الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الدين والقرض ←
→ كتاب إحياء الموات
كتاب المشتركات
المراد بالمشتركات: الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والرُّبُط وكذا المياه والمعادن على ما سيأتي.
مسألة 936: الطريق على قسمين: نافذ وغير نافذ، أمّا الأوّل: فهو الطريق المسمّى بالشارع العامّ والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرّف لأحد في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو شقّ نهر أو نصب دكّة أو غرس أشجار ونحو ذلك وإن لم يكن مضرّاً بالمستطرقين، نعم لا بأس بما يُعدَّ من مكمّلاته ومحسّناته ومنها أن يشقّ فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها، ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال والنفايات، ومنها غرس الأشجار ونصب المِظَلّات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر، فإنّ هذا كلّه ممّا لا بأس به إذا لم يكن مضرّاً بالمستطرقين.
مسألة 937: يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع العامّة بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضرّاً بالمستطرقين بوجه، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابلة، وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث كان مانعاً عن إحداث جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره، نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال فلا يترك الاحتياط بتركه، وإن قيل بجواز مثله في تعلية البناء في ملكه.
مسألة 938: لو أحدث جناحاً على الشارع العامّ ثُمَّ انهدم أو هُدِمَ فإن كان من قصده تجديده ثانياً لم يجز للطرف الآخر إشغال ذلك الفضاء، وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.
مسألة 939: لو أحدث شخص جناحاً على الطريق العامّ جاز للطرف المقابل أيضاً إحداث جناح آخر في طرفه، سواء أكان أعلى من الجناح الأوّل أو أدنى منه أو موازياً له، بشرط أن لا يكون مانعاً بوجهٍ من استفادة الأوّل من جناحه كما هو الحال في الشوارع الوسيعة جدّاً.
ولا يجوز له ذلك إذا كان مانعاً منها ولو بلحاظ إشغال الفضاء الذي يحتاج إليه صاحب الجناح الأوّل بحسب العادة.
مسألة 940: كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها سواء أكانت له باب أُخرى أم لا، وكذا فتح الشبابيك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّاً بالمارّة ولو من جهة الظَّلام، وإذا فرض أنّه كما يضرّهم من جهةٍ ينفعهم من جهةٍ كالوقاية من الحرّ والبرد فلا بُدَّ من مراجعة وليّ الأمر ليوازن بين الجهتين ويراعي ما هو الأصلح، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادّة مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه بحيث يُؤمَنُ من الثقب والخسف والانهدام.
مسألة 941: الطريق غير النافذ: الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو أرض مباحة لكونه محاطاً بالدور من جوانبه الثلاثة وهو المسمّى بـ (السكّة المرفوعة) و(الدريبة) عائد لمستطرقيه وهم أرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون كلّ من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم في حقّ الاستطراق بمقدار ما يشتركون في استطراقه، فيكون أوّله مشتركاً بين جميعهم ويقلّ عدد الشركاء كلّما قرب إلى آخره وربّما ينحصر ذو الحقّ في واحد، وهو فيما إذا اختصّ آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه.
هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص أو عائدة للجميع على وجه التساوي أو التفاضل وإلّا ترتّبت أحكامه.
مسألة 942: لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أدخل من الباب الأوّل سواء مع سدّ الباب الأوّل أم بدونه، إلّا مع الاستئذان في ذلك ممّن له حقّ الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور .
مسألة 943: لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو نقب سرداب أو غير ذلك من التصرّفات فيها إلّا بإذن أربابها، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلّا بإذنهم، نعم له فتح ثقبة وشبّاك إليها، وأمّا فتح باب لا للاستطراق بل لمجرّد التهوية أو الاستضاءة فلا يخلو عن إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 944: يجوز لكلٍّ من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها من غير مزاحمة المستطرقين، وكذا التردّد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكلّ ما يتعلّق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء وإن كان فيهم القُصَّر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
مسألة 945: يجوز لكلّ أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامّة كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك ما لم يكن مزاحماً للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه.
مسألة 946: إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثُمَّ قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع جلوسه، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنّه لا ينوي العود كان الحال كذلك وليس للأوّل منعه، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناوياً للعود فعندئذٍ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته وإشغال ذلك الموضع وإلّا فالأحوط لزوماً تركه فيما إذا كان في اليوم نفسه، وأمّا إذا كان في يوم آخر فلا بأس به.
مسألة 947: كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه كذلك لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه.
مسألة 948: يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية أو نحوهما، وليس له بناء دكّة ونحوها فيه.
مسألة 949: يتحقّق الشارع العامّ بأُمور :
الأوّل: كثرة الاستطراق والتردّد ومرور القوافل في الأرض الموات.
الثاني: جعل الإنسان ملكه شارعاً وتسبيله تسبيلاً دائميّاً لسلوك عامّة الناس؛ فإنّه يصير طريقاً وليس للمسبّل الرجوع بعد ذلك.
الثالث: قيام شخص أو جهة بتخطيط طريق في الأرض الموات وتعبيده وجعله طريقاً لسلوك عامّة الناس.
الرابع: إحياء جماعة أرضاً مواتاً وتركهم طريقاً نافذاً بين الدور والمساكن.
مسألة 950: لو كان الشارع العامّ واقعاً بين الأملاك فلا حدّ له، كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقلّ أو أكثر واستطرقها الناس حتّى أصبحت جادّة فلا يجب على المُلّاك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة.
وكذا الحال فيما لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره مقداراً لعبور الناس.
مسألة 951: إذا كان الشارع العامّ محدوداً بالموات من أحد طرفيه أو كليهما وكان عرضه أقلّ من خمسة أذرع لم يجز إحياء الأراضي المتّصلة به بحيث يبقى ضيّقاً على حاله، بل لا بُدَّ من مراعاة أن لا يقلّ الفاصل المشتمل عليه عن خمسة أذرع، والأفضل أن لا يقلّ عن سبعة أذرع، فلو أقدم أحد على إحياء حريمه متجاوزاً على الحدّ المذكور لزم هدم المقدار الزائد.
هذا إذا لم يلزم وليّ الأمر حسب ما يراه من المصلحة أن يكون الفاصل أزيد من خمسة أذرع وإلّا وجب اتّباع أمره ولا يجوز التجاوز على الحدّ الذي يعيّنه.
مسألة 952: إذا انقطعت المارّة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه جاز لكلّ أحد إحياؤه، سواء أكان ذلك لعدم وجودهم أو لمنع قاهر إيّاهم أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره أو لغيرها من الأسباب.
هذا إذا لم يكن مسبّلاً وإلّا فلا يجوز إحياؤه من دون مراجعة وليّ الأمر على الأحوط لزوماً.
مسألة 953: إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبّلاً لم يجز لأحدٍ اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقاً، وأمّا إذا كان غير مسبّل فإن كان الزائد مورداً لاستفادة المستطرقين ولو في بعض الأحيان والحالات لم يجز ذلك أيضاً وإلّا ففي جوازه إشكال والأحوط لزوماً العدم.
مسألة 954: يجوز لكلّ مسلم أن يتعبّد ويصلّي في المسجد وينتفع منه بسائر الانتفاعات إلّا بما لا يناسبه، وجميع المسلمين في ذلك شرع سواء، ولو سبق واحد إلى مكان منه للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة كالدعاء وقراءة القرآن والتدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو إزاحة رحله عنه ومنعه من الانتفاع به، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه، نعم يحتمل عند التزاحم تقدّم الطواف على غيره في المطاف والصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك.
مسألة 955: من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفرداً فليس لمريد الصلاة فيه جماعةً منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذٍ أن يخلي المكان للجامع إذا وجد مكاناً آخر فارغاً لصلاته ولا يكون منّاعاً للخير .
مسألة 956: إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه جاز لغيره أن يأخذ مكانه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره فليس له منعه وإزعاجه، وأمّا إذا كان ناوياً للعود فإن بقي رحله فيه لم يجز إزاحته وأخذ مكانه وإن لم يبق ففي جواز أخذ مكانه إشكال والأحوط لزوماً تركه، ولا سيّما فيما إذا كان خروجه لضرورة كتجديد الطهارة أو نحوه، ولكن لو أقدم على أخذه لم يجز للأوّل إزاحته عنه عند العود.
مسألة 957: العبرة في عدم جواز المزاحمة والإزعاج بصدق السبق إلى المكان عرفاً، ويصدق بفرش سجّادة الصلاة ونحوها ممّا يَشْغُلُ مقدار مكان الصلاة أو معظمه بل يصدق بمثل وضع الخمرة أو السبحة أو المشط أو السواك ونحوها أيضاً.
مسألة 958: إذا كان بين حجزه مكاناً في المسجد وبين مجيئه للاستفادة منه طول زمانٍ - بحيث استلزم تعطيل المكان - جاز لغيره إشغاله قبل مجيئه ورفع ما وضعه فيه والاستفادة من مكانه إذا كان قد شغل المحلّ بحيث لا يمكن الاستفادة منه إلّا برفعه، ولا يضمنه الرافع حينئذٍ بل يكون أمانة في يده إلى أن يوصله إلى صاحبه، وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء حاجة له فيه.
مسألة 959: المشاهد المشرّفة كالمساجد فيما ذكر من الأحكام، ويحتمل فيما هو من قبيل المزار منها تقدّم الزيارة وصلاتها على غيرهما من الأغراض الراجحة عند التزاحم فلا ينبغي ترك مقتضى الاحتياط في مثله.
مسألة 960: جواز السكن في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان لكيفيّة وقف الواقف، فإذا خصّها الواقف بطائفة خاصّة - كأهالي البلد أو الأجانب - أو بصنف خاصّ - كطالبي العلوم الشرعيّة أو خصوص الفقه أو الكلام مثلاً - فلا يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها، كما لا يجوز لهؤلاء الاستقلال في حيازة غرفة منها من دون الاستئذان من المتولّي إلّا إذا كان ذلك مقتضى وقفيّتها، وحينئذٍ إذا سبق أحد إلى غرفة منها وسكنها فهو أحقّ بها بمعنى أنّه لا يجوز لغيره أن يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت المدّة، إلّا إذا اشترط الواقف مدّة خاصّة كخمس سنين مثلاً، فعندئذٍ يلزمه الخروج بعد انقضاء تلك المدّة بلا مهلة.
مسألة 961: إذا اشترط الواقف اتّصاف ساكنها بصفة خاصّة - كأن لا يكون معيلاً أو يكون مشغولاً بالتدريس أو بالتحصيل أو بالمطالعة أو التصنيف - فإذا زالت عنه تلك الصفة لزمه الخروج منها، والضابط أنّ جواز السكنى - حدوثاً وبقاءً - تابع لوقف الواقف بتمام شرائطه، فلا يجوز السكنى لفاقدها حدوثاً أو بقاءً.
مسألة 962: لا يبطل حقّ السكنى لساكنها بالخروج لحوائجه اليوميّة من المأكول والمشروب والمَلْبَس وما شاكل ذلك وإن لم يترك فيها رحلاً، كما لا يبطل بالخروج منها للسفر يوماً أو يومين أو أكثر، وكذلك الأسفار المتعارفة التي تشغل مدّة من الزمن كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى الحجّ أو الزيارة أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نيّة العود وبقاء رحله ومتاعه، فلا بأس بها ما لم تناف شرط الواقف، نعم لا بُدَّ من صدق عنوان ساكن المدرسة عليه، فإن كانت المدّة طويلة بحيث توجب عدم صدق العنوان عليه بطل حقّه.
مسألة 963: إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل خاصّة أو في جميع الليالي فبات ساكنها في مكان آخر بطل حقّه.
مسألة 964: لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته إلّا إذا كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليّتها معدّة لسكنى طالب واحد.
مسألة 965: الرُّبُط وهي المساكن المعدّة لسكنى الفقراء أو الغرباء كالمدارس في جميع ما ذُكر .
مسألة 966: مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما شاكلهما، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج وكذا العيون المتفجّرة من الجبال أو في أراضي الموات ونحوها تعدّ من الأنفال - أي أنّها مملوكة للإمام (عليه السلام) - ولكن من حاز منها شيئاً بآنية أو حوض أو غيرهما وقصد تملّكه ملكه، من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر .
مسألة 967: كلّ ماء من مطر أو غيره لو اجتمع بنفسه في مكان بلا يد خارجيّة عليه فهو من المباحات الأصليّة، فمن حازه بإناء أو غيره وقصد تملّكه ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك.
مسألة 968: مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا بنفسها ملك للحافر، فلا يجوز لأحد التصرّف فيها بدون إذن مالكها.
مسألة 969: إذا شقّ نهراً من بعض الأنهار الكبار سواء أكان بشقّه في أرض مملوكة له أو بشقّه في الموات بقصد إحيائه نهراً ملك ما يدخل فيه من الماء إذا قصد تملّكه.
مسألة 970: إذا كان النهر لأشخاص متعدّدين ملك كلّ منهم بمقدار حصّته من النهر، فإن كانت حصّة كلٍّ منهم من النهر بالسويّة اشتركوا في الماء بالسويّة وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تَتْبَعُ نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
مسألة 971: الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكلّ واحد من الشركاء التصرّف فيه بدون إذن الباقين.
وعليه فإن أباح كلّ منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كلّ وقت وزمان وبأيّ مقدار شاء جاز له ذلك.
مسألة 972: إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة بالأيّام أو الساعات فهو، وإلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء، بأن توضع في فم النهر حديدة مثلاً ذات ثقوب متعدّدة متساوية ويجعل لكلٍّ منهم من الثقوب بمقدار حصّته، ويوصل كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به إلى ساقيته، فإن كانت حصّة أحدهم سدساً والآخر ثلثاً والثالث نصفاً، فلصاحب السدس ثقب واحد ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع ستّة.
مسألة 973: القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها، وهي قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها.
وأمّا القسمة بالمهاياة والتناوب فهي ليست بلازمة، فيجوز لكلٍّ منهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته، وإن ضمن المستوفي حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل.
مسألة 974: إذا اجتمعت أملاك على ماء عين أو واد أو نهر أو نحو ذلك من المشتركات كان للجميع حقّ السقي منه، وليس لأحد منهم إحداث سدّ فوقها ليقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين.
وعندئذٍ فإن كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلّا قدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن كان وعُلِمَ السابق، وإلّا قدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع فهو وإلّا قدّم الأسبق فالأسبق - أي: من كان شقّ نهره أسبق من شقّ نهر الآخر - إن كان هناك سابق ولاحق وعُلِمَ، وإلّا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثُمَّ ما يليه وهكذا.
مسألة 975: تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة ملكهم إذا كانوا مُقْدِمين على ذلك باختيارهم، وأمّا إذا لم يُقْدِم على ذلك إلّا البعض لم يجبر الممتنع، كما أنّّه لا يجوز التصرّف فيه لغيره إلّا بإذنه، وإذا أذن لهم بالتصرّف فليس لهم مطالبته بحصّته من المؤونة إلّا إذا كان إقدامهم بطلبه وتعهّده ببذل حصّته.
مسألة 976: إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر إمّا لعدم قدرته بدونه أو لغير ذلك، وجب على وليّ القاصر - مراعاةً لمصلحته - إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما وبذل المؤونة من مال القاصر بمقدار حصّته.
مسألة 977: ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلّا بإذن صاحب الرَّحىٰ المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرَّحىٰ أيضاً من الأشجار المغروسة على حافتيه وغيرها.
مسألة 978: ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي مواشيه إلّا أن يكون المرعى ملكاً له فيجوز له أن يحميه حينئذٍ، نعم لوليّ الأمر أن يحمي المراعي العامّة ويمنع من الرعي فيها حسب ما تقتضيه المصلحة.
مسألة 979: المعادن من الأنفال وهي على نوعين:
الأوّل: المعادن الظاهرة، وهي الموجودة على سطح الأرض كبعض معادن الملح والقير والكبريت والنفط ونحوها.
الثاني: المعادن الباطنة، وهي الموجودة في باطن الأرض ممّا يتوقّف استخراجها على الحفر وذلك كغالب معادن الذهب والفضّة.
أمّا الأُولى: فمن حاز منها شيئاً ملكه قليلاً كان أو كثيراً، ويبقى الباقي على حاله.
وأمّا الثانية: فهي تُمْلَك بالاستخراج على تفصيل تقدّم في المسألة (1194) من كتاب الخمس، وأمّا إذا حفر ولم يبلغ نيلها فهو يفيد فائدة التحجير .
مسألة 980: من يجوز له استخراج معدن إذا تصرّف في الأرض بإيجاد بعض مقدّماته ثُمَّ أهمله وعطّله أجبره الحاكم الشرعيّ أو وكيله على إتمام العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذراً أمهله إلى أن يزول عذره ثُمَّ يلزمه أحد الأمرين.
مسألة 981: المعادن الباطنة لا تُمْلَك بإحياء الأرض سواء أكانت قريبة من السطح أم كانت بعيدة عنه في الأعماق كمعظم معادن النفط المحتاجة إلى حفرٍ زائد للوصول إليها أو ما شاكلها، فهي على التقديرين لا تَتْبَع الأرض ولا تُمْلَك بإحيائها.
مسألة 982: لو حفر أرض المعدن وقال لغيره: (استخرجه منه ولك نصف الخارج) فإن كان بعنوان الإجارة بطل، وفي صحّته بعنوان الجعالة إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
كتاب الدين والقرض ←
→ كتاب إحياء الموات
مسألة 936: الطريق على قسمين: نافذ وغير نافذ، أمّا الأوّل: فهو الطريق المسمّى بالشارع العامّ والناس فيه شرع سواء، ولا يجوز التصرّف لأحد في أرضه ببناء حائط أو حفر بئر أو شقّ نهر أو نصب دكّة أو غرس أشجار ونحو ذلك وإن لم يكن مضرّاً بالمستطرقين، نعم لا بأس بما يُعدَّ من مكمّلاته ومحسّناته ومنها أن يشقّ فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها، ومنها أن يجعل فيه حاويات الأزبال والنفايات، ومنها غرس الأشجار ونصب المِظَلّات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه كما هو المتعارف بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر، فإنّ هذا كلّه ممّا لا بأس به إذا لم يكن مضرّاً بالمستطرقين.
مسألة 937: يجوز الاستفادة من فضاء الطرق النافذة والشوارع العامّة بإحداث جناح أو نحوه إذا لم يكن مضرّاً بالمستطرقين بوجه، وليس لأحد منعه حتّى صاحب الدار المقابلة، وإن استوعب الجناح عرض الطريق بحيث كان مانعاً عن إحداث جناح في مقابله ما لم يضع منه شيئاً على جداره، نعم إذا استلزم الإشراف على دار الجار ففي جوازه إشكال فلا يترك الاحتياط بتركه، وإن قيل بجواز مثله في تعلية البناء في ملكه.
مسألة 938: لو أحدث جناحاً على الشارع العامّ ثُمَّ انهدم أو هُدِمَ فإن كان من قصده تجديده ثانياً لم يجز للطرف الآخر إشغال ذلك الفضاء، وإن لم يكن من قصده تجديده جاز له ذلك.
مسألة 939: لو أحدث شخص جناحاً على الطريق العامّ جاز للطرف المقابل أيضاً إحداث جناح آخر في طرفه، سواء أكان أعلى من الجناح الأوّل أو أدنى منه أو موازياً له، بشرط أن لا يكون مانعاً بوجهٍ من استفادة الأوّل من جناحه كما هو الحال في الشوارع الوسيعة جدّاً.
ولا يجوز له ذلك إذا كان مانعاً منها ولو بلحاظ إشغال الفضاء الذي يحتاج إليه صاحب الجناح الأوّل بحسب العادة.
مسألة 940: كما يجوز إحداث الأجنحة على الشوارع العامّة يجوز فتح الأبواب المستجدّة فيها سواء أكانت له باب أُخرى أم لا، وكذا فتح الشبابيك والروازن عليها ونصب الميزاب فيها، وكذا بناء ساباط عليها إذا لم يكن معتمداً على حائط غيره مع عدم إذنه ولم يكن مضرّاً بالمارّة ولو من جهة الظَّلام، وإذا فرض أنّه كما يضرّهم من جهةٍ ينفعهم من جهةٍ كالوقاية من الحرّ والبرد فلا بُدَّ من مراجعة وليّ الأمر ليوازن بين الجهتين ويراعي ما هو الأصلح، وكذا يجوز نقب سرداب تحت الجادّة مع إحكام أساسه وبنيانه وسقفه بحيث يُؤمَنُ من الثقب والخسف والانهدام.
مسألة 941: الطريق غير النافذ: الذي لا يسلك منه إلى طريق آخر أو أرض مباحة لكونه محاطاً بالدور من جوانبه الثلاثة وهو المسمّى بـ (السكّة المرفوعة) و(الدريبة) عائد لمستطرقيه وهم أرباب الدور التي أبوابها مفتوحة إليه، دون كلّ من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم في حقّ الاستطراق بمقدار ما يشتركون في استطراقه، فيكون أوّله مشتركاً بين جميعهم ويقلّ عدد الشركاء كلّما قرب إلى آخره وربّما ينحصر ذو الحقّ في واحد، وهو فيما إذا اختصّ آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه.
هذا إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص أو عائدة للجميع على وجه التساوي أو التفاضل وإلّا ترتّبت أحكامه.
مسألة 942: لا يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أدخل من الباب الأوّل سواء مع سدّ الباب الأوّل أم بدونه، إلّا مع الاستئذان في ذلك ممّن له حقّ الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور .
مسألة 943: لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح أو بناء ساباط أو نصب ميزاب أو نقب سرداب أو غير ذلك من التصرّفات فيها إلّا بإذن أربابها، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلّا بإذنهم، نعم له فتح ثقبة وشبّاك إليها، وأمّا فتح باب لا للاستطراق بل لمجرّد التهوية أو الاستضاءة فلا يخلو عن إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.
مسألة 944: يجوز لكلٍّ من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها من غير مزاحمة المستطرقين، وكذا التردّد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكلّ ما يتعلّق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء وإن كان فيهم القُصَّر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
مسألة 945: يجوز لكلّ أحد الانتفاع من الشوارع والطرق العامّة كالجلوس أو النوم أو الصلاة أو البيع أو الشراء أو نحو ذلك ما لم يكن مزاحماً للمستطرقين، وليس لأحد منعه عن ذلك وإزعاجه.
مسألة 946: إذا جلس أحد في موضع من الطريق ثُمَّ قام عنه، فإن كان جلوسه جلوس استراحة ونحوها جاز لغيره أن يشغل موضع جلوسه، وإن كان لحرفة ونحوها فإن كان قيامه بعد استيفاء غرضه أو أنّه لا ينوي العود كان الحال كذلك وليس للأوّل منعه، وإن كان قيامه قبل استيفاء غرضه وكان ناوياً للعود فعندئذٍ إن بقي منه فيه متاع أو رحل أو بساط لم يجز لغيره إزاحته وإشغال ذلك الموضع وإلّا فالأحوط لزوماً تركه فيما إذا كان في اليوم نفسه، وأمّا إذا كان في يوم آخر فلا بأس به.
مسألة 947: كما لا يجوز مزاحمة الجالس في موضع جلوسه كذلك لا يجوز مزاحمته فيما حوله قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه، بل ليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه.
مسألة 948: يجوز للجالس للمعاملة أو نحوها أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ بالمارّة بثوب أو بارية أو نحوهما، وليس له بناء دكّة ونحوها فيه.
مسألة 949: يتحقّق الشارع العامّ بأُمور :
الأوّل: كثرة الاستطراق والتردّد ومرور القوافل في الأرض الموات.
الثاني: جعل الإنسان ملكه شارعاً وتسبيله تسبيلاً دائميّاً لسلوك عامّة الناس؛ فإنّه يصير طريقاً وليس للمسبّل الرجوع بعد ذلك.
الثالث: قيام شخص أو جهة بتخطيط طريق في الأرض الموات وتعبيده وجعله طريقاً لسلوك عامّة الناس.
الرابع: إحياء جماعة أرضاً مواتاً وتركهم طريقاً نافذاً بين الدور والمساكن.
مسألة 950: لو كان الشارع العامّ واقعاً بين الأملاك فلا حدّ له، كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقلّ أو أكثر واستطرقها الناس حتّى أصبحت جادّة فلا يجب على المُلّاك توسيعها وإن تضيّقت على المارّة.
وكذا الحال فيما لو سبّل شخص في وسط ملكه أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره مقداراً لعبور الناس.
مسألة 951: إذا كان الشارع العامّ محدوداً بالموات من أحد طرفيه أو كليهما وكان عرضه أقلّ من خمسة أذرع لم يجز إحياء الأراضي المتّصلة به بحيث يبقى ضيّقاً على حاله، بل لا بُدَّ من مراعاة أن لا يقلّ الفاصل المشتمل عليه عن خمسة أذرع، والأفضل أن لا يقلّ عن سبعة أذرع، فلو أقدم أحد على إحياء حريمه متجاوزاً على الحدّ المذكور لزم هدم المقدار الزائد.
هذا إذا لم يلزم وليّ الأمر حسب ما يراه من المصلحة أن يكون الفاصل أزيد من خمسة أذرع وإلّا وجب اتّباع أمره ولا يجوز التجاوز على الحدّ الذي يعيّنه.
مسألة 952: إذا انقطعت المارّة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه جاز لكلّ أحد إحياؤه، سواء أكان ذلك لعدم وجودهم أو لمنع قاهر إيّاهم أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره أو لغيرها من الأسباب.
هذا إذا لم يكن مسبّلاً وإلّا فلا يجوز إحياؤه من دون مراجعة وليّ الأمر على الأحوط لزوماً.
مسألة 953: إذا زاد عرض الطريق عن خمسة أذرع، فإن كان مسبّلاً لم يجز لأحدٍ اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقاً، وأمّا إذا كان غير مسبّل فإن كان الزائد مورداً لاستفادة المستطرقين ولو في بعض الأحيان والحالات لم يجز ذلك أيضاً وإلّا ففي جوازه إشكال والأحوط لزوماً العدم.
مسألة 954: يجوز لكلّ مسلم أن يتعبّد ويصلّي في المسجد وينتفع منه بسائر الانتفاعات إلّا بما لا يناسبه، وجميع المسلمين في ذلك شرع سواء، ولو سبق واحد إلى مكان منه للصلاة أو لغيرها من الأغراض الراجحة كالدعاء وقراءة القرآن والتدريس لم يجز لغيره إزاحته عن ذلك المكان أو إزاحة رحله عنه ومنعه من الانتفاع به، سواء توافق السابق مع المسبوق في الغرض أو تخالفا فيه، نعم يحتمل عند التزاحم تقدّم الطواف على غيره في المطاف والصلاة على غيرها في سائر المساجد فلا يترك الاحتياط للسابق بتخلية المكان للمسبوق في مثل ذلك.
مسألة 955: من سبق إلى مكان للصلاة فيه منفرداً فليس لمريد الصلاة فيه جماعةً منعه وإزعاجه، وإن كان الأولى للمنفرد حينئذٍ أن يخلي المكان للجامع إذا وجد مكاناً آخر فارغاً لصلاته ولا يكون منّاعاً للخير .
مسألة 956: إذا قام الجالس من المسجد وفارق المكان، فإن أعرض عنه جاز لغيره أن يأخذ مكانه، ولو عاد إليه وقد أخذه غيره فليس له منعه وإزعاجه، وأمّا إذا كان ناوياً للعود فإن بقي رحله فيه لم يجز إزاحته وأخذ مكانه وإن لم يبق ففي جواز أخذ مكانه إشكال والأحوط لزوماً تركه، ولا سيّما فيما إذا كان خروجه لضرورة كتجديد الطهارة أو نحوه، ولكن لو أقدم على أخذه لم يجز للأوّل إزاحته عنه عند العود.
مسألة 957: العبرة في عدم جواز المزاحمة والإزعاج بصدق السبق إلى المكان عرفاً، ويصدق بفرش سجّادة الصلاة ونحوها ممّا يَشْغُلُ مقدار مكان الصلاة أو معظمه بل يصدق بمثل وضع الخمرة أو السبحة أو المشط أو السواك ونحوها أيضاً.
مسألة 958: إذا كان بين حجزه مكاناً في المسجد وبين مجيئه للاستفادة منه طول زمانٍ - بحيث استلزم تعطيل المكان - جاز لغيره إشغاله قبل مجيئه ورفع ما وضعه فيه والاستفادة من مكانه إذا كان قد شغل المحلّ بحيث لا يمكن الاستفادة منه إلّا برفعه، ولا يضمنه الرافع حينئذٍ بل يكون أمانة في يده إلى أن يوصله إلى صاحبه، وكذا الحال فيما لو فارق المكان معرضاً عنه مع بقاء حاجة له فيه.
مسألة 959: المشاهد المشرّفة كالمساجد فيما ذكر من الأحكام، ويحتمل فيما هو من قبيل المزار منها تقدّم الزيارة وصلاتها على غيرهما من الأغراض الراجحة عند التزاحم فلا ينبغي ترك مقتضى الاحتياط في مثله.
مسألة 960: جواز السكن في المدارس لطالب العلم وعدمه تابعان لكيفيّة وقف الواقف، فإذا خصّها الواقف بطائفة خاصّة - كأهالي البلد أو الأجانب - أو بصنف خاصّ - كطالبي العلوم الشرعيّة أو خصوص الفقه أو الكلام مثلاً - فلا يجوز لغير هذه الطائفة أو الصنف السكنى فيها، كما لا يجوز لهؤلاء الاستقلال في حيازة غرفة منها من دون الاستئذان من المتولّي إلّا إذا كان ذلك مقتضى وقفيّتها، وحينئذٍ إذا سبق أحد إلى غرفة منها وسكنها فهو أحقّ بها بمعنى أنّه لا يجوز لغيره أن يزاحمه ما لم يعرض عنها وإن طالت المدّة، إلّا إذا اشترط الواقف مدّة خاصّة كخمس سنين مثلاً، فعندئذٍ يلزمه الخروج بعد انقضاء تلك المدّة بلا مهلة.
مسألة 961: إذا اشترط الواقف اتّصاف ساكنها بصفة خاصّة - كأن لا يكون معيلاً أو يكون مشغولاً بالتدريس أو بالتحصيل أو بالمطالعة أو التصنيف - فإذا زالت عنه تلك الصفة لزمه الخروج منها، والضابط أنّ جواز السكنى - حدوثاً وبقاءً - تابع لوقف الواقف بتمام شرائطه، فلا يجوز السكنى لفاقدها حدوثاً أو بقاءً.
مسألة 962: لا يبطل حقّ السكنى لساكنها بالخروج لحوائجه اليوميّة من المأكول والمشروب والمَلْبَس وما شاكل ذلك وإن لم يترك فيها رحلاً، كما لا يبطل بالخروج منها للسفر يوماً أو يومين أو أكثر، وكذلك الأسفار المتعارفة التي تشغل مدّة من الزمن كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر أو أكثر، كالسفر إلى الحجّ أو الزيارة أو لملاقاة الأقرباء أو نحو ذلك مع نيّة العود وبقاء رحله ومتاعه، فلا بأس بها ما لم تناف شرط الواقف، نعم لا بُدَّ من صدق عنوان ساكن المدرسة عليه، فإن كانت المدّة طويلة بحيث توجب عدم صدق العنوان عليه بطل حقّه.
مسألة 963: إذا اعتبر الواقف البيتوتة في المدرسة في ليالي التحصيل خاصّة أو في جميع الليالي فبات ساكنها في مكان آخر بطل حقّه.
مسألة 964: لا يجوز للساكن في غرفة منع غيره عن مشاركته إلّا إذا كانت الحجرة حسب الوقف أو بمقتضى قابليّتها معدّة لسكنى طالب واحد.
مسألة 965: الرُّبُط وهي المساكن المعدّة لسكنى الفقراء أو الغرباء كالمدارس في جميع ما ذُكر .
مسألة 966: مياه الشطوط والأنهار الكبار كدجلة والفرات وما شاكلهما، وهكذا الصغار التي جرت بنفسها من العيون أو السيول أو ذوبان الثلوج وكذا العيون المتفجّرة من الجبال أو في أراضي الموات ونحوها تعدّ من الأنفال - أي أنّها مملوكة للإمام (عليه السلام) - ولكن من حاز منها شيئاً بآنية أو حوض أو غيرهما وقصد تملّكه ملكه، من غير فرق في ذلك بين المسلم والكافر .
مسألة 967: كلّ ماء من مطر أو غيره لو اجتمع بنفسه في مكان بلا يد خارجيّة عليه فهو من المباحات الأصليّة، فمن حازه بإناء أو غيره وقصد تملّكه ملكه من دون فرق بين المسلم والكافر في ذلك.
مسألة 968: مياه الآبار والعيون والقنوات التي جرت بالحفر لا بنفسها ملك للحافر، فلا يجوز لأحد التصرّف فيها بدون إذن مالكها.
مسألة 969: إذا شقّ نهراً من بعض الأنهار الكبار سواء أكان بشقّه في أرض مملوكة له أو بشقّه في الموات بقصد إحيائه نهراً ملك ما يدخل فيه من الماء إذا قصد تملّكه.
مسألة 970: إذا كان النهر لأشخاص متعدّدين ملك كلّ منهم بمقدار حصّته من النهر، فإن كانت حصّة كلٍّ منهم من النهر بالسويّة اشتركوا في الماء بالسويّة وإن كانت بالتفاوت ملكوا الماء بتلك النسبة، ولا تَتْبَعُ نسبة استحقاق الماء نسبة استحقاق الأراضي التي تسقى منه.
مسألة 971: الماء الجاري في النهر المشترك حكمه حكم سائر الأموال المشتركة، فلا يجوز لكلّ واحد من الشركاء التصرّف فيه بدون إذن الباقين.
وعليه فإن أباح كلّ منهم لسائر شركائه أن يقضي حاجته منه في كلّ وقت وزمان وبأيّ مقدار شاء جاز له ذلك.
مسألة 972: إذا وقع بين الشركاء تعاسر وتشاجر فإن تراضوا بالتناوب والمهاياة بالأيّام أو الساعات فهو، وإلّا فلا محيص من تقسيمه بينهم بالأجزاء، بأن توضع في فم النهر حديدة مثلاً ذات ثقوب متعدّدة متساوية ويجعل لكلٍّ منهم من الثقوب بمقدار حصّته، ويوصل كلّ منهم ما يجري في الثقبة المختصّة به إلى ساقيته، فإن كانت حصّة أحدهم سدساً والآخر ثلثاً والثالث نصفاً، فلصاحب السدس ثقب واحد ولصاحب الثلث ثقبان ولصاحب النصف ثلاثة ثقوب فالمجموع ستّة.
مسألة 973: القسمة بحسب الأجزاء لازمة ليس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها، وهي قسمة إجبار، فإذا طلبها أحد الشركاء أجبر الممتنع منهم عليها.
وأمّا القسمة بالمهاياة والتناوب فهي ليست بلازمة، فيجوز لكلٍّ منهم الرجوع عنها حتّى فيما إذا استوفى تمام نوبته ولم يستوف الآخر نوبته، وإن ضمن المستوفي حينئذٍ مقدار ما استوفاه بالمثل.
مسألة 974: إذا اجتمعت أملاك على ماء عين أو واد أو نهر أو نحو ذلك من المشتركات كان للجميع حقّ السقي منه، وليس لأحد منهم إحداث سدّ فوقها ليقبض الماء كلّه أو ينقصه عن مقدار احتياج الباقين.
وعندئذٍ فإن كفى الماء للجميع من دون مزاحمة فهو، وإلّا قدّم الأسبق فالأسبق في الإحياء إن كان وعُلِمَ السابق، وإلّا قدّم الأعلى فالأعلى والأقرب فالأقرب إلى فوهة العين أو أصل النهر، وكذا الحال في الأنهار المملوكة المنشقّة من الشطوط، فإن كفى الماء للجميع فهو وإلّا قدّم الأسبق فالأسبق - أي: من كان شقّ نهره أسبق من شقّ نهر الآخر - إن كان هناك سابق ولاحق وعُلِمَ، وإلّا فيقبض الأعلى بمقدار ما يحتاج إليه ثُمَّ ما يليه وهكذا.
مسألة 975: تنقية النهر المشترك وإصلاحه ونحوهما على الجميع بنسبة ملكهم إذا كانوا مُقْدِمين على ذلك باختيارهم، وأمّا إذا لم يُقْدِم على ذلك إلّا البعض لم يجبر الممتنع، كما أنّّه لا يجوز التصرّف فيه لغيره إلّا بإذنه، وإذا أذن لهم بالتصرّف فليس لهم مطالبته بحصّته من المؤونة إلّا إذا كان إقدامهم بطلبه وتعهّده ببذل حصّته.
مسألة 976: إذا كان النهر مشتركاً بين القاصر وغيره، وكان إقدام غير القاصر متوقّفاً على مشاركة القاصر إمّا لعدم قدرته بدونه أو لغير ذلك، وجب على وليّ القاصر - مراعاةً لمصلحته - إشراكه في التنقية والتعمير ونحوهما وبذل المؤونة من مال القاصر بمقدار حصّته.
مسألة 977: ليس لصاحب النهر تحويل مجراه إلّا بإذن صاحب الرَّحىٰ المنصوبة عليه بإذنه، وكذا غير الرَّحىٰ أيضاً من الأشجار المغروسة على حافتيه وغيرها.
مسألة 978: ليس لأحد أن يحمي المرعى ويمنع غيره عن رعي مواشيه إلّا أن يكون المرعى ملكاً له فيجوز له أن يحميه حينئذٍ، نعم لوليّ الأمر أن يحمي المراعي العامّة ويمنع من الرعي فيها حسب ما تقتضيه المصلحة.
مسألة 979: المعادن من الأنفال وهي على نوعين:
الأوّل: المعادن الظاهرة، وهي الموجودة على سطح الأرض كبعض معادن الملح والقير والكبريت والنفط ونحوها.
الثاني: المعادن الباطنة، وهي الموجودة في باطن الأرض ممّا يتوقّف استخراجها على الحفر وذلك كغالب معادن الذهب والفضّة.
أمّا الأُولى: فمن حاز منها شيئاً ملكه قليلاً كان أو كثيراً، ويبقى الباقي على حاله.
وأمّا الثانية: فهي تُمْلَك بالاستخراج على تفصيل تقدّم في المسألة (1194) من كتاب الخمس، وأمّا إذا حفر ولم يبلغ نيلها فهو يفيد فائدة التحجير .
مسألة 980: من يجوز له استخراج معدن إذا تصرّف في الأرض بإيجاد بعض مقدّماته ثُمَّ أهمله وعطّله أجبره الحاكم الشرعيّ أو وكيله على إتمام العمل أو رفع يده عنه، ولو أبدى عذراً أمهله إلى أن يزول عذره ثُمَّ يلزمه أحد الأمرين.
مسألة 981: المعادن الباطنة لا تُمْلَك بإحياء الأرض سواء أكانت قريبة من السطح أم كانت بعيدة عنه في الأعماق كمعظم معادن النفط المحتاجة إلى حفرٍ زائد للوصول إليها أو ما شاكلها، فهي على التقديرين لا تَتْبَع الأرض ولا تُمْلَك بإحيائها.
مسألة 982: لو حفر أرض المعدن وقال لغيره: (استخرجه منه ولك نصف الخارج) فإن كان بعنوان الإجارة بطل، وفي صحّته بعنوان الجعالة إشكال، فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه.