نص الخطبة الثانية في يوم الجمعة (5-المحرّم الحرام-1438هـ)
نص الخطبة الثانية في يوم الجمعة (5-المحرّم الحرام-1438 هـ) التي القاها ممثل المرجعية الدينية العليا فضيلة العلامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الصحن الحسيني الشريف
نعيش في هذه الايام ذكرى نهضة الامام الحسين (عليه السلام) وخروجه للاصلاح في امة جده رسول الله صلى الله عليه وآله والفاجعة التي حلت بالاسلام والمسلمين باستشهاده واستشهاد جمع من اهل بيته واصحابه الميامين، ولتلك النهضة الكبرى والفاجعة العظمى جوانب كثيرة يتداولها اهل العلم والمعرفة بالبحث والتحقيق، ولكن نريد ان نشير هنا ـ ونحن نعيش هذه الايام العاشورائية الحزينة ـ الى جانب من تلك الجوانب وهو ما يمثله الحزن والأسى على مصاب سيد شباب اهل الجنة عليه السلام من اهمية في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)، فقد دلت الاثار والنصوص المتضافرة عن أئمة الهدى عليهم السلام على ان البكاء على الحسين عليه السلام واظهار الحزن على مصابه عبادة بنفسها يتقرب بها المؤمن الى الله والى رسوله (صلّى الله عليه وآله) وتستوجب جزيل الثواب وعظيم الأجر، فقد ورد عن الامام الباقر عن ابيه الامام زين العابدين (عليهما السلام) انه كان يقول (أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه في ما مسّنا من أذى من عدونا في الدنيا بوّأه الله منزل صدق ). وورد عن الامام الصادق (عليه السلام) انه كان يدعو في سجوده فيقول (اللهم ارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَ ارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَ احْتَرَقَتْ لَنَا وَ ارْحَمِ تلك الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا).
ان الحزن على مصاب سيد الشهداء عليه السلام مظهر صادق من مظاهر الحب والولاء لنبي هذه الأمة وآله الاطهار الذين اصطفاهم الله تعالى وأمر بمودتهم وحبهم وجعل ذلك اجر هذه الرسالة، قال الله تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجراً الا المودة في القربى ) وقد استفاضت الروايات الشريفة عن النبي ( صلّى الله عليه وآله) في ان المراد من القربى الذين اوجبت الآية الكريمة مودتهم هم علي وفاطمة وابناهما الحسن والحسين (عليهم السلام).
ان هذا الحب يجب ان يلامس شغاف قلوب المؤمنين ويجري مع دمائهم في عروقهم، هذا الحب الذي هو شعبة من شعب حب الله عز وجل بحب أوليائه ومن جرت نعمته على هذه الأمة على أيديهم فوقفوا مع النبي (صلّى الله عليه وآله) وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل إيصال هذه الرسالة الى عامة الناس، حتى امتزجت هذه الدعوة المباركة بدمائهم وجهادهم، بهم بدأها الله وبهم يختم وبهم تبقى مستمرة عالية، لا تقوم لها قائمة من دونهم، انهم حملة هذه الرسالة بدءا واستمرارا وختاما، هكذا شاء الله، ولم يشأ اعتباطا بل لما لهم من مؤهلات ميزتهم عن سائر من سواهم.
ان من واجبنا كمؤمنين - بحكم ما أودعه الله في ضمائرنا وما فطرنا عليه من محبة من أحسن إلينا، فضلا عما ندبنا اليه تعالى وأمرنا به - ان نحبهم اكثر من حبنا لآبائنا وأمهاتنا وذرياتنا وجميع اهلينا، أليسوا هم من جرت اعظم نعم الله علينا وهو الهداية للإيمان على أيديهم، ان هذا الحب هو من الحب لله الذي ورد في النص الشريف انه هو الدين .
بالإضافة الى ان الحزن على الحسين (عليه السلام) والبكاء على مصابه براءة منا الى الله عما فعله الاشرار بآل محمد (صلّى الله عليه وآله) وإعلان للنصرة لهم ولقائمهم (عليه السلام) عسى ان يكتبنا الله من الشاكرين الذين أشار اليهم في قوله تعالى (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات او قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)..
ان مجالس سيد الشهداء عليه السلام ومظاهر العزاء له وفق ما توارثه المؤمنون خلفاً عن سلف هي من اعظم ذخائرنا التي لا يمكن ان نفرط بها بل لا بد ان نحافظ عليها بكل ما اوتينا من امكانات، وقد وجدنا كيف ألهمت شبابنا بل وشيوخنا فخرجوا بمئات الآلاف بكل شجاعة وبسالة دفاعا عن العرض والارض والمقدسات فسطروا اروع الملاحم التي سيخلدها لهم التاريخ ، وكفى بمثل هذا فائدة وثمرة لهذه المجالس. وهي بما تجمعه من حشد كبير من المؤمنين مناسبة فضلى لتثقيف الناس في امور دينهم وتبصيرهم بشؤون زمانهم وطرح الحلول المناسبة لمشاكلهم الفكرية. ومن الضروري الاعتماد فيما يلقى فيها على المصادر الموثوقة ولا سيما فيما يتعلق بنقل الحوادث التي جرت على ال محمد (صلّى الله عليه وآله) واجتناب ما سواها حتى لا يتخذ ذلك مطعناً فيها ونقضاً لإحدى اهم الفوائد التي يمكن ان تترتب عليها وهي تثبيت العقائد الحقة في نفوس المؤمنين .
اللهم عجل لوليك الحجة بن الحسن الظهور واجعلنا من اهل طاعته وحقق لنا امالنا بنصرته واتمم به لنا السعادة بالحضور بين يديه والشهادة في صفه انك سميع الدعاء قريب مجيب .