إستفتاء حول العرفان
لا شك في انه ينبغي لكل مؤمن العناية بتزكية النفس وتهذيبها عن الخصال الرذيلة والصفات الذميمة وتحليتها بمكارم الاخلاق ومحامد الصفات استعداداً لطاعة الله تعالي وحذراً من معصيته، الا ان السبيل الي ذلك ماورد في الكتاب العزيز والسنة الشريفة من استذكار الموت وفناء الدنيا وعقبات الآخرة من البرزخ والنشور والحشر والحساب والعرض علي الله تعالي، وتذكر اوصاف الجنة ونعيمها واهوال النار وجحيمها وآثار الاعمال ونتائجها، فان ذلك مما يعين علي تقوي الله سبحانه وتعالي وطاعته والتوقي عن الوقوع في معصيته وسخطه كما اوصي به الانبياء والاوصياء عليهم السلام وعمل به العلماء الربانيون جيلاً بعد جيل، وهذا طريق واضح لا لبس فيه، ولا عذر لمن تخلف عنه، وانما يعرف حال المرء بمقدار تطابق سلوكه مع هذا النهج وعدمه، فان الرجال يعرفون بالحق ومن عرف الحق بالرجال وقع في الفتنة وضل عن سواء السبيل.
وقد حذر اميرالمؤمنين (عليه السلام) عن بعض اهل الجهل ممن يبتدع بهواه اموراً ويزعم انه من العلماء فيجمع حوله فريقاً من الجهال قائلاً «انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع واحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولي عليها رجال رجالاً علي غير دين الله، فلو ان الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف علي المرتادين، ولو ان الحق خلص من لبس الباطل لانقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان، فهنا لك يستولي الشيطان علي اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسني».
ومن علائم اهل الدعاوي الباطلة مبالغتهم في تزكية انفسهم علي خلاف ما امر الله تعالي به وتوجيه الآخرين الي الغلو فيهم والاستغناء عن المناهج المعروفة لدي الفقهاء في استنباط الاحكام الشرعية ودعوي الوقوف عليها وعلي ملاكاتها من طريق الامور الباطنية والتصدي للفتيا من غير استحصال الاهلية لها واستغلال المبتدئين في التعليم والتعلم، والموالاة الخاصة لمن اذعن بهم والمعاداة مع من لم يجر علي طريقتهم والوقعية فيمن انسلخ منهم بعد الايمان بهم وسلوك سبل غير متعارفة للامتياز عن غيرهم من اهل العلم وعامة الناس والمبالغة في الاعتماد علي المنامات وما يدّعون ترائية لهم في الحالات المعنوية والتميز في اللبس والزيّ والمظهر عن الآخرين، تمسكاً في بعضه بانه عمل مأثور من غير ملاحظة الجوانب الثانوية التي يقدّرها الفقهاء في مثل ذلك.
ومن تلك العلائم الابتداع في الدين والتوصية بالرياضات التي لم تعهد من الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) والاستناد فيما يدّعي استحبابه الي ماورد في مصادر غير موثوقة تذرعاً بالتسامح في ادلة السنن، وايضاً التأثر باهل الملل والاديان الاخري والتساهل في ما يعدّ ضرباً من الموسيقي والالحان الغنائية المحرمة ووجوه اختلاط الرجال بالنساء، والاعتماد علي مصادر مالية غير معروفة وارتباطات غامضة مريبة الي غير ذلك مما لا يخفي علي المؤمن الفطن.
واننا نوصي عامة المؤمنين وفقهم الله تعالي لمراضيه بالتثبت وعدم الاسترسال في الاعتماد علي مثل هذه الدعاوي، فان هذا الامر دين يدان الله تعالي به، فمن اتبع امام هدي حشر خلفه وكان سبيله الي الجنة ومن اتبع ضلال حشر معه يوم القيامة وساقه الي النار وليتأمل الجميع في هذا حال من كانوا قبلهم كيف وقع الكثير منهم في الضلال لاتـّباع امثال من ذُكر، نسأل الله تعالي ان يجنـّب الجميع البدع والاهواء ويوفقنا للعمل بشرعه الحنيف مقتدين بسيرة العلماء الربانيين انه ولي التوفيق.
والسلام عليكم وعلي جميع اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته
28 ربيع الاول 1432 هـ