الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الغصب ←
→ كتاب اللقطة » أحكام الضالّة
كتاب اللقطة » أحكام اللقطة
مسألة 762: يعتبر فيها الضياع عن مالكها المجهول، فما يؤخذ من يد الغاصب والسارق ليس من اللقطة لعدم الضياع عن مالكه، بل لا بُدَّ في ترتيب أحكامها من إحراز الضياع ولو بشاهد الحال، فالحذاء المتبدِّل بحذائه في المساجد ونحوها لا يترتّب عليه أحكام اللقطة، وكذا الثوب المتبدِّل بثوبه في الحمّام ونحوه، لاحتمال تقصد المالك في التبديل أو حصوله اشتباهاً ومعه يكون من مجهول المالك لا اللقطة.
مسألة 763: يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط، فلو رأى شيئاً وأخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن تسبّب فيه، ولو قال: (ناولنيه) فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر، وكذا لو أخذه للآمر وناوله إيّاه.
مسألة 764: لو عثر على مال وحسب أنّه له فأخذه ثُمَّ ظهر أنّه ضائع عن غيره كان لقطة وتجري عليه أحكامها، ولو رأى مالاً ضائعاً فنحاه من جانب إلى آخر من دون أخذه لم يصر بذلك لقطة وإن ضمنه، ولو دفعه برجله أو عصاه مثلاً ليتعرّفه فلا ضمان أيضاً.
مسألة 765: المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً، إلّا إذا كان في معرض التلف فإنّه يجوز أخذه في هذه الحالة بقصد الحفظ إمّا بعينه أو ببدله - حسب اختلاف الموارد كما سيأتي - ويكون عندئذٍ أمانة شرعيّة في يد الآخذ لا يضمنه إلّا بالتعدّي أو التفريط، وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه إذا أخذه وجب الفحص عن مالكه مع احتمال ترتّب الفائدة عليه وإلّا لم يجب وحينئذٍ فما دام لم ييأس تماماً من الوصول إلى المالك حفظ المال له ومع اليأس يتصدّق به أو يبيعه أو يقوّمه على نفسه ويتصدّق بثمنه.
هذا إذا كان المال ممّا يحتفظ بصفاته الدخيلة في ماليّته إلى أن يفحص عن المالك ويحصل له اليأس من الوصول إليه، وإلّا فلا بُدَّ أن يتصدّق به أو بثمنه مع صيرورته في معرض فقدان بعض تلك الصفات فإنّه يسقط التحفّظ والفحص إذا صار كذلك، والأحوط لزوماً أن يكون التصدّق وكذا البيع والتقويم في الموردين المذكورين بإذن الحاكم الشرعيّ، كما أنّ الأحوط لزوماً ضمان المتصدّق لو صادف أن جاء المالك ولم يرض بالتصدّق.
مسألة 766: كلّ مال غير الحيوان إن أحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه (اللقطة) كما مرّ - يجوز على كراهة أخذه والتقاطه، ولا فرق في ذلك بين ما يوجد في الحرم - أي حرم مكّة زادها الله شرفاً - وغيره وإن كانت الكراهة في الأوّل أشدّ وآكد.
هذا فيما إذا احتمل أنّه لو لم يأخذه أحد لطلبه صاحبه وأخذه، وأمّا فيما لم يحتمل ذلك احتمالاً معتدّاً به - ولو لقلّة قيمته ممّا يستوجب عادة إعراضه عنه بعد ضياعه - فلا كراهة في أخذه سواء أكان ممّا يجب تعريفه بعد الأخذ أم لا.
مسألة 767: إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يصفه بها من يدّعيه كالمسكوكات المفردة وغالب المصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه الأزمنة جاز للملتقط أن يتملّكه وإن بلغت قيمته درهماً أو زادت عليه، ولكن الأحوط إستحباباً أن يتصدّق به عن مالكه.
مسألة 768: إذا كانت لللقطة علامة يمكن أن يصفها بها من يدّعيها وكانت قيمتها دون الدرهم لم يجب تعريفها والفحص عن مالكها على الأقرب، وفي جواز تملّكها للملتقط إشكال والأحوط لزوماً أن يتصدّق بها عن مالكها.
مسألة 769: اللقطة إذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم - أي حرم مكّة - وجب عليه أن يتصدّق بها عن مالكها على الأحوط لزوماً، وأمّا إذا كانت في غير الحرم تخيّر الملتقط بين أن يحفظها لمالكها ولو بالإيصاء ما لم ييأس من إيصالها إليه - وله حينئذٍ أن ينتفع بها مع التحفّظ على عينها - وبين أن يتصدّق بها عن مالكها، والأحوط وجوباً عدم تملّكها.
مسألة 770: المراد من الدرهم ما يساوي (6/12) حُمّصةً من الفضّة المسكوكة، فإنّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع مثقال.
مسألة 771: المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم دون غيرهما من الأمكنة والأزمنة.
مسألة 772: يسقط وجوب التعريف فيما إذا كان الملتقط يخاف من التهمة والخطر إن عرّف باللقطة، كما يسقط مع الاطمئنان بعدم الفائدة في تعريفها - ولو لأجل إحراز أنّ مالكها قد سافر إلى مكان بعيد غير معروف لا يصله خبرها وإن عرّفها - وفي مثل ذلك فالأحوط لزوماً أن يحتفظ باللقطة لمالكها ما دام لم ييأس من الوصول إليه - ولو لاحتمال أنّه بنفسه يتصدّى للتعريف بماله الضائع ليصل إلى الملتقط خبره - ومع حصول اليأس من ذلك يتصدّق بها عن المالك، ولو صادف مجيئه كان بالخيار بين أن يرضى بالتصدّق وبين أن يطالبه ببدلها.
مسألة 773: تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه كان عاصياً إلّا إذا كان لعذر، ولا يسقط عنه وجوبه على كلّ تقدير، بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك إلّا إذا كان التأخير بحدٍّ لا يرجى معه العثور على مالكها وإن عرّف بها، وهكذا الحكم لو بادر إليه من حين الالتقاط ولكن تركه بعد فترة ولم يستمرّ فيه فإنّه يجب العود إليه إلّا مع اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 774: مدّة التعريف سنة كاملة، والأحوط لزوماً مراعاة التتابع فيها مع الإمكان، فلا يلفّقها من عدّة سنين ولو مع تتابعها كأن يعرّف في كلّ سنة ثلاثة أشهر ثُمَّ يترك التعريف بالمرّة إلى السنة التالية حتّى يكمل مقدار السنة في أربع سنوات مثلاً.
ويلزم صدق كونه في هذه المدّة معرّفاً ومعلناً عنه بحيث لا يعدّ في العرف متسامحاً ومتساهلاً في إيصال خبره إلى مالكه، ولا يعتبر فيه كيفيّة خاصّة ولا عدد معيّن بل العبرة بالصدق العرفيّ، فكما يتحقّق بالنداء في مجامع الناس ولو في كلّ ثلاثة أيّام مرّة بل ولو في كلّ أسبوع مرّة فكذا يتحقّق بغيره من وسائل النشر والإعلام ممّا يفيد فائدته، بل ربّما يكون أبلغ منه كالإعلان المطبوع في الجرائد المحلّيّة، أو المكتوب على أوراق ملصقة في الأماكن المعدّة لها بالقرب من مجامع الناس ولمواقع أبصارهم كما هو المتعارف في زماننا.
مسألة 775: لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف فيجوز له الاستنابة فيه مجّاناً أو بأجرة مع الاطمئنان بوقوعه، وتكون الأجرة عليه لا على المالك وإن كان الالتقاط بنيّة إبقائها في يده للمالك، ويسقط وجوب التعريف عن الملتقط بتبرّع غيره به.
مسألة 776: إذا عرّفها سنة كاملة ولم يَعْثَر على مالكها جاز له التصدّق بها - كما مرّ - ولا يشترط في ذلك حصول اليأس له من الوصول إليه، بخلاف الحال في غيرها من المجهول مالكه فإنّه لا يتصدّق به إلّا بعد اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 777: إذا يأس من الظفر بمالكها قبل تمام السنة لزمه التصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً ولا ينتظر بها حتّى تمضي السنة.
مسألة 778: إذا كان الملتقط يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في التعريف على السنة فالأحوط وجوباً لزوم التعريف حينئذٍ وعدم جواز التصدّق.
مسألة 779: إذا تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة بل يكفي تتميمها.
مسألة 780: لو كانت اللقطة ممّا لا تبقى سنة لزم الملتقط أن يحتفظ بها لأطول فترة تبقى محتفظة لصفاتها الدخيلة في ماليّتها، والأحوط لزوماً أن يعرّف بها خلال ذلك فإن لم يظفر بمالكها كان بالخيار بين أن يقوّمها على نفسه ويتصرّف فيها بما يشاء وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط عنه بذلك ما سبق من التعريف، فعليه أن يحفظ خصوصيّاتها وصفاتها ويتمّ تعريفها سنة كاملة فإن وجد صاحبها دفع بدلها إليه وإلّا عمل فيه بما تقدّم في المسألة (769).
هذا فيما إذا اختار الملتقط أن يقوّمها على نفسه أو تيسّر بيعها فباعها، ومع عدم الأمرين فيجب عليه أن يتصدّق بها ولا يلزمه تعريفها بعد ذلك ولو عثر على مالكها لم يضمن له قيمتها، والأحوط وجوباً أن يكون التقويم والبيع والتصدّق في مواردها بإجازة الحاكم الشرعيّ أو وكيله إن أمكنت.
مسألة 781: إذا ضاعت اللقطة من الملتقط قبل الشروع في التعريف أو قبل تكميله فالتقطها آخر وعلم بالحال ولم يعرف الملتقط الأوّل ولا المالك وجب عليه التعريف بها أو تكميله سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه وإن لم يجده ووجد الملتقط الأوّل دفعها إليه إذا كان واثقاً بأنّه يعمل بوظيفته، وعليه إكمال التعريف سنة ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني وإن لم يجد أحدهما حتّى تمّت السنة جرى التخيير المتقدّم من التصدّق أو الإبقاء للمالك.
مسألة 782: يجب أن يعرّف اللقطة في المكان الذي يظنّ أو يحتمل وصول خبرها إلى المالك بسبب التعريف فيه، ولا يتعيّن أن يكون موضع الالتقاط، بل ربّما يكون غيره كما إذا التقطها في بلد وعلم أنّ مالكها مسافر قد غادره إلى بلد آخر بحيث لا يجدي معه التعريف في بلد الالتقاط فإنّه يجب في مثله التعريف بها في البلد الثاني مع الإمكان.
وكذا لو التقطها في البراري أو الطرق الخارجيّة وعلم أنّ مالكها قد دخل بلداً معيّناً بحيث لو عرّف فيه لاحتمل وصول خبرها إليه، فإنّه يلزمه التعريف في ذلك البلد مع الإمكان دون موضع الالتقاط إذا لم يكن كذلك.
وبالجملة: العبرة في مكان التعريف بما تقدّم من كونه بحيث لو عرّف باللقطة فيه لاحتمل احتمالاً معتدّاً به وصول خبرها إلى المالك - مع تقديم ما هو الأقوى احتمالاً على غيره عند عدم تيسّر الاستيعاب - وعلى هذا يُنزّل ما قيل: من أنّه لو كان الالتقاط في مكان متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما وجب التعريف فيه، وإن كان في البراري والقفار ونحوهما فإن كان فيها نُزّال عرّفهم وإن كانت خالية عرّفها في المواضع القريبة التي هي مظنّة وجود المالك.
مسألة 783: إذا التقط في موضع الغربة أو في بلده وأراد السفر جاز له ذلك، ولكن لا يسافر بها بل يضعها عند أمين ويستنيب في التعريف من يوثَق به في ذلك، ولو التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في بلد المسافرين وقوافلهم.
مسألة 784: يعتبر في التعريف أن يكون على نحو لو سمعه المالك لاحتمل - احتمالاً معتدّاً به - أن يكون المال المعثور عليه له، وهذا يختلف بحسب اختلاف الموارد، فقد يكفي أن يقول: (من ضاع له شـيء أو مال) وقد لا يكفي ذلك بل لا بُدَّ أن يقول: (من ضاع له ذهب) أو نحوه، وقد لا يكفي هذا أيضاً بل يلزم إضافة بعض الخصوصيّات إليه كأن يقول: (من ضاع له قرط ذهب) مثلاً، ولكن يجب على كلّ حال الاحتفاظ بإبهام اللقطة، فلا يذكر جميع صفاتها حتّى لا يتعيّن، بل الأحوط وجوباً عدم ذكر ما لا يتوقّف عليه التعريف.
مسألة 785: لو ادّعى اللقطة أحد وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وإلّا سئل عن أوصافها وعلاماتها، فإذا توافقت الصفات والعلائم التي ذكرها مع الخصوصيّات الموجودة فيها وحصل الاطمئنان بأنها له - كما هو الغالب - أعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الأوصاف التي لا يلتفت إليها المالك غالباً، وأمّا مع عدم حصول الاطمئنان فلا يجوز دفعها إليه، ولا يكفي فيه مجرّد التوصيف بل لا يكفي حصول الظنّ أيضاً.
مسألة 786: إذا شهدت البيّنة بأنّ مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه وسقط التعريف سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، نعم إذا كان ذلك بعد التصدّق بها ولم يرض المالك بالصدقة ضمنها كما تقدّم.
مسألة 787: إذا التقط شيئاً وبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر وقال: (إنّه مالي) يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه بل يحتاج إلى الإثبات، إلّا إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه تحت يده فيحكم بكونه ملكاً له ويجب دفعه إليه.
مسألة 788: إذا وجد مقداراً من الأوراق النقديّة مثلاً وأمكن معرفة صاحبها بسبب بعض الخصوصيّات التي هي فيها مثل العدد الخاصّ والزمان الخاصّ والمكان الخاصّ وجب التعريف ولا تكون حينئذٍ ممّا لا علامة له الذي تقدّم جواز تملّكه من غير تعريف.
مسألة 789: إذا التقط الصبيّ أو المجنون فإن كانت اللقطة غير ذات علامة بحيث يمكن تعريفها بها جاز للوليّ أن يقصد تملّكها لهما، وأمّا إن كانت ذات علامة وبلغت قيمتها درهماً فما زاد فللوليّ أن يتصدّى لتعريفها - بل يجب عليه ذلك مع استيلائه عليها - وبعد التعريف سواء أكان من الوليّ أم من غيره يجري التخيير المتقدّم بين الإبقاء للمالك والتصدّق.
مسألة 790: إذا تصدّق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو القيمة وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة ولا الرجوع على المتصدّق عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة، هذا إذا لم يرض المالك بالصدقة، وإلّا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدّق.
مسألة 791: اللقطة أمانة في يد الملتقط لا يضمنها إلّا بالتعدّي عليها أو التفريط بها - ومن التفريط إرجاعها إلى موضع التقاطها أو وضعها في مجامع الناس - ولا فرق في ذلك بين مدّة التعريف وما بعدها، نعم يضمنها إذا أخلّ بوظيفته في المبادرة إلى التعريف بها متوالياً - على ما مرّ - كما يضمنها بالتصدّق بها على ما عرفت.
مسألة 792: إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن لم يُخِلَّ بالمبادرة إلى التعريف ولم يكن تَعدٍّ أو تفريط منه سقط التعريف وإذا كانت مضمونة لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف ففي الصورة الأُولى يسقط التعريف وفي الصورة الثانية يجب إكماله فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.
مسألة 793: يجوز دفع اللقطة إلى الحاكم الشرعيّ ولكن تبقى أمانة في يده ولا يسقط وجوب التعريف بذلك عن الملتقط، وإذا انتهت سنة التعريف ولم يجد المالك فإن شاء استرجع اللقطة من الحاكم واحتفظ بها للمالك وإن شاء تصدّق بها بنفسه أو أذن للحاكم في ذلك.
مسألة 794: إذا حصل للقطة نماء متّصل أو منفصل بعد الالتقاط، فإن عرف المالك دفع إليه العين والنماء، وأمّا إن لم يعرفه وقد عرّف اللقطة سنة فلا إشكال في كون النماء المتّصل تابعاً للعين، وأمّا المنفصل فهل هو كذلك أي يكون الملتقط مخيّراً فيه بين إبقائه للمالك ما لم يحصل اليأس من الوصول إليه مع جواز الانتفاع منه بما لا يؤدّي إلى تلفه - إن كان قابلاً لذلك - وبين التصدّق به ولو مع عدم حصول اليأس من الوصول إلى المالك، أم يجري عليه حكم مجهول المالك وهو - كما تقدّم - لزوم الاستمرار في الفحص ما دام يحتمل الفائدة فيه مع الاحتفاظ بالعين من دون الاستفادة منها إلى حين حصول اليأس من الوصول إلى المالك فيتصدّق به حينئذٍ؟ وجهان، أحوطهما لزوماً الثاني.
مسألة 795: لو عرف المالك قبل التعريف أو بعده ولم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله المطلق ولا الاتّصال بأحدهما للاستئذان منه في التصرّف فيها ولو بمثل الصدقة بها أو دفعها إلى الأقارب أو غيرهم فاللازم أن يحتفظ بها للمالك أو وارثه ما لم ييأس من الوصول إليه، وأمّا مع حصول اليأس فيتصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً.
مسألة 796: إذا مات الملتقط وعنده اللقطة فإن كان بعد التعريف بها واختيار إبقائها لمالكها قام الوارث مقامه في الاحتفاظ بها له ما لم ييأس من الوصول إليه وإلّا تصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً، وإن كان قبل ذلك فالأحوط وجوباً إجراء حكم مجهول المالك عليها.
مسألة 797: لو أخذ من شخص مالاً ثُمَّ علم أنّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعيّ وعدواناً ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة، لما مرّ أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذه الصورة.
مسألة 798: إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن لم تكن ذات علامة يمكن أن يصفها بها من يدّعيها جاز لهما تملّكها وتكون بينهما بالتساوي، وإن كانت ذات علامة كذلك وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلٍّ منهما أقلّ من درهم، فإن تصدّى له أحدهما أو كلاهما ولو بتوزيع الحول بينهما - بالتساوي أو بالتفاضل - فقد تأدّى الواجب، ولو تبرّع به الغير سقط عنهما كما مرّ، وحينئذٍ يتخيّران فيها بين الإبقاء أمانة والتصدّق، والأحوط لزوماً أن يتّفقا في ذلك فلا يختار أحدهما غير ما يختاره الآخر، وأمّا مع ترك التعريف لا لعذر - لأيّ سبب كان - فيضمنان اللقطة ولا يسقط وجوب التعريف عنهما على ما تقدّم.
مسألة 799: إذا وجد مالاً في صندوقه ولم يعلم أنّه له أو لغيره فهو له، إلّا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فإنّه يعرّفه إيّاه فإن ادّعاه دفعه إليه وإن أنكره فهو له، وإن قال: (لا أدري) فإن أمكن التصالح معه فهو وإلّا يتعيّن الرجوع إلى القرعة كما في سائر موارد تردّد المال بين مالكين.
هذا إذا كان الغير واحداً، وإن كان متعدّداً فإن كان محصوراً عرّفه لهم فإن أنكروه كان له، وإن ادّعاه أحدهم فقط فهو له، وإن ادّعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو، وإلّا تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ في حَسْم النزاع، وإن قال الجميع: (لا ندري) جرى فيه ما تقدّم، وأمّا إذا لم يكن الغير محصوراً جرى عليه حكم مجهول المالك، نعم إذا كان احتمال كونه لنفسه معتدّاً به كخمسة في المائة أمكن الرجوع إلى القرعة ويجعل عدد السهام حينئذٍ بما يناسب الاحتمال - كعشرين في المثال يكون واحد منها باسمه - فإن خرجت القرعة باسمه كان له وإن خرجت باسم غيره عمل فيه بأحكام مجهول المالك.
مسألة 800: إذا وجد مالاً في دار سكناه ولم يعلم أنّه له أو لغيره فإن لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها جرى عليه حكم اللقطة.
مسألة 801: لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير، سواء كانت ملكاً له أو مستأجرة أو مستعارة بل ولو مغصوبة عرّفه الساكن، فإن ادّعى ملكيّته فهو له فليدفعه إليه بلا بيّنة، وكذا لو قال لا أدري، وإن سلبه عن نفسه فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلّا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 802: إذا اشترى دابّة أو سمكة أو حيواناً غيرهما فوجد في جوفها مالاً فقد تقدّم حكمه في كتاب الخمس المسألة (1197).
مسألة 803: ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وفي كلّ أرض لا ربّ لها فقد تقدّم حكمه في مبحث الكنز من كتاب الخمس.
وأمّا ما يوجد فيها مطروحاً غير مستتر في الأرض ونحوها فإن علم بشهادة بعض العلائم والخصوصيّات أنّه لأهل الأزمنة القديمة جدّاً بحيث عدّ عرفاً - بلحاظ تقادم السنين - مالاً بلا مالك جاز تملّكه إذا كان كذلك شرعاً، وإن علم بملاحظة العلائم والشواهد أنّه ليس لأهل زمن الواجد ولكن من دون أن يعدّ مالاً بلا مالك بل مالاً مجهول المالك فاللازم حينئذ الفحص عن مالكه فإن عرفه ردّه إلى وارثه إن كان وإلّا كان للإمام (عليه السلام) لأنّه وارث من لا وارث له، وإن لم يعرف المالك تصدّق به مع الاستئذان من الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً، وإن علم بملاحظة العلائم والقرائن أنّه لأهل زمن الواجد فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلّا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 804: إذا انكسرت سفينة في البحر فتركها أصحابها وأباحوا ما فيها لمستخرجه فاستخرج شخص لنفسه شيئاً منها فهو له سواء أكان ذلك بغوص أم بغيره.
مسألة 805: إذا تبدّل حذاء الشخص بحذاء غيره جاز له التصرّف فيه بكلّ نحو يحرز رضا صاحبه به، ولو علم أنّه قد تعمّد التبديل ظلماً وعدواناً جاز له أن يقابله بالمثل فيأخذ حذاءه بدلاً عن حذاء نفسه بشرط أن لا تزيد قيمة المتروك على قيمة المأخوذ، وإلّا فالزيادة من مجهول المالك وتترتّب عليه أحكامه، وهكذا الحكم فيما لو علم أنّه قد اشتبه أوّلاً ولكنّه تسامح وتهاون في الردّ بعد الالتفات إلى اشتباهه، وأمّا في غير هاتين الصورتين - سواء علم باشتباهه حدوثاً وبقاءً أم احتمل الاشتباه ولم يتيقّنه - فتجري على المتروك حكم مجهول المالك.
هذا فيما إذا لم يكن الشخص هو الذي بدّل ماله بمال غيره - عمداً أو اشتباهاً - وإلّا فلا يجوز له التقاصّ منه بل يجب عليه ردّه إلى مالكه.
كتاب الغصب ←
→ كتاب اللقطة » أحكام الضالّة
مسألة 763: يعتبر في صدق اللقطة وثبوت أحكامها الأخذ والالتقاط، فلو رأى شيئاً وأخبر به غيره فأخذه كان حكمها على الآخذ دون الرائي وإن تسبّب فيه، ولو قال: (ناولنيه) فأخذه المأمور لنفسه كان هو الملتقط دون الآمر، وكذا لو أخذه للآمر وناوله إيّاه.
مسألة 764: لو عثر على مال وحسب أنّه له فأخذه ثُمَّ ظهر أنّه ضائع عن غيره كان لقطة وتجري عليه أحكامها، ولو رأى مالاً ضائعاً فنحاه من جانب إلى آخر من دون أخذه لم يصر بذلك لقطة وإن ضمنه، ولو دفعه برجله أو عصاه مثلاً ليتعرّفه فلا ضمان أيضاً.
مسألة 765: المال المجهول مالكه غير الضائع لا يجوز أخذه ووضع اليد عليه، فإن أخذه كان غاصباً ضامناً، إلّا إذا كان في معرض التلف فإنّه يجوز أخذه في هذه الحالة بقصد الحفظ إمّا بعينه أو ببدله - حسب اختلاف الموارد كما سيأتي - ويكون عندئذٍ أمانة شرعيّة في يد الآخذ لا يضمنه إلّا بالتعدّي أو التفريط، وعلى كلّ من تقديري جواز الأخذ وعدمه إذا أخذه وجب الفحص عن مالكه مع احتمال ترتّب الفائدة عليه وإلّا لم يجب وحينئذٍ فما دام لم ييأس تماماً من الوصول إلى المالك حفظ المال له ومع اليأس يتصدّق به أو يبيعه أو يقوّمه على نفسه ويتصدّق بثمنه.
هذا إذا كان المال ممّا يحتفظ بصفاته الدخيلة في ماليّته إلى أن يفحص عن المالك ويحصل له اليأس من الوصول إليه، وإلّا فلا بُدَّ أن يتصدّق به أو بثمنه مع صيرورته في معرض فقدان بعض تلك الصفات فإنّه يسقط التحفّظ والفحص إذا صار كذلك، والأحوط لزوماً أن يكون التصدّق وكذا البيع والتقويم في الموردين المذكورين بإذن الحاكم الشرعيّ، كما أنّ الأحوط لزوماً ضمان المتصدّق لو صادف أن جاء المالك ولم يرض بالتصدّق.
مسألة 766: كلّ مال غير الحيوان إن أحرز ضياعه عن مالكه المجهول ولو بشاهد الحال - وهو الذي يطلق عليه (اللقطة) كما مرّ - يجوز على كراهة أخذه والتقاطه، ولا فرق في ذلك بين ما يوجد في الحرم - أي حرم مكّة زادها الله شرفاً - وغيره وإن كانت الكراهة في الأوّل أشدّ وآكد.
هذا فيما إذا احتمل أنّه لو لم يأخذه أحد لطلبه صاحبه وأخذه، وأمّا فيما لم يحتمل ذلك احتمالاً معتدّاً به - ولو لقلّة قيمته ممّا يستوجب عادة إعراضه عنه بعد ضياعه - فلا كراهة في أخذه سواء أكان ممّا يجب تعريفه بعد الأخذ أم لا.
مسألة 767: إذا لم تكن للمال الملتقط علامة يصفه بها من يدّعيه كالمسكوكات المفردة وغالب المصنوعات بالمصانع المتداولة في هذه الأزمنة جاز للملتقط أن يتملّكه وإن بلغت قيمته درهماً أو زادت عليه، ولكن الأحوط إستحباباً أن يتصدّق به عن مالكه.
مسألة 768: إذا كانت لللقطة علامة يمكن أن يصفها بها من يدّعيها وكانت قيمتها دون الدرهم لم يجب تعريفها والفحص عن مالكها على الأقرب، وفي جواز تملّكها للملتقط إشكال والأحوط لزوماً أن يتصدّق بها عن مالكها.
مسألة 769: اللقطة إذا كانت لها علامة يمكن الوصول بها إلى مالكها وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب التعريف بها والفحص عن مالكها، فإن لم يظفر به فإن كانت لقطة الحرم - أي حرم مكّة - وجب عليه أن يتصدّق بها عن مالكها على الأحوط لزوماً، وأمّا إذا كانت في غير الحرم تخيّر الملتقط بين أن يحفظها لمالكها ولو بالإيصاء ما لم ييأس من إيصالها إليه - وله حينئذٍ أن ينتفع بها مع التحفّظ على عينها - وبين أن يتصدّق بها عن مالكها، والأحوط وجوباً عدم تملّكها.
مسألة 770: المراد من الدرهم ما يساوي (6/12) حُمّصةً من الفضّة المسكوكة، فإنّ عشرة دراهم تساوي خمسة مثاقيل صيرفيّة وربع مثقال.
مسألة 771: المدار في القيمة على مكان الالتقاط وزمانه في اللقطة وفي الدرهم دون غيرهما من الأمكنة والأزمنة.
مسألة 772: يسقط وجوب التعريف فيما إذا كان الملتقط يخاف من التهمة والخطر إن عرّف باللقطة، كما يسقط مع الاطمئنان بعدم الفائدة في تعريفها - ولو لأجل إحراز أنّ مالكها قد سافر إلى مكان بعيد غير معروف لا يصله خبرها وإن عرّفها - وفي مثل ذلك فالأحوط لزوماً أن يحتفظ باللقطة لمالكها ما دام لم ييأس من الوصول إليه - ولو لاحتمال أنّه بنفسه يتصدّى للتعريف بماله الضائع ليصل إلى الملتقط خبره - ومع حصول اليأس من ذلك يتصدّق بها عن المالك، ولو صادف مجيئه كان بالخيار بين أن يرضى بالتصدّق وبين أن يطالبه ببدلها.
مسألة 773: تجب المبادرة إلى التعريف من حين الالتقاط، فإن لم يبادر إليه كان عاصياً إلّا إذا كان لعذر، ولا يسقط عنه وجوبه على كلّ تقدير، بل تجب المبادرة إليه بعد ذلك إلّا إذا كان التأخير بحدٍّ لا يرجى معه العثور على مالكها وإن عرّف بها، وهكذا الحكم لو بادر إليه من حين الالتقاط ولكن تركه بعد فترة ولم يستمرّ فيه فإنّه يجب العود إليه إلّا مع اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 774: مدّة التعريف سنة كاملة، والأحوط لزوماً مراعاة التتابع فيها مع الإمكان، فلا يلفّقها من عدّة سنين ولو مع تتابعها كأن يعرّف في كلّ سنة ثلاثة أشهر ثُمَّ يترك التعريف بالمرّة إلى السنة التالية حتّى يكمل مقدار السنة في أربع سنوات مثلاً.
ويلزم صدق كونه في هذه المدّة معرّفاً ومعلناً عنه بحيث لا يعدّ في العرف متسامحاً ومتساهلاً في إيصال خبره إلى مالكه، ولا يعتبر فيه كيفيّة خاصّة ولا عدد معيّن بل العبرة بالصدق العرفيّ، فكما يتحقّق بالنداء في مجامع الناس ولو في كلّ ثلاثة أيّام مرّة بل ولو في كلّ أسبوع مرّة فكذا يتحقّق بغيره من وسائل النشر والإعلام ممّا يفيد فائدته، بل ربّما يكون أبلغ منه كالإعلان المطبوع في الجرائد المحلّيّة، أو المكتوب على أوراق ملصقة في الأماكن المعدّة لها بالقرب من مجامع الناس ولمواقع أبصارهم كما هو المتعارف في زماننا.
مسألة 775: لا تعتبر مباشرة الملتقط للتعريف فيجوز له الاستنابة فيه مجّاناً أو بأجرة مع الاطمئنان بوقوعه، وتكون الأجرة عليه لا على المالك وإن كان الالتقاط بنيّة إبقائها في يده للمالك، ويسقط وجوب التعريف عن الملتقط بتبرّع غيره به.
مسألة 776: إذا عرّفها سنة كاملة ولم يَعْثَر على مالكها جاز له التصدّق بها - كما مرّ - ولا يشترط في ذلك حصول اليأس له من الوصول إليه، بخلاف الحال في غيرها من المجهول مالكه فإنّه لا يتصدّق به إلّا بعد اليأس من الوصول إلى المالك.
مسألة 777: إذا يأس من الظفر بمالكها قبل تمام السنة لزمه التصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً ولا ينتظر بها حتّى تمضي السنة.
مسألة 778: إذا كان الملتقط يعلم بالوصول إلى المالك لو زاد في التعريف على السنة فالأحوط وجوباً لزوم التعريف حينئذٍ وعدم جواز التصدّق.
مسألة 779: إذا تعذّر التعريف في أثناء السنة انتظر رفع العذر وليس عليه بعد ارتفاع العذر استئناف السنة بل يكفي تتميمها.
مسألة 780: لو كانت اللقطة ممّا لا تبقى سنة لزم الملتقط أن يحتفظ بها لأطول فترة تبقى محتفظة لصفاتها الدخيلة في ماليّتها، والأحوط لزوماً أن يعرّف بها خلال ذلك فإن لم يظفر بمالكها كان بالخيار بين أن يقوّمها على نفسه ويتصرّف فيها بما يشاء وبين أن يبيعها ويحفظ ثمنها لمالكها، ولا يسقط عنه بذلك ما سبق من التعريف، فعليه أن يحفظ خصوصيّاتها وصفاتها ويتمّ تعريفها سنة كاملة فإن وجد صاحبها دفع بدلها إليه وإلّا عمل فيه بما تقدّم في المسألة (769).
هذا فيما إذا اختار الملتقط أن يقوّمها على نفسه أو تيسّر بيعها فباعها، ومع عدم الأمرين فيجب عليه أن يتصدّق بها ولا يلزمه تعريفها بعد ذلك ولو عثر على مالكها لم يضمن له قيمتها، والأحوط وجوباً أن يكون التقويم والبيع والتصدّق في مواردها بإجازة الحاكم الشرعيّ أو وكيله إن أمكنت.
مسألة 781: إذا ضاعت اللقطة من الملتقط قبل الشروع في التعريف أو قبل تكميله فالتقطها آخر وعلم بالحال ولم يعرف الملتقط الأوّل ولا المالك وجب عليه التعريف بها أو تكميله سنة، فإن وجد المالك دفعها إليه وإن لم يجده ووجد الملتقط الأوّل دفعها إليه إذا كان واثقاً بأنّه يعمل بوظيفته، وعليه إكمال التعريف سنة ولو بضميمة تعريف الملتقط الثاني وإن لم يجد أحدهما حتّى تمّت السنة جرى التخيير المتقدّم من التصدّق أو الإبقاء للمالك.
مسألة 782: يجب أن يعرّف اللقطة في المكان الذي يظنّ أو يحتمل وصول خبرها إلى المالك بسبب التعريف فيه، ولا يتعيّن أن يكون موضع الالتقاط، بل ربّما يكون غيره كما إذا التقطها في بلد وعلم أنّ مالكها مسافر قد غادره إلى بلد آخر بحيث لا يجدي معه التعريف في بلد الالتقاط فإنّه يجب في مثله التعريف بها في البلد الثاني مع الإمكان.
وكذا لو التقطها في البراري أو الطرق الخارجيّة وعلم أنّ مالكها قد دخل بلداً معيّناً بحيث لو عرّف فيه لاحتمل وصول خبرها إليه، فإنّه يلزمه التعريف في ذلك البلد مع الإمكان دون موضع الالتقاط إذا لم يكن كذلك.
وبالجملة: العبرة في مكان التعريف بما تقدّم من كونه بحيث لو عرّف باللقطة فيه لاحتمل احتمالاً معتدّاً به وصول خبرها إلى المالك - مع تقديم ما هو الأقوى احتمالاً على غيره عند عدم تيسّر الاستيعاب - وعلى هذا يُنزّل ما قيل: من أنّه لو كان الالتقاط في مكان متأهّل من بلد أو قرية ونحوهما وجب التعريف فيه، وإن كان في البراري والقفار ونحوهما فإن كان فيها نُزّال عرّفهم وإن كانت خالية عرّفها في المواضع القريبة التي هي مظنّة وجود المالك.
مسألة 783: إذا التقط في موضع الغربة أو في بلده وأراد السفر جاز له ذلك، ولكن لا يسافر بها بل يضعها عند أمين ويستنيب في التعريف من يوثَق به في ذلك، ولو التقطها في منزل السفر جاز له السفر بها والتعريف بها في بلد المسافرين وقوافلهم.
مسألة 784: يعتبر في التعريف أن يكون على نحو لو سمعه المالك لاحتمل - احتمالاً معتدّاً به - أن يكون المال المعثور عليه له، وهذا يختلف بحسب اختلاف الموارد، فقد يكفي أن يقول: (من ضاع له شـيء أو مال) وقد لا يكفي ذلك بل لا بُدَّ أن يقول: (من ضاع له ذهب) أو نحوه، وقد لا يكفي هذا أيضاً بل يلزم إضافة بعض الخصوصيّات إليه كأن يقول: (من ضاع له قرط ذهب) مثلاً، ولكن يجب على كلّ حال الاحتفاظ بإبهام اللقطة، فلا يذكر جميع صفاتها حتّى لا يتعيّن، بل الأحوط وجوباً عدم ذكر ما لا يتوقّف عليه التعريف.
مسألة 785: لو ادّعى اللقطة أحد وعلم صدقه وجب دفعها إليه، وإلّا سئل عن أوصافها وعلاماتها، فإذا توافقت الصفات والعلائم التي ذكرها مع الخصوصيّات الموجودة فيها وحصل الاطمئنان بأنها له - كما هو الغالب - أعطيت له، ولا يعتبر أن يذكر الأوصاف التي لا يلتفت إليها المالك غالباً، وأمّا مع عدم حصول الاطمئنان فلا يجوز دفعها إليه، ولا يكفي فيه مجرّد التوصيف بل لا يكفي حصول الظنّ أيضاً.
مسألة 786: إذا شهدت البيّنة بأنّ مالك اللقطة فلان وجب دفعها إليه وسقط التعريف سواء أكان ذلك قبل التعريف أم في أثنائه أم بعده، نعم إذا كان ذلك بعد التصدّق بها ولم يرض المالك بالصدقة ضمنها كما تقدّم.
مسألة 787: إذا التقط شيئاً وبعد ما صار في يده ادّعاه شخص حاضر وقال: (إنّه مالي) يشكل دفعه إليه بمجرّد دعواه بل يحتاج إلى الإثبات، إلّا إذا كان بحيث يصدق عرفاً أنّه تحت يده فيحكم بكونه ملكاً له ويجب دفعه إليه.
مسألة 788: إذا وجد مقداراً من الأوراق النقديّة مثلاً وأمكن معرفة صاحبها بسبب بعض الخصوصيّات التي هي فيها مثل العدد الخاصّ والزمان الخاصّ والمكان الخاصّ وجب التعريف ولا تكون حينئذٍ ممّا لا علامة له الذي تقدّم جواز تملّكه من غير تعريف.
مسألة 789: إذا التقط الصبيّ أو المجنون فإن كانت اللقطة غير ذات علامة بحيث يمكن تعريفها بها جاز للوليّ أن يقصد تملّكها لهما، وأمّا إن كانت ذات علامة وبلغت قيمتها درهماً فما زاد فللوليّ أن يتصدّى لتعريفها - بل يجب عليه ذلك مع استيلائه عليها - وبعد التعريف سواء أكان من الوليّ أم من غيره يجري التخيير المتقدّم بين الإبقاء للمالك والتصدّق.
مسألة 790: إذا تصدّق الملتقط بها فعرف صاحبها غرم له المثل أو القيمة وليس له الرجوع بالعين إن كانت موجودة ولا الرجوع على المتصدّق عليه بالمثل أو القيمة إن كانت مفقودة، هذا إذا لم يرض المالك بالصدقة، وإلّا فلا رجوع له على أحد وكان له أجر التصدّق.
مسألة 791: اللقطة أمانة في يد الملتقط لا يضمنها إلّا بالتعدّي عليها أو التفريط بها - ومن التفريط إرجاعها إلى موضع التقاطها أو وضعها في مجامع الناس - ولا فرق في ذلك بين مدّة التعريف وما بعدها، نعم يضمنها إذا أخلّ بوظيفته في المبادرة إلى التعريف بها متوالياً - على ما مرّ - كما يضمنها بالتصدّق بها على ما عرفت.
مسألة 792: إذا تلفت العين قبل التعريف فإن كانت غير مضمونة بأن لم يُخِلَّ بالمبادرة إلى التعريف ولم يكن تَعدٍّ أو تفريط منه سقط التعريف وإذا كانت مضمونة لم يسقط، وكذا إذا كان التلف في أثناء التعريف ففي الصورة الأُولى يسقط التعريف وفي الصورة الثانية يجب إكماله فإذا عرف المالك دفع إليه المثل أو القيمة.
مسألة 793: يجوز دفع اللقطة إلى الحاكم الشرعيّ ولكن تبقى أمانة في يده ولا يسقط وجوب التعريف بذلك عن الملتقط، وإذا انتهت سنة التعريف ولم يجد المالك فإن شاء استرجع اللقطة من الحاكم واحتفظ بها للمالك وإن شاء تصدّق بها بنفسه أو أذن للحاكم في ذلك.
مسألة 794: إذا حصل للقطة نماء متّصل أو منفصل بعد الالتقاط، فإن عرف المالك دفع إليه العين والنماء، وأمّا إن لم يعرفه وقد عرّف اللقطة سنة فلا إشكال في كون النماء المتّصل تابعاً للعين، وأمّا المنفصل فهل هو كذلك أي يكون الملتقط مخيّراً فيه بين إبقائه للمالك ما لم يحصل اليأس من الوصول إليه مع جواز الانتفاع منه بما لا يؤدّي إلى تلفه - إن كان قابلاً لذلك - وبين التصدّق به ولو مع عدم حصول اليأس من الوصول إلى المالك، أم يجري عليه حكم مجهول المالك وهو - كما تقدّم - لزوم الاستمرار في الفحص ما دام يحتمل الفائدة فيه مع الاحتفاظ بالعين من دون الاستفادة منها إلى حين حصول اليأس من الوصول إلى المالك فيتصدّق به حينئذٍ؟ وجهان، أحوطهما لزوماً الثاني.
مسألة 795: لو عرف المالك قبل التعريف أو بعده ولم يمكن إيصال اللقطة إليه ولا إلى وكيله المطلق ولا الاتّصال بأحدهما للاستئذان منه في التصرّف فيها ولو بمثل الصدقة بها أو دفعها إلى الأقارب أو غيرهم فاللازم أن يحتفظ بها للمالك أو وارثه ما لم ييأس من الوصول إليه، وأمّا مع حصول اليأس فيتصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً.
مسألة 796: إذا مات الملتقط وعنده اللقطة فإن كان بعد التعريف بها واختيار إبقائها لمالكها قام الوارث مقامه في الاحتفاظ بها له ما لم ييأس من الوصول إليه وإلّا تصدّق بها بإذن الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً، وإن كان قبل ذلك فالأحوط وجوباً إجراء حكم مجهول المالك عليها.
مسألة 797: لو أخذ من شخص مالاً ثُمَّ علم أنّه لغيره قد أخذ منه بغير وجه شرعيّ وعدواناً ولم يعرف المالك يجري عليه حكم مجهول المالك لا اللقطة، لما مرّ أنّه يعتبر في صدقها الضياع عن المالك ولا ضياع في هذه الصورة.
مسألة 798: إذا التقط اثنان لقطة واحدة فإن لم تكن ذات علامة يمكن أن يصفها بها من يدّعيها جاز لهما تملّكها وتكون بينهما بالتساوي، وإن كانت ذات علامة كذلك وبلغت قيمتها درهماً فما زاد وجب عليهما تعريفها وإن كانت حصّة كلٍّ منهما أقلّ من درهم، فإن تصدّى له أحدهما أو كلاهما ولو بتوزيع الحول بينهما - بالتساوي أو بالتفاضل - فقد تأدّى الواجب، ولو تبرّع به الغير سقط عنهما كما مرّ، وحينئذٍ يتخيّران فيها بين الإبقاء أمانة والتصدّق، والأحوط لزوماً أن يتّفقا في ذلك فلا يختار أحدهما غير ما يختاره الآخر، وأمّا مع ترك التعريف لا لعذر - لأيّ سبب كان - فيضمنان اللقطة ولا يسقط وجوب التعريف عنهما على ما تقدّم.
مسألة 799: إذا وجد مالاً في صندوقه ولم يعلم أنّه له أو لغيره فهو له، إلّا إذا كان غيره يدخل يده فيه أو يضع فيه شيئاً فإنّه يعرّفه إيّاه فإن ادّعاه دفعه إليه وإن أنكره فهو له، وإن قال: (لا أدري) فإن أمكن التصالح معه فهو وإلّا يتعيّن الرجوع إلى القرعة كما في سائر موارد تردّد المال بين مالكين.
هذا إذا كان الغير واحداً، وإن كان متعدّداً فإن كان محصوراً عرّفه لهم فإن أنكروه كان له، وإن ادّعاه أحدهم فقط فهو له، وإن ادّعاه أزيد من واحد فإن تراضوا بصلح أو نحوه فهو، وإلّا تعيّن الرجوع إلى الحاكم الشرعيّ في حَسْم النزاع، وإن قال الجميع: (لا ندري) جرى فيه ما تقدّم، وأمّا إذا لم يكن الغير محصوراً جرى عليه حكم مجهول المالك، نعم إذا كان احتمال كونه لنفسه معتدّاً به كخمسة في المائة أمكن الرجوع إلى القرعة ويجعل عدد السهام حينئذٍ بما يناسب الاحتمال - كعشرين في المثال يكون واحد منها باسمه - فإن خرجت القرعة باسمه كان له وإن خرجت باسم غيره عمل فيه بأحكام مجهول المالك.
مسألة 800: إذا وجد مالاً في دار سكناه ولم يعلم أنّه له أو لغيره فإن لم يدخلها أحد غيره أو يدخلها قليل فهو له، وإن كان يدخلها كثير كما في المضائف ونحوها جرى عليه حكم اللقطة.
مسألة 801: لو وجد مالاً في دار معمورة يسكنها الغير، سواء كانت ملكاً له أو مستأجرة أو مستعارة بل ولو مغصوبة عرّفه الساكن، فإن ادّعى ملكيّته فهو له فليدفعه إليه بلا بيّنة، وكذا لو قال لا أدري، وإن سلبه عن نفسه فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلّا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 802: إذا اشترى دابّة أو سمكة أو حيواناً غيرهما فوجد في جوفها مالاً فقد تقدّم حكمه في كتاب الخمس المسألة (1197).
مسألة 803: ما يوجد مدفوناً في الخربة الدارسة التي باد أهلها وفي المفاوز وفي كلّ أرض لا ربّ لها فقد تقدّم حكمه في مبحث الكنز من كتاب الخمس.
وأمّا ما يوجد فيها مطروحاً غير مستتر في الأرض ونحوها فإن علم بشهادة بعض العلائم والخصوصيّات أنّه لأهل الأزمنة القديمة جدّاً بحيث عدّ عرفاً - بلحاظ تقادم السنين - مالاً بلا مالك جاز تملّكه إذا كان كذلك شرعاً، وإن علم بملاحظة العلائم والشواهد أنّه ليس لأهل زمن الواجد ولكن من دون أن يعدّ مالاً بلا مالك بل مالاً مجهول المالك فاللازم حينئذ الفحص عن مالكه فإن عرفه ردّه إلى وارثه إن كان وإلّا كان للإمام (عليه السلام) لأنّه وارث من لا وارث له، وإن لم يعرف المالك تصدّق به مع الاستئذان من الحاكم الشرعيّ على الأحوط لزوماً، وإن علم بملاحظة العلائم والقرائن أنّه لأهل زمن الواجد فإن أحرز كونه ضائعاً عن مالكه جرى عليه حكم اللقطة وإلّا جرى عليه حكم مجهول المالك.
مسألة 804: إذا انكسرت سفينة في البحر فتركها أصحابها وأباحوا ما فيها لمستخرجه فاستخرج شخص لنفسه شيئاً منها فهو له سواء أكان ذلك بغوص أم بغيره.
مسألة 805: إذا تبدّل حذاء الشخص بحذاء غيره جاز له التصرّف فيه بكلّ نحو يحرز رضا صاحبه به، ولو علم أنّه قد تعمّد التبديل ظلماً وعدواناً جاز له أن يقابله بالمثل فيأخذ حذاءه بدلاً عن حذاء نفسه بشرط أن لا تزيد قيمة المتروك على قيمة المأخوذ، وإلّا فالزيادة من مجهول المالك وتترتّب عليه أحكامه، وهكذا الحكم فيما لو علم أنّه قد اشتبه أوّلاً ولكنّه تسامح وتهاون في الردّ بعد الالتفات إلى اشتباهه، وأمّا في غير هاتين الصورتين - سواء علم باشتباهه حدوثاً وبقاءً أم احتمل الاشتباه ولم يتيقّنه - فتجري على المتروك حكم مجهول المالك.
هذا فيما إذا لم يكن الشخص هو الذي بدّل ماله بمال غيره - عمداً أو اشتباهاً - وإلّا فلا يجوز له التقاصّ منه بل يجب عليه ردّه إلى مالكه.