منفعة لم يصحّ القرض، نعم يصحّ إقراض الكلّيّ في المعيّن كإقراض درهم من درهمين معيّنين، ولا يصحّ إقراض المبهم كأحد هذين المالين.
مسألة 1007: يعتبر في القرض أن يكون المال ممّا يصحّ تملّكه، فلا يصحّ إقراض الخمر والخنزير، ولا يعتبر فيه تعيين مقداره وأوصافه وخصوصيّاته التي تختلف الماليّة باختلافها إذا كان مثليّاً ولا قيمته إذا كان قيميّاً، نعم على المقترض تحصيل العلم بذلك مقدّمة لأدائه، وهذا أجنبيّ عن اعتباره في صحّة القرض.
مسألة 1008: يعتبر في القرض القبض، فلا يملك المستقرض المال المقترَض إلّا بعد قبضه، ولا يتوقّف على التصرّف.
مسألة 1009: القرض عقد لازم ليس للمقرض ولا المُقْتَرِض فسخه حتّى ترجع العين المقترضة إلى المقرض لو كانت موجودة، نعم للمقرض فيما إذا لم يكن القرض مؤجّلاً لمصلحة المقترض عدم إنظاره ومطالبته بالأداء ولو قبل قضاء وَطَره بل ولو قبل مضيّ زمان يمكن فيه ذلك، كما أنّ للمقترض فيما إذا لم يكن القرض مؤجّلاً لمصلحة المقرض أن يؤدّيه إليه وليس له حقّ الامتناع من قبوله.
مسألة 1010: لو كان المال المقترَض مثليّاً كالحنطة والشعير والذهب والفضّة ونحوها ثبت في ذمّة المقترض مثل ما اقترض، ولو كان قيميّاً كالغنم ونحوها ثبت في ذمّته قيمته وقت التسليم إلى المقترض.
مسألة 1011: يحرم اشتراط الزيادة على المقترض بأن يقرضه مالاً على أن يؤدّيه بأزيد ممّا اقترضه، سـواء اشتــرطاه صــريحاً أو أضمــراه بحيــث وقع القــرض مبنيّاً عليــه - وتستثنى من ذلك موارد تقدّمت في المسألة (232) -، وهذا هو الربا القرضيّ المحرّم - الذي وعدنا ذكره في كتاب البيع - وحرمته تعمّ المعطي والآخذ.
مسألة 1012: إنَّ القرض لا يبطل باشتراط الزيادة، بل يبطل الشرط فقط، فيملك المقترض ما يأخذه قرضاً ولا يملك المقرض ما يأخذه من الزيادة، فلو أخذ الحنطة مثلاً بالقرض الربويّ فزرعها جاز له التصرّف في حاصله، وكذا الحال فيما إذا أخذ مالاً بالقرض الربويّ ثُمَّ اشترى بعينه شيئاً كالثوب، وأمّا لو اشترى المقرض شيئاً بعين الزيادة التي أخذها في القرض فلا يملكه ولم يجز له التصرّف فيه، نعم إذا كان المعطي راضياً بتصرّفه فيما أخذه من الزيادة حتّى لو فرض أنّه لم يكن بينهما معاملة ربويّة جاز له التصرّف فيه.
مسألة 1013: لا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين أن تكون الزيادة عينيّة كما إذا أقرضه عشرة دراهم على أن يؤدّي اثني عشر، أو عملاً كخياطة ثوب له، أو منفعة أو انتفاعاً كالانتفاع بالعين المرهونة عنده، أو صفة مثل أن يقرضه دراهم فضّيّة مكسورة على أن يؤدّيها صحيحة، كما لا فرق فيها بين أن تكون الزيادة راجعة إلى المقرض أو غيره، فلو قال: (أقرضتك ديناراً بشرط أن تهب زيداً أو تصرف في المسجد أو المأتم درهماً) لم يجز، وكذا إذا اشترط عليه أن يعمر المسجد أم يقيم المأتم أو نحو ذلك ممّا لوحظ فيه المال فإنّه حرام.
وأمّا اشتراط ما لم يلحظ فيه المال أو ما هو واجب على المقترض فلا بأس به مثل أن يقول: (أقرضتك بشرط أن تدعو لي أو تدعو لزيد أو تصلّي أو تصوم لنفسك، أو بشرط أن تؤدّي زكاتك أو دينك) ممّا كان مالاً لازم الأداء، فهذا كلّه جائز لأنّ المدار في المنع ما لوحظ فيه المال ولم يكن ثابتاً بغير القرض.
مسألة 1014: إذا أقرضه شيئاً وشرط عليه أن يبيع منه شيئاً بأقلّ من قيمته أو يؤاجره بأقلّ من أجرته كان داخلاً في شرط الزيادة فيحرم، وقد يتخلّص منه بأن يبيع المقترض من المقرض مالاً بأقلّ من قيمته أو يشتري منه شيئاً بأكثر من قيمته ويشترط عليه أن يقرضه مبلغاً معيّناً، ولكن هذا محلّ إشكال فلا يترك الاحتياط بالاجتناب عنه.
مسألة 1015: إنّما تحرم الزيادة مع الشرط، وأمّا بدونه فلا بأس بها، بل يستحبّ ذلك للمقترض، حيث أنّه من حسن القضاء وخير الناس أحسنهم قضاءً، بل يجوز ذلك - إعطاءاً وأخذاً - لو كان الإعطاء لأجل أن يراه المقرض حسن القضاء فيقرضه كلّما احتاج إلى الاقتراض، أو كان الإقراض لأجل أن ينتفع من المقترض لكونه حسن القضاء ويكافئ من أحسن إليه بأحسن الجزاء بحيث لولا ذلك لم يقرضه، نعم يكره أخذه للمقرض خصوصاً إذا كان إقراضه لأجل ذلك، بل يستحبّ له أنّه إذا أعطاه المقترض شيئاً بعنوان الهديّة ونحوها يحسبه عوض طلبه بمعنى أنّه يسقط منه بمقداره.
مسألة 1016: إنّما يحرم شرط الزيادة للمقرض على المقترض، وأمّا إذا شرطها للمقترض فلا بأس به، كما إذا أقرضه عشرة دنانير على أن يؤدّي تسعة دنانير، كما لا بأس أن يشترط المقترض على المقرض شيئاً لنفسه.
مسألة 1017: يجوز دفع النقد قرضاً إلى تاجر في بلد ليحوّله إلى صاحبه في بلد آخر بأقلّ ممّا دفعه.
مسألة 1018: لا يجوز دفع مال إلى أحد في بلد لأخذ أزيد منه في بلد آخر إذا كان المدفوع ممّا يباع بالكيل أو الوزن كالحنطة والذهب والفضّة لأنّه من الربا، ولو أعطى الدافع متاعاً أو قام بعمل بإزاء الزيادة جاز، ولا يجوز أخذ الزيادة في المعدود - كالأوراق النقديّة - قرضاً، ويجوز ذلك بيعاً إلّا في البيع نسيئة مع الاتّحاد في الجنس فإنّ الأحوط لزوماً تركه كما مرّ في محلّه.
مسألة 1019: المال المقترض إن كان مثليّاً كالدراهم والدنانير والحنطة والشعير كان وفاؤه وأداؤه بإعطاء ما يماثله في الصفات من جنسه، سواء أبقي على سعره الذي كان له وقت الاقتراض أم تَرقّى أم تَنزّل.
وهذا هو الوفاء الذي لا يتوقّف على التراضي، فللمقرض أن يطالب المقترض به وليس له الامتناع ولو ترقّىٰ سعره عمّا أخذه بكثير، كما أنّ المقترض لو أعطاه للمقرض ليس له الامتناع ولو تنزّل بكثير .
ويمكن أن يؤدّى بالقيمة أو بغير جنسه بأن يعطي بدل الدراهم دنانير مثلاً أو بالعكس، ولكن هذا النحو من الأداء يتوقّف على التراضي، فلو أعطى بدل الدراهم دنانير فللمقرض الامتناع من أخذها ولو تساويا في القيمة، بل ولو كانت الدنانير أغلى، كما أنّه لو أراده المقرض كان للمقترض الامتناع وإن تساويا في القيمة أو كانت الدنانير أقلّ قيمة.
هذا إذا كان المال المقترض مثليّاً، وأمّا إذا كان قيميّاً فقد مرّ أنّه تشتغل ذمّة المقترض بالقيمة، وإنّما تكون بالنقود الرائجة، فأداؤه الذي لا يتوقّف على التراضي يكون بإعطائها، ويمكن أن يؤدّى بجنس آخر من غير النقود بالقيمة لكنّه يتوقّف على التراضي.
ولو كانت العين المقترضة موجودة فأراد المقرض أداء الدين بإعطائها أو أراد المقترض ذلك جاز الامتناع للآخر .
مسألة 1020: يجوز في قرض المثليّ أن يشترط المقرض على المقترض أن يؤدّيه من غير جنسه، بأن يؤدّي عوض الدراهم مثلاً دنانير وبالعكس، ويلزم عليه ذلك بشرط أن يكونا متساويين في القيمة عند الأداء أو كان ما شرط عليه أقلّ قيمة ممّا اقترضه.
مسألة 1021: لو شرط التأجيل في القرض صحّ ولزم العمل به وكان كسائر الديون المؤجّلة وقد مرّ حكمها في المسألة (985).
مسألة 1022: لو اشترط في القرض أداؤه في مكان معيّن صحّ ولزم العمل به، فلو طالب المقرض به في غير ذلك المكان لم يلزم على المقترض القبول، كما أنّه لو أدّاه المقترض في غيره لم يلزم على المقرض القبول، هذا إذا كان الشرط حقّاً لهما معاً، أو لأحدهما ولم يسقطه وأمّا إذا أسقطه كان كأن لم يشترط، وسيأتي حكمه.
مسألة 1023: في حكم الاشتراط وجود قرينة حاليّة أو مقاليّة على تعيين مكان التسليم كبلد القرض أو غيره، ومع فقدها فإن وجدت قرينة صارفة عن بعض الأمكنة بالخصوص - ولو كانت هي لزوم الضرر والاحتياج إلى المؤونة في الحمل إليه - كان ذلك في حكم تعيين غيره ولو إجمالاً، وحينئذٍ يجب الأداء على المقترض لو طالبه المقرض في أيّ مكان غيره ويجب القبول على المقرض لو أدّاه المقترض في أيّ مكان كذلك، وإن كان الأحوط استحباباً لهما التراضي.
مسألة 1024: يجوز أن يشترط في القرض إعطاء الرهن أو الضامن أو الكفيل، وكلّ شرط سائغ لا يكون فيه النفع المالي للمقرض ولو كان مصلحة له.
مسألة 1025: إذا اقترض دنانير ذهبيّة مثلاً ثُمَّ أسقطتها الحكومة عن الاعتبار وجاءت بنقد آخر غيرها كانت عليه الدنانير الأُولى، ولو اقترض شيئاً من الأوراق النقديّة المسماة بـ (إسكناس) ثُمَّ أسقط عن الاعتبار لم تفرغ ذمّة المقترض بأدائه بل عليه أداء قيمته قبل زمن الإسقاط، ولو تنزّلت قيمته إلى حدٍّ كبير بسبب التضخّم ونحوه فالأحوط لزوماً المصالحة بشأن أدائه.
مسألة 1026: إذا أخذ الربا في القرض وكان جاهلاً - سواء أكان جهله بالحكم أم بالموضوع - ثُمَّ علم بالحال فإن تاب حلّ له ما أخذه حال الجهل وعليه أن يتركه فيما بعد، ولا فرق في ذلك بين كون الطرف الآخر عالماً بالحال وجاهلاً به.
مسألة 1027: إذا ورث مالاً فيه الربا، فإن كان مخلوطاً بالمال الحلال فليس عليه شـيء، وإن كان معلوماً ومعروفاً وعرف صاحبه ردّه إليه، وإن لم يعرف عامله معاملة المال المجهول مالكه.