الكتب الفتوائية » منهاج الصالحين ـ الجزء الثاني (الطبعة المصححة 1445 هـ.)
البحث في:
كتاب الهبة ←
→ كتاب الإقرار
كتاب الوكالة
الوكالة هي: تسليط الغير على معاملة من عقد أو إيقاع أو ما هو من شؤونهما كالقبض والإقباض.
وتفترق عن الإذن المجرّد - الذي هو إنشاء الترخيص للغير في القيام بعمل تكوينيّ كالأكل أو اعتباريّ كالبيع - في جملة أُمور :
منها: توقّف الوكالة على القبول وعدم توقّف الإذن عليه.
ومنها: انفساخ الوكالة بفسخ الوكيل وعدم ارتفاع الإذن برفضه من قبل المأذون له.
ومنها: نفوذ تصرّف الوكيل حتّى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه العزل وعدم نفوذ تصرّف المأذون له إذا ثبت رجوع الآذن عن إذنه قبل وقوعه.
وتختلف الوكالة عن النيابة - التي هي الإتيان بالعمل الخارجيّ المعنون بعنوان اعتباريّ قصديّ الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلاً عنه - في جملة أُمور :
منها: إنّ العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكّل ويعدّ عملاً له فيقال: (باع زيد داره) وإن كان المباشر للبيع وكيله، وأمّا العمل الصادر من النائب كالصلاة والحجّ فلا يعدّ عملاً للمنوب عنه ولا ينسب إليه فلا يقال: (حجّ زيد) لو كان الحاجّ نائبه.
ومنها: إنّ النيابة على قسمين: ما تكون عن استنابة وما تكون تبرّعيّة، وأمّا الوكالة فلا تقع على وجه التبرّع.
مسألة 1261: الوكالة من العقود فلا بُدَّ فيها من الإيجاب والقبول بكلّ ما يدلّ عليهما من لفظ أو فعل، فلو دفع ماله إلى شخص ليبيعه وقبضه الوكيل بهذا العنوان صحّت الوكالة.
مسألة 1262: يصحّ التوكيل بالكتابة، فإذا قبل الوكيل صحّت الوكالة وإن كان الوكيل في بلد آخر وتأخّر وصول الكتاب إليه.
مسألة 1263: لا يعتبر التنجيز في الوكالة، فيجوز تعليقها على شـيء كأن يقول مثلاً : (إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي في أمر كذا)، كما يجوز تعليق متعلّق الوكالة والتصرّف الذي سلّطه عليه كأن يقول: (أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا).
مسألة 1264: يعتبر في الموكّل والوكيل: العقل والقصد والاختيار، ويعتبر في الموكّل البلوغ أيضاً إلّا فيما تصحّ مباشرته من الصبيّ المميّز، ولا يعتبر البلوغ في الوكيل فيصحّ أن يكون الصبيّ المميّز وكيلاً ولو بدون إذن وليّه.
مسألة 1265: يعتبر في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسَفَه أو فَلَسٍ فيما حجر عليهما فيه دون غيره كالطلاق ونحوه، كما يعتبر في الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما وكّل فيه فلا يجوز وكالة المُحْرِم فيما يحرم عليه كابتياع الصيد وقبضه وإيقاع عقد النكاح.
ويعتبر فيما وكّل فيه أن يكون في نفسه أمراً سائغاً شرعاً، فلا تصحّّ الوكالة في المعاملات الفاسدة كالبيع الربويّ وبيع الوقف من دون مسوّغ له والطلاق الفاقد للشرائط الشرعيّة ونحو ذلك.
مسألة 1266: لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصحّ وكالة الكافر بل والمرتدّ - وإن كان عن فطرة - عن المسلم والكافر، حتّى إذا كانت على مسلمٍ في استيفاء حقّ منه أو مخاصمة معه.
مسألة 1267: تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فَلَسٍ عن غيرهما ممّن لا حجر عليه لاختصاص ممنوعيّتها بالتصرّف في أموالهما.
مسألة 1268: لا يشترط في الموكّل أن يكون حال التوكيل مالكاً للتصرّف في العمل الموكّل فيه، فيجوز للشخص أن يوكّل غيره فيما لا يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاعه إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل كطلاق امرأة سيتزوّجها أو بيع دار سيشتريها أو أداء دين سيستدينه ونحو ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوكالة شاملة لما يتمكّن منه حين الوكالة بأن يوكّله في إيقاع الموقوف عليه ثُمَّ ما يتوقّف عليه كأن يوكّله في تزويج امرأة ثُمَّ طلاقها أو شراء مال ثُمَّ بيعه ونحو ذلك، وبين أن تكون مختصّة بالموقوف سواء أكان الموقوف عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدّة أو قابلاً له كالزواج والشراء في المثالين المتقدّمين.
مسألة 1269: لا تصحّ الوكالة فيما يعتبر إيقاعه مباشرة، ويعرف ذلك ببناء العرف والرجوع إلى مرتكزات المتشرّعة، ومنه اليمين ولا سيّما إذا كانت في مقام فصل الخصومة، ومنه أيضاً النذر والعهد واللعان والإيلاء والظهار والشهادة والإقرار .
مسألة 1270: إذا وكّل غيره في إرجاع مطلّقته الرجعيّة إليه قيل: إنّ ذلك بنفسه رجوع إليها، ولو وكّله في الإقرار عليه لزيد مثلاً بمال قيل: إنّه يعدّ بنفسه إقراراً منه لزيد به، ولكنّهما محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
مسألة 1271: يصحّ التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع، وكذا في الوصيّة والوقف وفي الطلاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه.
مسألة 1272: يصحّ التوكيل - كما تقدّم - في القبض والإقباض، سواء في موارد لزومهما كما في القرض بالنسبة لمتعلّقه والصرف بالنسبة إلى العوضين والسَّلَم بالنسبة إلى الثمن، وفي موارد عدم لزومهما كما إذا باع داره من زيد ووكّل عمراً في قبض الثمن، فإنّ قبض الوكيل في جميع هذه الموارد بمنزلة قبض الموكّل وكذلك الحال في الإقباض، ولا يعتبر في صحّة التوكيل حينئذٍ قدرة الموكّل على القبض خارجاً فيجوز للبائع غير القادر على أخذ الثمن من المشتري أن يوكّل من يقدر على أخذه منه فيكون أخذه بمنزلة أخذ الموكّل.
مسألة 1273: يجوز التوكيل في الطلاق غائباً كان الزوج أم حاضراً، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها.
مسألة 1274: يشترط في الموكّل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً، فلو قال: (وكّلتك) من غير تعيين (أو في أمر من الأُمور ) أو (في شـيء ممّا يتعلّق بي) ونحو ذلك لم يصحّ، نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق ولو كان بدليّاً كما سيأتي.
مسألة 1275: الوكالة: إمّا خاصّة، وإمّا عامّة، وإمّا مطلقة:
فالأُولى: ما تعلّقت بتصرّف معيّن في مورد معيّن، كما إذا وكّله في شراء كتاب شخصيّ معيّن، وهذا ممّا لا إشكال في صحّته.
وأمّا الثانية: فإمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة المشروعة في داره المعيّنة من بيعها وهبتها وإجارتها وغيرها، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه، وإمّا عامّة في كلتا الجهتين، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة المشروعة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما يحقّ له بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته.
وأمّا الثالثة: فقد تكون مطلقة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه، كما إذا وكّله في أن يبيع داره المعيّنة بيعاً لازماً أو خياريّاً أو يَرْهَنَها أو يؤجرها أو نحو ذلك وأوكل التعيين إلى نظره، وقد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابّه أو غيرها فوكّل شخصاً في أن يبيع أحدها وفوّض الأمر في تعيينه بنظره ومصلحته، وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين، كما إذا وكّله في إيقاع أحد العقود المعاوضيّة من البيع أو الصلح أو الإجارة مثلاً على أحد أملاكه من داره أو دكّانه أو مخزنه مثلاً وأوكل التعيين من الجهتين إلى نظره، والظاهر صحّة الجميع.
مسألة 1276: الوكيل في معاملة يكون على ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن يكون وكيلاً في مجرّد إجراء العقد.
الثاني: أن يكون وكيلاً مفوّضاً إليه أمر المعاملة وما يَتْبَعُها كعامل المضاربة، ويكون حينئذٍ بحكم المالك المباشر للعقد، فيرجع عليه البائع بالثمن ويدفع إليه المبيع، ويرجع عليه المشتري بالمثمن ويدفع إليه الثمن، ويثبت له الخيار عند تحقّق موجبه، ولو ثبت الخيار للطرف الآخر لعيب أو غيره ردّ عليه العين وأخذ منه العوض.
الثالث: أن يكون وكيلاً مفوّضاً في المعاملة فقط دون ما يتبعها، والحال فيه كما في سابقه، إلّا فيما إذا ثبت الخيار للطرف الآخر فإنّه إذا فسخ رجع إلى المالك في الردّ والاسترداد لا إلى الوكيل.
مسألة 1277: يقتصر الوكيل في التصرّف على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة، ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ من يوكّل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا، كما لو أعطى المال بيده ووكّله في بيعه أو الشراء به فإنّه يشمل تسليم المبيع حال قبض الثمن في البيع وتسليم الثمن حال قبض المثمن في الشراء دون إعمال الخيار بعيب أو غبن أو غيرهما إلّا إذا شهدت قرائن الأحوال على أنّه قد وكّله فيه أيضاً.
مسألة 1278: الإطلاق في الوكالة في البيع يقتضي البيع حالّاً بثمن المثل بنقد البلد، وفي الشراء يقتضي ابتياع الصحيح والردّ بالعيب.
مسألة 1279: إذا خالف الوكيل ما عُيِّن له وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة، فإن كان ممّا يجري فيه الفضوليّة كالعقود توقّفت صحّته على إجازة الموكّل وإلّا بطل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيّات كما إذا وكّله في أن يبيع نقداً فباع نسيئة أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا، وليس منه ما لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصيّة أيضاً كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين إذا كان الظاهر منه عرفاً أنّ تحديد الثمن بدينار إنّما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف النقيصة والزيادة معاً فكأنّه قال له: (بعها بما لا يقلّ عن دينار ).
نعم لو لم يكن كذلك واحتمل أن يكون مقصوده التحديد به زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضوليّاً يحتاج إلى الإجازة، ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معيّن فباعها في غيرها بذلك الثمن، فإنّه ربّما يفهم عرفاً أنّه ليس الغرض إلّا تحصيل الثمن المحدّد، فيكون ذكر السوق المخصوص من جهة أنّه أحد الأفراد التي يحصل فيها الغرض، وربّما يحصل الإجمال عرفاً ويحتمل - احتمالاً معتدّاً به - تعلّق غرضه بخصوص السوق التي ذكرها فلا يجوز التعدّي عنه.
مسألة 1280: يجوز للوليّ كالأب والجدّ من جهته للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية فيه.
مسألة 1281: لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما وُكِّلَ فيه لا عن نفسه ولا عن المُوَكِّل إلّا بإذن المُوَكِّل، ويجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن عيّن المُوَكِّل في إذنه أحدهما أو الجامع بينهما صريحاً بأن قال مثلاً : (وكّلْ غيرك عنّي أو عنك) فهو المتَّبع، وكذا لو لم يصرّح بالتعيين ولكنّه فهم من كلامه لقرينة حاليّة أو مقاليّة، وأمّا مع الإجمال والإبهام فيتوقّف على التفسير والتعيين لاحقاً.
مسألة 1282: لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الوكيل الأوّل، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأوّل يبقى الثاني على وكالته، وأمّا لو كان وكيلاً عن الوكيل كان له أن يعزله وكانت وكالته تبعاً لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته، وهل للموكّل أن يعزله حينئذٍ من دون أن يعزل الوكيل الأوّل؟ الصحيح أنّ له ذلك.
مسألة 1283: يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد، فإن فهم من كلام الموكّل إرادته انفرادهما فيه جاز لكلٍّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، وإلّا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلاً : (وكّلتكما) أو (أنتما وكيلاي) ونحو ذلك، ولو مات أحدهما بطلت وكالة الجميع مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته وبقي وكالة الباقي فيما لو فهم منه إرادة الانفراد.
مسألة 1284: الوكالة عقد جائز من الطرفين - ما لم يجعل شرطاً في عقد لازم - فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته، وكذا للموكّل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه، فلو أنشأ عزله ولكن لم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه العزل بطريق معتبر شرعاً كان ماضياً نافذاً.
مسألة 1285: تبطل الوكالة - حتّى في مورد لزومها - بموت الوكيل أو الموكّل وكذا بجنون أحدهما أو إغمائه إن كان مطبقاً، وأمّا إن كان أدواريّاً فبطلانها في زمان الجنون أو الإغماء - فضلاً عمّا بعده - محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وتبطل الوكالة أيضاً بتلف موردها كالحيوان الذي وُكِّل في بيعه، وبفعل الموَكِّل ما تعلّقت به الوكالة كما لو وكّله في بيع سلعة ثُمَّ باعها، وبفعل الموكِّل ما ينافيه كما لو وكّله في بيع دار ثُمَّ أوقفه.
مسألة 1286: إذا عَرَضَ الحَجْر على المُوَكِّل فيما وَكَّلَ فيه كان ذلك موجباً لعدم صحّة تصرّف الوكيل ما دام الموكّل محجوراً عليه، ولكن لا يكون مبطلاً للوكالة بحيث لا يصحّ تصرّفه بعد زوال الحجر أيضاً.
مسألة 1287: يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة، فيجوز لكلٍّ من المدّعي والمدّعى عليه أن يوكّل شخصاً عن نفسه، بل يكره لذوي المُرُوّات أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان، ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
مسألة 1288: يجوز للحاكم الشرعيّ التوكيل لمن له الولاية عليه من سفيه أو غيره إذا حصل بينه و بين غيره منازعة استدعت المرافعة عند الحاكم فيتّخذ له وكيلاً ليدافع عن حقّه أمامه.
مسألة 1289: الوكيل في المرافعة إن كان وكيلاً عن المدّعي كانت وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم وإقامة البيّنة وتعديلها وطلب تحليف المنكر والحكم على الخصم والقضاء عليه، وبالجملة: كلّ ما يقع وسيلة إلى الإثبات، وأمّا الوكيل عن المدّعى عليه فوظيفته الإنكار والطعن على الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها، وبالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن.
مسألة 1290: لو ادّعى منكر الدَّيْن مثلاً في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدّعياً، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم، وصارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار والطعن في الشهود وغير ذلك.
مسألة 1291: لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله، فإذا أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ الشهود فسقة أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو في غيره، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.
مسألة 1292: الوكيل في المرافعة لا يملك الصلح عن الحقّ ولا الإبراء منه إلّا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً.
مسألة 1293: يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً في المرافعة كسائر الأُمور، فإن لم يفهم من كلامه استقلال كلّ واحد منهما فيها لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران ويعضد كلّ واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما.
مسألة 1294: إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضور الحاكم الشرعيّ في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصيّة ثُمَّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادّعى عند الحاكم أنّه وكيل في الدعوى وأقام البيّنة عنده على وكالته، وأمّا إذا ادّعى الوكالة من دون بيّنة عليها فإن لم يحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، وإذا صدّقه فيها يسمع دعواه لكن لن يثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث يكون حجّة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقّيّة المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ، وأمّا إذا قضت بحقّيّة المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها.
مسألة 1295: إذا وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه وثبّته لم يكن له قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.
مسألة 1296: لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.
مسألة 1297: يجوز جَعلُ جُعْلٍ للوكيل ولكنّه إنّما يستحقّ الجُعْل بتسليم العمل الموكَّل فيه، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعْلاً كان للوكيل مطالبة الموكِّل به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت حقّه استحقّ الجُعْل بمجرّد إتمام المرافعة وثبوت الحقّ و إن لم يتسلّمه الموكّل، ولو جعل الجُعْل له على أصل قبول الوكالة استحقّه بمجرّد قبولها.
مسألة 1298: لو وكّله في قبض دَيْنه من شخص فمات قبل الأداء بطلت الوكالة ولم يكن له مطالبة وارثه، نعم لو كانت الوكالة شاملة لأخذ الدَّيْن ولو من الورثة لم تبطل الوكالة وكان حينئذٍ للوكيل مطالبة الورثة بذلك.
مسألة 1299: لو وكّله في استيفاء دَيْنه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل: (خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان) يعني موكّله فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ولو بوكيله أو وليّه، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله، ولو قال: (خذها عن الدَّيْن الذي تطالبني به لفلان) فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد وليس له الاسترداد.
مسألة 1300: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما دفعه إليه الموكّل لا يضمنه إلّا مع التعدّي أو التفريط، فلو تلف اتّفاقاً من دون أن يقصّر في حفظه أو يتصرّف فيه بغير ما أجازه الموكِّل فيه لم يكن عليه شـيء، وأمّا لو قصّر في حفظه أو تعدّى وتصرّف فيه بغير ما أجازه الموكّل وتلف ضمنه، فلو لبس الثوب الذي وُكِّل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه، وأمّا لو رجع عن تعدّيه ثُمَّ تلف فالصحيح براءته عن الضمان.
مسألة 1301: لو تصرّف الوكيل في المال الذي دفعه الموكّل إليه بغير ما أجازه لم تبطل وكالته، فيصحّ منه الإتيان بما هو وكيل فيه، فلو توكّل في بيع ثوب فلبسه ثُمَّ باعه صحّ البيع.
مسألة 1302: يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكّل أو وكيله مع القدرة والمطالبة، فلو تخلّف عنه كان ضامناً.
مسألة 1303: لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل إلّا إذا وكّله في أن يودّعه عنده مع الإشهاد - ولو لانصراف إطلاقه إليه - فأودع بلا إشهاد، وكذا الحال فيما لو وكّله في قضاء دَيْنه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
مسألة 1304: إذا وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال، وإن أطلق وقال: (أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلانيّ) عمّ نفس الوكيل، فيجوز له أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه إلّا مع انصراف الإطلاق إلى غيره.
مسألة 1305: لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلّا بشاهدين عدلين.
مسألة 1306: لو زوّجه فأنكر الموكّل الوكالة حلف وعلى الوكيل نصف المهر لها وعلى الموكّل إن كان كاذباً في إنكاره الزوجيّة طلاقها، ولو لم يفعل وقد علمت الزوجة بكذبه رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليطلّقها.
مسألة 1307: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها بيمينه، ولو اختلفا في التلف أو في تقصير الوكيل أو في العزل أو العلم به أو في التصرّف فالقول قول الوكيل بيمينه، وإذا ادّعى الوكيل الإذن في البيع بثمن معيّن وأنكره الموكّل فالقول قوله بيمينه فإن وجدت العين استعيدت وإن فقدت أو تعذّرت فالمثل، أو القيمة إن لم تكن مثليّة.
مسألة 1308: إذا اختلفا في ردّ المال إلى الموكّل فالقول قول الموكّل بيمينه، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه، أو اختلف الأولياء - حتّى الأب والجدّ - مع المولّىٰ عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك، نعم لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم كان القول قول الأولياء بيمينهم.
مسألة 1309: قبول قول الوكيل أو غيره مع اليمين في الموارد المتقدّمة منوط بعدم كونه مخالفاً للظاهر، مثلاً لو ادّعى الوكيل تلف ما دفعه إليه الموكّل بحريق أصابه وحده وقد كان بين أمواله لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة.
كتاب الهبة ←
→ كتاب الإقرار
وتفترق عن الإذن المجرّد - الذي هو إنشاء الترخيص للغير في القيام بعمل تكوينيّ كالأكل أو اعتباريّ كالبيع - في جملة أُمور :
منها: توقّف الوكالة على القبول وعدم توقّف الإذن عليه.
ومنها: انفساخ الوكالة بفسخ الوكيل وعدم ارتفاع الإذن برفضه من قبل المأذون له.
ومنها: نفوذ تصرّف الوكيل حتّى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه العزل وعدم نفوذ تصرّف المأذون له إذا ثبت رجوع الآذن عن إذنه قبل وقوعه.
وتختلف الوكالة عن النيابة - التي هي الإتيان بالعمل الخارجيّ المعنون بعنوان اعتباريّ قصديّ الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلاً عنه - في جملة أُمور :
منها: إنّ العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكّل ويعدّ عملاً له فيقال: (باع زيد داره) وإن كان المباشر للبيع وكيله، وأمّا العمل الصادر من النائب كالصلاة والحجّ فلا يعدّ عملاً للمنوب عنه ولا ينسب إليه فلا يقال: (حجّ زيد) لو كان الحاجّ نائبه.
ومنها: إنّ النيابة على قسمين: ما تكون عن استنابة وما تكون تبرّعيّة، وأمّا الوكالة فلا تقع على وجه التبرّع.
مسألة 1261: الوكالة من العقود فلا بُدَّ فيها من الإيجاب والقبول بكلّ ما يدلّ عليهما من لفظ أو فعل، فلو دفع ماله إلى شخص ليبيعه وقبضه الوكيل بهذا العنوان صحّت الوكالة.
مسألة 1262: يصحّ التوكيل بالكتابة، فإذا قبل الوكيل صحّت الوكالة وإن كان الوكيل في بلد آخر وتأخّر وصول الكتاب إليه.
مسألة 1263: لا يعتبر التنجيز في الوكالة، فيجوز تعليقها على شـيء كأن يقول مثلاً : (إذا قدم زيد أو جاء رأس الشهر فأنت وكيلي في أمر كذا)، كما يجوز تعليق متعلّق الوكالة والتصرّف الذي سلّطه عليه كأن يقول: (أنت وكيلي في أن تبيع داري إذا قدم زيد أو وكّلتك في شراء كذا في وقت كذا).
مسألة 1264: يعتبر في الموكّل والوكيل: العقل والقصد والاختيار، ويعتبر في الموكّل البلوغ أيضاً إلّا فيما تصحّ مباشرته من الصبيّ المميّز، ولا يعتبر البلوغ في الوكيل فيصحّ أن يكون الصبيّ المميّز وكيلاً ولو بدون إذن وليّه.
مسألة 1265: يعتبر في الموكّل كونه جائز التصرّف فيما وكّل فيه، فلا يصحّ توكيل المحجور عليه لسَفَه أو فَلَسٍ فيما حجر عليهما فيه دون غيره كالطلاق ونحوه، كما يعتبر في الوكيل كونه متمكّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما وكّل فيه فلا يجوز وكالة المُحْرِم فيما يحرم عليه كابتياع الصيد وقبضه وإيقاع عقد النكاح.
ويعتبر فيما وكّل فيه أن يكون في نفسه أمراً سائغاً شرعاً، فلا تصحّّ الوكالة في المعاملات الفاسدة كالبيع الربويّ وبيع الوقف من دون مسوّغ له والطلاق الفاقد للشرائط الشرعيّة ونحو ذلك.
مسألة 1266: لا يشترط في الوكيل الإسلام، فتصحّ وكالة الكافر بل والمرتدّ - وإن كان عن فطرة - عن المسلم والكافر، حتّى إذا كانت على مسلمٍ في استيفاء حقّ منه أو مخاصمة معه.
مسألة 1267: تصحّ وكالة المحجور عليه لسفه أو فَلَسٍ عن غيرهما ممّن لا حجر عليه لاختصاص ممنوعيّتها بالتصرّف في أموالهما.
مسألة 1268: لا يشترط في الموكّل أن يكون حال التوكيل مالكاً للتصرّف في العمل الموكّل فيه، فيجوز للشخص أن يوكّل غيره فيما لا يتمكّن شرعاً أو عقلاً من إيقاعه إلّا بعد حصول أمر غير حاصل حين التوكيل كطلاق امرأة سيتزوّجها أو بيع دار سيشتريها أو أداء دين سيستدينه ونحو ذلك، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الوكالة شاملة لما يتمكّن منه حين الوكالة بأن يوكّله في إيقاع الموقوف عليه ثُمَّ ما يتوقّف عليه كأن يوكّله في تزويج امرأة ثُمَّ طلاقها أو شراء مال ثُمَّ بيعه ونحو ذلك، وبين أن تكون مختصّة بالموقوف سواء أكان الموقوف عليه غير قابل للتوكيل كانقضاء العدّة أو قابلاً له كالزواج والشراء في المثالين المتقدّمين.
مسألة 1269: لا تصحّ الوكالة فيما يعتبر إيقاعه مباشرة، ويعرف ذلك ببناء العرف والرجوع إلى مرتكزات المتشرّعة، ومنه اليمين ولا سيّما إذا كانت في مقام فصل الخصومة، ومنه أيضاً النذر والعهد واللعان والإيلاء والظهار والشهادة والإقرار .
مسألة 1270: إذا وكّل غيره في إرجاع مطلّقته الرجعيّة إليه قيل: إنّ ذلك بنفسه رجوع إليها، ولو وكّله في الإقرار عليه لزيد مثلاً بمال قيل: إنّه يعدّ بنفسه إقراراً منه لزيد به، ولكنّهما محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيهما.
مسألة 1271: يصحّ التوكيل في جميع العقود كالبيع والصلح والإجارة والهبة والعارية والوديعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشركة والضمان والحوالة والكفالة والوكالة والنكاح إيجاباً وقبولاً في الجميع، وكذا في الوصيّة والوقف وفي الطلاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها وفسخ العقد في موارد ثبوت الخيار وإسقاطه.
مسألة 1272: يصحّ التوكيل - كما تقدّم - في القبض والإقباض، سواء في موارد لزومهما كما في القرض بالنسبة لمتعلّقه والصرف بالنسبة إلى العوضين والسَّلَم بالنسبة إلى الثمن، وفي موارد عدم لزومهما كما إذا باع داره من زيد ووكّل عمراً في قبض الثمن، فإنّ قبض الوكيل في جميع هذه الموارد بمنزلة قبض الموكّل وكذلك الحال في الإقباض، ولا يعتبر في صحّة التوكيل حينئذٍ قدرة الموكّل على القبض خارجاً فيجوز للبائع غير القادر على أخذ الثمن من المشتري أن يوكّل من يقدر على أخذه منه فيكون أخذه بمنزلة أخذ الموكّل.
مسألة 1273: يجوز التوكيل في الطلاق غائباً كان الزوج أم حاضراً، بل يجوز توكيل الزوجة في أن تطلّق نفسها بنفسها، أو بأن توكّل الغير عن الزوج أو عن نفسها.
مسألة 1274: يشترط في الموكّل فيه التعيين، بأن لا يكون مجهولاً أو مبهماً، فلو قال: (وكّلتك) من غير تعيين (أو في أمر من الأُمور ) أو (في شـيء ممّا يتعلّق بي) ونحو ذلك لم يصحّ، نعم لا بأس بالتعميم أو الإطلاق ولو كان بدليّاً كما سيأتي.
مسألة 1275: الوكالة: إمّا خاصّة، وإمّا عامّة، وإمّا مطلقة:
فالأُولى: ما تعلّقت بتصرّف معيّن في مورد معيّن، كما إذا وكّله في شراء كتاب شخصيّ معيّن، وهذا ممّا لا إشكال في صحّته.
وأمّا الثانية: فإمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة المشروعة في داره المعيّنة من بيعها وهبتها وإجارتها وغيرها، وإمّا بالعكس كما إذا وكّله في بيع جميع ما يملكه، وإمّا عامّة في كلتا الجهتين، كما إذا وكّله في جميع التصرّفات الممكنة المشروعة في جميع ما يملكه أو في إيقاع جميع ما يحقّ له بحيث يشمل التزويج له وطلاق زوجته.
وأمّا الثالثة: فقد تكون مطلقة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه، كما إذا وكّله في أن يبيع داره المعيّنة بيعاً لازماً أو خياريّاً أو يَرْهَنَها أو يؤجرها أو نحو ذلك وأوكل التعيين إلى نظره، وقد تكون بالعكس كما إذا احتاج إلى بيع أحد أملاكه من داره أو عقاره أو دوابّه أو غيرها فوكّل شخصاً في أن يبيع أحدها وفوّض الأمر في تعيينه بنظره ومصلحته، وقد تكون مطلقة من كلتا الجهتين، كما إذا وكّله في إيقاع أحد العقود المعاوضيّة من البيع أو الصلح أو الإجارة مثلاً على أحد أملاكه من داره أو دكّانه أو مخزنه مثلاً وأوكل التعيين من الجهتين إلى نظره، والظاهر صحّة الجميع.
مسألة 1276: الوكيل في معاملة يكون على ثلاثة أقسام:
الأوّل: أن يكون وكيلاً في مجرّد إجراء العقد.
الثاني: أن يكون وكيلاً مفوّضاً إليه أمر المعاملة وما يَتْبَعُها كعامل المضاربة، ويكون حينئذٍ بحكم المالك المباشر للعقد، فيرجع عليه البائع بالثمن ويدفع إليه المبيع، ويرجع عليه المشتري بالمثمن ويدفع إليه الثمن، ويثبت له الخيار عند تحقّق موجبه، ولو ثبت الخيار للطرف الآخر لعيب أو غيره ردّ عليه العين وأخذ منه العوض.
الثالث: أن يكون وكيلاً مفوّضاً في المعاملة فقط دون ما يتبعها، والحال فيه كما في سابقه، إلّا فيما إذا ثبت الخيار للطرف الآخر فإنّه إذا فسخ رجع إلى المالك في الردّ والاسترداد لا إلى الوكيل.
مسألة 1277: يقتصر الوكيل في التصرّف على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً ولو بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة، ولو كانت هي العادة الجارية على أنّ من يوكّل في أمر كذا يريد ما يشمل كذا، كما لو أعطى المال بيده ووكّله في بيعه أو الشراء به فإنّه يشمل تسليم المبيع حال قبض الثمن في البيع وتسليم الثمن حال قبض المثمن في الشراء دون إعمال الخيار بعيب أو غبن أو غيرهما إلّا إذا شهدت قرائن الأحوال على أنّه قد وكّله فيه أيضاً.
مسألة 1278: الإطلاق في الوكالة في البيع يقتضي البيع حالّاً بثمن المثل بنقد البلد، وفي الشراء يقتضي ابتياع الصحيح والردّ بالعيب.
مسألة 1279: إذا خالف الوكيل ما عُيِّن له وأتى بالعمل على نحو لم يشمله عقد الوكالة، فإن كان ممّا يجري فيه الفضوليّة كالعقود توقّفت صحّته على إجازة الموكّل وإلّا بطل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التخالف بالمباينة، كما إذا وكّله في بيع داره فآجرها، أو ببعض الخصوصيّات كما إذا وكّله في أن يبيع نقداً فباع نسيئة أو بالعكس، أو يبيع بخيار فباع بدونه أو بالعكس، أو يبيعه من فلان فباعه من غيره وهكذا، وليس منه ما لو علم شمول التوكيل لفاقد الخصوصيّة أيضاً كما إذا وكّله في أن يبيع السلعة بدينار فباعها بدينارين إذا كان الظاهر منه عرفاً أنّ تحديد الثمن بدينار إنّما هو من طرف النقيصة فقط لا من طرف النقيصة والزيادة معاً فكأنّه قال له: (بعها بما لا يقلّ عن دينار ).
نعم لو لم يكن كذلك واحتمل أن يكون مقصوده التحديد به زيادة ونقيصة كان بيعها بالزيادة كبيعها بالنقيصة فضوليّاً يحتاج إلى الإجازة، ومن هذا القبيل ما إذا وكّله في أن يبيعها في سوق مخصوصة بثمن معيّن فباعها في غيرها بذلك الثمن، فإنّه ربّما يفهم عرفاً أنّه ليس الغرض إلّا تحصيل الثمن المحدّد، فيكون ذكر السوق المخصوص من جهة أنّه أحد الأفراد التي يحصل فيها الغرض، وربّما يحصل الإجمال عرفاً ويحتمل - احتمالاً معتدّاً به - تعلّق غرضه بخصوص السوق التي ذكرها فلا يجوز التعدّي عنه.
مسألة 1280: يجوز للوليّ كالأب والجدّ من جهته للصغير أن يوكّل غيره فيما يتعلّق بالمولّى عليه ممّا له الولاية فيه.
مسألة 1281: لا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره في إيقاع ما وُكِّلَ فيه لا عن نفسه ولا عن المُوَكِّل إلّا بإذن المُوَكِّل، ويجوز بإذنه بكلا النحوين، فإن عيّن المُوَكِّل في إذنه أحدهما أو الجامع بينهما صريحاً بأن قال مثلاً : (وكّلْ غيرك عنّي أو عنك) فهو المتَّبع، وكذا لو لم يصرّح بالتعيين ولكنّه فهم من كلامه لقرينة حاليّة أو مقاليّة، وأمّا مع الإجمال والإبهام فيتوقّف على التفسير والتعيين لاحقاً.
مسألة 1282: لو كان الوكيل الثاني وكيلاً عن الموكّل كان في عرض الوكيل الأوّل، فليس له أن يعزله ولا ينعزل بانعزاله، بل لو مات الأوّل يبقى الثاني على وكالته، وأمّا لو كان وكيلاً عن الوكيل كان له أن يعزله وكانت وكالته تبعاً لوكالته فينعزل بانعزاله أو موته، وهل للموكّل أن يعزله حينئذٍ من دون أن يعزل الوكيل الأوّل؟ الصحيح أنّ له ذلك.
مسألة 1283: يجوز أن يتوكّل اثنان فصاعداً عن واحد في أمر واحد، فإن فهم من كلام الموكّل إرادته انفرادهما فيه جاز لكلٍّ منهما الاستقلال في التصرّف من دون مراجعة الآخر، وإلّا لم يجز الانفراد لأحدهما ولو مع غيبة صاحبه أو عجزه، سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق بأن قال مثلاً : (وكّلتكما) أو (أنتما وكيلاي) ونحو ذلك، ولو مات أحدهما بطلت وكالة الجميع مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته وبقي وكالة الباقي فيما لو فهم منه إرادة الانفراد.
مسألة 1284: الوكالة عقد جائز من الطرفين - ما لم يجعل شرطاً في عقد لازم - فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكّل وغيبته، وكذا للموكّل أن يعزله، لكن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إيّاه، فلو أنشأ عزله ولكن لم يطّلع عليه الوكيل لم ينعزل، فلو أمضى أمراً قبل أن يبلغه العزل بطريق معتبر شرعاً كان ماضياً نافذاً.
مسألة 1285: تبطل الوكالة - حتّى في مورد لزومها - بموت الوكيل أو الموكّل وكذا بجنون أحدهما أو إغمائه إن كان مطبقاً، وأمّا إن كان أدواريّاً فبطلانها في زمان الجنون أو الإغماء - فضلاً عمّا بعده - محلّ إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، وتبطل الوكالة أيضاً بتلف موردها كالحيوان الذي وُكِّل في بيعه، وبفعل الموَكِّل ما تعلّقت به الوكالة كما لو وكّله في بيع سلعة ثُمَّ باعها، وبفعل الموكِّل ما ينافيه كما لو وكّله في بيع دار ثُمَّ أوقفه.
مسألة 1286: إذا عَرَضَ الحَجْر على المُوَكِّل فيما وَكَّلَ فيه كان ذلك موجباً لعدم صحّة تصرّف الوكيل ما دام الموكّل محجوراً عليه، ولكن لا يكون مبطلاً للوكالة بحيث لا يصحّ تصرّفه بعد زوال الحجر أيضاً.
مسألة 1287: يجوز التوكيل في الخصومة والمرافعة، فيجوز لكلٍّ من المدّعي والمدّعى عليه أن يوكّل شخصاً عن نفسه، بل يكره لذوي المُرُوّات أن يتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم، خصوصاً إذا كان الطرف بذيء اللسان، ولا يعتبر رضا صاحبه، فليس له الامتناع عن خصومة الوكيل.
مسألة 1288: يجوز للحاكم الشرعيّ التوكيل لمن له الولاية عليه من سفيه أو غيره إذا حصل بينه و بين غيره منازعة استدعت المرافعة عند الحاكم فيتّخذ له وكيلاً ليدافع عن حقّه أمامه.
مسألة 1289: الوكيل في المرافعة إن كان وكيلاً عن المدّعي كانت وظيفته بثّ الدعوى على المدّعى عليه عند الحاكم وإقامة البيّنة وتعديلها وطلب تحليف المنكر والحكم على الخصم والقضاء عليه، وبالجملة: كلّ ما يقع وسيلة إلى الإثبات، وأمّا الوكيل عن المدّعى عليه فوظيفته الإنكار والطعن على الشهود وإقامة بيّنة الجرح ومطالبة الحاكم بسماعها والحكم بها، وبالجملة: عليه السعي في الدفع ما أمكن.
مسألة 1290: لو ادّعى منكر الدَّيْن مثلاً في أثناء مرافعة وكيله ومدافعته عنه الأداء أو الإبراء انقلب مدّعياً، وصارت وظيفة وكيله إقامة البيّنة على هذه الدعوى وطلب الحكم بها من الحاكم، وصارت وظيفة وكيل خصمه الإنكار والطعن في الشهود وغير ذلك.
مسألة 1291: لا يقبل إقرار الوكيل في الخصومة على موكّله، فإذا أقرّ وكيل المدّعي بالقبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ الشهود فسقة أو أقرّ وكيل المدّعى عليه بالحقّ للمدّعي لم يقبل وبقيت الخصومة على حالها، سواء أقرّ في مجلس الحكم أو في غيره، لكن ينعزل وتبطل وكالته وليس له المرافعة لأنّه بعد الإقرار ظالم في الخصومة بزعمه.
مسألة 1292: الوكيل في المرافعة لا يملك الصلح عن الحقّ ولا الإبراء منه إلّا أن يكون وكيلاً في ذلك أيضاً.
مسألة 1293: يجوز أن يوكّل اثنين فصاعداً في المرافعة كسائر الأُمور، فإن لم يفهم من كلامه استقلال كلّ واحد منهما فيها لم يستقلّ بها أحدهما، بل يتشاوران ويعضد كلّ واحد منهما صاحبه ويعينه على ما فوّض إليهما.
مسألة 1294: إذا وكّل الرجل وكيلاً بحضور الحاكم الشرعيّ في خصوماته واستيفاء حقوقه مطلقاً أو في خصومة شخصيّة ثُمَّ قدّم الوكيل خصماً لموكّله ونشر الدعوى عليه يسمع الحاكم دعواه عليه، وكذا إذا ادّعى عند الحاكم أنّه وكيل في الدعوى وأقام البيّنة عنده على وكالته، وأمّا إذا ادّعى الوكالة من دون بيّنة عليها فإن لم يحضر خصماً عنده أو أحضر ولم يصدّقه في وكالته لم يسمع دعواه، وإذا صدّقه فيها يسمع دعواه لكن لن يثبت بذلك وكالته عن موكّله بحيث يكون حجّة عليه، فإذا قضت موازين القضاء بحقّيّة المدّعي يلزم المدّعى عليه بالحقّ، وأمّا إذا قضت بحقّيّة المدّعى عليه فالمدّعي على حجّته، فإذا أنكر الوكالة تبقى دعواه على حالها.
مسألة 1295: إذا وكّله في الدعوى وتثبيت حقّه على خصمه وثبّته لم يكن له قبض الحقّ، فللمحكوم عليه أن يمتنع عن تسليم ما ثبت عليه إلى الوكيل.
مسألة 1296: لو وكّله في استيفاء حقّ له على غيره فجحده من عليه الحقّ لم يكن للوكيل مخاصمته والمرافعة معه وتثبيت الحقّ عليه ما لم يكن وكيلاً في الخصومة.
مسألة 1297: يجوز جَعلُ جُعْلٍ للوكيل ولكنّه إنّما يستحقّ الجُعْل بتسليم العمل الموكَّل فيه، فلو وكّله في البيع أو الشراء وجعل له جُعْلاً كان للوكيل مطالبة الموكِّل به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم يتسلّم الموكّل الثمن أو المثمن، وكذا لو وكّله في المرافعة وتثبيت حقّه استحقّ الجُعْل بمجرّد إتمام المرافعة وثبوت الحقّ و إن لم يتسلّمه الموكّل، ولو جعل الجُعْل له على أصل قبول الوكالة استحقّه بمجرّد قبولها.
مسألة 1298: لو وكّله في قبض دَيْنه من شخص فمات قبل الأداء بطلت الوكالة ولم يكن له مطالبة وارثه، نعم لو كانت الوكالة شاملة لأخذ الدَّيْن ولو من الورثة لم تبطل الوكالة وكان حينئذٍ للوكيل مطالبة الورثة بذلك.
مسألة 1299: لو وكّله في استيفاء دَيْنه من زيد فجاء إلى زيد للمطالبة فقال زيد للوكيل: (خذ هذه الدراهم واقض بها دين فلان) يعني موكّله فأخذها صار الوكيل وكيل زيد في قضاء دينه وكانت الدراهم باقية على ملك زيد ما لم يقبضها صاحب الدين ولو بوكيله أو وليّه، فلزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل، ولو تلفت عنده بقي الدين بحاله، ولو قال: (خذها عن الدَّيْن الذي تطالبني به لفلان) فأخذها كان قابضاً للموكّل وبرئت ذمّة زيد وليس له الاسترداد.
مسألة 1300: الوكيل أمين بالنسبة إلى ما دفعه إليه الموكّل لا يضمنه إلّا مع التعدّي أو التفريط، فلو تلف اتّفاقاً من دون أن يقصّر في حفظه أو يتصرّف فيه بغير ما أجازه الموكِّل فيه لم يكن عليه شـيء، وأمّا لو قصّر في حفظه أو تعدّى وتصرّف فيه بغير ما أجازه الموكّل وتلف ضمنه، فلو لبس الثوب الذي وُكِّل في بيعه وتلف حينذاك لزمه عوضه، وأمّا لو رجع عن تعدّيه ثُمَّ تلف فالصحيح براءته عن الضمان.
مسألة 1301: لو تصرّف الوكيل في المال الذي دفعه الموكّل إليه بغير ما أجازه لم تبطل وكالته، فيصحّ منه الإتيان بما هو وكيل فيه، فلو توكّل في بيع ثوب فلبسه ثُمَّ باعه صحّ البيع.
مسألة 1302: يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكّل أو وكيله مع القدرة والمطالبة، فلو تخلّف عنه كان ضامناً.
مسألة 1303: لو وكّله في إيداع مال فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعي لم يضمنه الوكيل إلّا إذا وكّله في أن يودّعه عنده مع الإشهاد - ولو لانصراف إطلاقه إليه - فأودع بلا إشهاد، وكذا الحال فيما لو وكّله في قضاء دَيْنه فأدّاه بلا إشهاد وأنكر الدائن.
مسألة 1304: إذا وكّله في بيع سلعة أو شراء متاع فإن صرّح بكون البيع أو الشراء من غيره أو بما يعمّ نفسه فلا إشكال، وإن أطلق وقال: (أنت وكيلي في أن تبيع هذه السلعة أو تشتري لي المتاع الفلانيّ) عمّ نفس الوكيل، فيجوز له أن يبيع السلعة من نفسه أو يشتري له المتاع من نفسه إلّا مع انصراف الإطلاق إلى غيره.
مسألة 1305: لا تثبت الوكالة عند الاختلاف إلّا بشاهدين عدلين.
مسألة 1306: لو زوّجه فأنكر الموكّل الوكالة حلف وعلى الوكيل نصف المهر لها وعلى الموكّل إن كان كاذباً في إنكاره الزوجيّة طلاقها، ولو لم يفعل وقد علمت الزوجة بكذبه رفعت أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليطلّقها.
مسألة 1307: إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول منكرها بيمينه، ولو اختلفا في التلف أو في تقصير الوكيل أو في العزل أو العلم به أو في التصرّف فالقول قول الوكيل بيمينه، وإذا ادّعى الوكيل الإذن في البيع بثمن معيّن وأنكره الموكّل فالقول قوله بيمينه فإن وجدت العين استعيدت وإن فقدت أو تعذّرت فالمثل، أو القيمة إن لم تكن مثليّة.
مسألة 1308: إذا اختلفا في ردّ المال إلى الموكّل فالقول قول الموكّل بيمينه، وكذا الحال فيما إذا اختلف الوصيّ والموصى له في دفع المال الموصى به إليه، أو اختلف الأولياء - حتّى الأب والجدّ - مع المولّىٰ عليه بعد زوال الولاية عليه في دفع ماله إليه، فإنّ القول قول المنكر في جميع ذلك، نعم لو اختلف الأولياء مع المولّى عليهم في الإنفاق عليهم أو على ما يتعلّق بهم في زمان ولايتهم كان القول قول الأولياء بيمينهم.
مسألة 1309: قبول قول الوكيل أو غيره مع اليمين في الموارد المتقدّمة منوط بعدم كونه مخالفاً للظاهر، مثلاً لو ادّعى الوكيل تلف ما دفعه إليه الموكّل بحريق أصابه وحده وقد كان بين أمواله لم يقبل قوله إلّا بالبيّنة.