الجواب عن سؤال حول من يدّعون السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ظهرت في الآونة الأخيرة ادعاءات السفارة للإمام المهدي (عليه السلام) بل يدّعي البعض انه الإمام المنتظر، في حين لم يلق هؤلاء رادعاً قوياً وبياناً واضحاً من مصادر الفتيا والعلم، وقد استغل هؤلاء انعدام المعايير الصحيحة لدى عامة الناس، نتيجة الجهل، والتجهيل المتعمد من قبل الظالمين، والفقر، وانفلات الوضع الأمني، الذي ابتليت به أمّة المسلمين عموماً وفي العراق بالخصوص.
وقد بان بطلان وفضيحة من ادعى ذلك في زمن الغيبة الكبرى بعد السفير الرابع أبي الحسن علي بن محمد السمري (رضوان الله عليه) وبقي بعض لم يتبيّن للناس زيفه، وقد انهالت على مركزنا الأسئلة حول هذا الموضوع، ولما كانت المرجعية الدينية هي الحصن الحصين للمذهب ولأبنائه لذا كان من الواجب أن نتوجه الى سماحتكم ممثلين عموم الشعب المؤمن الموالي لأهل بيت النبوة (عليهم السلام)، آملين من سماحتكم بيان الرأي في ردع هذه الدعاوى، وبيان المعايير التي يصح فيها أدعاء مثل هذه المدعيات، حتى يتبين للمؤمن: كيفية التمييز؟ ومتى يصدّق؟ ومتى يكذّب؟ هذه الدعاوى.
أدام الله ظلكم الوارف على رؤوس الأنام ولا حرمنا من فيوضاتكم المباركة.
مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام)
-----------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلام له لكميل بن زياد رضوان الله عليه: (الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق).
ان من أهم الواجبات على المؤمنين في عصر غيبة الإمام (عجل الله فرجه الشريف) هو أن يتعاملوا بتثبت وحذر شديد فيما يتعلق به عليه السلام وبظهوره وسبل الارتباط به، فان ذلك من اصعب مواطن الابتلاء ومواضع الفتن في طول عصر الغيبة.
فكم من صاحب هوى مبتدع تلبس بلباس أهل العلم والدين ونسب نفسه إليه عليه السلام، مستغلاً طيبة نفوس الناس وحسن ظنهم بأهل العلم وشدة تعلقهم بأهل بيت الهدى عليهم السلام وانتظارهم لأمرهم، فاستمال بذلك فريقاً من الناس وصلة به إلى بعض الغايات الباطلة، ثم انكشف زيف دعواه وقد هلك وأهلك الكثيرين، وكم من إنسان استرسل في الاعتماد على مثل هذه الدعاوى الباطلة والرايات الضالة، بلا تثبت وحذر، فظن نفسه من المتعلمين على سبيل نجاة ولكنه كان في واقعه من الهمج الرعاع، قد تعثر بعد الاستقامة وخرج عن الحق بعد الهداية، حتى أتخذ إليه (عليه السلام) طريقاً موهوماً، بل ربما استدرج للإيمان بإمامة غيره من الادعياء، فأندرج في الحديث الشريف (من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية).
وقد اتفق من هذه الحركات منذ الغيبة الصغرى الى هذا العصر شيء كثير حتى أنه ربما كان في زمان واحد عدد من أدعياء الإمامة والسفارة، بحيث لو وقف الناظر على ذلك لكان فيه عبرة وتبصّر، ولتعجّب من جرأة أهل الأهواء على الله سبحانه وعلى أوليائه عليهم السلام بالدعاوي الكاذبة وصلة الى شيء من حطام هذه الدنيا واستغرب سرعة تصديق الناس لهم والإنسياق ورائهم مع ما أمروا به من الوقوف عند الشبهات والتجنّب عن الاسترسال في أمور الدين فان سرعة الاسترسال عثرة لا تقال.
ألا وإن الإمام عليه السلام حين يظهر يكون ظهوره مقروناً بالحجة البالغة والمحجّة الواضحة والأدلة الظاهرة، محفوفاً بعنايته سبحانه، مؤيداً بنصره حتى لا يخفى على مؤمن حجته ولا يضل طالب للحق عن سبيله، فمن استعجل في ذلك فلا يضلّن الا نفسه، فإن الله سبحانه لا يعجل بعجلة عباده.
كما أن المرجع في أمور الدين في زمان غيبته عليه السلام هم العلماء المتقون فمن اختبر أمرهم في العلم والعمل وعلم بُعدهم عن الهوى والضلال كما جرت عليه هذه الطائفة منذ عصر الغيبة الصغرى إلى عصرنا هذا.
ولا شك في أن السبيل الى طاعة الإمام عليه السلام والقرب منه ونيل رضاه هو الالتزام بأحكام الشريعة المقدسة والتحلّي بالفضائل والابتعاد عن الرذائل والجري وفق السيرة المعهودة من علماء الدين وأساطين المذهب وسائر أهل البصيرة التي لا يزالون يسيرون عليها منذ زمن الأئمة عليهم السلام، فمن سلك طريقاً شاذاً أو سبيلاً مبتدعاً فقد خاض في الشبهة وسقط في الفتنة وضل عن القصد.
وليعلم أن الروايات الواردة في تفاصيل علائم الظهور هي كغيرها من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام) لا بدّ في البناء عليها من الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص لاجل تمحيصها وفرز غثها من سمينها ومحكمها من متشابهها، والترجيح بين متعارضاتها ولا يصح البناء في تحديد مضامينها وتشخيص مواردها على أساس الحدس والتظنّي فإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.. وقد أخطأ في أمر هذه الروايات فئتان: فئة شرعوا في تطبيقها واستعجلوا في الأخذ بها ـ على حسن نية ـ من غير مراعاة للمنهج الذي تجب رعايته في مثلها، فعثروا في ذلك ومهّدوا السبيل من حيث لا يريدون لأصحاب الأغراض الباطلة، وإن الناظر المطلع على ما وقع من ذلك يجد أن بعضها قد طُبِّق أكثر من مرة في أزمنة مختلفة وقد ظهر الخطأ منه كل مرة ثم يعاد إلى تطبيقها من جديد. وفئة أخرى من أهل الأهواء، فإنه كلما أراد أحدهم أن يستحدث هوى ويرفع راية ضلال ليجتذب فريقاً من البسطاء والسذج اختار جملة من متشابهات هذه الروايات وضعافها وتكلف في تطبيقها على نفسه وحركته، ليمني الناس بالأماني الباطلة، ويغرّرهم بالدعاوي الباطلة فيوقع في قلبهم الشبهة، وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فاحذروا الشبهة واشتمالها على لبستها، فإن الفتنة طالما أغدقت جلابيبها وأعشت الأبصار ظلمتها) وقال عليه السلام (إن الفتن إذا أقبلت شبّهت وإذا أدبرت نبّهت، ينكرن مقبلات ويعرفن مدبرات) .
نسأل الله تعالى ان يقي جميع المؤمنين شر الفتن المظلمة والأهواء الباطلة ويوفقهم لحسن الانتظار لظهور الإمام (عليه السلام) وقد ورد في الحديث الشريف: من مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا (عليه السلام).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مكتب السيد السيستاني (دام ظله) - النجف الاشرف
أجوبة المسائل الشرعية
12صفر الخير 1428 هـ.ق